فضاء حر

بالروح بالدم نفديك يا جلاد(2)

 

 

 

الفصل الثالث

(بعد عدة سنوات)

المشهد الأول

أحمد، فوزية، دلال، أحلام، محمد

(نفس الأسرة في المشهد الأول من الفصل الأول ـ ما عدا جلال الطالب في الخارج ـ بعد سنوات من قدوم جلاد وبداية سياسة الانفتاح وكلما رافقها من غلاء تكاليف الحياة بداية انتشار القلق وضعف الأمن وانتشار الرشوة، تتجمع الأسرة حول مأدبة الغداء فيما تدخل أحلام متأخرة بسبب المحاضرة في الجامعة، جو من الصمت يخيم على المجموع وهم يتناولون وجبة الغداء لا يخدشه إلا صراخ دلال)

دلال: فين السمك يا جماعة أني قلت لكم عاوزة سمك.

محمد: واللحمة اللي ما عاد نعرفها إلا في العيد.

سوسن: أنتو تشتو لحمة وسمك، أني صار لي عشرة يوم من يوم ما عرفت السلاطة، ما قلت لكم أشتيكم تذبحون لي كبش، قلت لكم أشتي سلاطة بس.

أحلام: (تدخل عائدة من الجامعة) السلام عليكم ! هاه أيش طبختوا لنا اليوم . . . أنا هلكانة جوع؟

دلال: أيش طبخوا؟ ذي كل يوم: رز وصانونه

فوزية: (بشيء من الاستياء والغضب) ليش ما لها الرز والصانونه حرام والا حرام وبعدين أنتو هنا تأكلوا رز وصانونه أخوكم الله اعلم أيش يأكل في الخارج، من يوم ما ارسلنا له مية دولار، قبل خمسة أشهر؟

دلال: الله يرجعه بالسلامة، إن شاء الله، بس يا أمه الرز والصانونة مش حرام لكن التنويع تمام لأنه با يحصل لنا سوء تغذية.

أحمد: (يخرج عن صمته بهدوء هو أقرب إلى الغضب المصحوب بالحرج): يا أولادي، أنا قد لي أكثر من شهرين وأنا مش عارف كيف أوصل لكم الفكرة لكن شكرا لكم فقد وفرتوا علي الحرج.

فوزية: (مؤازرة موقفه) لا عاد تحرج ولا حاجة لقد صار لا بد من قول الحقيقة مهما كانت مرة.

(الأولاد يتلفتون إلى بعضهم دون أن يفقهوا شيئا).

محمد: أيش في يا أبه؟ شكلك زي اللي مخبي علينا حاجة.

سوسن: لو معاكم شي قولوا لنا يمكن نساعدكم إذا نقدر.

الأب: يا أولادي القضية أن الراتب حقي وحق أمكم ما عاد يكفينا لكل شي، خاصة مع استمرار الاستقطاعات من البنك، ولذلك نحن لا نستطيع أن نوفر لكم كلما كنا نوفره في السابق، يعني لا بد من الضغط على الميزانية وتقليل النفقات، وهذا يعني التقشف ببعض الحاجات التي كنا أول نصرف عليها.

فوزية: وعادنا يمكن با نضطر نخفض من مصاريفكم المدرسية.

دلال: (بعد أن جلست على المقعد وبدأت تناول الغداء) كيف ما عاد تكفي وعادهم قبل شهر زيدوا لكم الراتب إلى النصف أنتي وأبي؟

فوزية: زيدوا لنا أربعة ألف وأخذوا مننا سبعة ألف بزيادة الأسعار والفواتير.

سوسن: وأني قد كنت فرحانة قلت يا ألله با تقع معانا فلوس كثيرة.

فوزية: الفلوس الكثيرة ولى زمانها، ما ذلحين ما باقي إلا تعتمدون على أنفسكم وتقللون من الصرفيات، ويمكن عادكم با تساعدونا إذا اشتدت الحالة.

محمد: يا سبحان الله أول مرة في التاريخ، الفلوس القليلة تكفي وزيادة، والفلوس الكثيرة تخلص أول الشهر.

أحلام: هذا هو اقتصاد السوق، الأسعار تتضارب والأجور تتلخبط ولا يستطيع أحد التحكم به، وبعدين هذه اللي تقولين عليها فلوس اسمها أجرة أسمية، وهي تختلف عن الأجرة الفعلية.

سوسن: كيف تختلف، يعني الحكومة تعطي أجرتين للموظف، اسمية وفعلية؟

أحلام: لا يا شاطرة، الأجرة الاسمية هي الفلوس التي يأخذها الموظف أو العامل وهي قد تبدو كثيرة لكنها قد لا تساوي حاجة مهما كانت كثيرة إذا كانت الأسعار مرتفعة، لكن الأجرة الفعلية هي قيمة هذه الفلوس في السوق يعني كم من البضائع تقدر تشتري بهذه الفلوس، في بعض البلدان راتب الموظف عشرة مليون، لكن وجبة الفطار الرخيصة قد تطلع بمية ألف.

دلال: الله يلعن الانفتاح ومن جاب الانفتاح!

فوزية: الانفتاح قد لا يكون وحده السبب،. . . .الانفتاح يكون السبب في التدهور وانهيار المعايير والقيم عندما يتزامن مع الفساد والفوضى والسرقات وعدم محاسبة الناس المقصرين في أعمالهم وإلغاء مبدأ الثواب والعقاب.

أحمد: والله صحيح أنا سمعت عن واحد مدير في السياحة باع فندق قيمة أرضيته وحدها تساوي أكثر من مائة مليون، لكن هذا المدير باع الفندق وملحقاته بعشرة مليون ريال، ويقولون أنه قبض أكثر من عشرين مليون عمولة.

فوزية: وليش عادك تروح بعيد تعال عندنا المؤسسة العامة؟

أحمد: ليش أيش حصل عندكم؟

فوزية: في المؤسسة وزعوا أراضي المستودعات المهجورة والمساحات الفاضية للعمال المسرحين، وبدلا من أن يعطوا كل واحد قطعته يتصرف بها كما يشاء، المدير اشترى الأراضي كلها من العمال بدون ما يستشيرهم وأعطى كل واحد عشرين ألف ريال ، تعرف بكم باعها؟

أحمد: بكم؟

فوزية: بمئة وخمسة عشر مليون، بينما هو لم يدفع للعمال أكثر من اثنين مليون ريال.

سوسن: (مغيرة مجرى الحديث بشكل مفاجئ) يا أبه! يا أبه!

أحمد: هاه . . . ما لك؟

سوسن: سمعتوا عن المجرم الذي هربوه من داخل السجن؟

أحمد: لا ما سمعت.

سوسن: يقول لك في واحد مجرم عنده جرائم قتل عديدة، وبعد ما قبضوا عليه وحاكموه، وحكموا عليه بالإعدام مرض ويمكن تمارض ودخل المستشفى، وفجأة اختفى من داخل المستشفى.

أحلام: يا أختي هذا يقولون أن العصابة اللي معه أعطت مدير السجن ومدير المستشفى والممرضات والحراسة المناوبين الشيء الفلاني، لما سمحوا لهم بإخراجه إلى المستشفى ومن ثم تهريبه.

محمد: وأصحاب القتيل أيش قالوا؟

فوزية: هو مش قتيل واحد، هم أكثر من قتيل يقول لك كان يأخذ السيارات انجيز إلى مسافات بعيدة فيقتل صاحب السيارة ويسرقها ويروح يبيعها.

أحمد: طيب كيف يبيعها والملكية باسم واحد ثاني؟

فوزية: هذه أسهل شغلة يعملها، يدفع قرشين لصاحب المرور يغير له الملكية ويخليها على اسمه، أو على أي اسم يريده، أقول لك الفساد والرشوة يعدموا أرواح، ويزهقوا الحق ويثبتوا الباطل.

أحلام: يقولون أن عنده أكثر من خمس جرائم سرقة ومثلها جرائم قتل.

أحمد: لا إله إلا الله يا جماعة، والحكومة فينها هي والشرطة والمخابرات والبحث الجنائي، ما أقدروا يلاحقونه؟

دلال: وعادكم ما سمعتوا عن الشيخ الذي استولى على منزل المؤجر وسجله باسمه.

سوسن: كيف استولى عليه يعني؟ وكيف دخل المنزل من أصله ؟

دلال: هو استأجر المنزل من المؤجر بعقد تأجير عليه إمضاء الاثنين (المؤجر والمستأجر)، وبعدين المؤجر ما يجي إلا كل ستة أشهر وأحيانا كل سنة، وآخر مرة أجاء يستلم الأجرة حق البيت، قال له الشيخ أيش من بيت هذا بيتي، الرجل افتكر انه يمزح وعندما تشاجروا وراحوا إلى الشرطة الشيخ خرج وثيقة ملكية الله أعلم كيف استخرجها.

محمد: وعقد التأجير ؟

دلال: وثيقة الملكية أحدث من عقد التأجير ولذلك المباحث اعتمدوا وثيقة الملكية، واعتبروا الشيخ هو المالك الشرعي.

أحمد: يعني هذا المسكين ضيع بيته من حيث راح يؤجره.

أحلام: وعاده لطم فوق البيت أجرة ستة أشهر.

سوسن:: طيب ما فيش معه شهود.

دلال: قلنا لك الشيخ معه ملكية مقيدة في السجل العقاري والمحكمة الشرعية، تقولي لي شهود.

فوزية: يا جماعة الخير، الرشوة إذا دخلت في شيء أفسدته إفسادا قاتلا، عادنا مش بعيد يجي يوم نلاقي وظائفنا قد اشتروها.

أحلام: عادك تقولي اشتروها، أيش ما سمعت عن المدير اللي يبيع الوظيفة بمية ألف؟

فوزية: أني سمعت عن ناس يوظفوا أقاربهم وهم يدرسون أو بدون مؤهلات، أو يوظفون زوجاتهم وهن في البيوت، لكن بيع عادني ما سمعت عنها.

أحلام: هيا اسمعي هذه القصة. . . يقول لك واحد تقدم للوظيفة في مكتب التوظيف الحكومي، لوظيفة معروفة مدير ورشة صيانة الآليات الزراعية، وسلم كل أوراقه، وقالت له الموظفة التي استلمت الوثائق إلى الآن أنت الأفضل في المتقدمين، أنت صاحب الشهادة الأعلى والمعدل الأفضل والتخصص المطلوب والخبرة المطلوبة، وإن شاء الله الوظيفة من نصيبك.

محمد: وبعدين؟

دلال: وبعدين انتظر شهرين أجا والوظيفة قد تعين بها واحد عنده ثانوية عامة أدبي.

سوسن: يعني؟؟؟

أحلام: يعني الوظيفة طارت منه.

دلال: وبعد ما سأل هنا وهناك قالوا له: يا أخي أنت إيدك ناشفة، لكن الرجال صاحب الثانوية العامة أيده رطبة.

أحمد: أيش معنى إيده ناشفة ورطبة؟

دلال: معناته صاحب الإيد الرطبة أعطا مدير التوظيف مية ألف وفاز بالوظيفة وذاك يروح يدور له على شغل هو وشهادته وخبرته وتخصصه.

أحمد: يا ألآآآآآه. . . حتى الوظيفة صاروا يبيعونها بيع، من يصدق أننا وصلنا إلى هذه الحالة من الانهيار.

فوزية: شفت كيف الانفتاح والفساد والمحسوبية إلى فين وصلونا؟

أحمد: على كل حال رجعونا إلى موضوعنا، أنا أشتيكم تشاركوني اتخاذ القرار في تدبير الموازنة والضغط عليها فالأمر لم يعد يحتمل.

(الأولاد ينظرون في وجوه بعضهم في حيرة واضحة)

فوزية: وعاد الواجي الله أعلم كيف، هو ربنا يستر.

أحمد: يا مرة تفاءلي خير، هم يقولون أن هذه الإجراءات مؤقتة وهي مثل الدواء المر، صحيح طعمه غير لطيف لكنه يجيب العافية.

فوزية: منين يجيب العافية وأنته تقول لي القاتل هرب من بين أيدي السجانين؟ منين العافية واللصوص هم من يديرون المؤسسات الاقتصادية؟ من أين العافية والناس واحد راتبه عشرة ألف يسرقونها منه بفواتير الكهربا والماء والصرف الصحي والتلفون والضرائب، وواحد راتبه مئة ألف ويسرق ضعفها شهريا وهو معفي من فاتورة الكهربا والماء والهاتف، وعاد معه إعاشة مجانية يستلمها شهريا على شكل مواد غذائية من رأس البصل إلى كبش العيد؟ ذا غير حق الوقود والصيانة ورحلات العلاج له ولأسرته كل سنة.

أحمد: يا الله . . يا الله . . . رجعونا لموضوعنا، ما قلتوا؟

(الأولاد ما يزالون ينظرون في وجوه بعضهم محتارين)

فوزية: (بصرامة واضحة) أني أقترح التالي: الاكتفاء باللحمة يوم الراتب، وحبة دجاج كل يوم جمعة، السمك يومين في الاسبوع، والباقي الفطار والعشاء بيض وفاصولية والغداء رز وصانونة، مصاريف العيال تخفض إلى النص، بما في ذلك مصاريف جلال الله يرجعه بالسلامة، أنت (توجه حديثها إلى أحمد) تبطل القات والسيجارة، المواصلات كل واحد يروح إلى العمل أو المدرسة مشية ما عدا أحلام لأن الكلية بعيدة.

الجميع: (ينظرون في بعضهم بحيرة وصمت ولكن لم يكن هناك من بد من الموافقة) موافقين.

فوزية: (توجه الحديث للأولاد) ويكون في علمكم، إذا اشتدت الحالة قد تضطرون تشتغلون شغل إضافي إلى جانب الدراسة، خلوا هذا في بالكم لأنني أشم رائحة مش مطمئنة من السياسات القادمة لحكومة الوالي الجلاد.

(فجأة يدوي انفجار عنيف يسمع في الحارة، يسمع على مقربة من منزل الأسرة يثير الذعر، يحتار أفراد الأسرة في كيفية الوصول إلى معرفة ما جرى).

فوزية: يا ألله سترك (تأخذ التلفون لتسأل إحدى جاراتها عما جرى) ألو. . .يا فاطمة، سمعت الانفجار؟

فاطمة: (يسمع صوتها من خلال التلفون) أيوه سمعته، الله يستر علينا.

فوزية: عندكم خبر أيش حصل؟

فاطمة: والله ما قول لش الا خير، يبدو أن الحادث قريب جدا مننا.

فوزية: واحنا نحس إنه قريب جدا مننا، على كلٍ إذا حصلتي خبر قولي لي ، تمام؟

فاطمة: (من خلال الهاتف) تمام، . . . تمام، وانتي لا سمعتي حاجة كلميني, . . ألله يستر.

أحمد: (يأخذ الهاتف ليتصل بزميله عثمان الضابط في الأمن) ألو,. . . يا عثمان أنا أحمد الهلالي، أبو جلال، عندك خبر أيش هذا الانفجار الذي دوى قبل قليل؟

عثمان: والله لا زلنا نتابع الموضوع.

أحمد: الإنفجار صوته قريب جدا مننا وكأنه في الحارة حقنا.

عثمان: يبدو أن الانفجار وقع في مستودعات تاجر السلاح مشعوث، ما دام تقول لي أن الصوت قريب منكم.

أحمد: على كل حال إذا في جديد سأكون لك شاكرا لو بلغتني، وقد أتصل بك بعد قليل، مع السلامة (يغلق الهاتف).

فوزية: الله يلعن السلاح وتجارة السلاح، من متى كنا نعرف هذا النوع من التجارة طول عمرنا، إلا بعد سياسة الانفتاح الملعونة.

(الجميع يتخبط في المنزل يدعون بالستر واللطف من الله، . . . .تسود فترة صمت وبعد قليل يرن تلفون المنزل، فإذا المتصل الضابط عثمان).

عثمان: (من خلال التلفون) عرفت أيش اللي حصل يا أبو جلال؟

أحمد: لا والله، . . . هل من نتيجة؟

عثمان: يبدو من المعلومات الأولية أن الانفجار حصل في مخازن الأسلحة التي في المعسكر الذي وراء الجبل، نعم يقولون حصل ماس كهربائي أدى إلى هذا الانفجار، وما زال رجال الإطفاء يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاده.

فوزية: (بسخرية وغضب) يا سلام على مبرر، يعني منذ أيام الانجليز ما حصل الماس الكهربائي إلا اليوم.

أحمد: يا مرة خلينا نتأنى ومصير الحقيقة ستظهر؟

فوزية: أيش من حقيقة وأيش من مصيبة، الحقيقة واضحة مثل الشمس، الحقيقة أن هناك من دبر حريق صغير من شان يلهفوا الذي داخل المستودعات، . . . . أنت عارف أن هذا المستودعات داخلها بمئات المليارات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والذخائر والعبوات والمتفجرات المختلفة هذه لو باعوها بسوق من الأسواق التي فتحوها لنا من يوم الانفتاح با تبتاع بمئات المليارات، هذا هو الماس الكهربائي اللي يتكلمون عليه.

 أحمد: طيب ونحن ما لنا ؟ خليهم يلهفونها.

فوزية: أيوه هي هذه المشكلة، أن الكثير من مثلك يقول ونحن مالنا، . . . ما تعرفون أن هذه أموال الشعب، يسرقها اللصوص ونحن ومثلنا عشرات الآلاف ما يعرف اللحمة إلا من العيد إلى العيد.

أحمد: يا الله لطفك!

أحلام: يا ألله استر على أمتك!

دلال: يا ألله زول من كان السبب في كل ما تعيشه البلد!

سوسن: يا الله ابعد عنا ما نحن فيه!

محمد: يا ساتر سترك.

(ينسحب الجميع فردا فردا ويبقى أبو جلال وأم جلال يهمس في أذنها بشيء ما دون أن يسمع الصوت مع إسدال الستار).

 

المشهد الثاني

حسين، عبد الحكيم، أحمد، عبده، كردوس، صالح

(مكان عام ليكن وسط شارع عام، يلتقي بعض العامة يتشاكون المعاناة التي يعيشونها يوميا من جراء تردي الحياة وتضاعف مشاكلها).

حسين: ماذا تفعل يا عبد الحكيم؟

عبد الحكيم: ماذا أفعل؟ أضيع الوقت، وهل لدي عمل حتى أفعله؟

حسين: سمعت القرار الجديد الذي أصدره الوالي.

عبد الحكيم: أيش من قرار، با يرجعوا لنا العلاج المجاني والتعليم المجاني؟

حسين: لا… لا، قل لك تعليم مجاني وعلاج مجاني، . . . . أنا أكلمك على قرار زيادة الضرائب.

عبد الحكيم: أيش من ضرائب، ونحن أيش دخلنا بالضرائب.

حسين: دخلنا إنه لما يرفعوا الضرائب، التجار با يرفعوا أسعار المواد ونحن من سيدفع الزيادة.

عبد الحكيم: لا إله إلا الله، مش عادهم قبل شهرين رفعوا سعر فاتورة الكهربا والماء والهاتف؟

حسين: (مع إقبالة أحمد) لا وعادهم أقروا رسوم جديدة على الصرف الصحي.

أحمد: السلام عليكم

حسين وعبد الحكيم معا: وعليكم السلام.

عبد الحكيم: (مواصلا الحديث السابق إلى حسين) يعني رسوم على الدخال ورسوم على الخراج؟

أحمد: أكيد أنتم تتكلمون على قرار زيادة الضرائب.

حسين: أيوه هو في غيرها شاغل الناس هذه الأيام، وبعدين لاحظ (مواصلا حديثه باتجاه عبد الحكيم) أن هذا كله جاء بعد الوالي ما خطب لما شبع عن الرفاهية والازدهار والسهر على مصالح الشعب.

أحمد: يا إخواني أنا مش مصدق أن الحكومة عجزت عن الحصول على موارد حتى ترجع فوق المواطن الغلبان.

حسين: لا! . . لا! . .، صدِّق ! لازم تصدّق، أصلا اللصوص كملوا الخزينة العامة فلازم يلاقوا لهم مصادر أخرى ينهبوها، رجعوا فوق جيوب المواطنين اللي هي أصلا فارغة.

أحمد: لا . . لا . . لا تقول كذا، أكيد الحكومة لها حكمة من وراء هذا الإجراء.

عبد الحكيم: ما هي الحكمة، إذا كنا من زمان ونحن ندفع الضرائب العادية، ولا مرة سمعنا عن رفع الضرائب من يوم خلقنا إلا اليوم، وبعدين عادهم قبل شهرين رفعوا سعر فاتورة الكهربا والماء والتلفون 100%، ما الذي جد في الأمر حتى يلجأوا فوق المواطن.

كردوس: (الذي كان يتابع بصمت الحديث من البداية) يا جماعة، هذه سياسة الدولة، يعني نحن نفهم في هذه الأمور أفضل من الدولة؟

حسين: اللي تقول عليها دولة تقوم بسرقة فلوسك من جيبك.

كردوس: لا. . .لآ. . لا، إلا هذا الكلام يا جماعة الدولة عليها واجبات، ونفقات تصرفها عليكم، وأنتم ولا داريين، أنتو تشتوا الخدمات وما تشتوش تدفعوا اللي عليكم، هذا كلام لا يقوله إلا جاهل أو جاحد أو حاقد على الوطن والشعب.

عبد الحكيم: طيب يا صاحب الوطن والشعب، قل لي ماذا تفعل لنا الدولة حتى تأخذ مننا ما في جيوبنا؟

 عبده: (الذي وصل متأخرا) ما لكم يا جماعة هكذا متوترين صلوا على النبي، أيش في؟.

كردوس: الدولة تقوم بخدمات كثيرة تنفق عليها المليارات، هي تدفع رواتب الموظفين والجيش والأمن، والدولة تشق الطرقات وتبني المدارس والجامعات، وتعلم أبناءنا، وهذا كله تصرف عليه المليارات، أيش عادكم مش عارفين بهذه الحاجات!؟

حسين: لا يا عزيزي عارفين، بس هذه اللي تقول عليها خدمات أو نفقات هي قائمة من قبل أربعين سنة، وكانت الدولة تدفع عليها دونما تسرق المواطن، وقبل ما يظهر النفط اللي تحصل منه الحكومة على مليارات الدولارات، ما الذي جد في الأمر حتى تمارس علينا هذه السياسة الإفقارية.

كردوس: ثانيا: خذ موضوع الحريات العامة: متى كان عندنا حريات في الوادي العجيب مثلما هي عليه اليوم في عصر الوالي جلاد، الصحافة حرة وحرية تكوين الأحزاب، وحرية التعبير وقيام المسيرات والاحتجاجات المعارضة، اللي قبل ما كانوا يخلونكم تخرجوا نخص، وتقول لي مش عارف أيش.

عبد الحكيم: أما الحريات، أولا عليك أن تعرف أن هذه حقوق يكفلها القانون، وهي ليست هبة من جلاد أو غيره، ثانيا هم حولوا هذه الحريات المزيفة إلى استثمار يشحتوا العالم من شان الحريات وهي معدومة

كردوس: كيف تقول معدومة، يا أخي أنت تعترف أن في حريات ومن ناحية ثانية تقول لي معدومة كيف هذا الكلام؟

حسين: نعم نحن عندنا حريات أن نقول للزعيم أنه رمز أو أنه بطل أو أنه عظيم، عندنا حرية أن نقول أن ما نعيشه هي معجزات أو منجزات لكن إذا تكلمت عن فضيحة صغيرة من فضائحهم الكبيرة التي لا تحصى فقد لا يصبح عليك الصبح، وقصة الصحفي محمود المقدوح خير دليل.

كردوس: ما له محمود المقدوح؟ هو الآن يحاكم بتهمة التآمر على الوطن.

عبد الحكيم: يبدو أنك لا تعلم أنه تعرض للخطف منتصف الليل وتم إخفاؤه لمدة ثلاثة أشهر، وكانت كل الجهات الأمنية تنكر وجوده لديها، وأمر المدعي العام بإطلاق سراحه إذا كان معتقل، وقالوا أنهم لا يعلمون عن مكان وجوده، وعندما أعلنوا عن مكانه، كنا نتوقع أنهم سيحاكمون من خطفه وأخفاه هذه المدة الطويلة فأيش الذي حصل؟

كردوس: أيش الذي حصل؟

حسين: دبروا له تهمة كاذبة وبدلا من محاكمة خاطفيه راحوا يحاكمونه هو، هذه هي الحريات العامة التي تقول عليها، ومثل محمود المقدوح الدبلوماسي السابق حسن العسكري

عبده: ماله العسكري كل الناس تعرف أنه عميل للخارج، ويحاكم على هذا الأساس.

حسين: أولا القول بأن فلان عميل للخارج إسطوانة مشروخة ومكشوفة لأنه لم يعد هناك في الخارج من له خلافات مع حكومتنا حتى يكون له عملاء عندنا، ثانيا أنت تعلم وربما لا تعلم أنه يحاكم قبل أن يصدر بحقه أمر قبض من النائب العام، ويحاكم بتهمة تشكيل تنظيم محظور بينما هو قام بتشكيل جمعية خيرية، وفقا للقانون والنظام وأبلغ الجهات المسئولة كما يقتضي القانون، وبعدين تقول عميل للخارج، ومثله ومثل المقدوح المئات وربما الآلاف من الحالات الذين لا نعلم عنهم شيئا، هذا غير الذين يموتون في السجون وانت جالس تقول لي حريات عامة.

عبد الحكيم: وعاد المسيرات اللي يقول لي عليها، أنت عارف أن قوات الأمن تقتل المتظاهرين دون أن يرف لها جفن، هل تعلم أن القتلى والجرحى وصلوا اليوم عدة مئات من ناشطي الفعاليات الاحتجاجية، دون ما سبب، هل هذه هي الحريات التي تتحدثون عنها؟

كردوس: (بغضب) يظهر أن النقاش معاكم ما له طرف يعني أنتم تشتوا تعيشوا في رفاهية بدونما ما تدفعوا ولا ريال واحد، وتعملوا لي فوضى وشغب باسم الحريات (ثم ينصرف مستاءً).

عبد الحكيم: شف لك بالله عليك أيش من كلام، يشتينا نصدق إن عندنا حريات حقيقية ونحن نشوفهم يقمعون المسيرات بالرصاص الحي ويقتلون الناس بلا محاكمة، ويخطفون الصحفيين أنصاف الليالي، ويملأون الزنازين بالكتاب والصحفيين وأصحاب الرأي.

حسين: ويريدنا نصدق أن ما تأخذه الحكومة من جيوبنا يروح لخدمتنا، ونحن نشوف الهبارين والفاسدين، الواحد يبني العمارة بخمسين مليون وراتبه، مية ألف، ومصاريفه الشهرية مئتين ألف وعاده توظف قبل سنتين.

أحمد: آآآآه آه سلام الله على أيام زمان لما كان الحبة الحليب، أبو اثنين كيلو بخمسة وعشرين ريال، وكانت فاتورة الكهربا والماء والهاتف ما تزيد على مئة ريال؟

حسين: والا أيام كان التعليم بلاش والعلاج بلاش والدوأ بلاش، وعادنا نروح زعلانين ليش صرفوا لنا حبوب وما صرفوا لنا إبر.

عبد الحكيم: لا وعاد بعضهم كانوا يأخذ الحبوب والكبسولات ويشربوا نصفها ويرجموا بالباقي.

أحمد: هذا كان عبث وجهل ولخبطة وتبذير بالمال العام، لأن الدوا لم يكن يأتي مجانا والدولة كانت تدفع به الملايين.

عبد الحكيم: العبث والتبذير هو رمي الدواء وعدم استخدامه، وربما كان الجهل هو السبب، أما إعطاء الناس حقهم في الرعاية الصحية فهو الحق والصواب، لكن العبث اليوم قد تجاوز مجرد رمي شريط أقراص دواء أو حتى كرتون كبسولات، وصار يتضمن صفقات مشبوهة ومقاولات مغشوشة بمئات الملايين، وكان الأجدر إيقاف هذا العبث وليس وقف حق الناس في الرعاية الصحية تحت حجة أنها عبث.

عبده: أيوه بس ما تنسوا أنه هاذيك الأيام ما حد كان يقدر يقول كلمة، ولا يصدر صحيفة، أما الأحزاب والمسيرات، فيا ويل من فكر فيها.

عبد الحكيم: هاذاك كان زمان شمولي، في كل الدنيا، لكن أيش استفدنا من الأحزاب والصحف ونصف الشعب مش لاقيين يأكلون، والنصف الآخر ينام على الأرصفة، وبعدين، افترض إن الأولين ظلمونا، يعني أصحاب اليوم برضه لازم يواصلون نهبنا وسرقتنا وقمع إرادتنا؟ يا أخي رجع لي التعليم المجاني والعلاج المجاني والمواد الغذائية المدعومة، والأمن والأمان، وشل الحرية والصحافة والأحزاب لك.

حسين: لا!. . . لا!ّ. . .،نحن نريد الحرية والأحزاب والصحافة، ونريد العلاج والتعليم والغذاء المدعوم، وليش لازم واحدة بواحدة؟

عبده: يا جماعة العلاج المجاني والتعليم المجاني والغذاء المدعوم كان زمان لما كان الدولار بثمانية ريالات واليوم الدولار قده مئتين ريال.

أحمد: طيب وأيش دخل ذا بذا؟

عبده: دخله إن الدولة تشتري البضائع والأدوية بالدولار واللي كنت تأخذه بخمسة وعشرين ريال يعني كان حوالي ثلاثة دولار واليوم الذي بألف هو بخمسة دولار الفرق بسيط جدا.

حسين: طيب هذه وفهمناها والذي كان بلاش ليش اليوم يبيعونه لنا بسعر الذهب؟

عبده: هذاك كان قبل الانفتاح، اليوم في عصر الانفتاح كل شي بثمنه ما حد يجيب حاجة بلاش؟

حسين: الانفتاح للي يقدروا عليه، لكن نحن الموظفين الصغار، اللي راتب الواحد عشرة ألف على أيش با ننفتح، وعلى أيش با ننغلق؟

عبد الحكيم: عاد معك عشرة ألف، هناك من لا يملك ريال واحد، كيف با يواجه هذه الموجة المدمرة من الغلاء المتصاعد؟

عبده: الانفتاح يعني اقتصاد السوق، يعني الأسعار تحددها المنافسة، والدولة لا يحق لها التدخل في تحديد الأسعار، لأنها تخضع للأسعار العالمية.

عبد الحكيم: طيب وافرض أن السوق العالمية هي التي تحدد الأسعار، للبضائع المستوردة، طيب أيش اللي رفع سعر البصل والطماط والسمك واللحمة، والبيض وهي كلها بضائع محلية؟

حسين: يا جماعة خليكم من هذه المناقشة البيزنطية، قولوا لنا أيش جاب الرشوة والمحسوبية والفساد، تتذكرون حدا كان يقدر يقول لك اعطني عشرة ريال أيام زمان؟

صالح: أنا مرة ضبطني شرطي المرور على مخالفة، وفي طريقنا إلى مركز المرور عرضت عليه حبة سيجارة، فاتهمني بالرشوة وسجل علي مخالفة ثانية وحبسوني سبع أيام.

حسين: واليوم يدور لك مخالفة كاذبة، من شأن يدبر منك حق الغدا والقات.

عبد الحكيم: لا . . .لا, والا الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد، الله يستر على عباده من كل مكروه.

أحمد: أيوه ذكرتوني، يا جماعة يقول لك أمس قتلوا مهندس معماري وسط الشارع وراح القاتل يشتري قات ولا حاد قال له من أنت؟

عبد الحكيم: وقبل يومين فجروا سيارة شرطة النجدة في نقطة الجولة، وراح ضحية التفجير ثلاثة جنود واثنين مواطنين كانوا مارين هناك، وخمسة جرحى من أصحاب النقطة، والغريبة أن أجهزة الأمن لم تقبض على أحد من القتلة.

حسين: هذه القضية معروفة، لكن الغريب أن أصحاب الأمن قبضوا على واحد من أصحاب النقطة نجا من الموت وقدموه للقضاء العسكري، يبدو أنهم با يحكمون عليه بتهمة النجاة من الموت.

عبده: يا جماعة لا تلومون الدولة، الدولة مهماتها كبيرة والتزاماتها تتسع وإمكانياتها محدودة.

حسين: وليش صارت كبيرة أليست هي نفس الدولة ونفس الإمكانيات ونفس الالتزامات اللي قبل 32 سنة، والا صارت اليوم إمبراطورية بعد ما كانت ولاية من ولايات السلطنة؟

عبد الحكيم: يا جماعة كنا إلى قريب ندور شحات نتصدق عليه ما نلاقيش، اليوم صار عدد المتسولين أكثر من عدد المتصدقين.

صالح: هذا صحيح لأن مصادر العمل قلت، والناس ما تلاقي شغل، حتى الخريجين وأصحاب الشهادات العليا، يتخرجون من الجامعات، ما يلاقون فين يشتغلون، بعضهم رجعوا يشتغلون حمالين وبنائين.

حسين: حمالين وبنائين ممكن، لكن بعض الشباب اتجه للجريمة وتجارة الممنوعات والنصب والاحتيال.

صالح: وبعضهم اتجه للمسكنات والمخدرات وأصبحوا مدمنين.

عبد الحكيم: والبعض الآخر اتجه للعب القمار وهذه كارثة من الكوارث الكبيرة.

حسين: لا وعادك ما سمعت عن تجارة الأطفال، هل تعلمون أن المنظمات غير الحكومية أبلغت عن تهريب عشرات الآلاف من الأطفال.

أحمد: ومن هذا الذي يشتريهم؟ ومن الذي يبيعهم أصلا؟

عبد الحكيم: هناك أسر فقيرة يخيم عليها الجهل والفقر معا، لا تستطيع الإنفاق على أطفالها، يأتي لهم بعض السماسرة بحجة أنهم سيتبنون تربية الأطفال والإنفاق عليهم، لكن في حقيقة الأمر يدفعون لأهاليهم مبالغ تافهة ويسخرون هؤلاء الأطفال للتجارة.

أحمد: طيب والذي يشتريهم أيش يستفيد منهم؟

حسين:يجب أن تلاحظ أن التجارة ترتبط بالتهريب، يعني الأطفال الذي يخضعون لهذا النوع من التجارة يتم تهريبهمم إلى الخارج، وبعد التهريب يتم استخدامهم عدة استخدامات، البعض يستخدمونهم كعمالة منزلية، والبعض لاستخراج بعض الأعضاء والاتجار بها مع عصابات عالمية، والبعض لتجارة الجنس، وهذه كلها في القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية.

عبد الحكيم: يا إخواني بصراحة ما يتعرض له هؤلاء الأطفال لا يقل خطورة عما تتعرض التربية والتعليم من تدمير وسحق لم يحصل في أي مكان في العالم.

عبده: ليش ما له التعليم؟ أنا شغال هناك وداري بكل حاجة الأمور على أحسن ما يرام، المدارس تبنى والطلاب يدرسون والموظفين يتوظفون، والمختبرات شغاله وكل شي على ما يرام.

حسين: أنا ما أكلمك على المدارس والتوظيف والمختبرات، أنما أكلمك على الفساد والتجهيل والعبث.

عبده: أيش من جهل وأيش من عبث يا أخواني هذا الكلام من اين يجيبه الأخ حسين؟

حسين: هل تعلم أن المغششين للامتحانات النهائية (للصفين التاسع والثالث ثانوي) يتم إعدادهم من قبل شهور من موعد الامتحانات؟ وهل تعلم أن مدراء المدارس يلزمون كل طالب بدفع ألف إلى ألفين ريال مكافأة للمغششين والإدارة من شان يسمحوا للطلاب بالغش، ثم هل تعلم أن المعلمين الذين توظفونهم كل سنة، لم يدخل بعضهم أي دورة تأهيلية منذ توظيفه؟

صالح: بس بأمانة أنا سمعت عن طالب ضبطوا عليه محضر غش في الامتحان الأخير.

عبد الحكيم: لا أنت مش عارف القضية.

أحمد: أيش القضية؟

عبد الحكيم: يقول لك هذاك الطالب رفض يدفع لهم ألف ريال حق الغش، وقال لهم أنا مش عاوز أغش، وهو معروف أنه الأول على أصحابه طوال الأعوام الدراسية وناوي ينجح بجهده، ولما خافوا أنه يفضحهم، قاموا سجلوا له محضر غش ورسبوه الوحيد من بين كل زملاؤه، هو هذا الغش اللي يقولون عليه.

حازم: لا وعاد العلاقة بين الطالب والمدرس: بعض التلاميذ في خامس أو سادس يخزنون هو والمدرس في مقيل واحد.

صالح: وعاد بعض الطلاب يهدون القات للمعلمين.

حسين: والمدرس الذي يفشل طالب يصبح منبوذ وكأنه ارتكب واحدة من الموبقات العظمى.

عبد الحكيم: يا أخي شهادات الثانوية العامة يشترونها بفلوس.

أحمد: أنا أعرف واحد مهاجر في بلد شقيق، فاجأنا قبل فترة بشهادة ثانوية عامة بتفوق من مدرسة محلية، ونحن لم نره من عشر سنوات.

عبده: شهادات الثانوية العامة تصدر من العاصمة وليس من عندنا.

عبد الحكيم: من العاصمة والا من جزر القمر، المهم أنها باسم مدرسة من الوادي العجيب، وتحمل توقيع الدولة التي تدير البلاد.

حسين: يا أخي أنا أعرف أستاذ جامعي يدرِّس في كلية الطب ، حكى لي عن طالب عنده، فشل في أربع مواد من بينها مادة لهذا الدكتور الذي حكى لي، قال لي الدكتور بعد أربع سنوات تفاجأت به يمارس الطب في المستشفى الجامعي الذي أعمل فيه، لا وعادهم عينوه رئيس القسم الذي يعمل فيه صاحبي، يعني الطالب الفاشل رئيس قسم على المدرس الذي درسه المادة التي فشل فيها.

حازم: وأيش سوى صاحبك؟

حسين: تعجب وتساءل وزعل وقدم استقالته وبحث له عن عقد عمل في دولة تحترم العلم والتعليم.

أحمد: يا أللآآآآآآآآآه فين وصلنا، من متى كانت بلادنا تعيش أوضاع كهذه؟

عبد الحكيم: وعادك ما سمعت عن الزواج السياحي.

أحمد: يعني عاد في زواج نوعين سياحي وغير سياحي.

حسين: الزواج السياحي أصلا ما هو زواج ولا حاجة.

أحمد: والا كيف يعني زواج ومش زواج؟

عبد الحكيم: يعني يأتي بعض السواح الأجانب الأثرياء يقيم في فندق عدة أيام، ويبحث له عن سمسار، وما أكثرهم، يتقدم عبره لطلب يد إحدى الفتيات، التي لم يرها ولا يعرفها، ولا عمره قابلها أو قابلته، ويدفع لأهلها بعض المال وربما أغراها ببعض المجوهرات، والوعود الكاذبة

صالح: وبعدين؟

 حسين: وبعدين يتزوج، ويقضي مع الفتاة عدة أيام قد تمتد إلى أسابيع وأشهر في نفس الفندق، ثم ينفلت منها خلسة، وقد يسرق منها ما أعطاها من نقود وما أهداها من مجوهرات، من دونما يترك لا حس ولا خبر.

عبد الحكيم: وبعضهم يترك على أهل الفتاة ديون للفنادق أضعاف ما أعطاهم ويهرب ويختفى دونما يقول حتى مع السلامة.

حسين: وبعض فتيات تركها السائح حامل دون حتى أن يفكر بمصير ابنه الذي من صلبه.

أحمد: يا جماعة كل هذه الجرائم تحصل في بلادنا ونحن ولا داريين.

حسين: قل أنك أنت مش داري، أما أنا وغيري عشرات ومئات آخرين فهم يدرون.

عبد الحكيم: (موجها الكلام لحسين) يا أخي لا تلوم أحمد لو كان مش داري، أذا كانت الحكومة بكل أجهزتها ومخابراتها ورجال الحدود والمطارات والجوازات مش دارية، وإلا أين أجهزة الأمن وأين المسئولين وأين البرلمان والحكومات المركزية والمحلية؟

حسين: يا أخي الأفراد المسئولين على هذه الأجهزة مشغولين بأشياء أخرى، مشغولين بالرشوة والمحسوبية والعبث بالمال العام، أما الموظفين الصغار والجنود فكود الواحد منهم يدبر له مصاريف يومه، والإ با يموت هو وأولاده من الجوع، يعني الجميع مش فاضيين لك ولأطفالك ولمعيشتك ولا لجرائم التعليم وتجارة الأطفال والزواج السياحي.

صالح: يا جماعة أنا بدأت أتوصل إلى قناعة شبه مؤكدة، أن البطالة والفقر والفساد ثلاثية متلازمة تقضي على المجتمعات بكل ما فيها من قيم ومثل وإخلاقيات، البطالة تولد الفقر، والفقر يدفع الناس للجريمة والفساد، وهذا الأخير يدمر الأخلاق والقيم ويجعل الناس يتخلون عن الوازع الديني والأخلاقي، ويتحولون إلى مجرد باحثين عن الأرباح حتى ولو على حساب الشرف والكرامة، أو على حساب أعراض الناس وآدميتهم، بل وحتى على حساب دمائهم وأرواحهم.

حازم: وأين راح خطاب الوالي جلاد عندما حل واليا جديدا على الوادي العجيب.

عبده: ماله الوالي جلاد أيش قال في خطابه؟

أحمد: قال أنه با يحارب الفساد وبا يتبع مبدأ الثواب والعقاب، وبا يناصر المظلوم ويحارب الظلم.

حسين: يآآآآه عادك مازلت فاكر هذا الكلام؟

أحمد: أنا ما نسيت يوم ما وقف فوق المنصة وقال أنه جاء من أجل خدمتنا نحن المواطنين وأن الوطن أمانة في عنقه وأنه لا مصلحة له إلا مصلحة الشعب والوطن وقال إنه جاء من أجل رفاهيتنا وازدهارنا.

عبد الحكيم: هو قال هذا الكلام، لكن روح شف الثروات التي راكمها من حق الشعب، والمنشآت والشركات والبنوك التي يملكها شي باسمه وشيء بأسماء أولاده وزوجاته وأشياء بأسماء وهمية، وكل هذا من حق الشعب.

حسين: سيبك من كل هذا، بس قل لي كيف قبل على توقيع اتفاقية استغلال الثروة السمكية من الشركة الكورية؟

أحمد: ما لها هذه الاتفاقية؟

حسين: سأقول لك، الدراسات التي في مراكز الأبحاث تقول أن بلادنا تدر سنويا من عائدات الثروة السمكية ما قيمته سبعة مليار دولار وقابلة للزيادة تبعا للنشاط السكاني، منها جزء للاستهلاك المحلي لكن الصادرات تتجاوز سنويا الخمسة مليارات.

أحمد: هذا معروف، أين المشكلة؟

حسين: المشكلة أن وزارة الأسماك والبحار، وبتوجيهات من الوالي نفسه عقدت اتفاقية مع إحدى الشركات الكورية تمنح الشركة حق الاصطياد من سواحلنا ومياهنا الإقليمية، مقابل مئة مليون دولا سنويا تمنح لحكومة الولاية.

أحمد: طيب وأيش خسرنا؟ البحر واسع والأسماك موجودة والحمد لله.

عبد الحكيم: لا. . . خسرنا كل ثروتنا السمكية، لأن الشركة بدأت تطارد الصيادين من أبناء الوادي العجيب وتمنعهم من الاصطياد، وثانيا تقوم بجرف الثروة السمكية بدون تمييز، من أعشاش التفريخ إلى مزارع التكاثر وتصطاد الصغير مع الكبير، الذكور مع الإناث، ويقول بعض الباحثين أن بعض السلالات قد انقرضت، وبعضها في طريقها إلى الانقراض.

أحمد: وانا أقول ليش اختفت بعض أنواع الأسماك ووصل سعر البعض الآخر إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل سنة ونصف؟

حسين: وبعدين احسبها ببساطة، إذا كانت مدة الاتفاقية عشرين سنة، يعني نحن بعنا مئة وأربعين مليار دولار، باثنين مليار دولار.

أحمد: طيب وأيش استفدنا؟

عبد الحكيم: قل أيش استفادوا هم الذين وقعوا الصفقة الخاسرة هذه؟

أحمد: أيش استفادوا طيب؟

عبد الحكيم: هناك حديث عن عمولات قد تصل إلى مليار دولار، تقاسمها المسئولون الذين قالوا أنهم با يحاربون الفساد، ولك أن تعرف أن مثل هذه الصفقات مئات الصفقات التي نعلمها والتي لا نعلمها في مجال النفط والغاز واستثمارات السياحة وفنادق القطاع العام، وبيع المصانع، وخصخصة مؤسسة الملح، في كل صفقة هناك خسارة على البلد بمليارات الدولارات، وهناك عمولات بمئات الملايين، وانت شف لك على محاربة للفساد، يقوم بها هذا الذي وعدنا بأنه با يدافع على المظلومين وبا يحاكم الفاسدين.

 أحمد: والله إني ما زلت أتذكر يوم ما طلع في التلفيزيون وقال إنه جاء من أجل رفاهيتنا وازدهارنا، وأنه لن يألو جهدا في سبيل سعادتنا وسكينتنا، وعاده قال أنه لن ينام وهناك مظلوم ولن يهدأ له بال وهناك فاسد في هذه الولاية.

حسين: هذا كان كلام للاستهلاك وتسويق نفسه أمامنا، وأمام صاحب الجلالة السلطان.

عبد الحكيم: واليوم الأوضاع تحولت 180 درجة عما كانت عليه ذلك اليوم.

عبده: لا تنسى أنها عشر سنوات، وفي العشر السنوات تتغير دول وتتحول أنظمة.

عبد الحكيم: تتغير وتتحول إلى الأمام إلا "الوادي العجيب" فهو لا يتغير ولا يتحول إلا إلى الخلف، ولا يتبدل إلا إلى الأسوأ

صالح: والله يا جماعة إنني احترت في أمري ما عاد دريت كيف أفسر ما يجري، على أيامي تعلمت وحصلت البكلاريوس وسجلت للماجستير وطوال فترة الدراسة الإعدادية والثانوية والجامعية كنت أتقاضى بوكت موني (فلوس جيب) وأوفر منها وأرسل للأسرة بعض المبالغ، وكنت مش مقتنع بتخصصي، جغرافيا اقتصادية وقلت في نفسي با أعوض في أولادي وبا خلي واحد منهم طبيب والثاني مهندس حاسوب، والثالث مهندس نفط، واليوم ما قدرت أخلي أفضلهم وأذكاهم يكمل البكلاريوس تخصص تاريخ بسبب تدهور التعليم وارتفاع نفقاته.

حسين: عادك أنت خليت واحد يوصل إلى الجامعة، أنا الذي أولادي الأول سافر بلاد الجيران بالثانوية العامة، والثاني فشل في ثاني ثانوي واليوم بلا عمل.

(في هذه اللحظة تمر سيارة محملة بمكبر الصوت تنادي على المواطنين للحضور في اليوم التالي للمشاركة في مهرجان الذكرى العاشرة لتولي الوالي الجديد شئون الولاية).

الصوت: وبهذه المناسبة ندعوكم جميعا للحضور إلى قاعة الاحتفالات المركزية قاعة المجد الوطني، للمشاركة في هذه الذكرى الوطنية الغالية ذكرى مرور عشر سنوات على تولي والينا المفدى جلاد الوحش أمور ولايتنا العظيمة والاحتفال بالمنجزات العظيمة التي تحققت في عهد جنابه المعظم.

(يتضاءل الصوت تدريجيا بينما ينسحب الأفراد من على خشبة المسرح إسدال الستار وإظلام الخشبة).

 

زر الذهاب إلى الأعلى