فضاء حر

بالروح بالدم نفديك يا جلاد (مسرحية)

 

 

بالروح بالدم نفديك يا جلاد

مسرحية من ستة فصول كتبها الدكتور عيدروس نصر ناصر

الحلقة الأولى :

الشخصيات :

جلاد الوحش: والي المنطقة البطل الرئيسي للمسرحية.

سليمان الخشن: الوزير الأول في الولاية، رئيس لجنة الاحتفالات.

سنان الأعرج:وزير الإعلام في ولاية الوادي العجيب.

العامل أحمد الهلالي: رب أسرة عامل عضلي لدى إحدى المؤسسات، يكنى في بعض الأحيان أبو جلال.

فوزية: زوجة أحمد موظفة حكومية تكنى أحيانا أم جلال.

أحلام

جلال 

محمد 

دلال 

سوسن

— أبنا أحمد وفوزية، طلاب في المراحل الدراسية المختلفة . 

حسن

 صالح

 حسين 

 درهم 

عبد الحكيم 

حازم

عباس 

— أصدقاء وزملاء أحمد في الشارع والمقهى  

عبده : تاجر صغير وموظف في قطاع التربية والتعليم.

كردوس: مقاول.

الحاج درويش: إمام مسجد الحارة.

حسام: المدير المالي في المؤسسة التي يعمل بها أحمد.

عثمان: ضابط في المباحث الجنائية.

فاطمة: جارة أسرة أحمد.

والثلاثة الأخيرون لا يشاركون إلا من خلال أصواتهم عبر الهاتف فقط (دون ظهور شخصياتهم على خشبة المسرح).

مذيع تلفيزيون يظهر على شاشة التلفاز فقط.

 وزراء, ومدراء عامون، قادة عسكريون، رجال أمن، مواطنون، موظفون، ومتسولون، ومتسكعون، مرضى، معاقون.

جمهور غفير من الفئات الاجتماعية المختلفة

– الفصل الأول

أسرة أبو جلال: أحمد، فوزية، أحلام، جلال، دلال، محمد، سوسن

(يفتح المسرح على غرفة استقبال في منزل عادي ليس سيء التأثيث، يدخل أحمد ـ رب الأسرة ـ عائدا من عمله ثم يخلع ملابس العمل ويضعها على الشماعة مناديا)

أحمد: فوزية!. . . يا فوزية!، . . . يا أم جلال!. .

 فوزية: (يسمع صوتها من الداخل) أيوه يا أبو جلال.

أحمد: هل حضرت الغداء؟

فوزية: (تدخل من باب آخر حاملة بعض الأطباق) أيوه حضرت، بس أشتيك تعمل لي حل مع أولادك، اللي ما خلوا لي عقل.

أحمد: ما لهم أولادي، بسم الله، ما شاء الله، كل واحد يعرف واجبه وزياده.

فوزية: أني ما أكلمك على واجبهم، أكلمك على طلباتهم.

أحمد: ما لها طلباتهم؟ أيش طلبوا مش كل واحد مصاريفه معه ؟

فوزية: المصاريف ما فيش حولها مشكلة، اني أكلمك على. . . .

أحمد: (يقاطعها) وأيش المشكلة إذن؟

فوزية: المشكلة كل واحد يشتي وجبة على الطريقة التي تروق له، محمد يشتي لحمة بالمرق، دلال تريد سمك بالزيت، و. . . .

الطفلة سوسن: (مقاطعة أمها) وأني أشتي سلاطة وصانونة خضار، لأن المدرسة تقول لنا أن القيمة الغذائية في النبات أفضل من اللحم.

جلال: وأنا أشتي سمك بس بدون زيت، لأن الزيت يرفع الكولسترول.

فوزية: شفت كيف؟ كل واحد يشتيني أفتح له مطعم خاص به.

أحمد: طيب وأيش المشكلة؟ اعملي لكل واحد الوجبة اللي يريدها، الثلاجة مليانه والحمد ، وما نقص قولي لي وانا با أجيبه.

فوزية: ايوآآآآآآه يعني أصبح أطبخ من الفجر إلى الظهر وابطِّل شغلي والمدير يقول علي مستهترة، وربما يفصلني من العمل.

أحمد: والله لولا إصرارك على التمسك بهذا العمل لقلت لك اجلسي في البيت، وأنا أدفع لك أكثر من الذي بتأخذينه من المؤسسة، لكن. . . .

فوزية: لكن أني أشتي الشغل، مش على شان الراتب فقط، بل من أجل أجد لنفسي مكانة في المجتمع، وأساهم في الحياة العملية للبلد، بعني بالله عليك يرضيك أجلس في البيت مثل العواجيز بينما بمقدوري أن أعمل الشيء الكثير؟

(يتجمع أفراد الأسرة حول مائدة الطعام في نفس الغرفة ويبدأون بتناول الغداء).

أحمد: إلا قولي لي انت عارفة يا فوزية.

فوزية: خير إن شاء الله.

أحمد: طبعا خير، اليوم جابوا لنا في المرفق منح لأولاد العمال.

فوزية: يا سلام، أيوه وبعدين؟

أحمد: وبعدين سجلت جلال، في منحة طب في الاتحاد السوفييتي.

جلال: بس يا أبه أنا أشتي أدرس كومبيوتر في ألمانيا.

أحمد: بسيطة يا ابني نروح ونغيرها، أهم شي تنطبق عليك الشروط.

جلال: يا والدي ما ينطبق على الكومبيوتر أقل من اللي ينطبق على الطب، وبعدين أنا عندي 95% درجة نجاح في الثانوية العامة، تخليني أنجح في الطب وفي الكمبيوتر معا.

أحمد: على كل حال، مبروك يا ابني.

جلال: مبروك علينا كلنا، بس إن شاء الله يقبلوا بتغيير التخصص.

أحمد: هم أكيد با يقبلوا بتغيير التخصص لكن تغيير البلد ما أقدر أضمن لك .

فوزية: مبروك علينا كلنا، بس لازم تشد حيلك وتحافظ على مستواك، مش تروح وتبعد عنا وترجع تلعب وتفضحنا.

جلال: يا أمه أنتي عارفة ابنك، عمرك قلتي لي ذاكر كذا والا كذا؟

فوزية : (مغيرة الحديث) سمعت يا أحمد عن اللص اللي قبضوا عليه اليوم؟

أحمد: لا والله ما سمعت، أيش من لص؟

فوزية: واحد يقول لك كان متخصص بسرقة الغنم، والناس محتارين كيف تختفي الكباش من الحضائر.

أحمد: وبعدين؟

فوزية: وبعدين اتضح أن جماعة المباحث عاملين له ملف وجلوس يرصدون حركاته من أول يوم واليوم قبضوا عليه بعد ما ضبطوه وهو متلبس.

محمد: كيف يعني متلبس؟

فوزية: يعني ضبطوا الراجل وهو يسلخ الكبش، وجابوا الحرمة صاحبة الكبش، وقالت لهم أن الكبش كبشها، وقبضوا على الراجل واعترف أنه قد أكل أكثر من عشرين غنمة، والآن مجهزين له ملف لتقديمه للمحكمة.

أحمد: برافو عليهم . . . والله برافو، هكذا مباحث والا بلاش.

أحلام: وأول أمس يقول لك مسكوا جارنا صالح الدويل صاحب التاكسي وحبسوه.

أحمد: صالح صاحبي؟ أكيد سوى مخالفة مرورية.

فوزية: هو صحيح سوى مخالفة، يمكن ما ربط الحزام، أو حاجة من هذا النوع، لكن المخالفة سهل، قد كل السواقين يخالفوا ويعاقبوهم خمسة دنانير وحواليها.

أحمد: والا كيف؟

فوزية: يقول لك طلع معه العسكري الذي ضبط المخالفة، وفي الطريق إلى مركز شرطة المرور عرض على العسكري حبة سيجارة، فاتهمه الجندي بمحاولة تقديم رشوة لموظف عام، وحكموا عليه اسبوع حبس.

أحمد: يا اللآآآآآآآآآآه ، . . . قد كانت المخالفة السابقة أرحم.

فوزية: بس هذا يوريك أن اللي ما يحترم النظام لازم يلاقي جزاه.

أحمد: والله ما انا عارف أيش لزومه هذا الحزام.

فوزية: هذا نظام وعلينا أن نحترمه، مش كل واحد يعمل على مزاجه، واسمه حزام الأمان، لأن يقلل من مخاطر الحوادث، وبعدين ما دام هو عارف إن ربط الحزام إلزامي ليش ما يربط الحزام؟ . . . (بعد بعض الصمت) لكن قل لي يا أحمد أين جاء القرض اللي طلبته؟

أحمد: أيواااه ذكرتيني اليوم كملت الإجراءات بس قالوا لي أن المبلغ الذي طلبته كبير ولازم يكون مرتبي أكثر من سبعة ألف وأنا راتبي كما تعلمين أربعة ألف ومائتين.

فوزية: طيب والحل؟؟

أحمد: الحل قالوا با يعطوني ثلاثمائة ألف، وأنا قلت لهم أشتي سبعمية ألف وبا أسدده على مدى عشر سنوات.

فوزية: ما الثلاثمية والله ما تجيب لنا قيمة السمت، . . (ثم مستدركة) طيب خليهم يسجلوا على راتبي وراتبك.

أحمد: (كالمتعجب) والله صحيح كيف ما جاء على بالي؟ قدنا با اقول لهم أن راتبي وراتبش يزيد على سبعة ألف وخمسمائة.

فوزية: ايوه يا أحمد من شان نقدر نكمل الغرفتين والحمام، والا والله ما نقدر نبني حتى غرفة واحدة بالثلاثمية

أحمد: خلاص بس أنا با أتأكد من المدير المالي. . .( يأخذ التلفون ويجري مكالمة مع المدير المالي). . ألوه. . السلام عليكم

حسام: (يسمع صوته من خلال الهاتف) مرحبا عليكم السلام!

أحمد: مساء الخير يا أستاذ حسام، أنا أحمد الهلالي أبو جلال.

حسام أيوه يا أحمد تفضل، أيش في؟

أحمد: بس أشتي أستفسر عن المبلغ القرض الذي طلبته على راتبي، أنتم قلتم أن راتبي لازم يكون أكثر من سبعة ألف، طيب ممكن أسجله على راتبي وراتب زوجتي؟

المدير: هي زوجتك موظفه حكومية؟

أحمد: أيوه، موظفة في المؤسسة العامة للاستثمارات.

المدير: كم مجموع راتبكم؟

أحمد: مجموعه سبعة ألف وخمسمائة.

المدير: هو لازم يسجل المبلغ على راتبك أنت، إلا إذا كانت ستطلب قرض خاص بها عبر مؤسستها، فإذا قرررتم أن تأخذوا عبر مؤسستنا ومن شان الاستقطاع يرتفع ونضمن أن الأسرة ما تبقى بدون مصدر معيشي، لازم تجيب لنا تأكيد من المرفق الذي تشتغل فيه زوجتك تؤكد أنها موظفة وكشف آخر راتب، وإن ما عليها ديون.

أحمد: تمام خلاص إنشاء الله كل هذا بكره سيكون على طاولتك.

المدير: بس اسمعني، . . . لازم تعرف أن الخصم با يرتفع إلى الضعف . . ,ومن راتبك أنت فقط، وقد يصل الخصم إلى 90% من الراتب.

أحمد: موافق يا سيدي شلوا المرتب كله، بس أهم شيء القرض يصرف.

المدير: إن شاء الله سيصرف.

فوزية: شفت كيف إن راتبي ينفع، وانت جالس تقول لي با أعطيش مثله، با أعطيش أكثر منه.

أحمد: أكيد، أنا خلاص غيرت رأيي.

( ينتهي المشهد بنهوض الجميع من على المائدة، إظلام وإسدال الستارة)

– الفصل الثاني

المشهد الأول:

عريف الحفل، الوالي جلاد، وزراء ومسئولون، جمهور غفير من كل الفئات والطبقات.

 (قاعة احتفالات مكتظة بالمحتفلين يتقدمهم السياسيون والقادة، والوزراء، منصة الضيوف يصطف عليها المستقبلون بينهم المدنيون والعسكريون والمشايخ والمتمدنون، يدخل جلاد إلى المنصة فينهض من في المنصة وتعصف القاعة بالتصفيق، يتخذ جلاد موقعه وسط المستقبلين، وبينما يجل المستقبلون كل على الكرسي المخصص له، ينهض عريف الحفل (المذيع) إلى المنبر مخاطبا الجمهور)

العريف: السيد جلاد الوحش والي ولاية الوادي العجيب!

السيد سليمان الأطرش الوزير الأول لولاية الوادي العجيب!

السادة أعضاء مجلس وزراء حكومة الوادي العجيب!

السادة الشخصيات والوجاهات الاجتماعية!

السادة قادة المؤسسات العسكرية والأمنية في ولاية الوادي العجيب!

السادة والسيدات الحاضرون جميعا!

اسمحوا لي أن أحييكم في هذا اليوم البهيج، اليوم التاريخي في حياة ولاية الوادي العجيب، هذا اليوم الذي ندشن فيه عهدا جديدا في حياتنا، وهو ما يمكن أن نسميه عهد الوالي جلاد، ذلك لأننا في هذا اليوم نسلم زمام أمورنا للوالي الجديد جلاد الوحش، الذي شرفنا جلالة السلطان بتعيينه واليا على ولايتنا، التي ظلت تتشوق إلى سماع اسمه منذ أن عرفت عن أدواره التاريخية في الولايات التي تولى أمورها، ونقول له ولجلالة السلطان، إنه لشرف كبير لولايتنا أن يتولى أمورها والي كهذا الوالي العظيم, الذي طافت سمعته أرجاء السلطنة كلها وما عرف عنه من شهرة انتصاره للحق وأصحابه، وروحه المتسامحة، وعطفه على الضعفاء وعفة اليد ونقاوة الضمير ورفضه للظلم وإخلاصه اللامتناهي للوطن والمواطنين.

أيها الحاضرون جميعا !

(مواصلا بعد أن ينظر إلى ساعته) لا أرغب في الإطالة عليكم فجميعكم يعرف هذا القائد الوطني ومآثره التاريخية، وسأكتفي بما قلته واسمحوا لي أن أتشرف بأن أقدم لكم الوالي الجديد، ليقول فيكم كلمته فإلى القائد والملهم والينا الجديد عريس هذا اللقاء العظيم الوالي جلاد الوحش.

(تعصف القاعة بالتصفيق)

جلاد: (ينهض من مقعده في المنصة الرئيسية باتجاه منبر الخطابة مبتسما، بعد أن يسوي كارفاتته، ويمسح نظاراته): بسم الله الرحمن الرحيم نصير الحق وأصحابه ماحق الظلم والظالمين، عدو الطغيان والطغاة، ناصر العدل ومرسل الأنبياء والرسل إلى القوم الفاسقين بالهدى ونور الحق.

وأصلي وأسلم على سيدي ونور قلبي وضياء عيني محمد النبي الأمين، الذي أرسله الله إلى الأمة ليخرجها، من ظلمات الجاهلية والكفر والفساد والطغيان والاستبداد، إلى نور الحق والإيمان والعدل والحرية والكرامة.

ثم أما بعد!

أيها السادة الحاضرون من الوزراء والقادة العسكريين والوجهاء الاجتماعيين.

أيها المواطنون والمواطنات!

اسمحوا لي أن أحييكم في هذا اليوم، وأنا أدشن مرحلة جديدة في حياتي في خدمة هذا الوطن الغالي، وإنه لشرف لي أن أكون بينكم ومعكم في إدارة هذه الولاية كجزء من سلطنتنا العظيمة التي تشق طريقها تحت التوجهات الحكيمة لسلطاننا المفدى، هذا السلطان الذي أنزله الله لهذه الأمة نعمة عليها وهبة لها من عنده، وصار اسمه من علامات الخير والبركة والتقدم، وصار من حقنا أن نقول أن السلطنة هي السلطان والسلطان هو السلطنة.

(تعصف القاعة بتصفيق غير منقطع، يأخذ منه الوالي فرصة لشرب الماء من الكأس الموضوعة على يمين المنبر، ثم يواصل خطابه).

جلاد: أيها الإخوة الحاضرون

لقد كلفني جلالة السلطان بهذه المهمة ولم أكن متهافتا عليها، ولكم وددت أن أعفى منها لأتفرغ لمشاغلي وتربية أولادي ومجالسة أحبابي، ولكن داعي الوطن وحبي لسلطاننا المفدى هو من دعاني إلى تلبية هذا التكليف والقبول به مرغما لا راغبا، منصاعا لا متهافتا، مطالَبا لا مطالِبا.

ولئن كان لي من كلمة لا بد من قولها فهي إنني أود التأكيد على إنني ما جئت إليكم إلا خادماً لكم لا متعالياً عليكم، وإننا جميعا أنا وأنتم سنكون شركاء في هذا الوطن الذي مصلحته مصلحتنا كلنا، وضرره ـ لا سمح الله ـ ضرر علينا جميعا.

إن الوطن أمانة في أعناقنا ومن أجله سوف نبذل كل غال ونفيس، ورضا سلطاننا المفدى هو هاجسنا وديدننا الوحيد ننام ونصحو عليه.

وأذكركم هنا بحرص صاحب الجلالة سلطاننا المفدى على رعاية شأنكم والسهر على مصالحكم، وأنتم تعلمون أنكم في عهده عرفتم ما لم تعرفوه طوال تاريخكم، فعلى مدى العقود الأربعة منذ توليه شئون السلطنة تغير كل شيء في حياتنا، فقد عرفنا الحياة المؤسسية، وتنامي التعليم، وعرفتم الحرية والحية النيابية، والتبادل السلمي للسلطة بين المواطنين بمختلف مشاربهم وأفكارهم.

وفي عصر جلالته عرفتم الكهربا والماء النقي والطرق المعبدة والأمن والاستقرار، واستطعنا من خلال سياسته الحكيمة أن نقيم علاقات حسن جوار مع كل جيراننا، وحسمنا قضايا الحدود التي ظلت تؤرق علاقاتنا بجيراننا، كما أقام جلالته علاقات ودية مع كل الدول الشقيقة والصديقة التي تمد لنا يد العون في كل المحن والمنعطفات التي نتعرض لها بين الحين والآخر سواء منها الكوارث الطبيعية أو تلك المرتبطة بمؤامرات الأعداء الحاقدين أو تربص المتربصين بوطننا وأمتنا.

أيها الحاضرون من النساء والرجال، من الحكام والمواطنين!

قبل أن أختتم حديثي الأول إليكم الذي بالتأكيد لن يكون الأخير أود التنبيه إلى قضية هامة، لعلكم تعلمونها أو لا تعلمونها، وهي تتعلق بالسياسة الصارمة التي يتبناها جلالة سلطاننا المفدى تجاه الفساد والفاسدين.

لقد آن الأوان للفاسدين والعابثين أو يتوقفوا عند حدهم، وأن يكفوا عن التلاعب بالمال العام الذي هو بيت مال المسلمين، وما لم يكف هؤلاء عن عبثهم وفسادهم فإنهم سيكونون تحت طائلة القانون، وأؤكد لكم إنني إذا ما كنت رحيما بالضعفاء والمظلومين فإنني قاس على الظلمة والعابثين، وإنني أمام القانون والعدل لا أخاف في الحق لومة لائم، ومنذ الغد سوف أشرع في فتح الملفات المغلقة، ولن أسكت على التلاعب، وسأفعِّل القانون وأشغِّل القضاء وستظل قضايا الفساد والفاسدين تدوي حتى نقتلع هذا المرض الخبيث الذي يهدد مستقبل مجتمعنا ومصير أجيالنا.

(يدوي تصفيق عاصف داخل القاعة لا ينقطع إلا بعد أن واصل الوالي كلمته).

أشكركم لإصغائكم وأتعهد أمامكم لصاحب الجلالة وللشعب والوطن، بأنني سأضع كل خبراتي وإمكانياتي وتجاربي وكل عزيمتي وطاقتي من أجل مصلحة الشعب والوطن، التي هي مصلحتكم أنتم ومصلحة جلالة السلطان الذي لا هم له إلا أنتم ولا شاغل يشغله سوى رفاهيتكم وازدهار حياتكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(يدوي تصفيق متواصل يهز القاعة وتعلو الهتافات التي تهتف بروح جلالة السلطان، وشيئا فشيئا يتضاءل الصوت ويتلاشي مع إسدال الستار).

– المشهد الثاني

أحمد، صالح، حسين، عبد الحكيم، درهم، حسن حازم.

(مقهى عام على ناصية الشارع يجلس فيه العديد من المواطنين من مختلف المشارب والمستويات والمهن بين عمال وموظفين، وتجار متوسطين).

أحمد: سمعت خطاب الوالي يا صالح؟

صالح: أنا ما حضرت الحفل لكن سمعته من التلفيزيون.

أحمد: حتى أنا سمعته من الإذاعة، بس يبدو لي أن الرجال ناوي على تغيير النظام في الولاية بكاملها، وخاصة نظام معاملات المواطنين.

صالح: والله من الصعب الحكم عليه من أول خطاب يلقيه، لكن الخطاب كان فيه تأكيد على محاربة الفساد وتصحيح الوضع.

حسين: يا راجل! أنت صدقت؟ ما هم كلهم يبدءون بلعن الفساد، وتهديد الفاسدين، والحديث عن مصلحة الوطن، وفي الأخير ما حدا يدمر مصلحة الوطن أكثر منهم.

صالح: من السابق لأوانه الحكم عليه، دعونا من كلامه وخلونا ننتظر أفعاله.

درهم: يقولون أنه مدعوم من السلطان نفسه.

حسين: من حيث إنه مدعوم من السلطان هذا مؤكد وكل والي يعينه السلطان هو يدعمه، لكن السؤال هو على ماذا يدعمه هل على الحق أم على الباطل؟

عبد الحكيم: يا جماعة دعوكم من الاجتهادات والتأويلات واقرأوا المسمى من الاسم، ألا يكفيكم أن اسمه جلاد، ومش أي جلاد، إنه جلاد والوحش كمان، والذي ما يعجبه الجلاد يأخذ له الوحش.

حازم: على كل حال الأيام بيننا، وهي من سيؤكد أي من التنبؤات هي الصحيح.

حسين: وليش لازم ننتظر ما انتم عارفين أن الوالي الذي قبله أول ما وصل إلى الولاية بدأ بالحديث عن الشرف والنزاهة والصدق والمصلحة الوطنية، ونصرة المظلومين ومحاربة الباطل والفساد، وبعدين لا عاد شفنا منه لا شرف ولا نزاهة ولا حتى ترك المظلومين لحالهم، وأنتو عارفين فين انتهى.

أحمد: هاذاك ما انتهى هم بس نقلوه إلى ولاية ثانية.

حسين: يعني بعد ما نهب وعبث وظلم وأفسد ونكل بالشرفاء وقمع أصحاب الرأي المعارض نقلوه مكان آخر يكمل في ما لم يعمله عندنا.

أحمد: لا. . . لا هذا مختلف، هاذاك سمعته معروفة من قبل ما يجي، كان ظالم وفاسد وعاده مجرد موظف صغير، لكن هذا شخص ما نسمع عنه شيء، كل الذي نعرف عنه هو اسمه، وبعدين مش لاحظتم أنه يشيد بالسلطان ومنجزاته، هذا يعني أنه متمسك بالسياسة الحكيمة لصاحب الجلالة.

حسين: الله. . ..الله على ذكاء، يعني أنت كنت تريده يشتم السلطان ويقول أنه ضد سياساته؟ ما هم كلهم يقولون أنهم يسترشدون بحكمة السلطان وإرشاداته وبعدين يعملون كل ما يحلو لهم.

عبد الحكيم: يا أخي طيب وافرض أنه سيقتدي بسياسات صاحب الجلالة، ومن الذي خرب البلاد وأوصلها إلى ما هي عليه، أليست سياسات صاحب الجلالة؟

حسن: أرجوك يا عبد الحكيم إلا صاحب الجلالة، المساس به مساس بكرامة وسيادة الوطن وإهانة لثوابت الوطن والأمة.

حسين: يعني هو صاحب الجلالة كان نبي من الأنبياء والا ملاك من الملائكة؟ هو بشر مثلنا، أوصلته الصدف إلى الحكم والمفروض أنه مسئول عن إقامة العدل وحماية مصالح الناس، وليس السماح بالتلاعب بقضايا الأمة والوطن، وبعدين إذا انتقدته تقول لي مساس بالوطن والثوابت، المفروض أن الوطن هو الثابت الوحيد وهو فوق كل الناس بما في ذلك السلطان نفسه.

( يبدأ الأفراد في الانسحاب قبل أن يكمل حسين

حديثه، يسود الظلام ويسدل الستار) .

زر الذهاب إلى الأعلى