قضية اسمها اليمن

جعشني: الشيخ قتلنا مرة وصنعاء قتلتنا مائة مرة

المستقلة خاص ليمنات

نحن لا نشحت نحن أصحاب قضية

أحد أبناء شيخ الجعاشن عضو في مجلس الشورى والآخر يعمل لدى علي محسن

“الجعاشن” ليست مجرد منطقة ريفية في محافظة إب إنها مملكة مستقلة يسود فيها قانون الغاب ويتربع على عرشها الشيخ الملك محمد أحمد منصور..

“مهجرو الجعاشن” مأساة إنسانية طافحة بالأسى ومسكونة بألم لا يحتمل.. مواطنون بسطاء يكافحون من أجل قوت أطفالهم ونسائهم وجدوا أنفسهم في مرمى نيران مدفعية ورشاشات الشيخ الملك الذي لا يعترف بسلطة الجمهورية اليمنية ولا يسري عليه قانونها.. فلم يملك هؤلاء البسطاء سوى النزوح نحو العاصمة هرباً من سطوة طاغية لديه سجون ومعتقلات ويسيم رعاياه سوء العذاب.

نزح مستضعفو الجعاشن قبل سنوات تاركين منازلهم وممتلكاتهم، وفي العاصمة عاشوا وما يزالون يعيشون أوضاعاً إنسانية متردية.. “المستقلة” زارت هؤلاء المهجرين قسرياً واستطلعت بعض آرائهم في ظل عجز الدولة عن التعامل مع قضيتهم الانسانية..

عبده مهيوب: يعيش كل 42 شخصاً في شقة واحدة

المهجَّر قسرياً “عبده مهيوب حسن” أوضح قائلاً “عشنا حياتنا تحت رحمة شيخ لا يرحم.. طاغية يريد أن يعيش الناس في فقرٍ مستديم ليظلوا له راكعين.. وعندما وعينا حقوقنا جن جنونه وجاء لمحاصرتنا فأطلق نحونا اتباعه النيران ولم يكن أمامنا سوى التسلل والنزوح قسرياً نحو العاصمة مما تسنى له اقتحام منازلنا وسلب ممتلكاتنا..

ويضيف “عبده مهيوب”.. في البداية نصبنا خيمة في جامع الجامعة الجديدة في صنعاء، قبل أن يقوم الإصلاح بطردنا وإحراق خيمتنا، لننتقل بعدها إلى عمارة في جولة مذبح تحتوي على 5 شقق وفي كل شقة تسكن 5 أسر حيث تكتظ الشقة الواحدة بـ 42 شخصاً، توقف الأطفال عن الدراسة حيث أنهم لم يصطحبوا شهاداتهم ووثائقهم، وهناك أسباب أخرى، حتى أن توكل كرمان التي كانت تتفاعل مع القضية كلما فتحنا معها الموضوع تقول أن قضيتنا في طريقها إلى الحل وأنه لا داعي لتسجيل أولادنا هنا..

صابرين: ضاع عمرنا هدراً وأنتم توعدونا بحل قضيتنا

 أثناء حديث مهيوب كانت فتيات صغيرات في الغرفة ينظرن بنظرات تقطر أسىً وحزناً، سألتهن عن شعورهن إزاء توقفهن عن الدراسة، فردت الطفلة صابرين ودموعها تسبق كلماتها: “عندما انسدت الطرق أمامنا ذهبت أنا ومجموعة من البنات إلى الأستاذة توكل كي تسجلنا في المدرسة، فقالت لنا: لا أستطيع.. هذه معاملات ليست سهلة، تحتاج وقتاً طويلاً” قلنا لها:

“حرام يا أستاذة لقد ضاعت علينا ثلاثة أعوام دراسية، وأنتم توعدونا بالعودة وحل قضيتنا، فإلى متى وعمرناً يضيع هدراً، لقد مللنا ونحن حبيسات الجدران بدلاً من الذهاب إلى مقاعد الدراسة”..

حق العودة

يؤكد عبده مهيوب أن المهجرون ما زالوا حتى وهم في العاصمة يتعرضون لمضايقات واعتداءات حاكم الجعاشن، قائلاً “حاول هذا الشيخ مثلاً قتل اثنين منا عندما كنا معتصمين أمام مجلس النواب وجرح شخصاً في رأسه، كما تعرض ابنه للطعن في أحد جنبيه، وبالإضافة إلى أن الشيخ أصدر أوامره لقسم 14 أكتوبر القريب من مكان اقامتنا لمطاردتنا وتهديدنا، وكنا لا نستطيع حتى مجرد الخروج من المكان”

وحول دور الناشطة توكل كرمان قال مهيوب: “بصراحة نشعر أنه لا يوجد اهتمام من أحد، ولم نلمس أي تقدم لحل قضيتنا، ولا أظن أن منظمتها ما زالت تتابع قضيتنا.. مجرد وعود فقط لا نرى لها أي أثر على أرض الواقع.. وقال: أوجه ندائي لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للاهتمام بقضيتنا الانسانية والوطنية.. وعدم تهميشنا كما همشنا النظام السابق.. نحن نطالب بحق العودة إلى منازلنا، وتعويضنا عن املاكنا المنهوبة.. بدلاً من التشرد.. ومحاسبة من تسبب فيما نحن عليه”

قاسم: أولادنا يبيعون العلب الفارغة

قاسم الجعشني أوضح قائلاً: “خرجنا في مسيرتين إلى وزارة حقوق الإنسان، خلال شهر رمضان، وحينها قامت توكل بتهديدنا، وقالت إن خروجنا إلى الوزارة سيفقد قضيتنا الدعم الحقوقي والسياسي، مما حدى بالبعض إلى عدم مشاركتنا في المسيرة ومنهم محمد قاسم نعمان وأولاده”

وأضاف الجعشني: “نحن لا نريد من توكل أن ترمي لنا في المناسبات مبالغ لا تغني ولا تسمن من جوع.. نحن لا نشحت.. نحن أصحاب قضية، نريد منها إكمال المشوار معنا لحل قضيتنا، ومساعدتنا على العودة إلى ديارنا.. ونقول بصراحة لقد قتلنا الشيخ منصور مرة، لكن صنعاء قتلتنا مائة مرة.. الآن أولادنا يقومون بجمع علب الماء الفاضية من الشوارع والزبالة، حتى نستطيع الاستمرار في الحياة”

في العيد حبسنا أولادنا في البيت لغياب الكسوة

إحدى النساء المهجرات تحدثت عن دور الجمعيات وخصوصاً جمعية الإصلاح وزعوا لنا آخر رمضان 25 كيلو بر ومثله دقيق، وقطمة سكر وجالون زيت وأوضحت لا نجد مساعدتها إلا في المناسبات.. جاء العيد ومابوش معانا بدلات للعيد، ولا شيء وحبسناهم بالبيت.. توكل أرسلت 10 آلاف ريال للأسرة، “ والله ما تكفي لشيء".

أحمد ناجي: الشيخ أخذ بصائري وأدخلني السجن

أحمد ناجي –أحد المهجرين- يتحدث عن طريقة حاكم الجعاشن في سلب أراضي المواطنين قائلاً “أقدم أحد الأشخاص على السطو على أراضي، ثم تظاهر بأنه شكاني إلى الشيخ مدعياً أنها ملكه، فطلب الشيخ مني بصائري فأعطيتها له ثم طلب الأصول فأعطيتها له، ولم أدرك أنه خدعني إلا بالأخير، عندما طلبت منه اعادتها فحبسني وهددني”..

مأساة وطن

ودعتهم وأنا فاقدة للأمل في ظل أوضاع إنسانية مزرية.. فكيف سيتم انصاف أبناء الجعاشن إذا كان هذا الشيخ ما يزال عضواً في مجلس الشورى، وأحد أبنائه عضواً في مجلس النواب وهو متهم باختلاس 400 مليون ريال عندما كان مديراً لمصنع اسمنت البرح، وابنه الآخر يعمل لدى علي محسن قائد الفرقة الأولى مدرع.. كيف ستحل قضية أبناء الجعاشن وما زالت دولة المشائخ قائمة تدير شئون البلاد، والقضاء مترنحاً وخاضعاً لقوى النفوذ.. كيف ستحل هذه القضية بينما هؤلاء المشردون هربوا من منازلهم بلباسهم فقط مرعويين من سطوة الشيخ وتعذيبه وتركوا خلفهم منازلهم وكل ما يملكون.. حيث استباح الشيخ المنازل وأحرق بعضها وسلب الممتلكات وهتك الأعراض.

في الأخير لا يسعني إلا أن اتقدم بالشكر الجزيل للأخ مدير دائرة تربية معين الأخ عصام العابد على تذليل الصعاب لهؤلاء المهجرين، كما أتقدم بالشكر للأخت الفاضلة مديرة مدرسة  نسيبة التي أبدت استعدادها لقبول الطالبات في مدرستها ومساعدتهن جزاها الله كل خير.. لقد أدمعت عيني وأنا أرى هؤلاء الفتيات البريئات يبكين من كثرة الفرحة ولم يتوقعن انهن سيكملن دراستهن.

زر الذهاب إلى الأعلى