حوارات

الأصبحي: المجتمع الدولي صرف النظر عن الانتهاكات التي يتعرض لها اليمنيون

يمنات – خاص – الصحيفة الورقية

أكَّد عز الدين الأصبحي رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان أن المجتمع الدولي صرف النظر نوعاً ما عن قضايا الانتهاكات التي تعرض لها اليمنيون في أحداث العام 2011م.. ووصف الأصبحي في حوار أجرته معه صحيفة "يمنات" الوضع الانساني في اليمن بالمؤسف والمحزن، مشيراً إلى أن ملفات المعتقلين والأسرى والجرحى ما زالت مفتوحة ولم تُعالج؛ والعالم هناك يظن أن الأمور قد حُلت، وقال: «ليس من صالح أحد لا أخلاقياً ولا سياسياً ولا قانونياً أن يقول بأن الأمور على غير ما هي عليه، بل بالعكس فإن قول الحقيقة ولو كانت مؤلمة مفيد للجميع لكافة الأطراف».

وذكر خلال الحوار أن المبادرة الخليجية أعطت المجتمع الدولي انطباعاً أن اليمن يسير إلى التهدئة، وأن الملفات الساخنة الأخرى في الشرق الأوسط أولى بالاهتمام الدولي وعلى رأسها سوريا مثلاً.

حوار/ وضاح الجليل


– عملت خلال العام 2011 على رفع تقارير ومعلومات خاصة بأحداث ذلك العام إلى المجتمع الدولي، وكنت على اتصال دائم بهيئاته ومنظماته ومؤسساته وصناع القرار فيه من أجل نقل الحقائق عن حالة الانتهاكات التي شهدتها البلد، والتأثير لصالح الثورة الشبابية الشعبية السلمية، ما هي المحصلة النهائية لذلك العمل وتأثيراتها؟.

* أولاً: يجب أن ألفت النظر إلى موضوع جداً مهم، هو الدور الذي قامت به المنظمات الحقوقية خلال مرحلة الانتفاضات الشعبية السلمية أو الربيع العربي وفي اليمن بشكل خاص، يجب الانتباه إلى أن الدور الذي قامت به المنظمات الحقوقية  تجاوز المتعارف عليه في مسألة رفع الوعي أو رصد الانتهاكات أو إصدار البيانات، ورأينا في ثورة اليمن الشبابية أو ثورة سوريا أو ثورة البحرين، وكما في ثورتي تونس ومصر أن المصادر الحقوقية للمجتمع المدني كانت هي المصدر الرئيسي للإعلام والمادة الخبرية الصحفية، وكانت هي المصدر الرئيسي أيضاً لصانعي القرار السياسي لاتخاذ موقف سياسي معين تجاه هذا النظام أو ذاك، ورأينا المجتمع المدني  يُحَمَّل من المسؤولية والمهام الجسيمة أكثر من طاقته، ومن الدور المرسوم له، على هذا الصعيد، فما حدث في العام الماضي في أوج الأحداث في اليمن، كان الزخم الشعبي في الشارع عالياً جداً وقوياً، وكان التفاعل السياسي مهماً في هذا الموضوع، لكن رأينا تعاطفاً إعلامياً إقليمياً ودولياً سلط الضوء بقوة على الأحداث، ولم يصاحب ذلك بما يسمى بالذراع الدبلوماسي لإيصال القضية إلى المحافل الدولية، ولم يكن هناك صوت خارجي للثورة الشبابية الشعبية، ولم تكن هناك آلية دبلوماسية للثورة الشعبية كما هو معروف في العالم كله، فعندما تكون لديك قضية وثورة تندلع؛ تكون لديك أذرع سياسية للقيام بإنجاح هذه الثورة، من ضمن هذا الذراع السياسي الذي يقوم بالتفاوض والتعبير عن آراء الناس والجماهير، والذراع الدبلوماسي الذي يوصل جوهر القضية وحقيقة الأشياء ويطالب بمواقف  عادلة، وينتزعها من الدول والمنظمات الدولية، هذا الأمر لم يكن موجوداً على الإطلاق، شاء الحظ أن أكون ضمن الفريق الحقوقي الذي كان خارج إطار اليمن والمنطقة العربية للتعريف بما يجري في اليمن وفي بعض الدول العربية في لحظة من اللحظات حينما احتاج الزملاء والأشقاء في أكثر من دولة لموقف حقوقي في المحافل الدولية المختلفة، وكان مركز التأهيل والمعلومات لمجلس حقوق الإنسان بحكم عمله الإقليمي وبحكم الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي الاجتماعي ومجلس حقوق الإنسان مهيئاً لأن يقول شيئاً حول ما يجري، ولذلك كانت أولى الخطوات الرئيسية التي قمنا بها التعريف بحقيقة الأمور حول زخم الثورة الشبابية الشعبية في اليمن، وبأنها لا تعبر عن قلة أو عبارة عن مجموعة شباب غاضبين خارجين عن القانون ومنتفضين على الأعراف التقليدية، لكنهم كانوا صوت شعب بأكمله يريد تغييراً حقيقياً على مستوى النظام، وكان يعاني معاناة شديدة من عدم احترام القوانين أو غياب قوانين وغياب الدولة وسحق الكرامة، هذا الأمر ربما هو الصورة الأساسية التي اضطلعت بدور مهم فيها سواء في الاتحاد الأوروبي في أول لقاء في بروكسل، وكان أن تفاعل الإتحاد الأوروبي بشكل كبير مع الموضوع بعد زيارة إلى فرنسا والخارجية الفرنسية ثم التنسيق مع الخارجية الدنماركية وكانت الدنمارك حينها ترأس الاتحاد الأوروبي، ثم بعد ذلك الذهاب إلى بروكسل، الاتحاد الأوروبي تفاعل مع الموضوع بجدية جداً وأعطاني فرصة أن أعرض ما يجري في اليمن في الاجتماع على مستوى ممثلي الاتحاد الأوروبي وسفرائه في بروكسل وبحضور ممثلي البرلمانات، لا زلت أتذكر؛ كان معي في رحلات فرنسا وبروكسل زملاء من ليبيا أحدهم الآن رئيس  الوزراء علي زيدان، وآخرين كانوا من البحرين بعضهم الآن في السجون وبعضهم في المنافي، عرضت القضية اليمنية بعد ذلك في أكثر من محفل أوروبي، ثم كان التنسيق لزيارة الولايات المتحدة الامريكية، ووضع جدول مفصل ودقيق للقاء مع صناع القرار الأوروبي، وفي الكونجرس، وفي لجنة العلاقات الخارجية، وفي لجنة حقوق الإنسان، وفي وزارة الخارجية الأمريكية، أيضاً تمَّ التنسيق مع ممثلي الدول الدائمة العضوية وأعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة بنيويورك، ووضع الملف اليمني في إطاره الصحيح والحقيقي المعبر عن حالة الثورة والانتفاضة الشبابية الشعبية السلمية.

 

• إجابتك هذه سبقتني بها إلى بعض المحاور التي أريد نقاشها معك، لكن دعنا نتحدث عن الكيفية التي كانت تصلك بها التقارير والمعلومات، ومن الجهات أو الأفراد الذين يوافونك بها؟ وكيف كنت تتحقق من دقة هذه المعلومات؟.

كانت هناك حالة من الصعوبة البالغة والتي ما زالت حقيقة، كانت هناك حالة من الافتقار الى المعلومات الدقيقة والرصد والتوثيق الممنهج والمقنع في إطاره القانوني والسياسي في نفس الوقت، لكن تسنَّى لي أن أجمع من بعض الزملاء والزميلات من العاملين في الميدان، وكان المصدر الثاني هو الإعلام، كانت الوسائل الاعلامية المتاحة أيضاً من المصادر التي تؤكد الأحداث إلى حدٍ كبير، لكن الاتصال المباشر اليوم مع الناشطين والمرابطين في الساحة على شكل عام، اللجنة القانونية من المتطوعين من الشباب القانونيين والمحامين كانوا هم مصدراً أساسياً، فكرنا في أحد اللقاءات في باريس، وانتبهنا لهذه الثغرة الشديدة جداً، تقارير ربما تنقصها الصياغة القانونية في الكتابة والتوثيق الجيد حول حالات الانتهاكات، فعمل مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الانسان برنامجاً صغيراً سريعاً إنقاذياً للعمل مع الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان في فرنسا والصندوق العربي لحقوق الانسان في بيروت للقاء بمجموعة من الناشطين والناشطات والعاملين في الميدان، ونأتي بمجموعة إلى القاهرة ونتفق على ورشة عمل على ماهية ملامح الرصد السريع المطلوبة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تساعد في تبني القضية على الصعيد الدولي.

النقطة الثانية هي تدريبهم على كيفية إيجاد فريق قانوني في مسألة هل نستطيع أن نجد فريقاً قانونياً من الذين يقومون بدور المتابعة القانونية للقضية على الصعيد الوطني والصعيد الدولي والملاحقة القانونية لمرتكبي الجرائم، وبالفعل نسقنا هذا البرنامج، وأنجزنا ترجمة هامة لمجموعة من القوانين الدولية حول ما هو الوضع القانوني لهذه الدول بقبولها شكاوى حول انتهاكات جسيمة وقعت في غير بلدانهم، بينما يمكن لمرتكبي هذه الجرائم إقامة علاقات أو زيارات لهذه الدولة، وهي ما يسمى بكيفية الملاحقة القضائية لمرتكبي الجريمة خارج أوطانهم؛ أنجزنا هذه الدراسة بالفرنسية والعربية عبر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان من خلال عملي وعضويتي فيها، أنجزنا هذا العمل فأصبح لدينا على الأقل معرفة حول ما هو الموقف القانوني الإسباني في مسألة الملاحقة، وكذلك القانون الألماني والبريطاني والدانماركي، لتسهيل عملية المتابعة في هذا الأمر ورفع الشكاوى، بعد ذلك كان الاتجاه الآخر عندما شعرنا بأن الامر صعب في مسألة التقصي الداخلي، تبنيت مسألة أن يكون هناك حالة تقص دولي، وكان البقاء في جنيف لفترة طويلة من أجل العمل على أن تبعث الأمم المتحدة لجنة تقصي حقائق، وكيفية الإتيان بفريق دولي إلى الأرض ليساعدنا في جمع المعلومات وهذا ما تم.

 

• هل يمكن أن تحدد في أي فترة كان هذا؟

– في مايو عقدنا اجتماعين في المفوضية العليا لمجلس حقوق الإنسان في جنيف من خلال إدارة الشرق الاوسط داخل المفوضية، وكانت تتعامل مع الموضوع بجدية ومتابعة جيدة، إلى درجة أننا قدمنا طلباً حول إمكانية أن يقوم فريق بزيارة اليمن والإطلاع عن كثب حول ما يجري، تلقفوا الأمر وتابعوا الجهات اليمنية الرسمية بابتعاث وفد من عندهم، وبالفعل تم الاتفاق مع مكتبي بيروت وجنيف لوصول فريق تقصي الحقائق، وعقب محرقة تعز بالذات كانت الأمور بالنسبة لنا قد تجاوزت أي حدٍ وتحرك العالم معنا بشكل ممتاز بسبب التغطية الإعلامية الجيدة التي سلطت الضوء عليها، أتى بعد ذلك الفريق الدولي من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، سارعنا في البحث في جنيف لتزكية الطلب أو تعزيز الطلب بأن يكون للمفوضية السامية مكتب في اليمن، ولا يكتفى بفريق زائر ثم يعود إلى جنيف، لكن فكرة أن يكون هناك مكتب للمفوضية السامية في اليمن بالنسبة لنا يحقق هدفين أساسين، الهدف الأول هو إيجاد فريق على الأرض يقوم بدور الرقابة ومتابعة الانتهاكات التي تحدث ويكون وثيق الصلة بالأرض ولديه القدرة على تبين الحقيقة والتأكد مما يجري من انتهاكات، والثاني بأن مجرد وجود فريق أو مكتب مقيم داخل اليمن من وجهة نظري سيعمل على فرملة أي حالة شطط أو استخدام مفرط للقوة أو خروج عن العقل في استخدام القوة تجاه المتظاهرين السلميين، وهناك مهمة ثالثة سيقوم بها المكتب هي تقوية أدوار المجتمع المدني والناشطين والعاملين في مجال حقوق الإنسان على عملية تعزيز حقوق الإنسان وعملية الرصد المختلفة وتقديم ما يسمى بالخبرة والإمكانيات الفنية والدعم الفني للمنظمات المختلفة، أظن الأمور سارت بهذا الاتجاه، وكنت سعيداً جداً بأن تمت الموافقة من الجهات الرسمية في الجمهورية اليمنية على فريق الأمم المتحدة وأُكد ذلك باتفاق رسمي في نيويورك بين وزير الخارجية اليمنية ورئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وزار اليمن رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شخصياً وقابل شخصيات مختلفة ورئيس الوزراء والخارجية بغرض التأكيد على فتح المكتب، كنا خلال تلك الفترة قد عملنا على أكبر عملية ضغط على الجهات الرسمية المختلفة للقبول بهذا الأمر، الذي من وجهة نظري يشكل خطوة أساسية أولى ليس فقط لنشر الوعي، لكن للحماية والوقوف على أي حالة انزلاق تؤدي إلى تدهور حالة حقوق الانسان في اليمن، وهذا العمل كان وراؤه المجتمع المدني لا أقول أنا شخصياً ولكن معي فريق عمل ممتاز جداً من الناشطين والناشطات، كان معنا فريق عمل ممتاز داخل مفوضية حقوق الإنسان مؤمن بالقضية بشكل كبير ، وكان هناك تجاوب من المسؤولين اليمنيين خاصةً أن فتح المكتب لم يتم إلا بعد وصول حكومة الوفاق إلى الحكم، وهذا سهَّل العملية أكثر، هناك فريق داخل الحكومة لم يكن ممانعاً لوجود هذا العمل على الأرض، وينظر إلى المسألة على أنها ربما تساعد على عملية التوازن ووقوف حالة العنف.

 


• ما الذي أنجزه مكتب المفوضية خلال الفترة الماضية؟.

–  مرحلة التأسيس الصعبة التي مر بها إنشاء المكتب ليست هينة، لكن يمكنك سؤال مدير المكتب وهو موجود في صنعاء الدكتور عبد السلام أحمد، وهو كما أعتقد شخصية أكاديمية وحقوقية ممتازة وهو ناشط سابق على المستوى الدولي، أستاذ قانون عاد من كندا وناشط مهم، لكن اعتقد أنهم منذ فتح المكتب قاموا ببعض الأنشطة العامة ومن ضمنها عملية إعداد التقارير الأساسية والتوعوية الخاصة بما يخص انتهاكات حقوق الانسان في اليمن مع التركيز على قضايا المرأة والأقليات، وأرى بأن رفد هذا المكتب بدعم من المجتمع المدني والدولي ليقوم بدور أكبر بمسألة الدعم الفني أمر مطلوب الآن، ربما في البداية هم يريدون تقديم العون الفني للمجتمع الفني والحكومة اليمنية، لكن أعتقد أن دوره الأكبر أن تقدم له إمكانية إشراكه في عملية المتابعة والمراقبة في قضايا حقوق الإنسان على الأرض.. مهمة المجتمع اليمني بناء جسور حقيقية لتقديم المعلومات والتحري، منها مع هذه الجهات الدولية العامة لأنها هي المصدر الرئيسي لتقديم معلومات على طاولة مجلس الأمن في الأمم المتحدة وعلى طاولة مجلس حقوق الإنسان.

 

• نعود إلى موضوعنا الخاص بأحداث 2011، كيف كان تفاعل المجتمع الدولي مع الأحداث في اليمن والتقارير والمعلومات التي تصلهم عبركم أو عبر ناشطين آخرين ووسائل مختلفة؟.

– العملية فيها مراحل مختلفة، مثلاً مرحلة ما بعد أحداث الكرامة كان الضوء قوياً على ما يجري في اليمن، حقيقةً بدأ التفاعل الدولي من خلال نشاط إعلامي مكثف، حقيقةً ما جرى في صنعاء كان يعطي زخماً كبيراً جداً، النقطة الثانية، الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها تعز، كانت مثلاً من القضايا التي تلفت نظري بأن العواصم الهامة ومجلس حقوق الإنسان بحسب القانونيين كان لديهم عملية اهتمام كبيرة، وشغف في مسألة الحصول على المعلومات، اهتمام كأنهم يريدون أن يسمعوا الصوت القادم من اليمن ليقدم معلومات حقيقية حول ما يجري من انتهاكات جسيمة وتدهور حقيقي للوضع، بعد ذلك ما لفت نظري هو اهتمام دولي بحالة التدهور الإنساني التي تعرض لها اليمنيون بشكل كبير، مثلاً كان الاوروبيون يتفاعلون مع قضية أن اليمن يتعرض لحالة تجويع وعقاب جماعي، انعدام الأمن والكهرباء والخدمات الأساسية، فكان يرى الكثير منهم أنها حالة من الحالات النادرة في انتهاكات حقوق الانسان الجسيمة على الصعيد الجماعي وليس الفردي، لم يعد القمع يطال المتظاهرين أو المتصدرين للمظاهرات أو الناشطين السياسين، بالعكس كانت هناك بعض المفارقات العجيبة يطرحها السياسيون الأوروبيون بذكاء شديد جداً بأن كبار السياسيين في اليمن على صعيد السلطة والمعارضة هم في حالة مرفهة على صعيد الحصول على الأمن المعيشي والأمن الشخصي، حتى في مسألة التعرض للملاحقة والخطر عكس العالم كله، بأن القادة هم دائماً الأكثر تعرضاً للانتهاك، الأكثر إحساساً بالجوع والخوف والقمع والتعرض للموت، في حين ما يجري في اليمن عكس ذلك، حيث أن من تعرض لذلك هم البسطاء والشباب بشكل أساسي، لكن العامة من الناس كانوا يعانون معاناة لا يمكن وصفها، وأنت أدرى مني ربما بالوضع الذي عشته أنت. هذه الحالة جعلتنا نتنقل في الملف اثناء الحوارات الأساسية التي حُظيت بها على مستوى دائرة صنع القرار السياسي في واشنطن أو بروكسل أو باريس؛ أنه يجب النظر إلى أن العقوبات والانتهاكات لا تطال القيادات الحاكمة أو المعارضة، لكنها تطال الناس البسطاء، وهي حالات ترويع وتجويع وتخويف واختفاء قسري، ولا أحد يعرف ما الذي يجري، وإذا كان هناك تدخل يجب أن يكون تدخلاً سريعاً جداً لوقف هذا الأمر.

المرحلة الأخيرة التي لمستها جاءت بعدما يسمى المبادرات الاقليمية، هنا دخل الموضوع حيزاً آخر، هنا أُعطي العالم نوعاً من الانطباع بأن اليمن تسير نحو الحل المرضي، وأن بروز ملفات ساخنة أخرى في الشرق الأوسط أولى بالاهتمام الدولي على رأسها سوريا مثلاً، وتراجع الاهتمام كثيراً على المستوى الدولي بسبب أن هناك قناعة لديهم بأن اليمنيين مقتنعون بالحل الإقليمي وأن اليمن يسير نحو التهدئة المرضية، على الأقل الأغلبية وليس الجميع، وبالتالي لا يجب أن تُبذل جهود أكثر في جانب الاهتمام أو التقصي أو الحصول على المعلومات، وهذا الشيء كان مؤلماً جداً، أي أن تفقد سنداً حقيقياً تصله معلومات تقول له إن الأمور جيدة، وأنَّ الانتهاكات توقفت، ولم يعد أحد يسمع مثل ما كان يسمعه أول الأمر بسبب أن المصادر اليمنية الأخرى تأتي لتؤكد أن الأمور تسير بشكل ممتاز، كان محزناً إلى اليوم، وبعد عودتي إلى اليمن ما زال ملف المعتقلين والأسرى والجرحى مفتوحاً ولم يعالج؛ والعالم هناك يظن أن الأمور قد حلت، أتيت هذا الاسبوع من روما وجنيف ولا يصدق أحدٌ هناك أنه ما زال هناك جرحى ومعتقلون وملفات لم تغلق، مؤلم تماماً أن تؤكد مصادر يمنية أن الأمور قد حلت تماماً، أندهش كثيراً لأنه ليس من صالح أحد لا أخلاقياً ولا سياسياً ولا قانونياً أن يقول بأن الأمور على غير ما هي عليه، بالعكس قول الحقيقة ولو كانت مؤلمة مفيد للجميع لكافة الأطراف، بما فيها الأطراف الحاكمة لأن هناك قضايا أخرى لا يستطيعون حلها ويحتاجون للدعم للخروج منها. الصمت بهذه الطريقة لا يخدم القضايا ولا يخدم حتى الحكام أنفسهم.

 

• هذا التحول في الموقف الدولي هل كان بعد ظهور المبادرة أم بعد التوقيع عليها؟.

– بعد التوقيع بشكل أساسي،.. لكن منذ ظهور المبادرة بدأ ما يسمى النزول التدريجي، لكن الحدث الإعلامي الأبرز هو التوقيع على المبادرة.

 

•  إذا بحثنا في شأن الصراع المسلح بين أطراف النظام هل أثَّر على المواقف الدولية تجاه الوضع هنا؟.

– دعني أقول إنه وخلال الأشهر السابقة على توقيع المبادرة لم يظهر على الثورة اليمنية الشبابية السلمية أنها نزاع بين طرفين مسلحين، ظهرت إشارات مهمة في تقارير حقوقية أن هناك عنفاً، لو ركزت على بعض البيانات الصحفية الدولية التي كانت تقول إنه على الأطراف الالتزام بالعمل السلمي وعدم استخدام العنف، كلمة الأطراف كانت تعني الطرفين المسلحين ولا تعني الشباب الذين بقوا في دورهم السلمي، لكن دعني أقول إن هناك مقارنة بين ثلاثة ملفات، أنا كنتُ قريباً من ثلاثة ملفات في المنطقة العربية بحكم عملي في حقوق الإنسان ألا وهي ملف البحرين وملف سوريا وملف ليبيا، الصورة التي لدى العالم أن من يسمون بأنصار الثورة لم يبدأوا بأية أعمال عنف تجاه الطرف الآخر والجيش الرسمي، هذه مهمة جداً للمتابعين، والمتابعة الدولية دقيقة لهذا الموضوع، أنا أقارن هذا الأمر الآن بعد شهور طويلة من التروي مع الملف السوري، هناك لم يعد أي ذكر للمسيرات، أو للثورة الشعبية أو للشباب، ولم يعد هناك ذكر للمعارضة السلمية، لكن كل البيانات والتقارير تقول إن هناك قوة مسلحة تقصف، وقوة معارضة ترد بقصف أو العكس، بل إن القوة المعارضة متهمة بالكثير من الخروقات، وثانياً ليس هناك قيادة موحدة مسؤولة، ما حصل في الثورة اليمنية كان الأمر مختلفاً، فالنظرة الدولية كانت إيجابية بالنسبة للجانب المعارض، فالثورة اليمنية عُرفت بالسلمية، وأجمل ما كان فيها التركيز الإعلامي على النساء، وكان هذا إيجابياً تماماً، فالعالم يتعاطف تماماً عندما يرى في المقدمة آلاف النساء والشباب العزل كاشفين عن صدورهم، أعتقد أن من الدروس الهامة جداً التي على اليمنيين أن يحافظوا عليها وأتمنى أن يعودوا فيها بذاكرة حية، هي أنهم في الأشهر الأولى صنعوا ملحمة حقيقية للتلاحم الشعبي السلمي في مواجهة القمع.

 

•  في هذه الإجابة أيضاً سبقتني ووصلت إلى محور آخر كُنتُ أود الذهاب إليه، لننتقل الآن إلى قضية أخرى، كيف استطاع النظام التأثير على المجتمع الدولي لصالحه أو التشويش على المعلومات بخصوص الوضع في اليمن؟.

هناك نقطتان أساسيتان، النقطة الأولى أن النظام في اليمن لديه قدرة ممتازة على خلق العلاقات العامة على الصعيد الدولي، لمستها لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، لديه شبكة من العلاقات الممتازة التي تُبيض وجهه، وتعطي صورة إيجابية عنه، وكان معتمداً عليها بشكل كبير جداً، الشبكة تتضمن علاقات مع وسائل الإعلام ودبلوماسيين قدامى كانوا يرتبطون بالنظام بشكل ممتاز وعملوا على تلميعه بشكل جيد، النقطة الأخرى أن الطرف الآخر لم يكن لديه أي نوع من العلاقات الدبلوماسية أو الإعلامية، كل الذين وقفوا مع الثورة اليمنية هم نوعان، إما حقوقيون مناضلون مؤمنون بتجرد، أو إعلاميون متعاطفون.. لم تكن للثورة الشعبية اليمنية شبكة علاقات دبلوماسية، أنا كنت أحاول أن أتواصل مع القيادات السياسية المختلفة، وأقول لهم: هناك عجز في الصوت الدبلوماسي الخارجي، أنتم بحاجة لظهور دولي لشرح القضية في المحافل الدولية، لم يكن لديهم هذا التوجه، وكنت أستغرب أنه ليس هناك قدرات للوصول إلى المحافل الدولية بسرعة، مثلاً؛ إمكانية مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، من خلال الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في فرنسا التنسيق للوصول إلى اجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ثم إلى اللجنة في نيويورك، ثم إلى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، وخلال عشرين يوماً نستطيع أن نرتب الثلاثة اللقاءات للوصول إلى هذه الجهات، كنت عندما أتواصل مع القيادات الحقوقية والسياسية في الداخل أرى بأن لديهم صعوبة بالغة في الانتقال، وكنتُ أقول لهم إن هذا غير منطقي.. أن تنقل قضيتك إلى المحافل الدولية في الوقت المناسب هو المهم، عدالة القضية وحدها لا تكفي، لكن التوقيت مهم لإبرازها، اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب يساعدك على تحقيق العدل المطلوب، هذه لم تكن موجودة، في حين كان الطرف الآخر لديه قدرات أفضل بكثير في هذا الشأن، لأن الخصم كان غائباً عن العلاقات الدولية والخارجية، وكان للنظام حقيقة شبكة علاقات أتمنى أن يتعلم منها الثوار إذا أرادوا ذلك.

 

•  إذن كان تأثير الثورة واللقاء المشترك وحلفائه ضعيفاً في الخارج؟.

على مستوى العلاقات الدبلوماسية الدولية كان دون المستوى المطلوب، مثلاً أنا أتذكر تماماً أحياناً أطراف القضية الفلسطينية أو معارضات بعض الدول العربية دون أن أسميها، ستجد لديهم قدرات هائلة في الوصول إلى المحافل الدولية وإلى صناع القرار في عواصمهم، لكن العمل الدبلوماسي والسياسي اليمني يعتمد على العاصمة صنعاء واللقاء بالسفراء، لك أن تراجع، دون أن أراجع أنا عدد الزيارات التي قام بها القادة الحزبيون إلى أوروبا وأميركا خلال الثورة، ربما هم عانوا من تحديات كثيرة وصعوبات في التنقل، أقول ذلك، لكن أعتقد بأنه من الدروس المستفادة لإيصال صوتك في الوقت المناسب، يجب عليك إعادة النظر في آليات العمل والعلاقات الدولية الدبلوماسية.

 

•  إذاً فالشخصيات السياسية والحقوقية التي كانت تنتقل من صنعاء إلى القاهرة وبيروت أو عواصم اوربية كانت تفشل في التأثير لصالح الاحتجاجات الشعبية؟.

أنا لم أرَ هذه الشخصيات، الأشهر الأولى لم يكن هناك انتقال لأي شخصية، بعد جمعة الكرامة مثلاً، أعلن موقف الأحزاب والقيادات العسكرية في 21مارس، يفترض أنه في الـ22 من مارس يكون لديك خمس أو ست شخصيات تجوب أوروبا، أذكر تماماً أنه وخلال مغادرتي في نفس التاريخ ؛ كنا ننسق لزيارة الخارجية الفرنسية في باريس، ثم الانتقال إلى أميركا خلال عشرة أيام لشرح الموقف، وأنت أحد الناشطين الحقوقيين مثلاً الذين مدوني بالمعلومات عن أعداد وأسماء الشهداء والجرحى، المعلومات الأساسية التي تم جمعها عبر الإيميل والتلفون بشكل سريع، ومنها تم إعداد تقارير أساسية وصور حول الحادثة، وجمعناها كلها من ناشطين حقوقيين في الميدان، القيادات الحزبية لم تتحرك خلال تلك الفترة وإلى ثلاثة أشهر، كان لديهم صعوبة حقيقية في الخروج والتحرك الدولي لفترة طويلة، ثمَّ كان لديهم قناعة تامة بأن الحلول ستكون في إطار الخليج، وبالتالي كان أبرز تحرك لهم في الخليج، بينما أنا كنت أفضل وأرى أن الحل سيكون دولياً، وربما الأيام أثبتت أن الدعم الدولي هو الأساس.

 

•  هل تعرضت لمخاطر أو تهديدات خلال هذه الفترة؟.

– القول بأن المرحلة كانت خطرة، بالتأكيد خطرة، كل ما كان يرفع من معلومات حول مسألة التعرض لخطر، كنت آخذ المسائل بجدية، كانت تصلني أشياء كثيرة، لا أريد أن أذكرها الآن، مختلف أنواع الوسائل الهادفة للتخويف والإحباط، لكن كنتُ مؤمناً تماماً بشيئين، أولاً هذه القضية عادلة، وثانياً كنتُ ولا زلت أعمل من أجل العدل والإنصاف، لم تكن لديَّ أغراض شخصية، تعرضت حتى للتجريح الشخصي، لكن أن تعمل في مراحل كلها خطر، كان هناك خطر بالفعل، كان ما يجعلك شجاعاً أن ترى شباباً عزلاً يتعرضون لرصاص حي في العراء، هذا المشهد يجعلك ترى كل ما تقدمه رخيصاً أمام ما يقدمه الناس في خندق المواجهة الرئيسية في صنعاء أو تعز أو عدن.

 

• من أين كنتَ تتلقى الدعم والتمويل لتحركاتك؟

– أنا مرتبط بالفيدرالية الدولية لحقوق الدولية لحقوق الإنسان من خلال عملي معها وعضويتي فيها، وهي التي سهلت لي الكثير من التحركات؛ إضافة إلى المنظمات الصديقة كالمعهد الدانماركي لحقوق الإنسان والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، أستطيع القول أني كنتُ أعيش في الحد الأدنى للعيش الكريم خلال تلك الأيام، مقابل توفير تذاكر سفر وتكاليف التنقل، وكل ذلك على حساب عملي وأسرتي، الإيمان بالقضية يجعلك تبذل مجهوداً أكبر، وتنجز مهاماً أكثر بأقل التكاليف، فمسيرة لمائة ألف شاب مؤمن بقضيته لا تكلف أكثر من نداء عبر مكبرات الصوت، أو منشور في الفيس بوك، أو شعارات على قطعة قماش، في حين أن مسيرة صغيرة مؤيدة لحاكم مستبد تكلفه الملايين.

 

•  ما هو أكثر موقف أثر فيك؟.

– حادثة جمعة الكرامة كانت فاصلة في حسم الموقف بقوة لضرورة التحرك الدولي، كنت أؤمن بأن التغيير ينبغي أن يتم في صعيده الوطني بشكل أساسي، لكن في تلك اللحظة أحسست أن كل الآليات الوطنية لن تكون قادرة على تحريك ملف الإنصاف على الإطلاق، المواقف الأخرى التي دمرتني من الداخل هي تعز، التي تحاصر ويتم تجويعها، كان مؤلماً بالنسبة لي أن يتم التآمر على اقتحام ساحة الحرية بطريقة فيها من الانتقامية أكثر مما فيها وقف خطر، لا يمكن لك أن تتخيل أن تصلك الأنباء وأنت في شمال أوروبا وترى أهلك محاصرين، وتسمع أصواتهم في الهاتف، ثم تعرف بأن بيتك يضرب، ثم تعرف أن كل عائلتك محاصرة، ثم تعرف بأن أصدقاء لك بين قتيل وجريح ومفقود، لا يمكن لي أن أصف حالة الألم التي تعرضت لها على الإطلاق، أذكر أنني خلال ساعات وصلت القاهرة لجمع ملف واللقاء مع أحد المبعوثين الدوليين ثم السفر مباشرة مرة أخرى من أجل هذا الملف في وقت حقيقة لا أستطيع أميز فيه الساعات والأيام، كان ما يهم هو أن اللقاء سيتم بعد عشر ساعات، ثم السفر بعد ذلك لأجل القضية، لم تعد تدري ما هي الأيام، حالة من حالات القهر التي تريد أن تخرج منها بشكل لا يمكن وصفه على الإطلاق، كيف تحاول أن تنقذ حياة إنسان يستنجد بك، وكان مؤلماً أن الداخل يتطلع إلى دعم دولي بشكل كبير، كان سقف تطلعات الناس في الداخل بأن الإنقاذ الخارجي سيكون سريعاً وهاماً ومنقذاً، وهذا كان يزيد العبء أكثر، ما زلت أؤمن أن التغيير يأتي من الداخل والحسم يأتي من الداخل، والناس كان لديهم سقف تطلعات عالية، هي ثلاثة مواقف حقيقة، الكرامة في صنعاء والمحرقة في تعز، وقبلها أحداث المنصورة في عدن، كان من سوء حظي أن أشاهد التغطيات التلفزيونية في صدف عجيبة، صادف في تلك اللحظات أن أكون أمام تلفزيون باللغة العربية، وينقل مباشرة عن اليمن، وكنت قبلها بأيام لا أشاهد التلفزيون وأتابع الأخبار عبر الإنترنت، لكن في تلك المشاهد لعب القدر لعبته المؤلمة معي، لك أن تتخيل شاشات التلفزيون تنقل لك حارتك أو شارعك في تعز، وترى صور أشخاص ربما تعرفهم، فتقول تلك ربما أختي، ذلك جارنا أو ابن القرية، ذلك الطفل هل هو ابنك؟.. من الصور التي آلمتني كثيراً أن أحد الأصدقاء صور باب المنزل وأرسل الصورة في نفس اللحظة وهو يقول: “للتذكير فقط.. سترى أن الألوان تغيرت وشكل البيت تغير، هذا باب منزلكم”، أمور تحتاج مني وقتاً ومسافة لأكتب عنها، برغم أني أكتب بشكل يومي، لكن عن هذه الأشياء رأيت أنه من الصعب أن أكتب عنها من شدة الألم، لا تستطيع أن تعبر بشكل أكثر إنصافاً.

 

• ما هو الفرق الذي تعتقد أنه كان ممكناً أن تحققه الآليات الوطنية أو الدولية عن ما أحدثته المبادرة لصالح قضية الاحتجاجات الشعبية؟.

–  أنا كنت ولا زلت أرى، وهذا رأيي، وفي الأخير أؤمن باحترام الرأي الآخر والأغلبية، لكني أتمسك برأيي أو بالديمقراطية الحقيقية، أنا كنت أرى أنه إذا كان السيناريو الوطني أكثر صلابة في التمسك بالمواقف رغم حجم التضحية الأكبر، وهو أنه الحل وتطبيقه وتنفيذه برؤية وطنية، وليس بمبادرة خارجية لا تشعر به تماماً أو بألمه وبمقدار الخسارة الكبيرة التي أنت تدفعها، الكلفة الكبيرة التي أنت تدفعها، فالوسيط الدولي مهما كان شقيقاً أو صديقاً يظل ينظر بعينين متوازيتين أنه ليس هناك ضحية وجلاد وظالم ومظلوم، ينظر إلى أن هناك طرفين وهو يريد أن يوفق ويلعب دور رجل إطفاء، ولكن ليس قاضٍ منصف من أجل تحقيق العدل، هذه مسألة خطيرة فعلاً والله، أنا كنت أعتقد أن الجهات الوطنية والسياسية ستتمسك بمواقفها أكثر في سقف التغيير المطلوب وإحداثه بعيداً عن الانتقام طبعاً والتشفي، أنت لا تريد أيضاً الانتقام ولكن تريد عدلاً، كان بالإمكان الوصول إلى حلول أكبر من ذلك، يعني كان يمكن أن تضع القوى الوطنية سقف المطالب المطلوبة أمام المجتمع الدولي وليس العكس، أنا كنت أتوقع أن نذهب إلى المجتمع الدولي والإقليمي وأن نقول له: “نحن قمنا بثورة شعبية سلمية بعد انتهاكات جسيمة وتضحيات كبيرة، ونريد ونرى الحل فيما  يلي ونطرح الحلول من تغيير النظام، التغيير في جوهر العملية السياسية برمتها، إلى طريقة العفو والتصالح”، يعني أنت الطرف الذي ضحى، الطرف الأقوى، الطرف الذي يملك الحق في وضع الحلول، هذا لم يتم، الذي تمَّ بأن الآخرين أرعبوا الناس بأنه سيكون هناك دمار أكبر مما حدث وبالتالي عليكم القبول بالتسوية التالية، التسوية كانت بعيون سياسية وليست بعيون حقوقية، وأعتقد أن الوضع الحقوقي لا زال ماثلاً حتى الآن، يعني لا يمكن الحديث الآن عن إنصاف تم للشهداء، يعني لا أريد أن أقول بعض المصطلحات التي ربما تؤلم البعض، لأنني أريد للعملية السياسية أن تنجح، لكن ما يؤلمني حتى الآن أن لا أجد في الاعلام الرسمي -بين قوسين- الذي كان في يوم ما معارضة  وسلطة وصار جميعه سلطة بتنوعاته المختلفة، لا أجد وصفاً حقيقياً لكلمة ثورة، لا أجد وصفاً لكلمة شهداء، على الأقل نبدأ بالاعتراف بأن هناك ثورة ولها تاريخ.. تذهب إلى ليبيا ولديهم تاريخ ثورة فبراير، تذهب إلى مصر ويقولون لك ثورة 25 يناير، تذهب إلى تونس يقولون لك ثورة 14 ديسمبر، ففي اليمن حتى هذا الأمر لم نُعْطَه، رغم أنه اعتراف معنوي وحق أدبي وسياسي، يعني نقول أن اليمن فيها ثورة اسمها ثورة 11 فبراير 2011م كنوع من الرمزية التي تشعرنا بأننا ضحايا ولسنا شهداء.

 

•  كيف تنظر إلى دور المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية بعد التسوية السياسية؟ يلاحظ عليه في الفترة الأخيرة تراجع كبير وملحوظ في مناصرة قضايا الانتهاكات مع تزايد في وتيرة هذه الانتهاكات، كيف ترى الأمر؟

– يعني أنا أؤكد عليك.. ليس المسئول أعلم من السائل، أنت أيضاً أتيت من وسط حقوقي وتعرف المسألة أكثر مني، لكنك الآن تمارس دور الصحفي، لكن أنا معك في هذا الاتجاه ممكن اندهش اكثر منك لحالة التراجع المهنية وأقول المهنية- بين قوسين- للعمل الحقوقي بسبب استدراج معظم المنظمات إلى دائرة الفخ السياسي والتسوية السياسية، هذا خطير جداً، لم ينتبه الكثير من  الزملاء إلى أن التخلي عن المهنية العالية في العمل الحقوقي يضرهم ويضر العمل الحقوقي ويضر سمعتهم ايضاً، برغم أن العمل الحقوقي عندما يصبح سياسياً باحتراف يضر نفسه وبشكل كبير، وبالتالي أرى بأن المشهد مكون من صورتين أو جزئين؛ الجزء الأول أن كثيراً من المنظمات والأشخاص والناشطين أحبطوا بعد المبادرة الخليجية والتسوية السياسية لسبب بسيط هو أن الحقوقيين والثوار دائماً سقفهم عال، ومطالبهم حادة، ومواقفهم حادة وانفعالية، وهذا حق، وبالتالي لا يؤمنون بمسألة المبادرات والتسويات السياسية، وبالتالي أصيبوا بنوع من الإحباط إزاء استمرارية زخمهم ومواصلتهم للعمل الحقوقي الثوري، هذا جانب؛ جانب أثر كثيراً على مسألة التوثيق والنشر، الجانب الآخر أن كثيراً من المنظمات الحقوقية الفاعلة بسبب أنها تمثل أذرعاً اجتماعية لأحزاب سياسية مختلفة؛ استدرجت ووقعت في الفخ السياسي، وبقي رئيس المنظمة لا يدري هل هو يدافع عن حزب حاكم؟ أم هو رئيس منظمة مستقل؟، وبالتالي ينظر بعين المصلحة السياسية والعين السياسية التي تفرض عليه غضَّ الطرف أو عدم الاكتراث لما يجري من انتهاكات، وأحياناً المؤلم أن تجد من يبررها، أنك تجد أيضاً من الحقوقيين من يبرر الانتهاكات، وهذا شيء خطير جداً أعتقد بأن هذا الأمر بالنسبة لي لا يصيبني بالإحباط بشكل كبير، يعني أعتقد أنه بالعكس بالنسبة لي أرى بأنه يختتم مشهداً عليه أن ينتهي، علينا أن ندرك بأننا أمام مرحلة جديدة ستفرز منظمات حقوقية  أكثر مهنية، الشخصيات الحقوقية التي لعبت دوراً سياسياً وقبلت أن تدخل مربع السلطة ومربع القمع ومربع العمل السياسي المباشر، يعني سيكون من المستحيل عليها أن تلعب ثانيةً دور المهنية والحقوقية في المرحلة القادمة، وهذا أمر مفروغ منه، إذن هناك مرحلة من مرحلات الفراغ الذي سيُسَد بناشطين جدد ومنظمات جديدة أكثر مهنية وقدرة على التعاطي بموضوعية مع قضايا حقوق الإنسان لأن العمل المهني الحقوقي يجعلك في منطقة عداء مع كافة الاطراف التي تصبح سلطة أياً كانت هذه السلطة إسلامية، غير اسلامية، يسارية، يمينية، كل السلطات لا ترضى عن العمل الحقوقي المهني، يعمل لها نوعاً من الازعاج، والعمل المهني الحقوقي يرى نفسه دائماً في صف المعارضة، وفي صف الناقد أكثر من صف المادح للنظام، للأسف الشديد اليمن تمر بهذه المرحلة التي فيها انعدام الفواصل بين السلطة والمعارضة، يعني التسوية السياسية في اليمن جعلت المعارضة سلطة، لكنها لم توجد معارضة تبقى في صف المعارضة، لا زلنا حتى هذه اللحظة يتشكل لدينا الوعي والاهتمام بأن يكون هناك توازن حقيقي للعملية السياسية حتى تصبح ديمقراطية حقيقية في هذا البلد، يجب أن تكون هناك أصوات معارضة جادة تمتلك الرؤيا وتمتلك القدرة على النقد، وعلى إيجاد السلبيات بموضوعية واقتراح البدائل الحقيقية، لكنها ليست مشاركة في السلطة، حتى نستطيع أن نقول نحن في بلد ديمقراطي، أما أنه يجب أن نقول إننا جميعاً تحت سقف واحد دون انتقاد لما يجري، ودون اعتراض، بالعكس هذا لا يخدم أحداَ، حتى لا يخدم السلطة نفسها، فهذه المرحلة التي جعلت كل الاحزاب التي كانت معارضة في السلطة معاً، لكن لا توجد حتى الآن معارضة، حتى أنني اسأل نفسي أحياناً ما هي الأحزاب المعارضة؟ كان القطاع الوحيد الذي يمكن أن يلعب دور الناقد الحقيقي والمعارض الجاد من أجل تقييم مسار الثورة وتقييم مسار الديمقراطية، وأن يحرس عملية التغيير الديمقراطي في اليمن، وأن يحرس الثورة الشعبية حتى تحقق أهدافها، هو المجتمع المدني، لكن هذا تعرض أيضاً لكثير من التهميش والضرب والاحتواء من قبل الأحزاب وبقايا السلطة بشكل كبير.

زر الذهاب إلى الأعلى