حوارات

السفير عبد الولي الشميري: دول الخليج لا تمتلك مشروعا في اليمن غير صناعة رئيسٍ للقصر أو شيخ للقبيلة، لأن رؤيتهم محصورة بنموذج دول الخليج

يمنات – ايلاف

قال الدبلوماسي المعروف والسفير اليمني في القاهرة الدكتور عبدالولي الشميري ان التصالح فيما بين الاخوة الاعداء من الايدولوجيين في الحركات اليمنية والاحزاب السياسية ومن اسماهم باصدقاء الامس اعداء اليوم لايزال ممكنا، مؤكدا ان العمل في الحقل السياسي بمهنة العصر وحداثة الفكر لايعرف دوام العداوة، وخاصة في اليمن؛ البلد الذي تتغير فيه كل المعادلات، وتختلف فيه جميع قواعد اللعب السياسية، فالتصالح والتسامح مبدأ لابد أن يكون حاضرا في المشهد اليمني، وليس على الدنيا سياسي سيخرج منها منتصرا، فكل السياسيين يرحلون عن الدنيا مغلوبين، أو مظلومين، ولايمكن أن ينتصر فريق على الآخر بشكل ينهيه تماما.

واضاف ان من الكوارث أن يتسلط طرف على الآخرين ولو بانتخابات ديموقراطية نزيهة، مشيرا الى ان ذلك قد يؤدي إلى انفجار حروب أهلية لاسمح الله، فالمغالبة عبر صندوق الانتخابات تحتاج قبل ذلك الى مجتمع مدني واعٍ، وليس مجتمعا قبائليا مسلحا مؤدلجا وفقيرا.

وقال السفير الشميري في هذا الحوار الخاص بايلاف والذي اجراه الزميل محمد الخامري رئيس التحرير على ضفاف نهر النيل في خضم الاحداث السياسية العاصفة في مصر "30 يونيو"، قال إن دول الخليج لاتمتلك في اليمن مشروعا شعبيا متكاملا مدروسا لاحتواء الشعب اليمني كشعب؛ يسكنه خمسة وعشرين مليون نسمة، بل أرى أن مشاريعهم الحالية سطحية ومشخصنة وتتركز في صناعة رئيس للقصر فقط، أو شيخ في قبيلة، لأن رؤيتهم محصورة بنموذج دول الخليج، والقياس هنا غير صحيح، مؤكدا ان المشروع الحقيقي الذي يراه يتمدد بسرعة وباستراتيجية متكاملة ومدروسة، وله خطط وبرامج استيعابية، إعلاميا وثقافيا، واجتماعيا، وعسكريا ومدعوم ماليا بشكل منظم هو المشروع الذي تقف من ورائه إيران، سواءً في الجنوب أو في الشمال.

وقال ان الايرانيين يدركون أن التغيير في الجمهوريات يأتي من خلال كسب الشعب واستقطاب النخب والفئات، وبتنظيم دقيق سري وعلني، وكل من سار على الدرب وصل.

وتحدث الدكتور الشميري عما يحدث في مصر وفنّد أسبابه ودوافعه، كما أرسل رسائل سياسية مختصرة للعديد من السياسيين وقادة الدولة في اليمن فالى الحوار:

* بداية نرحب بك ضيفا عزيز على قراء صحيفة ايلاف، ونبدأ من الوضع السياسي الذي تمر به البلاد هذه الايام.. كيف تراه؟

– المشهد السياسي اليمني حاليا مضطرب، ومعالم المستقبل: لوحات أمل خالية من الكتابة.. والبلاد تمر بظروف غامضة، وأبرز مايسيطر على المشهد السياسي، القلق، التخوف، التوتر، الانفلات الأمني.. والتحفز الموتور من قوى متضادة للوصول الى القصر.

* هل ترى في وصول أي من القوى المتضادة للقصر انفراج محتمل؟

– بالعكس أرى أن انفجارا محتملا قد يلد حربا، فيما لو حدثت سيطرة سياسية لطرف واحد من الأطراف, ولا انفراج مالم يحدث توافق مسبق، ومصالحة صادقة، ووئام نسبي، إزاء الملفات الملتهبة بين الأعداء الأيديولوجيين، وحلفاء الأمس أعداء اليوم، فالبلاد على حافة بركان –لاسمح الله.

* من تقصد بالأعداء الأيديولوجيين، وحلفاء الأمس أعداء اليوم، هل ممكن توضح اكثر؟

– أظن القوى ذات العقيدة الأيديولوجية حاليا في البلاد هي: تيار الحركة الحوثية، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وأما حلفاء الأمس أعداء اليوم فأقصد: المؤتمر الشعبي العام، وحزب الاصلاح والحزب الاشتراكي. فالثلاثة سبق لهم التحالف في السلطة على المستوى الثنائي، وعلى المستوى الثلاثي، ولعل الجميع يتذكر يوم كان يقف على منصة واحدة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ونائبه السابق علي سالم البيض، والشيخ عبد المجيد الزنداني وسالم صالح محمد، وكلهم يطلقون التصفيق أو الابتسامات في وفاق ولو اضطراري، أولئك هم الحلفاء بالأمس.

* هل تعتقد أن ذلك التصالح والتوافق ممكنا بعد الذي كان من حروب وانقسام وعداوات، واتهامات.

– نعم ما يزال التصالح ممكنا، والعمل في الحقل السياسي بمهنة العصر، وحداثة الفكر لايعرف دوام العداوة، وخاصة في اليمن؛ البلد الذي تتغير فيه كل المعادلات، وتختلف فيه جميع قواعد اللعب السياسية، فالتصالح والتسامح مبدأ لابد أن يكون، وبدلا من حدوثه بعد مزيد من التضحيات والخسائر وفوات سنوات في متاهات العداوت (قد يكون الغيب حلواً إنما الحاضر أحلى). وكلما طال أمد العداء تتكاثر الخسائر وتتراكم المصائب ويطول الطريق، ثم في الأخير لايمكن أن ينتصر فريق على الآخر بشكل ينهيه تماما، بل والأدهى أن يتسلط طرف على الآخرين ولو بانتخابات ديموقراطية نزيهة قد يؤدي إلى انفجار حروب أهلية لاسمح الله. فالمغالبة عبر صندوق الانتخابات تحتاج قبل ذلك الى مجتمع مدني واعٍ، وليس مجتمعا قبائليا مسلحا مؤدلجا وفقيرا.

* رعاة المصالحة

* من ترى بإمكانه رعاية هذه المصالحة بين الأطراف من الداخل أو الخارج. وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في راعي المصالحة؟

– قبل كل شيئ الأهم أولا: في شروط نجاح المصالحة قناعة الأطراف بضرورة التصالح، والصدق، وعدم إضمار الخداع، والتخلي عن الانتقام، وثانيا: حيادية صادقة من الدول الإقليمية المجاورة وفي مقدمتها السعودية، إيران، الإمارات، قطر. ويأتي بعد ذلك الحديث عن: تحديد من يمكنه القيام بالتصالح وهم كُثر، من الداخل ومن الخارج، وفي مقدمتهم الرئيس عبدربه منصور هادي، لو أخلص لذلك. والمبعوث الأممي، جمال بن عمر.

* (مقاطعاً) ماذا عن الدكتور عبدالولي الشميري هل يمكن أن يكون أحد المصلحين؟

– أنا أُكنُّ لجميع الأطراف مودة صادقة، واحتراما كاملا، حتى من لاتعجبني بعض سياساته، وألتمس العذر لهم جميعا، فالمبالغة في تجريم الآخر يصنع عنه صورة ذهنية سوداء قاتمة تمنع صاحبها من معرفة الصواب ومن رؤية الحق. ولكن فريق المصالحة لابد أن يكون مقبولا لدى الأطراف المتصالحين وأن يكونوا من الصادقين في إرادة الصلح. ولنا أسوة حسنة في المصالحة والمسامحة في إخوتنا أعضاء اللجنة المركزية في عدن عن مجزرة 1986م، وليس على الدنيا سياسي سيخرج منها منتصرا، فكل السياسيين يرحلون عن الدنيا مغلوبين، أو مظلومين. أما عني؛ وأن أكون من المصلحين فحبذا وياليت، إن الله يحب المصلحين. ولن أكون إطلاقا كما قال الأعرابي: وما أنا إلا من غزية إن غوت *** غويتُ وإن ترشد غزيةُ أرشدِ

* الربيع العربي

* ما تحليلك لطوفان الربيع العربي، ومن يقف وراءه؟

– الربيع العربي سببه في رأيي واحد، وهو تصلب الحكام الذين قامت الثورات في وجوههم، وعدم تحركهم سياسيا إلى الأمام، فدائما الجمود السياسي يلد انهيارا حتميا، ناهيك عن عدم تجديد أسلوبية التعامل مع الأضداد، والسبب أنهم لم يقرأوا التاريخ، ولم يستفيدوا من عِبر الزمان، وكل ثقافتهم من علوم السياسة مفهوم واحد هو (فرِّق تسد) ولكنهم لم يُدركوا أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن الخصوم أصبحوا سياسيين ويدركون هذه الأساليب.

ليس بإنسان ولا عاقل *** من لايعي التأريخ في صدرهِ

ومن يحز أخبار من قبله *** أضاف أعمارا إلى عمرهِ

ولستُ مع الذين ينسبونه للخارج إطلاقاً، وسنة الله الماضية في خلقه أن التجديد والتحديث شرطٌ لبقاء الدول العتيدة مابالك لحكم فرد لم يطور ولم يهيكل نظامه باستمرار، وقد يحدث التغيير وفق سنن الله ولو لم يكن بالأفضل.

* الخليج وايران ومصر

* اليمن تغص بمشاريع عديدة إقليمية، خليجية ودولية، وهي في حالة تسابق على السيطرة والسيادة في اليمن فهل تتوقع مشروعا منها يقفز للسيطرة على الآخرين؟

– لاأظن أي دولة من دول الخليج تمتلك في اليمن مشروعا شعبيا متكاملا مدروسا لاحتواء الشعب اليمني كشعب. يسكنه خمسة وعشرين مليون نسمة، وياليت… بل أرى أن مشاريعهم الحالية سطحية ومشخصنة وتتركز في صناعة رئيس للقصر فقط، أو شيخ في قبيلة، لأن رؤيتهم محصورة بنموذج دول الخليج، والقياس هنا غير صحيح.

لكن المشروع الحقيقي الذي أراه يتمدد بسرعة وباستراتيجية متكاملة ومدروسة، وله خطط وبرامج استيعابية، إعلاميا وثقافيا، واجتماعيا، وعسكريا ومدعوم ماليا بشكل منظم هو المشروع الذي تقف من ورائه إيران، سواءً في الجنوب أو في الشمال. ويدركون أن التغيير في الجمهوريات يأتي من خلال كسب الشعب واستقطاب النخب والفئآت. وبتنظيم دقيق سري وعلني. وكل من سار على الدرب وصل.

* مالذي جرى في مصر؟

– الذي جرى في مصر نتيجة حتمية لأمور كنتُ أرقبها باستغراب: منها أن الرئيس مرسي كان عبارة عن كوفية على رأس جسد كله مبارك، دولة عميقة بكامل مؤسساتها كما تركها النظام السابق عدا كرسي الرئيس فقط، ورافق ذلك سوء تقدير لدور الدولة العميقة، التي حكمت مصر ثلاثين سنة، واكتفى الرئيس مرسي بعقيدة التنافس الحقيقي بين مشروعين متضادين فكريا، وزاد الطين بلة العديد من الأخطاء السياسية الفادحة، فقد أرادها الرئيس المعزول "مرسي" عُمَرية في عصرٍ غير العصر، وفي مجتمع غير المجتمع، ولم يلبس أي ثوب من أثواب السياسة المعاصرة، ولم يكن لديه ولا لدى فريقه سابق خبرة بكولسة السياسة والتحالفات، واكتفى بالتعامل الفئوي، ولم يستعينوا بخبراء أكفاء، فاكتفوا بقوة الشرعية، وتمترسوا وراء افتراضات نظرية، واصطدموا بسنة حافلة من المسيرات والاعتصامات والاضرابات، وتنافروا مع القضاء، ولم يتحالفوا مع التيارات الصوفية المؤثرة في الشارع المصري، ولم يتوغلوا في طمأنة المسيحيين، وهذا ما أتاح للمعارضة المتمرسة، التحالف مع الدولة العميقة، والسيطرة على كافة وسائل الإعلام ومؤسسة الأمن والقوى الليبرالية، من مسلمين ومسيحيين وتم الاصطفاف في جبهة واحدة مضادة، ووافق هوىً لدول عربية ثرية كانت ترفض تغيير النظام السابق في مصر، وهي أشد رفضا لدولةٍ بفكر الإخوان المسلمين فتآزرت وفق خطط مدروسة وعملت على تنفير الشارع من الرئيس مرسي، وتسويد سمعته بكل وسائل الإعلام، وتشويه كل جهوده، فكان الانفجار العظيم كنتيجة حتمية لعدم إتقان المهنة، أرجو الله أن يحفظ لمصر الحبيبة أمنها واستقرارها.

* هناك من يقول اننا نعيش تحت الوصاية الدولية خصوصا مع وجود وتحكم جمال بن عمر والسفراء العشرة في شؤوننا.. هل هذا صحيح؟

– نحن اليمنيون نعيش تحت رعاية دولية ولو سميناها وصاية، فبغيرها سيكون البديل القتال والدمار، وبعض الشر أهون من بعض، طبعا لم تأتِ الوصاية أو الرعاية لليمن من أجل سواد عيون الثوار أو الثورة، ولا من أجل الرئيس السابق، ولا من أجل الديموقراطية، بل بسبب الفزع من سيطرة تنظيم القاعدة، واستخدام اليمن منطلقا لتهديد الملاحة الدولية، والبؤر النفطية في الجزيرة العربية. ولولا الخوف من أن تصبح اليمن ولاية لتنظيم القاعدة لتركونا نتحاصد حتى الفناء، ولن تأتِ وصاية ولا رعاية، فالغرب، ودول السيطرة لاتأتي من أجل حقوق الانسان، ولا من أجل الديموقراطية فقط – كما نرى- لكنها تأتي إما طمعا في موارد البلدان، وإما فزعا من مهدد حقيقي لمصالحهم، وتلك هي أخلاق السياسة، ولا أرى مجالا للانزعاع ولا للتبرم من السيد جمال بن عمر ولا من وصاية الدول الراعية للمبادرة، فهي تمثل دور الوصي المساعد؛ القادر على حماية الموصى عليهم من أنفسهم.

الذي يزعجني بشكل حقيقي ليس ماسألت عنه، ولكن المراهقة السياسية لدى البعض، والتهور المفرط في العداء لدى البعض الاخر. ونفخ الكير لايلد تمرا بل جمرا. وإزاء ذلك فإني ادعو الله أن يديم على اليمنيين نعمة تلك الوصاية، كما سميتها فالبديل الذي يلوح في الأفق أسوأ بكثير. وبعض الشر أهون من بعض.

* هل ترى اننا سنتحول قريبا الى دولة حقيقية مستقلة ونعود الى حياتنا الطبيعية؟

– نحن الآن دولة مستقلة بالمعنى القانوني، أما أن يعود وضعنا المجتمعي طبيعيا، فهذا شيئ آخر لا أظن ذلك يتحقق مالم يحدث تصالح وتسامح وميثاق شرف بين القوى السياسية الكبرى، كما سبق حديثي اليك. لأنّ هناك كتل مسلحة وتمتلك الأموال الكبيرة، في شعب فقير معدم، وتلك الكتل بإمكانها إن لم يعجبها أي نظام ولو ديموقراطي أن تعلن التمرد والرفض، ولن تعدم من يمولها، ولها بمن سبقوها أسوة وقدوة، وخاصة أن الدولة وجيوشها عجزت عن ردع غيرهم. ومن هذا المنطلق أجد شكا كبيرا في سيطرة مريحة للدولة إلا إذا توافرت عمليات مصالحة وميثاق عهد ووفاق، وقبل ذلك وبعده النوايا الصادقة.

* أداء الرئيس هادي..!!

* كيف تقيِّم اداء الرئيس عبدربه منصور هادي خلال الفترة الماضية؟

– في ظل الواقع المعقد فليس بالإمكان أفضل مما كان. ودعواتي للرئيس هادي بالتوفيق. غير أنه ماليس مقبولاً أن نسمع عن 200 قطاع في طرق الجمهورية في وقت واحد، والأفدح أن نسمع عن قطاعات في الشوارع الرئيسية في العاصمة بين وقت وآخر. وهنا نتساءل أين دور الجيش الذي يُعد بمئات الآلاف الذي سمعنا عن دمجه، وأين دور قوات الأمن متعددة الفروع والأسماء، وهل معقول أن الجيوش في ثكناتها، وكل صباح نستيقظ على تفجير أنبوب نفط او غاز أو قطع لخطوط الكهرباء, فلو نشرنا الجيش ووضعنا على كل خمسة أمتار من الطرق وخطوط النفط والغاز جنديا مسلحا لكفى للحماية…

* (مقاطعاً) أرى انك دخلت بطريقة غير مباشرة الى تقييم اداء حكومة الوفاق الوطني، فهل لك مآخذ عليها؟

– حكومة الوفاق أداؤها يعتريه الضّعف العام، والاسترضاءات، وهي منقسمة نفسيا لأنها لاتشعر بتوفر المناخ المريح، ومشروخة بين قناعات الوزراء وبين قناعات أحزابهم، كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلما رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سلما لرجل، هل يستويان مثلا، الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون". صدق الله العظيم.

* هل ترى أن القرارات التي اتخذها الرئيس هادي خلال الفترة الماضية فيما يخص هيكلة الجيش كانت موفّقة؟

– نعم أراها إنجازا نوعيا، وكانت بمثابة الجرس الذي أعاد الى الذاكرة أن الوطن هو مالك الجيش وليس مملوكا لقائد الجيش، لكن المردود المأمول من هذا الدمج المتمثل في بسط هيبة الدولة، وحماية الطرق، والمنشآت الإقصادية، لم يتحقق.

* الرئيس السابق انتقدها مؤخرا على قناة العربية وقال ان الرئيس هادي أتى بأقربائه وبجنوبيين الى قيادات الجيش؟

– رأيتُ ذلك النقد وضحكتُ كثيرا لأنه ذكرني بآية كريمة عن قول إخوة يوسف (إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل) وإن فعل ذلك الرئيس هادي فقد تعلمها من سلفه، الزعيم الناقد.. رغم قناعتي بأن القيادات الجنوبية تستحق أن تقود ولها حق التعويض عما سلف، ولو أُنصفت من قبل لما كانت وحدة البلاد اليوم تعاني من شرخ عميق.

* على ذكر الجنوب، يقال أن لك في عدن وغيرها من الجنوب بيوت وأراض كثيرة من أين لك ذلك؟

– المثل يقول: الماء يكذب الغطاس. من يقول ذلك واهم، أو مخدوع، إنني لا أملك أرضا ولا بيتا في أي محافظة في الجنوب، لافي عدن ولافي غيرها. وأدعو من خلال جريدتكم هذه كل من يعرف لي بيتا او أرضا في أي محافظة في الجنوب أن يضع يده عليها، وهي له جائزة اكتشاف.. فاز المخفون.

* لماذا لم تساهم في إبداء بعض الملاحظات لهيكلة الجيش؟

– "يضحك" أنا لستُ من خلاصة الخلاصة في العهدين؛ لا السابق ولا الحالي، وقد أعفيتُ نفسي من مشانق السياسة، وتوقفتُ عن الخوض أردد في مدينة الضباب، أو على ضفاف النيل:

من مبلغ القوم شطت دارهم ونأت *** أني رجعت إلى كتبي وأراقي

عِفتُ السياسة حتى ما ألم بها *** وقد رددتُ عليها كل ميثاقي

لأنها كبدتني كل جائحة *** وأنها كلفتني غير أخلاقي

* ماذا لو طلب الرئيس هادي نصيحتك في الاولويات التي يجب عليه البدء بها لاستقرار الاوضاع واعادتها الى نصابها بماذا ستنصحه؟

– لو ولولا في قواعد اللغة نسميها حرف امتناع لامتناع. ولدى الرئيس هادي مايكفيه.

* هل انت مع من يُحمل النظام السابق كل تبعات المرحلة ومايحدث من تخريب للكهرباء والنفط وخلافه؟

– لا استطيع اتهام غير ضعف الأداء لأجهزة الدولة، وسوء استخدام طاقة مؤسسات الدولة، فمما لاشك فيه أن أي نظام سابق أطيح به يحب أن يأتي بعده طوفان وعدم استقرار، وتفشيل لمن يأتي بعده، ولكن ليس من حق النظام الجديد أن يسمح بذلك، ويجب عليه أن يلوي كل ذراع تمتد لتدمير مؤسسات الدولة ومنشآتها. ويد الدولة لا تطاولها يد.

تلقى الحسام على جراءة حدِّهِ *** مثل الجبان بكفِّ كل جبانِ

* المشروع السياسي الوطني

* هل تعوِّل على الانتخابات المقبلة أن تفرز إدارة جديدة كفؤة تأتي بالازدهار والاستقرار السياسي والأمني للبلاد؟

– أتمنى أن يحدث ذلك، لكن بدون مصالحة وطنية ووفاق قبل ذلك فلا أرى أية بارقة أمل تلوح في سماء المستقبل، فالانتخابات وصناديق الاقتراع تفيد في بلدان متمدنة، وحضرية، وليس في بلاد معظم الناخبين فقراء وعاطلين عن العمل ونسبة أمية عالية في الريف، فلن تلد إلا نظاما قادرا على شراء الأصوات، وله أموال طائلة، ولو كان إبليسيا.!! وكثير من الناس ينتظرون موسم الانتخابات لامن أجل إرساء قواعد الدولة والديموقراطية، ولكنهم يرونه موسما خصبا للحصول على أموال من خزائن المغامرين لشراء الولاءات والأصوات، فالديموقراطية يمكن بيعها بحق القات. الوعي في بلادنا محدود، مارأيت في اليمن ناخبا يقرأ برنامج مرشح أو حزب، بل لايسألون عن ذلك، ولو اعطيتهم لايقرأون. للأسف ثقافة الانتخابات أصبحت ابصم مع صاحبك أو لمن يدفع أكثر.

* كمؤرخ عاصرت العديد من رؤساء الجمهورية في الشمال والجنوب، باعتقادك من هو الرئيس الذي كان لديه مشروع وطني لليمن؟

– بصفتي مؤرخ سياسي، تأملتُ سلوكيات الأنظمة السالفة، وإنجازاتها، واستطيع القول إن في الجنوب كانت هناك دولة مؤسسات موروثة من الاستعمار البريطاني، تم الحفاظ على قواعدها حتى جاءت الوحدة عام 1990م.

أما في الشمال فالمشروع الوحيد لبناء دولة مؤسسات، وفرض سيادة الدولة كان يمتلك ذلك المشروع الرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله. لكنه تم اغتيال المشروع باغتيال الرجل سنة 1977م وحتى الآن بعد خمسة وثلاثين سنة ولم يكشف عن الجناة، وظل سرا كصندوق وضاح اليمن في بئر دمشق..!!.

* من من القوى السياسية الموجودة حاليا في اليمن ترى ان لديها مشروعاً وطنياً لبناء اليمن؟

– جميع القوى والأحزاب لها برامج سياسية، وعندما أقرأ البرامج أراها كلها تحاكي بعضها بعضا، وكلها تحمل مضامين جميلة ومفيدة، لكني لا أخفيك من خلال تجارب كثيرة أراها تتحول إلى شعارات غير قابلة للتنفيذ، ولا أرى أي حزب قادر على تنفيذ برنامجه، في ظل مراكز قوى عتيدة، وعنيدة، وتظل كل البرامج أحلاما وردية، وضرب من الأمنيات الصالحات، تهدف للحصول على الاعتراف الرسمي، ثم لكسب تأييد بعض المثقفين..

* ثورة الشباب 2011م

* هناك من يصف الثورة الشبابية 2011م بانها كانت تصفية حسابات بين متنافسين طامحين بالحكم، مارأيك بهذا الطرح؟

– لا أصف ثورة الشباب بذلك، ولا أوافق على نسبتها لتيار أو لشخص، لكن كما سبق الحديث أن الذي هيجها وأهاجها غضب شعبي عارم، من سلبيات موجعة، كان يمكن أن يتفاداها النظام السابق، وكانت بعد تراكمات واحتقانات طويلة الأمد، فمثلا الجنوب كانت بداية ثورة الحراك الجنوبي 2007م، وكان التمرد، وكانت الدبابات وربما الطائرات أحيانا تقصف في مناطق من ردفان والحبيلين وغيرها، وكان الرفض في الجنوب أولا للنظام، ثم تطور لرفض الوحدة، وسبقها وتزامن معها ستة حروب ضارية في صعدة، حتى أصبحت صعدة وحرف سفيان خارج نطاق سيطرة النظام السابق، ولم تكن في اليمن ثورة الشباب، سوى تراكمات غضب من معاناة حقيقية، وسوء إدارة، وكان بإمكان الرئيس السابق – شفاه الله – لو سمع من غير المطبلين أن يرتدي أكثر من سترة نجاة، وأن يقود تصالح مع جميع القوى والتيارات، وقدم تنازلات هنا وهناك، وبعض الشر أهون من بعض، وكان يستطيع لو وُفق أن يردم جروح الجنوب وجروح الشمال، وأن يتبنى نظاما إداريا جديدا يرضي كل البلاد، ويتخلى عن المركزية الحادة التي جرّت على حكمه الغضب وتسببت في الفساد، ناهيك عن التحرك نحو هيكلة حديثة لكل المؤسسات وتجديد الأساليب، لكن التصلب والعناد يُفضي للندم، كما أنّ من أهم المنفرات كانت مكايدات مع زعماء الجنوب، وتيارات الشمال وهي ما أدت إلى غرق المركب.

* (مقاطعا) تعتقد هل كان الرئيس السابق يستطيع تلافي سقوط حكمه؟

– كان الرئيس السابق يملك القدرة والخبرة على مثل هذه المناورات، لكن الله قد أراد، ولتحقيق قدر الله كان ماكان، ووقع الفأس في الرأس، وماكنا نحب له ذلك على الاطلاق. ناهيك عن طول المدة لايستطيع أحد أن ينكرها:

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملها الناس من عرب ومن عجمِ

* المركز المقدس

* نقل المركز المقدس من صنعاء الى الجنوب هل ترى انه في صالح اليمن ام انه سيدخلها في عهد جديد من الصراع حول النفوذ؟

– المركز المقدس في نظري ليست العاصمة، والمشكلة ليست في صنعاء أو في عدن. ولكن منصب الرئيس هو المقدس يجب أن ينتقل إلى الجنوب، بانتخابات من عامة الشعب لأحد مرشحي الجنوب، سواءً من مرشحي الأحزاب أو من المستقلين، أو الفئآت. أو من ابن عمر.. فالشعور بأن الرئيس شمالي لمدة عشرين سنة منذ 1990م والصانع الأوحد للقرار أوجد شعورا بالظلم السياسي وأثار النعرات المناطقية أشد من تظلم الناس من فساد الدولة والاستيلاء على مقدرات الدولة والشعب في الجنوب.

والظلم من شيم النفوس فإن تجد *** ذا عفة فلعلة لا يظلمُ

* الف ساعة حرب..!!

* كتابك الف ساعة حرب يُصنف على انه ضمن تاريخ المنتصر، هل لك اي مراجعات عليه او تنوي إعادة إصداره بوثائق ومعلومات جديدة؟

– كتابي الف ساعة حرب طُبع خمس طبعات في سنة واحدة في ما يزيد عن ثمانين الف نسخة، وهو مجرد سرد وصفي خبري قال عنه المرحوم الشاعر عبدالله البردوني أنه يمثل (نشرة أخبار بقصة الحرب وخفاياها) ولا أدعي له القداسة ولا اقول انه معصوم من الخطأ، فيه الكثير مما لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت لكتبتها بشكل مختلف، وصحيح انه كتب أثناء وعقب الحرب وصدر بعدها بشهرين. وكانت الوثائق التي نشرتها في الكتاب المتاحة بين يدي. ومن ضمنها جزء من وثيقة طويلة بقلم الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، وزير الدفاع يومذاك، والمنتصر لاتُكشف جميع وثائقه إلا بعد زمن.

ومع ذلك فكما قال عنه الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقدمته (في الكتاب من المعلومات الكثير وسواء كنت مع الكتاب أو ضده فلا غنى لك عن قراءته). وأما أن أصحح وأنقح فهو كأي كتاب يُزاد فيه ويُنقّح، وبين كل طبعة وطبعة أضيف إليه ماكان يجب تدوينه؛ فهذا مشروع قائم لكن ماينقصني مالدى الطرف المنهزم في تلك الحرب من وثائق استند عليها، أو نقد موضوعي مفيد، وهذه دعوة من خلال صحيفتكم الغراء إيلاف لمن كان لديه القدرة على إمدادي بذلك من الإخوة في الطرف المنهزم فلن أكون غير مؤرخ محايد بإذن الله، وقد أصبحنا نمتلك معطيات جديدة، وتقدمت بنا السن والخبرة والنضج، ولن أكون إلا مؤرخا محايدا أتمنى أن لايكتب قلمي سوى الحقائق، وبالمناسبة فأود أن أشير هنا لصدور كتابين في نفس الموضوع كتب أحدهما المرحوم الكاتب الصحفي محمد الزرقة رحمه الله من وجهة المنتصر، والثاني كتبه الأخ الكاتب علي هيثم الغريب من وجهة نظر المنهزم لكنهما لم يحملا وثائق ولامعلومات عن ماوراء الكواليس فلم يحس بها الناس كما هو الحال مع كتابي الف ساعة حرب.

* الاسبوع الماضي مرت الذكرى ال 19 لانتصار 7/7/94م، ماذا يمثل لك هذا التاريخ، وهل لك اي تعليق حوله واطلاق البعض عليه بأنه يوم الوحدة؟

– الوحدة اليوم في غرفة الانعاش، الكلام فيها يؤذي المريض. وأيامنا في اليمن كثيرة، وحروبنا كلها داخلية، ومانسميها انتصارات ومانسميها هزائم فكلها داخل الدار، وكل يوم قادم يُجرِّم يوم مضى. وأتمثل الأيام والوقائع كما قالت الأعرابية جليلة بنت مرة الشيبانية: إنني قاتلة مقتولة *** ولعل الله أن يرتاح لي

أو كما قال الشاعر نزار قباني في مرثاته للرئيس عبد الناصر رحمه الله.

فتاريخنا كله محنة *** وأيامنا كلها كربلاء

اليوم نبحث عن يوم للعناق في جميع ربوع الوطن، وفي جميع القرى والمدن، وبين جميع القوى والتيارات والقبائل، من لي بذلك اليوم الذي سيخلدنا جميعا كابطال وكعظماء.

* هل تبقى لديك طموح في تولي اي مناصب خلال الفترة القادمة؟

– أنا دعوتُ ومازلتُ أدعو إلى أن يكون الحاضر والمستقبل للجيل التالي لجيلنا. وللكوادر المؤهلة أكاديميا وعلميا، وأن نتيح الفرصة للشباب الواعي المؤهل الذي انتظر فرصته ودوره طويلا وأبى جيل الآباء والأجداد أن يفسح له الطريق. كأن النساء عجزت أن تلد مثلهم، وأنا كغيري واحد ممن يمتلكون مواهب ذاتية أخرى يمكنني أن أبدع وأن أخدم بها الوطن والحاضر والمستقبل من خارج المناصب الحكومية والألقاب الزائلة، ولم تكن الوظائف الحكومية كؤوسا من العسل ولامغانم، ولكنها تكاليف والتزامات وهموم لمن له عقل، وليست تشريف يزيد من قدر صاحبها، فالعظيم بنفسه يضيف للمنصب عظمة وقدرا ولا يضيف له المنصب إلا نَصَبَاً. ويعجبني قول: القاضي الفاضل:

وأجمل من نيل الوزارة للفتى *** حياة تريه مصرع الوزراءِ

* صالح وهادي ومحسن

* كيف كانت علاقتكم بالرئيس السابق علي عبدالله صالح؟

– كنتُ أحد موظفي دولة الجمهورية اليمنية التي كان يرأسها، وعلاقتي به أكثر من ثلاثين سنة، كانت لنا مودة حميمية؛ كما كنت أشعر، وتأييدي لثورة الشباب بعد مجزرة جمعة الكرامة كدّر الصفو وجمّد تلك العلاقة. ولا جديد.

* وكيف هي علاقتكم بالرئيس الحالي عبدربه منصور هادي؟

– معرفتي بالرئيس هادي منذ حوالى عشرين سنة ولنا مودة حميمية – كما كنت أشعر- ولا جديد.

* يقال بأن علاقتك باللواء علي محسن الاحمر أشد قربا؟

– شعوري الخاص بأن قربي شديد من الجميع، ولايعنيني شعور الآخرين، وعلاقتي باللواء علي محسن أيضا حميمية منذ ثلث قرن، وأظن أن هذا التمايز جاء من خلال فهم الناس التقليدي لتقسيم الولاءات، وكتابتي عن دوره العسكري والسياسي في عصر الرئيس علي عبد الله صالح، أغضبت كثيرين، آمنوا بها سابقا، وكفروا بها لاحقا، وهل ينكر أحد من المطلعين أن هذا الرجل كان صانع القرارات الصعبة أو منفذها خلال فترة طويلة من حكم الرئيس صالح. وقد كشف الرئيس صالح عن بعض منها بحذر في حديثه الأخير في قناة العربية، ولامجال هنا للدخول في التفاصيل، لعل الله أن يحدث بعد ذلك أمرا، ويصلح الأحوال، لكن هناك تأريخا حافلا مايزال غامضا يجب أن يخرج للناس. بصدق وتجرد.

* ماهي المواقف التي دمعت لها عينك جراء الأحداث؟

– عديدةٌ هي المواقف التي أحزنتني، كمذبحة المعلا في عدن، ويوم مذبحة جمعة الكرامة، وليلة محرقة ساحة الحرية على أجساد الشباب في تعز. ويوم تفجير جامع النهدين على المصلين، وأما إنسانيا يوم سمعتُ ذكر الزحف إلى غرف النوم، فكلها. كانت مآسٍ محزنة، ووخز موجع للضمير دمعت لها عيني حزنا وقهرا.

* الشعر والادب

* قصائدك السياسية الساخرة والغاضبة صنعت صدى كبيرا لدى المتابعين مثل وظفوني: اشهر قصائد السخرية، مالذي دفعك لذلك؟ هل كنت بحاجة لوظيفة؟

– من الشعر مايصنع ثورة، ورُبّ قصيدة أشعلت أو أطفأت حربا, قصيدتي تلك كتبتها بعنوان وظفوني، وأنا حينها محافظ لمحافظة مأرب، ودرجتي وزير، ولكني كتبتها على لسان الشباب الخريجين الذين لم يجدوا فرصة للعمل، ومن وحي معاناة جيل بكامله، وكان ذلك هو أسلوب شعري في النقد الساخر للأوضاع الفاسدة والمعايير الفاشلة للتوظيف. ولكن البعض يقرأونها بعقلية سطحية بدائية منغلقة فمنهم من قال أني كفرت فيها، وقالوا فسقت فيها، ومع ذلك نشرتها مطبوعة ومؤخرا على صفحتي العامة في الفيس بوك بصوتي من إحدى أمسياتي الشعرية في مصر، وحصلت على أعلى قدر من التأييد والتعليقات وأعادت نشرها أكثر من عشرين جريدة ومجلة من المغرب ومصر والجزائر، ولبنان. لأنهم اعتبروها لسان حال معظم أبناء الشعب العربي.

* رسالة من صدام حسين.. شعر من المعتقل من شاعرها؟

– انا شاعرها، الآن حصحص الحق، وجهتها للزعماء العرب في القمة العربية في تونس التي حضرتُها باسم الرئيس السجين صدام حسين.

وعنوانها: يا معشر الزعماء إني شاعرٌ *** والشعر حرٌ ما عليه عتابُ

إني أنا صدام أطلق لحيتي *** حينا ووجه البدر ليس يعابُ

ونشرتها يومذاك في مجلة المثقف العربي.

* يؤخذ عليك أنك تتمادى في شعر الغزل إلى حد التهتك والتهالك على الأنثى؟

– أما التمادي في الغزل لو حدث فهذا دليل على أني شاعر حق، وقد ولد الشعر واستهلا صارخا في حِجر النساء، نعم أحب العطر والنساء وقرة عيني الصلاة، كما كان رسول الله، ومن لايحسن أن يهيم في كل وادٍ كما قال الله تعالى؛ فليس بشاعر، ممكن نسميه ناظم أو واعظ. أو أن عليه أن يبحث عن لقب آخر. لكن التمادي في الغزل شيءٌ أعترف به ولم أتجاوز الحد الذي قاله كعب بن زهير في حرم رسول الهق وبين يديه، في سعاد وأجيز عليها ببردة الحبيب صل الله عليه واله وسلم.

هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة *** لايشتكي قصرٌ منها ولا طول

أما التهتك والتهالك يعني شيء آخر، أنا من كليهما براء. ماتغزلتُ في الخمر مثل سيدنا حسان بن ثابت، ولكني أستمتع بالمباح فقط من كل شيئ، ولا أتجاوز، وأعترف أني أتلاعب بالمجازات اللغوية، واستفز النقاد عمدا، واستثير جهل حفائظ الذين يتعجلون الهجوم بغير فقه؛ غيرةً على الدين وأتمثل بقول ابي تمام:

عليّ نحت القوافي من معادنها *** وما عليّ إذا لم تفهم البقرُ

ولا أحب التصنع في كبح الموهبة..

فهي لا تقبل عذرا إن أتت …….. وإذا ولت فليست ترجعُ.

* ماذا تعني باستفزاز النقاد واستثارة جهل الغيورين على الدين؟

– استفز فيهم الجهل بمعاني مفردات اللغة وكنوز البلاغة مثل قولي:

أنا مؤمنٌ أحببتُ كفار القرى *** وعشقتُ كافرةً من الوديانِ

ورفضتُ قول الواعظين وزجرهم *** أني عصيتك منزل الأديانِ

طبعا يفهمون معنى الكفار بالجاحدين لله ويبدأون الهجوم فورا، بينما الكفار من معانيها الزراع في الأرض: كما في سورة الفتح (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) صدق الله العظيم.

* قصيدة "انا من تعز وهذه اوراقي" كان لها صدى غير عادي، بما انك ابن تعز، هل ترى انها اخذت حظها الذي تستحقه بعد ثورة الشباب؟

– حقيقة هي وقتية، قلتها من وحي محرقة الشباب في ساحة اعتصام تعز. والقيتها في مصر ونشرتها على صفحتي في الفيس بوك، ولم أدر كيف تلقاها الناس في اليمن إلا أنني عرفت صداها ومداها وتأثيرها من خلال رد الفعل الهستيري في الحملة الإعلامية الشرسة ضدي خلال الثورة فعرفتُ أن قصيدتي قد أوجعت من تهكمتُ عليهم وشنّعت بهم وآتت غرضها.

* قيل لي أنك صاحب أكبر صفحة يمنية على الفيس بوك وجمهورها أكثر من جمهور قناة فضائية.. مالسر في ذلك؟

– المورد العذب شديد الزحام. فخورٌ والحمد لله أنني صاحب أكبر صفحة يمنية كما ذكرت، وذلك لأن صفحتي جمهورها نخبوي ولاتقدم أشياء مع وضد، وكل جمهوري عليها من نوعية المثقفين والمثقفات والمبدعين وأهل الإهتمام من 40 دولة، لذلك فهي ساحة لايجد زوارها من الصداع ولا الأوجاع ما يجعلهم يغادرونها، والعبرة ليست بكثرة من يضغط إعجابا؛ فكثير من الصفحات أراها واحة وملتقى للعان والسباب والشتائم وليسوا جمهورا حقيقيا لصاحب الصفحة، وغالبا ما يكونوا ضده، لكن صفحتي لاتقدم غير الإبداع الشخصي والإعتدال والوسطية.

* ماذا تقول للرئيس عبدربه منصور كرسالة لابد ان يعيها كي يستتب له الامر ويبدأ في بناء دولة اليمن الجديد؟

– أوصيه أن لاتتفلت من يده الأيام، فخطاباته منطقية لكنها تظل خُطب مالم تتحول الى واقع، ولن يتحرك أحد من مكانه مالم يحركه القرار، وكما قال الشاعر ابن هتيمل: قد لا يجيئ بما تشتهون غدُ.

واطلب منه أن يقرأ رسالتي إلى المنتصر في كتابي الف ساعة حرب ففيها مايكفيه، ومن ذلك نصيحة الشاعر عبدالله عطية رحمه الله للرئيس ابراهيم الحمدي التي كررتها للرئيس صالح مرارا وأعيدها اليوم للرئيس هادي:

شخِّص الداء قبل فحص الدواءِ *** وتحسس مكامن الأدواءِ

لا تته من هدير هذي الهتافات *** فبعض الهتاف محض الرياء

وتحر الرجال فالشعب حي *** فيه ما في سواه من أكفاءِ

لا تسل أينهم؟ ففي الغاب آساد *** وخلف الغيوم سر الضياءِ

* رسائل (SMS) قصيرة

* في رسالة قصيرة، ماذا تقول للرئيس السابق علي عبدالله صالح؟

– أتمنى لك الشفاء والتسامح والصفاء الصادق من القلب، ولو دامت لغيرك ماوصلت اليك. والأيام دول بين الناس، واتجه فيما بقي من العمر للتصالح مع الله أولا ثم مع الناس جميعا.

* لرئيس الوزراء محمد سالم باسندوة؟

– الله يعينك ولاتخش من أحد فحصانتك أنك لاتحمل سلاحا، ولاتنس أنت ووزير المالية، من فقدوا بسبب الثورة وظائفهم ومرتباتهم، وأصبحوا ثورة من الإحباط ضد الثورة.

* اللواء علي محسن الاحمر؟

– أصبت بالتحرك بمغادرة الفرقة، وأوصيك أن تتحرك أيضا وعاجلا لملف التسامح والتصالح من أجل مستقبل الوطن، فالأعمار ترحل والملفات الملتهبة يجب ان تنطفئ.

* الدكتور ياسين سعيد نعمان؟

– توازنك ورؤآك الثاقبة تجعلك زعيما في كل المواقف، أتمنى أن يتصدر الحزب الاشتراكي المشهد في تسوية قضية الجنوب، أكثر من غيره.

* قيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح؟

– أوصيهم بسرعة التحرك على محورين: التصالح والتسامح مع الحركة الحوثية ومع المؤتمر الشعبي العام على أسس مستدامة فالمستقبل غامض وضبابي. والثاني: تحديث الحزب، وإعادة الهيكلة وتوسيع دائرة التحالفات مع الأنداد والأضداد.

* الحزب الحاكم السابق المؤتمر الشعبي العام؟

– أوصيه بالخروج من ملفات الماضي، وإعادة بناء العلاقات مع المشترك، وهيكلة الحزب على أسس مستدامة.

* اعضاء مؤتمر الحوار الوطني؟

– ادعو الله لهم بالتوفيق والنجاح، وأتساءل معهم عن كيفية تنفيذ مخرجات مؤتمرات الحوار على الأرض في ظل وجود فريق للرفض والتعصب، هل ترون فرض النتيجة بالقوة، أم بطائرات من غير طيار. ام بوسائل أخرى لم يحن الوقت للكشف عنها.

* أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رحمه الله؟

– أتمنى عليهم الهدوء، والسير في وسط القافلة لا قبل ولا بعد.

* وزراء الدفاع والداخلية؟

– دعواتي لكما بالسلامة أولا ثم أتساءل عن جدوى الدمج وأهمية ثكنات الجيوش ومعسكرات الأمن في المدن بينما مصالح الدولة والطرق يسيطر عليها عصابات ومرتزقة وكل من يرغب.

* الحوثيين "انصار الله"؟

– أحيي انخراطكم سياسيا في الحوار ولقائكم مع بن عمر، وأدعوكم للتحرك بقلوب حسنية نحو التصالح والتقارب مع تجمع الإصلاح والمشترك وغيره فالعمل السياسي لا يعرف الحرب الدائمة. (فعند صفو الليالي يحدث الكدرُ)..

* شكرا سعادة السفير..

ضيفنا في سطور

عبدالولي عبدالوارث فرحـان الشميري

ولـد في شمـير بمحافظــة تعز – باليمـن في 4 أغسطس 1956م

تلقـى دراسـته العلمـية والأكـاديمية في عـدد من المدن اليمنية؛ والبلدان العربية والأجنبية.

دكتوراه في الأدب العربي 1993 م.

ماجستيرفي الأدب المقارن 1990 م.

ليسانس لغةعربية 1983 م

دبلوم الإدارةالمحلية 1985 م.

دبلوم عالي في العلوم العسكرية 1984 م.

دورات تدريبية عـديدة في مختلف التخصصـات المهنية والعلمـية•

* الأعمال الوظايف:

سفيرا للجمهورية اليمنية لدى مصر ومندوبا لدى جامعة الدول العربية

سفيرا بوزارة الخارجية اليمنية

محافظا لمحافظة مأرب 1995م.

عضوا منتخبا لمجلس الشورى اليمني من 1988م.

عضوا منتخبا لمجلس الشعب 1990م.

عضوا منتخبا لمجلس النواب اليمني من 1993م

عضوا مؤسسا لمجلس إدارة بنك التضـامن الإسلامي 1995م.

عضوا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب لعام 1993- 1995م.

عضوا للجنة الشئون الثقافية والتعليمية بمجلس الشورى لعام 1989.

مديرا عاما لمنطقة شرعب 1985- 1988.

مديرا لأمن ناحية مقبنة وقائدا لمعسكر هكمان. 1980م

أمينا عام للمجلس البلدي بمدينة الحديدة (بالانتخاب) 1978-1980.

مدرسا للغة العربية والبلاغة بمعهدالنورالعلمي بالحديدة 1975- 1978م

رئيس مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون – بصنعاء

الرئيس المؤسس لمنتدى المثقف العربي في – القاهرة

رئيس تحرير مجلة المثقف العربي

رئيس تحرير مجلة تواصل الفصلية

أستاذ محاضر ومشرف ومناقش أكاديمي في كلية الآداب والإعلام في عدد من الجامعات اليمنية والمصرية.

عضو ومؤسس لأكثر من عشرين مؤسسة ومنتدى وجمعيات ثقافية في الوطن العربي وخارجه.

له وعنه عشرين كتابا مطبوعا في الشعر والأدب، والثقافة والسياسه والتأريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى