أخبار وتقارير

الثابت والمتحول في المواقف السعودية تجاه القوى التقليدية في اليمن

يمنات – أبو نظمي
يشكل اليمن بموقعها الجغرافي المطل على واحد من أهم مضايق العالم البحرية متمثلاً بمضيق باب المندب واستحواذها على شاطئ يمتد إلى أكثر من ألفي كيلو متر تتوزع على البحرين العربي والأحمر اللذين يعجان بالثروات السمكية والنفطية والجزر السياحية، يشكل أهمية بالغة لدول العالم تتعلق بمجالات الأمن والاقتصاد والعلاقات السياسية، كما يمثل تاريخ شعبها الحضاري والعسكري والسياسي الممتد من غابر الزمن إلى ما قبل عقود مضت نفس الأهمية، لذلك فإن هاتين الأهميتين هما من شكلتا معالم وأبعاد علاقات اليمن بدول الاقليم والعالم، حيث تعرضت خلال مراحل تاريخها لاستقطاب وأطماع متعددة الأوجه اخطرها الاطماع السعودية التي سارت معها حكومات متعاقبة حيناً وبعضها سايرتها حيناً آخر وبعضها واجهتها في أحايين أخرى ..
غير أن الأمر لم يبق قائماً على طابعه السائر والمساير والرافض بعد وصول طفرة النفط الخليجي وخصوصاً في المملكة العربية السعودية إلى أوجه والذي سخرت جزءاً منها للسيطرة على مراكز القرار والنفوذ في اليمن انطلاقاً من قاعدة هدفها التوسعي الذي يتطلب لتحقيقه الابقاء على الشعب اليمني رهناً للفقر والصراعات الفئوية والجهوية والسياسية، ضماناً لإبقاء القيادات ومراكز النفوذ أدواتٍ طيعة – مدفوعة بحب السلطة والنفوذ – إلى التفريط بالسيادة لصالح الأطماع التوسعية لآل سعود الذين حققوا عبر عملائهم في الداخل من قيادات السلطات المتعاقبة ورموزٍ قبلية هدف اقتطاع جزء كبير من الأراضي اليمنية هي نجران وعسير وجيزان التي وصف اقتطاعها أحد الشيوخ القبليين بأنها مجرد حفنة تراب لا يمكن أن تخل بالعلاقات الأخوية بين القطرين الشقيقين وذلك عقب ابرام اتفاقية العام 2000م الخيانية..
و رغم تفريط السلطة اليمنية والقوى التقليدية بالسيادة الوطنية لم تتوقف أطماع آل سعود عند مستوى ماحققته لهم الاتفاقية من مكاسب على الأرض بل لازالت أعينهم ترنو بشغف إلى منابع النفط في حضرموت والجوف، حيث تربض- هذه الأخيرة _ على مانسبته34% من الاحتياط العالمي النفطي ، تلك الأطماع تسندها المملكة السعودية بشلال مادي يصب في جيوب زعامات قبلية خصوصاً تلك التي تهيمن على محافظات شمال الشمال.
العمالة للسعودية من كثيرٍ من الزعامات السياسية والقبلية في اليمن شكلت – رغم تأثيرها الإذلالي لكثير من أبناء الشعب – وعياً جماهيراً مناهضاً تمكن من انجاز ثورة 11 فبراير2011م لإسقاط النظام والزعامات العميلة التي سرعان ما التحقت بركب الثورة ك”عملية وقائية” لابد منها لحماية نفوذها ومكاسبها السياسية ومصالح ونفوذ آل سعود في اليمن وسيطرتهم على مركز القرار، وعليه كانت المبادرة الخليجية التي ضربت الثورة في أهم أهدافها المتمثل في الخلاص من النفوذ السعودي وعملائه في الداخل وبناء دولةٍ مدنية حديثة كاملة السيادة ومستقلة القرار.
و فعلاً تمكنت المبادرة الخليجية من الابقاء على نفوذ القبيلة وتأثيرها في الحراكين السياسي والاقتصادي في اليمن في مواجهة المد الثوري التحرري لقوى المدنية والتحديث.
و لكن ما هو الثابت والمتحول في المواقف السعودية تجاه القوى التقليدية خصوصاً بعد ثورة 11فبراير؟.
إن الثابت في مواقف السعودية إزاء هذه القوى يتمثل باستمرار أداء اللجنة الخاصة السعودية – التي يشرف عليها جهاز الاستخبارات السعودي – لمهامها التي تتمثل في ترسيخ وتمتين قواعد ولاء القادة القبليين وقادة سياسيين لآل سعود من خلال تنفيذهم لما يطلب منهم من مواجهة لأحلام اليمنيين في التقدم والاستقرار عبر الحفاظ بكل السبل الممكنة – ومنها البطش والافقار – على ابقاء افراد القبيلة بين أسوار الجهل والتبعية المطلقة ك”محاربين فقط” تحقيقاً لمصالح هذه المراكز ومصالح أسيادها في الرياض.
إن انتشال القبيلة من بين مخالب الجهل والتبعية عبر مؤسسات التعليم وغيرها من المؤسسات التنموية لا يعني لتلك المراكز سوى تسرب أبناء القبائل من بين أصابع طبقة المشيخ التي تغتال أحلامهم وتثري على حساب حقوقهم في التعليم وحقهم في الالتحاق بمختلف مؤسسات الدولة الانتاجية التي ستعمل بالضرورة على بناء الشخصية الاستقلالية وتكوين الشعور بالانتماء إلى هذا الوطن وشعبه وصولاً إلى الإيمان بواجب الدفاع عن مصالحه الجمعية الكبرى لا مصالح أفراد وجماعات فرطت بالأرض والعرض ، وما استشهاد الرئيس الحمدي إلا احدى تجليات حقيقة المواقف السعودية إزاء كل محاولات القوى الوطنية للخلاص من هيمنة الرياض على مستقبل الشعب اليمني عبر عملائها في الداخل.
وإذا كان هذا هو الثابت فإن المتحول يتجه نحو مراكز القوى القبلية لا القبيلة نفسها المرتكزة على الجهل والتبعية وثقافة الفخر بالقتل وقطع الطريق ونهب ممتلكات الوطن وتدمير مصالح الشعب واحتقار المهن الانتاجية عدا الالتحاق بالمؤسستين العسكرية والامنية بولاءٍ للمشايخ لا الوطن..
و عليه نرى ان المتحول في المواقف السعودية لا يمس سوى بعض رموز القبيلة التي قد تخرج نسبياً على الطاعة في محاولة لرفع مستوى المقابل المادي أو استجابة لعرضٍ من قوى إقليمية لديها الاستعداد للدفع المادي أكثر مما تدفعه المملكة السعودية كما هو الحال مع دولة قطر، التي تنازع السعودية التأثير على قرار كثيرٍ من دول المنطقة ، وفي مقدمتها اليمن، التي تبني نفوذها فيه من خلال جماعة الإخوان وآل الأحمر الذين كان سقوطهم في مواجهة حاشد أبرز مظاهر سياسة التأديب التي تمارسها الرياض على كل من يحاول مجرد التفكير في الخروج عن طاعتها الضاربة في القِدم.

زر الذهاب إلى الأعلى