العرض في الرئيسةتحليلات

روسيا تتسلم الشرق الأوسط من الأمريكان

يمنات – شؤون خليجية

أسفر الصراع المتصاعد على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بين القوى الإقليمية والدولية، عن عودة الدبلوماسية الروسية التي تعتمد أساسًا على الواقعية والبرجماتية، مستغلة بذلك الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، بعدما اقتضت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة الانسحاب من الشرق الأوسط والتوجه نحو شرق آسيا.

الباحث السياسي الفرنسي “رولاند لومباردي” يرى أن الروس قد أصبحوا أصحاب اليد الطولى، ويتحكمون باللعبة في الشرق الأوسط، وخاصة منذ تدخل موسكو العسكري في سوريا نهاية سبتمبر الماضي.

ويضيف أن أحد مظاهر المشهد الجديد الذي اقتحمته روسيا، هو خروج فرنسا من مساحات التأثير في المنطقة بعد ما عفا الزمن على دبلوماسيتها غير الواقعية، والتي تعتمد على مجاملات حكام الخليج لجذب استثماراتهم حتى ولو جاء ذلك على حساب القيم التي تعلنها باريس دومًا، وبالتالي فقدت فرنسا مصداقيتها، وفوق كل ذلك، تحولت إلى هدف رئيسي لعنف الجماعات المسلحة.

وهكذا، جعلت “السياسة الواقعية” لروسيا كلمة مسموعة في المساومات، وسمحت لموسكو بالحفاظ على علاقات جيدة مع كل من إيران ومصر وحتى إسرائيل. كما سمحت بأن يكون لها علاقات مع كل الأطراف من المعسكرات المختلفة، والحوار مع الجميع بمن فيهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز المقرر له أن يزور موسكو خلال الأسابيع المقبلة، مع أن بلاده تمثل الخصم الرئيسي للمواقف الروسية في سوريا.

ورغم العلاقات التاريخية المتوترة بين روسيا والسعودية، إلا أن العلاقة بينهما الآن تسير نحو التقارب الحذر، وتم بالفعل عقد اتفاقيات اقتصادية وعسكرية بينهما بلغت قيمتها خلال عام 2014 فقط أكثر من ثلاثة مليارات دولار. كما تمول السعودية صفقات النظام المصري لشراء أسلحة روسية. وقدم صندوق الاستثمار السيادي السعودي تعهدًا بضخ عشرة مليارات دولار في الاقتصاد الروسي. وعلاوة على ذلك، فإن روسيا في طريقها للمشاركة في بناء 16 محطة لإنتاج الطاقة النووية بالسعودية خلال العشرين عامًا المقبلة، بتكلفة 300 مليار ريال.

وبالنسبة للأزمة السورية، يدرك الروس والسعوديون أن علاقتهم هي الحاسمة في حل الصراع هناك، وهذا يجعل الطرفان أكثر حماسًا للتفاهم رغم ما يظهر من تخاصم في الميدان السوري، خاصة وأنهما يشتركان في الشعور بالقلق من السياسة الأمريكية الجديدة، وينظران بعين الشك للتقارب الإيراني الغربي بعد الاتفاق النووي في يوليو الماضي.

وبينما تجد الأطراف الرئيسية تتصرف بسياسات غير مستقرة خلال الفترة الأخيرة، يتحرك الروس باستراتيجية مدروسة بعناية، ولا يجازفون بالإقدام على خطوة كبيرة إلا بعد وضع خطة لها.

فقد استغل بوتين الشعار المرفوع بالحرب ضد “الإرهاب” وقام بالتدخل بقوة في سوريا تحت هذه الحجة. غير أن الغارات الروسية التي بدأت في نهاية سبتمبر، جاءت في وقت متأخر، بعدما سيطرت داعش وجماعات المعارضة على مساحات شاسعة من سوريا، وبالتالي وجد الروس أنفسهم في مستنقع معقد ممتلئ بالجماعات المسلحة العنيدة.

وفي حقيقة الأمر، جاء التدخل الروسي بعد التشاور مع الأمريكيين وجميع الدول المؤثرة في المنطقة، مثل (مصر وتركيا والسعودية وإيران بطبيعة الحال، وأيضًا إسرائيل). وتقوم بالتنسيق مع بعضها في عملياتها وتبادل المعلومات الاستخبارية. وبات الضباط الروس يتواصلون مع نظرائهم الأمريكيين والإيرانيين والعراقيين والأردنيين والإسرائيليين بشكل يومي.

ومنذ بداية الغارات الروسية، ظهرت الجامعة العربية ودولها في صورة انهزامية. وانقسم الصف العربي حيال ذلك التدخل، بل قد رحب بعض العرب بذلك التدخل مثل ما فعلت الإمارات ومصر والأردن، بحجة أنها حرب ضد الإرهاب، في الوقت الذي يغضون فيه أبصارهم عن الإرهاب الذي يمارسه نظام الأسد وقواته الطائفية بحق الشعب السوري.

الإخفاق الروسي

في الوقت نفسه، تعلم روسيا أنها بتدخلها في سوريا قد دخلت “عش الدبابير” بإرادتها، وهي تعلم أن هذه المنطقة شديدة التعقيد وسيصيبها ولا بد الكثير من الطعنات التي يمكن أن تكون بعضها قاتلة، ويمكن أن تعيد معها تجربة الإخفاق الروسي في أفغانستان والفشل الأمريكي في العراق.

فرغم أن موسكو حشدت ترسانتها الجوية والبحرية والبرية وراء عمليتها في سوريا، إلا أن الاضطراب ظهر مبكرًا في أفق العملية التي فشلت حتى الآن في تحقيق أي هدف واضح من أهدافها، رغم مرور أكثر من سبعين يومًا من القصف والغارات المتواصلة.

كما كان للتدخل الروسي في سوريا ردود أفعال عنيفة عديدة، كان أبرزها إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء، لتدرك روسيا أنها وضعت نفسها بذلك على خريطة “الإرهاب الدولي”، مما يهدد المصالح الروسية بالداخل والخارج، ويجعل الرأي العام الروسي متذمرًا بشأن ذلك التدخل العسكري، في ظل التدهور المتزايد في الوضع الاقتصادي لموسكو جراء انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الأوروبية بسبب القضية الأوكرانية.

وجاءت الضربة الثانية لروسيا من قبل تركيا حين قامت بإسقاط المقاتلة الروسية، التي تتفاخر بها روسيا من طراز (سوخوي س يو 24) ومقتل أحد طياريها، بعدما انتهكت المجال الجوي التركي في منطقة هاتاي الحدودية. واعتبر الروس هذه الضربة بمثابة طعنة في الظهر، وتسبب إسقاط الطائرة في توتر العلاقات الروسية التركية، بينما ينتظر الجميع نتائج ومصير التدخل الروسي الذي سيتوقف عليه الكثير من مستقبل المنطقة.

ترجمة عن: لكسبريسيون

رولاند لومباردي

ترجمة: محمد بدوي

زر الذهاب إلى الأعلى