إختيار المحررالعرض في الرئيسةفضاء حر

الجهة المظلمة من حزب الإصلاح

يمنات

مروان الغفوري

ظهر حزب الإصلاح إلى العلانية في الـ ١٣ من سبتمبر، ١٩٩٠، بعد ثلاثة أشهر من الوحدة اليمنية. كان، كحزب، واحدة من الظواهر التي أنتجتها تلك الوحدة. سرعان ما انخرط في العمل السياسي وصار جزءاً من برلمانات وحكومات ما بعد الوحدة. صار، بطريقة ما، دُعاة الثمانينات برلمانيين في التسعينات. كذلك شوهد الشيوخ وقد صاروا موظفين رفيعين، ودبلوماسيين. خرج من القبو إلى العلن وبقي قطاع كبير من الحزب، حتى الساعة، يتحرك بعقل زمن ما تحت الأرض. جزء من الصورة المضيئة، في مراحلها المبكرة، عاد مرة أخرى إلى دائرة الظلام.

التحولات التي طرأت على بنية الحزب وخطابه كانت كبيرة، لكنها لم تصبح عميقة، ولم تفلح في نقل الجماعة، صورة كاملة، إلى حزب بالتعبير المدني.

مع الأيام صار الحزب، في الجزء البارز من خطابه، يتحدث عن تزوير الانتخابات أكثر من حديثه عن الغزو الأخلاقي. تسللت مفردات: الجيش، الشراكة الوطنية، الدخل القومي، البنية التحتية إلى خطابه، وتراجعت مفردات أخرى “مجاهدون، الولاء والبراء، الرصيد الأخلاقي، الخلافة”. أصبح، منفرداً وضمن الحركة الوطنية، داعية جهورياً إلى مشروع الدولة، وإن على طريقته. لكن حرب ٩٤ كانت اختباراً حاداً للحزب فشل في اجتيازه. فقد انخرط إلى جوار صالح في حربٍ ضد الشركاء السياسيين القادمين من الجنوب. أرسل شيوخه ودعاته إلى الجبهات، بالقرب من عدن، يخطبون في حاملي السلاح عن الجنة والحور العين. انزلق الحزب، حديث الولادة، إلى الجماعة من جديد واستعاد ماضيه دفعة واحدة. القيادة الدينية للحزب، وهي لا تزال تحكمه، هي التي جرته إلى تلك الحرب بوصفها جهاداً. فالزنداني، على سبيل المثال، لا يرى في خراب المُدن سوى الجنة الطالعة من الأنقاض.

كانت هنالك طريق ثالثة لم يبحث عنها الإصلاح، معتقداً أنه سيكون بمستطاعه ملء الفراغ الذي سيتركه الحزب الاشتراكي في مرحلة ما بعد الحرب. في الحرب تلك تراجع الإصلاحيون من لابسي الكرافتات وتصدر إصلاحيون آخرون، قادمون من خمسينات القرن الماضي. وما تلا الحرب فقد ملأه صالح. كما تفشى الوجه المظلم من الحزب داخل بنيته الداخلية محققاً هيمنة واسعة. في ربيع ١٩٩٧ حضرت دورة تدريبية في صنعاء، كنت للتو خارجاً من الثانوية العامة، وسمعتُ رجال الصفوف الأولى يتحدثون عن صالح كثابت وطني مثل اللغة والعلم. بعد سنين طويلة، عندما صار بمقدوري أن أقول شيئاً، ذكرتهم بتلك الأيام وكانوا قد نسوها.

على الدوام كان هناك جانبان للحزب، المضيء والآخر المظلم. يتناوبان على المسرح بحسب الظروف، ويخضعان لسلطة مركزية واحدة منذ حوالي ثلث قرن، وتلك تلعب بالضوء والظلام وتحتفظ بهما معاً. لا يزال الحزب يُدار من قبل شبكة اجتماعية تنتمي إلى القرى المجاورة لقرية صالح. وبشكل دوري يجري الحزب لوناً من “الديموقراطية الموجهة” على الطريقة البوتينية وفق شروط لا تسمح للسلطة بأن تفلت من قبضة تلك الشبكة، ولا تنجز وضعاً يمكنه أن يخل بلعبة “الضوء والظلام” تلك.

جزء من المجتمع اليمني المحافظ وجد ضالته في الحزب المحافظ. فهو الطريق الآمن إلى خوض السياسة، كما قدم نفسه، بوصفه “ديناً ودولة”. كانت السياسة، بمعناها الديموقراطي، مناخاً جديداً بالنسبة لليمني الاعتيادي، وعندما تحسسها واقترب منها كان لا يزال خائفاً منها، وكان طريق الإصلاح أكثر أماناً بالنسبة لأولئك الذين لم يخوضوا سياسة في المجال العام قبلاً.

تلقف الحزب القرويين من الأسواق ومدرجات الجامعات، واخترق الطبقة الوسطى متجاوزاً عقدة الجغرافيا والمذهب برشاقة لافتة. لقد استفاد، بالطبع، من الطريقة التي تحرك من خلالها اليسار الماركسي والقومي في اليمن. عمل، فيما بعد، على تقديم الطبقة الوسطى وموظفيه البيروقرطيين، فضلاً عن طلبة الجامعة، كما لو أنهم يمثلون الوجه الحقيقي له. بتلك الوجوه القادمة من المؤسسات العلمية والاقتصادية أوهم الإصلاح مراقبيه بأنه قد أنجز عبوره من الجماعة إلى الحزب. خلف ذلك اللحاء الخفيف واللامع كان الوجه المظلم لحزب الإصلاح يخبئ نفسه، لكنه يتجلى عندما يعتقد أن معركته قد حانت.

وأبعد من ذلك، منذ ما يقرب من ثلث قرن ولا يزال ياسين عبد العزيز القباطي قائداً، وهو الشخص الأكثر قوة داخل الحزب/الجماعة. إنه يحرك كل الأوراق، ويتلاعب بالكشّاف، ويحدد مساحة الضوء والظلام ولا يقترب منه أحد. حتى الديموقراطية الموجهة، الديموقراطية البوتينية، فهي تجري في مكان آخر: أمام الكاميرات، ولا تقترب من كرسي المراقب العام، أو المرشد الأعلى. القُباطي ذاك رجلٌ يلبس عمامة وثوباً قصيراً ولديه لحية كلاسيكية، وهو من أكثر الرجال داخل الحزب ممارسة للعبادات والطقوس الدينية. إنه، بالمعنى الدقيق، حاخام الحزب والرجل الوحيد الذي تعتبر طريقته في “فهم ماذا يريد الله من الحزب”.

زر الذهاب إلى الأعلى