العرض في الرئيسةتحليلات

هل سنشاهد استفتاءات حول البقاء في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي على غرار الاستفتاء البريطاني؟ وهل ستكون سلطنة عمان اول من يعلق الجرس خليجيا؟

يمنات

عبد الباري عطوان

 اثارت نتائج الاستفتاء البريطاني بخروج البلاد من الاتحاد الاوروبي حالة من الهلع في معظم الاسواق المالية العالمية، والغربية منها خاصة، ولكنها اثارت في الوقت نفسه شهية بعض العرب لاجراء استفتاءات مماثلة، للبقاء او المغادرة، في ثلاث منظمات اقليمية رئيسية، وهي الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الاسلامي.

المنطقة العربية لا تعرف ثقافة الاستفتاءات الشفافة والحرة، وان كانت عرفت بعض انماطها السياسية المقننة، والمعروفة نتائجها مسبقا، مثل الاستفتاءات التي كانت تجرى في مصر والعراق وسورية تحديدا لتأكيد استمرار رئيس الجمهورية في قمة السلطة، او للمصادقة على الدساتير التي تتغير وتتناسخ، بين الحين والآخر.

قد تكون هذه الظاهرة، اي الاستفتاءات “المعلبة”، تراجعت قليلا في المرحلة الاخيرة، وبعد انتفاضات “الربيع العربي” العفوية في بعض البلدان، ونجاحها في تغيير انظمة بعضها بمساعدة تدخلات عسكرية خارجية مباشرة (ليبيا) او غير مباشرة، ولكنه ظل تراجعا محصورا في الشكل ونتيجة الاخراج وطرق التسويق، وظلت النتائج النهائية المقصودة كما هي، وكذلك حال المشاركات الشعبية التي اتمست بالفتور في معظم الحالات، والاستفتاء الاخير على الدستور المصري، احد ابرز الامثالة في هذا الصدد.

***

لا نعتقد اننا سنرى، في المستقبل المنظور على الاقل، استفتاء شعبيا عربيا على بقاء الجامعة العربية، او البقاء فيها تحديدا، بعد ان تفككت وتلاشت اهميتها، وانخفضت شعبيتها الى الحضيض، في السنوات العشرين الماضية، بفعل سيطرة سطوة المال الخليجي عليها، وتراجع دور الدول المركزية سياسيا واقتصاديا، وتدمير العراق بفعل التآمر العربي والاحتلال الامريكي، وتفاقم الازمة السورية والحرب في اليمن، وتأجيج الصراع الطائفي، فالاهتمام الشعبي العربي بهذه المنظمة الاقليمية الهرمة الفاسدة، ومؤسساتها المنبثقة عنها، بات محدودا جدا، ان لم يكن منعدما، حتى ان القمة العربية المقبلة لم تجد دولة تستضيفها، بعد اعتذار المغرب، و”تطوع″ موريتانيا “مكرهة”، لهذه المهمة الصعبة، بعد استجداءات الامانة العامة للجامعة، وبعض الدول الخليجية التي تريد عقدها لاسبابها، وتأييد حروبها في سورية واليمن وليبيا.

ما يقال عن الجامعة العربية ينطبق على منظمة التعاون الاسلامي التي تحولت الى “ادارة” في وزارة الخارجية السعودية، وتقاعد “مريح” ومجز″ لامنائها العامين، وبعض كبار الموظفين فيها، ولم يكن مفاجئا بالنسبة الينا على الاقل، ان يتراجع امينها العام الدكتور اياد مدني عن خطوته “التطبيعية” بزيارة مقر السلطة في رام الله، والصلاة في المسجد الاقصى، خوفا من مواجهة تبعات هذه الزيارة السياسية، في ظل حالة الغضب المتأججة في الاراضي العربية المحتلة حاليا، تجنبا لما تعرض له وزير خارجية مصر الاسبق السيد احمد ماهر من الضرب بالاحذية في قلب المسجد الاقصى، قبل بضع سنوات عندما قام بزيارة تطبيعية مماثلة، وهذا هو السبب نفسه الذي دفع بالدكتور نبيل العربي، امين عام الجامعة الحالي، لالغاء زيارة مماثلة قبل ثلاثة اسابيع.

ما ينطبق على حال الاستفتاء حول مستقبل هاتين المنظمتين، ينطبق بصورة او بأخرى على النموذج الاكثر صمودا وتماسكا، ولو من حيث المظهر الخارجي، اي مجلس التعاون الخليجي، ولكن “التغريدات” التي وردت على حساب السيد اسحق سالم السيابي نائب رئيس مجلس الشورى العماني الاسبق، التي قال فيها “انه يتمنى اجراء استفتاء شعبي في دول مجلس التعاون الخليجي كما جرى في بريطانيا يوم الخميس الماضي” حول مستقبل هذا المجلس، وفعاليته، والبقاء فيه، من عدمه، اثارت العديد من علامات الاستفهام، والقت حجرا كبيرا في بركة “راكدة”، او بالاحرى فجرت “لغما” في منطقة محظور الاقتراب منها.

السيد السيابي اصاب وترا حساسا عندما حصر هذا الاستفتاء الذي يتمناه حول “مدى تحقيق مجلس التعاون لاهدافه في ظل اختلاف السياسيات الاقتصادية والامنية وغيرها”، فمثل هذه التمنيات، على حد علمنا، “ممنوعة” في مجلس التعاون، خاصة اذا جاءت على لسان مسؤول كبير مثله، حتى ولو كان مسؤولا سابقا، ولذلك لم نستغرب ان يجيء رد الزميل جمال خاشقجي، الكاتب السعودي المعروف، سريعا ومعاتبا في الوقت نفسه، بطريقة مبطنة، عندما اعترض على “توقيت” هذه التغريدات، بقوله “هل هذا وقته؟”، مما يوحي انه ربما لا يعترض على مضمونها، او هذا ما فهمناه من “تغريدته” على حسابه في “التويتر”.

مجلس التعاون الخليجي، تأسس عام 1981، ورغم “تسويقه” للشعوب الخليجية، والعرب، والعالم، على انه الصيغة الاقرب للاتحاد الاوروبي، او النسخة الخليجية منه، بسبب التقارب والتشابه بين معظم، ان لم يكن كل، شعوبه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، حيث الكثير من القواسم المشتركة، الا انه لم يحقق معظم اهدافه، وابرزها العملة الخليجية الموحدة، وجواز السفر الموحد، والامن المشترك، والجيش الخليجي الموحد، والبنك المركزي الموحد، والقائمة تطول.

ولعل فشل حرب اليمن في تحقيق اهدافها في “تحرير” صنعاء وتعز والعديد من المدن اليمنية الاخرى، و”تركيع″ التحالف “الحوث الصالحي”، واجباره على تسليم السلطة، والاسلحة الثقيلة والقصر الجمهوري، الى الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، علاوة على فشل آخر في الازمة السورية بعد خمس سنوات من انفاق مليارات الدولارات فيها، لمصلحة التحالف الايراني السوري الروسي، حتى الآن على الاقل، كلها عوامل تطرح علامات استفهام حول مجلس التعاون او ومستقبله والحكمة من قيادة السعودية له، بعد التغييرات الاخيرة في قمة الحكم فيها، وتراجع اسعار النفط وعوائده، وسياساتها العربية والخليجية في ملفات عديدة.

***

الخليجيون “متكتمون” ولا يميلون الى الثرثرة السياسية والاعلامية مثل بعض نظرائهم من عرب الشمال، خاصة اذا كانوا داخل دائرة الحكم او خارجها، ولكن تغريدات السيد السيابي ربما تؤشر، او بالاحرى تؤكد، ما يدور حاليا في دهاليز مجلس التعاون الخليجي من همسات حول رغبة سلطنة عمان الانسحاب من المجلس تدريجيا، وهي رغبة انعكست في تخفيف التزاماتها تجاهه، وتقليص مشاركتها في فعالياته، والمثل الابرز في هذا الصدد رفض مشاركتها في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ويخوض الحرب الحالية في اليمن، واستضافتها للمفاوضات السرية بين ايران والولايات المتحدة حول المنشآت النووية الايرانية، واعتراضها قبل بضعة اعوام على اقتراح سعودي بتحويل المجلس الى اتحاد خليجي، ومن المفارقة ان دور سلطنة عمان هذا يتطابق مع موقف بريطانيا في “تذويب” هوية الدول الاعضاء الوطنية لمصلحة الهوية الاوروبية الجامعة، ونقل الاتحاد الاوروبي من تكتل اقتصادي الى تكتل سياسي ايضا، وجعل البرلمان الاوروبي بروكسل هو السلطة التشريعية الاعلى،الى جانب رفضها التخلي عن الجنيه الاسترليني لمصلحة “اليورو”، وتوقيع اتفاق “الشنغن”، ولعل كون سلطنة عمان ثاني دولة عربية ترحب بنتائج الاستفتاء البريطاني بعد الامارات، يوحي بهذا التوجه.

الخلافات الحدودية الخليجية ما زالت في اوجهها بين معظم الدول الاعضاء، ولعل اقلها بين السلطنة “المتمردة” والشقيق الاكبر السعودية، فهناك خلافات بين السعودية والكويت على حقلي الوفرة والخفجي للنفط والغاز في المنطقة “المحايدة”، وبين الامارات والسعودية حول حقل “الشيبة” وشريط العيديد، وبين البحرين والسعودية حول حقل “السبلة” وكمية انتاجه، اما الخلافات القطرية السعودية فهي معروفة، والنار تحت الرماد، وليس هذا وقت النفخ فيها، وان كان من المحتم ان شهر العسل الحالي لن يطول كثيرا.

حكومات دول الخليج لا تؤمن بالاستفتاءات، ولها طرقها الخاصة في التعبير عن مواقفها، ولكن لا نعتقد ان هذا النهج في دفن الخلافات تحت السجاد، والتباين في المواقف سياسيا واعلاميا سينفي وجودها في ظل شبكة التواصل الاجتماعي، وصحافة المواطن، والنتائج الكارثية لحرب اليمن، وتطورات الاوضاع في سورية والعراق وليبيا.

الاستفتاء البريطاني تسونامي كبير ضرب اوروبا والغرب جميعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وسيصل حتما الى الوطن العربي، عاجلا او آجلا.. وخاصة في منطقة الخليج، اليست بريطانيا “المُعزّب الاول”؟

المصدر: رأي اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى