تحليلات

حبتور: لا يكفي الإعتذار يا توني بلير عن حربك في العراق العظيم

يمنات

د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

بعد انتضار طويل وممل قارب السبع سنوات ونيف، أطل علينا قبل أيام السيد المتقاعد / جون تشيلكوت عبر وسائل الإعلام البريطانية والعالمية،مقدماً تقريره المُسهب حول صوابية مشاركة بريطانيا “العظمى” من عدمها وكشريك مباشر مع الولايات المتحدة الامريكية في العدوان الظالم على دولة العراق في (ربيع) العام 2003م٠

أستعرض التقرير بشيء من التفصيل في 12 مجلداً، ومايزيد عن (2.6 مليون كلمة) مقدمات التحضير للحرب، وحيثيات المشاركة، ومشروعية اعلان الحرب خارج سياقات القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة، كما تطرق التقرير الى إستغفال وخداع الشعب البريطاني وممثليه في البرلمان بتقارير إستخباراتية غير دقيقة وغير ذات مصداقية، وكيفية تجاهل بلير للرأي العام البريطاني والعالمي  التي إعترضت وتظاهرت ضد الحرب وقد بلغت  في إحتشادها الملايين داخل بريطانيا والعالم  بحسب تقديرات الصحف بعض الصحف البريطانية والأوروبية والعالمية الوازنة.

ونتذكر معاً بان هناك دول كبرى رفضت الحرب على العراق وحذرت من تبعاتها إلا بتفويض بقرار وتفويض من الأمم المتحدة ومن بين الدول المُعترضة على الحرب كانت: كانت روسيا الاتحادية  ، الصين الشعبية ، وجمهورية فرنسا ، ألمانيا الإتحادية ، الهند ، البرازيل ،وغيرها من بلدان العالم ،  بل ان كل البلدان النامية تقريباً رفضت الحرب  وأدانته ، بإستثناء  دولة إسرائيل وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي العربي ٠

لا ينكر أي قارئ منصف حصيف ان النظام العراقي بقيادة الرئيس / صدام حسين رحمة الله علية إرتكب حماقات سياسية مميتة في داخل العراق وخارجه ، وهي تعامله العنيف مع المعارضة العراقية الداخلية ، علماً بان عددٍ من قياداتهم تعاونت مع العدو الإسرائيلي مما برر للنظام قمعه لهم آنذاك ، وحربه الضروس ضد دولة إيران الإسلامية الوليدة عام 1979م بقيادة قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام / آية الله الخميني رحمة الله علية التي قامت على أنقاض اعتى نظام قمعي في الأقليم هو نظام الإمبراطور / محمد رضاء بهلوي (شاه هناه إيران الجبار) حليف أميركا وإسرائيل الإستراتيجي ، وغزوالعراق لدولة الكويت ومحاولة محوها كلياً من على الخارطة السياسية العالمية في سابقة خطيرة في العصر الحديث.

كل ذلك كانت أخطاء النظام العراقي كما سردناها بإيجاز، لكن العراق العظيم أمتلك مشروعاً سياسياً عربياً قومياً ووطنياً بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في كل المجالات تقريباً، ففي عهد النظام وقيادته منذ مايزيد عن أربعة عقود، إستطاع ان يبني تجربة تنموية ، إجتماعية ، سياسية وإدارية مشهود لها بالنجاح والتطور والمنافسة العالمية في كل الحقول وأصبحت تجربتها تقترب كثيراً من تجارب الدول الصناعية المتقدمة ، مع الإشارة هنا الى عدم نسيان وذكر أية نواقص أو ثغرات صاحبت التجربة العراقية في البناء والتطوير، وهي في الغالب تصاحب أية تجربة عملية لمن يقدمون مشروعاً عملياً في أي واقع كان.

وللتذكير كان النظام العراقي البعثي في العراق قد حدد بوضوح موقفه السياسي العروبي من دولة إسرائيل المحتلة لأرض فلسطين ، وأعلن مقاومته لها ،ودعمه للشعب الفلسطيني البطل.

وعودة الى الحرب التي شُنت على العراق (في ربيع) عام 2003م من قبل بريطانيا برآسة بلير كحليف وثيق للولايات المتحدة الأمريكية في زمن رئيسها / جوج دبليو بوش الإبن والحكومة اليمينية في مملكة أسبانيا برئيس وزرائها اليميني وبمساعدة من دول الخليج العربي بإستثناء سلطنة عُمان، وتحت ذريعة ان العراق قد إمتلكت سلاح الدمار الشامل ومحاربة التطرف والإرهاب وكل التداعيات اللاحقة لهذا العدوان الوحشي، جاء التقرير المدوي للسيد / جون تشيلكوت، الذي حدد فيه بشكل واضح خروقات بلير القاتلة:

 * ان الحرب لم تكن ضرورية ولا مصلحة لبريطانيا فيها.

 * وان الحوار الدبلوماسي لم يعطى له مداه الكافي.

* ان التقارير الأستخباراتية البريطانية لم تكن صحيحة.

*  قُطع وعداً صريحاً للرئيس / بوش بانه سيذهب معه الى اي مكان في الحرب.

* ظلل أعضاء البرلمان البريطاني بواسطة تأثيره السحري بالخطابات الرنانة الدياغوجية.

* أراد بلير بهذه الحرب ان يكون شخصاً إستثنائياً في القيادة البريطانية على مر التاريخ.

* خلص التقرير الى تحميل السير / توني بلير كل النتائج الكارثية التي ترتب على الحرب على الشعبين العراقي العراقي والبريطاني، علماً بان بريطانيا خسرت من ميزانيتها مليارات الجنيهات الإسترلينية وفقدت 179 جندي وضابط في الحرب ٠

 

أتذكر إنني زرت جمهورية العراق الشقيق مراتٍ عديدةٍ في زمن  الحصار الضالم المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي، وعملت أميركا وبريطانيا على تشديد الحصار الجوي والبحري والبري مُنذ العام العام 1993م والذي إستمر الى عام العدوان في عام 2003م ، اي ان الحصار الجائر إستمر عشر سنوات ونيف ، خسر فيها العراق أكثر من مليون طفل عراقي بسبب نقص العناية الصحية والأدوية والتغذية وبسبب آثار الأسلحة المستخدمة في حرب الخليج الأولى ضد أهلنا بالعراق.

كانت زيارتنا المتكررة للعراق لهدفين رئيسيين:

الأول:

 الإستعانة من علماء العراق في كل المجالات من الجامعات والمؤسسات البحثية العراقية لتغطية النواقص في الجامعات اليمنية ومنها جامعة عدن ، والعراق رائدة في التجربة العلمية العظيمة في كل الحقول ، كيف لا وقد بدء في مرحلة أنتاج العلوم والتصنيع الثقيل وخلافه.

الثاني:

التضامن مع أهلنا بالعراق الشقيق ، ونقل مليوني قلم رصاص للمدارس العراقية المُهداة من أطفال اليمن، لان الحصار الجائر شمل حتى أقلام الرصاص على أبناء العراق، وحجة قرارهم بالخوف من ان علماء العراق سيحولون مادة الرصاص الى ذخائر لأسلحة الجيش العراقي !!! .

  واتذكر حينما قابلنا عددٍ من علماء العراق العظيم وطلبنا منهم القدوم الى جامعة عدن والجامعات اليمنية ، رحبوا كثيراً بهذه الدعوة ولبوها على الفور دون إشتراطات انانية ، علماً بان لديهم دعوات مماثلة بشروط أفضل في جامعات عالمية ، لأنهم علماء يحملون رسالة للأمة العربية كلّها وليس للعراق فحسب ، وأسهم رؤساء الجامعات العراقية آنذاك في الحفاظ على المستوى العلمي لجامعاتهم برغم أوجاع الحصار القاهر المفروض عليهم من الدول الرأسمالية  ( الحرة ) في غرب أوربا وأمريكا.

ولأن العراق العظيم قد بدء بتنفيذ مشروعه السياسي النهضوي التنموي العلمي في كل الحقول ، جاء عدوان بلير وبوش ومن لف لفهم ، لانه سيشكل خطراً حقيقياً على مشروعهم التغريبي الذي وضع مؤسسوه مداميكه الأولى مُنذ ماقبل عصر الإكتشافات والثورة الصناعية ، والأمثلة بالتاريخ ولمن يعي ويفهم دروس وعِبر.

خلاصة القول ان السير / توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ومن خلال ما إستعرضه التقرير الضافي للسير / جون تشيلكوت بشأن قراه الطائش بظم بريطانيا ( العظمى ) للعدوان على شعب العراق ودولته والتي خسر العراق مايربو على المليون عراقي كشهداء ضحايا من نساء واطفال وشباب وشيوخ ، وهجرة وتهجير مالا يقل عن ثلاثة ملايين عراقي ، وإستزراع حقد أسود ذات نكهة طائفية عرقية بغيضة بين العراقيين بعد الحرب ، ومحاولة تمزيق نسيجه الإجتماعي المتآخي ، وفتح العراق على مصراعيه للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش الإرهابيتين ، وتحطيم الجيش العراقي البطل الذي لازالت رفاة شهدائه ترقد في ارض فلسطين المحتلة مُنذ الأربعينات من القرن العشرين ، وتدمير مؤسسات الدولة المدنية العراقية ، وإضاعة المكاسب المُحققة للشعب العراقي الذي أنجزها لقرابة قرنٍ من الزمان كميراث أصيل لدولة لها ألاف السنين مُنذ سرجون الأكدي ونبوخذ نصر وهارون الرشيد وكل أعلام التاريخ العروبي الإسلامي وحتى لحظة قدوم ( العلوج ) في ربيع الغزو عام 2003م.

نعم ان تقرير تشيلكوت هو شاهد حي على تبيان المجرمين الذين قرروا العدوان ، وشهد شاهد من أهلها ، ولهذا حان الإختبار الصعب والحقيقي لمصداقية القانون البريطاني ، هل سيحول المجرم وليس المتهم توني بلير الى المحكمة الإبتدائية في لندن لانه تسبب في ذبح وقتل ( 179 ) جندي بريطاني ، او تحويله الى محكمة العدل الدولية في لاهاي ليلقى جزائه جراء ما إقترفه من جرائم بحق الشعب العراقي المظلوم.

المصدر: رأي اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى