إختيار المحررالعرض في الرئيسةحوارات

آية بازرعة الطالبة التي حصلت على المركز الأول في الثانوية العامة على مستوى ولاية برلين: ألمانيا بلد الإبداعات والأفكار الخلاقة، والجد والاجتهاد هو سِر التفوق

يمنات

هاجر الحضارم، ومنذ القِدم، إلى مشارق الأرض ومغاربها، طلباً للرزق وللعلم ولضرورات الحياة الأخرى، وفي الأماكن التي استقروا فيها، تركوا بصماتٍ إيجابيّةً عالية شرفاتها في مختلف مناح الحياة؛ فتبوأوا أرفع المناصب القياديّةعن جدارة واستحقاق، والأثار التي خلّفوها، والمشاريع التي أقاموها عَبَرت القارات والثقافات استناداً على قيم وأخلاق حضارية أصيلة غير متصنّعة، وسمعة جيدة، كانت تسبقهم آلاف الأميال كلما نووا التوجه صوب بلد ما.

اليوم ونحن بصدد الحديث عن نماذج حضرمية ناشئة اظهرت تفوقاً لافتاً في بلدان أوروبية نُردد بطمأنينة لا متناهية ما قاله ذات يوم أديب ومثقف حضرموت الأبرز علي أحمد باكثير: “ولو ثقّفت يوما حضرميّاً لجاءك آيةً في النابغينا”، دون أن يُراودنا الشك حيال هذه الثقة الكبيرة التي أبداها باكثير وإن جاءت بصيغة جماعية مُطلقة أو يلتبس علينا الأمر فنفهمها كنوعٍ من أنواع الزهو والنرجسيّة، وعلى طريقة العرف التقليدي العربي، بقدر ما تُدْرَك كخاصيّة جماعية متوارثة، وكنسق من الاستعدادات التي ينشأ عليها المرء ويكتسبها في بيئةٍ ما، فتصبح علامته الدالة والمميزة. وللأسف فهذه الثروة البشرية القيّمة مهدورة تماماً في موطنها الأصلي، وفوق ذلك تحاول السلطات المتعاقبة انتقاء أسوأ ما فيها على الإطلاق كطريقة  من طرق التشويه والانتقام.

في هذا الحوار الذي يأتي ضمن أنشطة “اتحاد أبناء الجنوب في ألمانيا” يسعدنا أن تكون ضيفتنا الطالبة آية ابنت إحدى العائلات الحضرمية المهاجرة في ألمانيا التي تم تكريمها قبل بضعة أيام في حفل كبير بمناسبة حصولها على المركز الأول في الثانوية العامة على مستوى مقاطعة برلين، كما حصلت في نفس الوقت على جائزة من اتحاد الكيميائيين الألمان وعضوية فيه نظراً لاهتماماتها المُقدرة في العلوم الكيميائيّة. آية لم تكن الوحيدة في أسرتها التي حصدت تفوقاً مُعتبراً، فهي لم تسر سوى على خُطى شقيقتها الكُبرى سحر التي كان لها السبق بتحقيق هذا الانجاز في العام 2014.

أما محمد أبن أستاذ الكيمياء الحيويّة الدكتور صالح باشماخ فقد حصل هو الآخر على درجة عالية في الثانوية العامة هذه السنة، بعد حصيلة سنوات طويلة من التفوق والاجتهاد، وكان من ضمن الذين تم تكريمهم في برلين. ولعلنا لم ننس في هذه المقام التكريم الذي حظيت به نعوم أبنة الدكتور حسين السقاف قبل بضعة أيام بمناسبة تخرجها من الثانوية العامة، ونعوم فتاة موهوبة أدبياً سبق لأحد قصصها القصيرة أن فازت بجائزة رفيعة في هولندا فضلاً عن اتقانها لست لغات، كذلك فاطمة ابنة السياسي المعروف محسن العمودي والتي بدورها حظيت بتقدير عالي المستوى من قبل الرئيس الفرنسي نفسه قبل عامين نظير تفوقها الدراسي خلال فترة زمنية وجيزة.

اللافت في الأمر أن أغلب المتفوقات هن فتيات، ولولا أن اللغة العربية تلجأ إلى “التغليب” لتعميم الإحالات ولإخفاء انحياز اللغة الفاضح للذكورة، لكان على الأديب الكبير علي أحمد باكثير أن يُعيد النظر في بيته الشعري الشهير!

إلى نص الحوار مع الطالبة المتفوقة آية.

– في البداية نُرحب بكِ في هذا الحوار، ونُبارك لكِ على هذا الانجاز الرفيع.

أشكركم على اتاحة الفرصة لي للحديث في هذه المناسبة، كما اشكركم على التهنئة، وأتمنى للجميع كل التفوق والازدهار.

-هل لكِ أن تعطينا نبذة مختصرة عنكِ وعن عائلتك؟

اسمي هو آية عبدالحكيم عبدالرحمن بازرعة،  الأبنة الثانية من بين أربعة أشقاء، والدي هو الدكتور عبدالحكيم بازعة استاذ و دكتور في الهندسة المدنية، اما والدتي فهي الدكتورة صفية إسكندر بازرعة طبيبة متخصصة في الباطنية وأمراض الدم. والدتي ووالدي قَدِما إلى ألمانيا قبل أكثر من 20 سنة، فأنهوا دراسة البكالوريوس أولاً، ثم قاموا بتحضير الماجستير والدكتوراة ، ليستقر بهم المقام في نهاية المطاف بألمانيا. أنا و اخوتي كلنا من مواليد برلين، ولدينا الجنسية الألمانية.

-ما هو شعوركِ وأنتِ تحصلين على المركز الأول في الثانوية العامة على مستوى مقاطعة برلين؟

بالتأكيد أحس الآن بفرحة غامرة ، وسعيدة جداً لأن اجتهادي و إصراري على التعلم وتطوير نفسي لم يذهب سُدى. لقد جاء هذا الانجاز ثمرة عمل دؤوب لسنين طويلة، فقد اجتهدت باستمرار لأن أحصل على أفضل مرتبة على مستوى مدرستي في كل سنوات الثانوية العامة، و كان المعلمون يشجعوني و يعطوني الحافز على مواصلة المشوار حتى حصلت في النهاية على هذ المرتبة. ولا انسى في هذه المقام أختي الأكبر مني سحر التي كانت قدوة لي في تفوقها و حصولها هي الأخرى على المركز الاول في الثانوية العامة على مستوى مقاطعة برلين لعام 2014.

– حدثينا قليلا عن مشوار دراستكِ في ألمانيا؟

الفضل في تفوقنا يعود إلى والدي ووالدتي اللذين اختارا لنا مدارس لها صيت جيد في ألمانيا حتى وإن كان الذهاب إليها يستغرق منّا وقتاً أطول مقارنة مع المدارس القريبة. في هذه المدارس يقوم نظام التعليم على أساس منج يُسمى “مونتيسوري”، وهو منهج تعليمي وتربوي شامل يهتم بجانب تطوير القدرات والمهارات العلميّة بتنمية شخصية الطفل بصورة تكاملية تأخذ في الاعتبار الجوانب النفسية، والعقلية، والروحية، والجسدية الحركية وتقوم على نظريات علمية عن كيفية تنمية الطفل. وهذه المدراس تقوم على رعايتها منظمة اليونسكو، فمثلا  مدرستي الثانوية واسمها باسم عالم الفيزياء الألماني الشهير “ماكس بلانك” من الأنشطة التي تُقدمها فضلاً عن الحصص التعليمية إقامة فعاليات كثيرة كتنظيم محاضرات وندوات نقاشية مفتوحة بين الطلاب تحت اشراف المعلمين حول مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافي والعلمية، كما تقوم نُخب سياسية وقادة أحزاب بعمل زيارات مستمرة إلى المدرسة و مناقشة القضايا الراهنة مع الطلاب، أخرها على سبيل المثال قضايا اللجوء وتلك المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، وتتسم هذه النقاشات بكل اهتمام وجديّة. بالإضافة إلى أن المدرسة تحرص على تنظيم رحلات  خارجية مثل زيارة المراكز العلمية والبحثية لإعطاء الطلاب صورة مقربة عن كل أخر انشغالات العلم والعلماء، وهذه الفعاليات طورت مهاراتها بشكل كبير، كما جعلتنا على مستوى كل الأحداث.

– حصلتِ أيضا على جائزة في علوم الكيمياء، هل يعني هذا أن لديكِ اهتمامات خاصة في هذا المجال؟

لدي اهتمامات بجميع المواد العلمية ومنها الكيمياء، و لكن اهتماماتي بالكيمياء أخذت حيزاً أكبر، وأفضلها بكونها مادة جمعت بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي. وقد اخترت هذه المادة من بين عدة مواد للحصول على شهادة الثانوية العامة، والحمد لله تمكنت من التميز فيها.

– هل تنوين دراسة الكيمياء في الجامعة أم لديك رغبة بدراسة تخصص آخر؟

الميزة في ألمانيا أن دراسة الكيمياء والتفوق فيها يفتح المجال واسعا لاختيار تخصصات كثيرة في الدراسة الجامعية، والآن أنا في مرحلة التفكير جيداً في كل الفرص والخيارات المتاحة والتمعن بروية في المستقبل، وربما قد استقر على دراسة الهندسة أو الطب.

 – ما الذي يعنيه أن يكون طالب خريج ثانوية عامة عضو في اتحاد الكيميائيين الألمان? وما هي المزايا التي يحصل عليها من خلال هذه العضوية؟

الجائزة التي مُنحِت لي هي تكريم واعتراف بالجهود التي بذلتها في مادة الكيمياء أثناء الدراسة، وقد حصلت على الدرجة النهائية الامتياز 1 (100%). أما بالنسبة لمنحي عضوية في اتحاد الكيميائيين الألمان فيأتي ضمن تكريم المتميزين من طلبة الثانوية العامة في هذه المادة، وهي عضوية كاملة حيث يصبح للطالب مزايا كتلك التي يحظى بها أي عضو في هذه الرابطة.

– هل لديكِ الآن تصور واضح عما تريدين أن تصبحيه في المستقبل؟

المستقبل كلمه من 6 حروف و لكن تحمل في طياتها امور كثيرة و يجب التأني و التفكير العميق قبل حسم أي قرار أو ترجيح كفة أي خيار فيه، وكما قلتُ سابقاً فأنا الآن في مرحلة التفكير في أي من الخيارات ينبغي عليّ أن أنتقيها.

كم لغة تتقنين التحدث بها؟

أجيد أربع لغات:  العربية والألمانية والإنجليزية واللاتينية.

 -هل لديكِ اهتمامات أو هوايات أخرى تمارسينها غير الاهتمامات العلمية؟

بالطبع. أمارس رياضة الجوكن، ركوب الدراجة الهوائية،  تنس الطاولة… تستهويني قراءة الكتب المفيدة. كما أجيد الطبخ، وأخصص وقتاً لقراءة القرآن الكريم. ممارسة الهوايات هي مناسبة جيدة حتى يبتعد الانسان من الروتين القاتل.

– ما هي الامكانيات والفرص المتاحة أمام الطالب في بلد كألمانيا تساعده على تطوير اهتماماته؟

المانيا بلد الإبداعات والأفكار الخلاقة و فيها كل ما يخطر على البال و انصح نفسي و انصح الاخرين ان نستغل الوقت جيدا في هذا البلد الذي يوفر كل المستلزمات لعمل إنجازات تستحق التقدير.

– هل قمتِ بزيارةِ إلى بلدكِ الأم وكما يُقال؟ وكيف وجدتيه؟

 والدي ووالدتي حريصون على ألا نفقد صلتنا بجذورنا، وخصوصاً أهلنا وصلة أرحامنا، وفي هذه الزيارات تتعزز الروابط مع الأهل، كما أننا نستفيد كثيراً بتطوير لغتنا العربيّة. و نحن تقريبا نسافر هناك كل سنتين، وأرضنا جميلة وأهلها طيبون، ولكن ما يؤلمنا جدا هي مشاهد الحرب و الدمار، ونتمنى من كل قلوبنا أن تستقر الامور ويعيش الانسان بكرامة.

– كلمة أخيرة تودين قولها؟

اشكرك مرة أخرى على هذه الفرصة، واشكر من أعماق قلبي كل من فرح معنا، وهذا يعطينا حوافز كبيرة ودوافع قوية للاجتهاد أكثر، ونامل أن يحذو الجميع بنفس الطريق. كما نأمل ان نساهم ولو قليلاً من خلال ما نقدمه في تغيير صورة المسلمين نحو الأفضل في المانيا خاصة، وفي اوروبا بشكل عام.

أما والدتي ووالدي فلن أستطيع أن أفيهما حقهما مهما رددت من كلمات شكر، فالفضل يعود لهما في تميزنا وتفوقنا، لقد وضعونا على الطريق الصحيح، وهم يذللون لنا كل الصعاب التي تعترضنا.

المصدر: عدن الغد

زر الذهاب إلى الأعلى