إختيار المحررالعرض في الرئيسةحوارات

علي البخيتي: استبعد الانسحاب من صنعاء و “صالح” هو الرجل الأول في اليمن ومن أضاع الدولة في صنعاء لايمكن أن يستعيدها من الرياض

يمنات

يتنقّل من مربع الى آخر .. يتحالف مع الجميع، ويعادي الجميع تقريباً..

بدأ مسيرته الفريدة كجندي في الأمن المركزي، ثم عضو في الحزب الاشتراكي اليمني – أقصى اليسار-  قبل أن يتلقفه ميدان الثورة بساحة التغيير في قلب العاصمة صنعاء، مع جموع من خرج في ثورة فبراير الشبابية ضد حكم الرئيس السابق علي صالح في 2011.

آراؤه اليسارية في الميدان الثوري أكسبته علاقات جيدة مع كثير من النشطاء الشباب من أقرانه،  لكنه أحدث ضجة كبيرة بعد تحوله الى أقصى اليمين كعضو في المجلس السياسي للحوثيين، و كناطق باسمهم في مؤتمر الحوار الوطني.

ظل على مدار عامين من عمر الفترة الانتقالية و الحوار المنافح عنهم والمسوّق الأبرز لأفكارهم.

وقف مع جموع المحتفلين بسقوط اللواء 310 مدرع بعمران، على يد الحوثيين. لكن وبمجرد أن دخل الحوثيون العاصمة صنعاء، بدأ يهاجمهم وبشراسة غير معهودة، معلناً الاستقالة من عضوية المجلس السياسي.

كان مثار جدل حيثما حل و ارتحل؛ تتلقفه الشائعات والأقاويل والحكايا. سريع في كسب الصداقات، لكنه أسرع في اكتساب أعداء جدد.

ذاك هو الشاب اليافع الذي حجز مقعده بين اللاعبين البارزين في المشهد السياسي اليمني .. إنه الأخ علي البخيتي، المحامي و السياسي الشهير.

إلى الحوار

– نبدأ أولى الأفكار بالسؤال عن أهم ما يعتمل في المشهد السياسي في اللحظات الراهنة، كيف ترى المبادرة التي قدمها المبعوث الأممي لأطراف الأزمة اليمنية؟ خصوصاً وأنها ليست ذو قالب جديد، بل تم طرحها قبلاً من قبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في محادثات السلام الأخيرة في دولة الكويت؟ ثم هل ترى أن المبادرة بما جاء فيها من بنود تعكس توجهاً أو تصوراً أممياً جديداً للصراع، بحيث تصبح فيه الشرعية مشكلة واجبة التغيير، والانقلاب أمر واقع؟

* في البدء لابد من توضيح أمر هام؛ ما قدّمه ولد الشيخ ليس مبادرة متكاملة بقدر ما هو “خارطة طريق” ترسم المعالم الأساسية لما سيتم الاتفاق عليه بين الفرقاء السياسيين. و تكمن أهمية هذه الخارطة الأممية في أنها حسمت أهم مواضع الخلاف التي برزت في مفاوضات الكويت، والتي تسببت في إفشال تلك المفاوضات، بسبب تمسّك كل طرف برأيه وتصوره الخاص للحل الأمثل للأزمة في اليمن. كما أن الخارطة جاءت امتداداً للاتفاق الذي حصل في مدينة جدة السعودية بين لجنة الرباعية (السعودية – الإمارات – بريطانيا – أمريكا)، وبالتالي فهي تحظى بدعمهم وتأييدهم المطلق، غير أنه لا يمكن لهم – على أية حال – إبداء موافقتهم عليها بشكل علني قبل الأطراف اليمنية، كونها المعني الأول بالموافقة عليها، أما الرباعية فهي تتبنى وتدعم هذه الخارطة، و ولد الشيخ لا يتحرك من تلقاء نفسه ولا يقدم خرائط من مخيلته، فإلى جانب مراعاته ما تطرحه الأطراف اليمنية كذلك هو يستوعب المخاوف الإقليمية والسعودية والدولية، لكي تنجح مساعيه وتلقى الدعم اللازم.

– ماذا عن إزاحة الرئيس هادي ونائبه الفريق محسن، والمنصوص عليها صراحة في بنود الخارطة الأممية الجديدة؟

* قضية إزاحة “هادي” أو “محسن” والإبقاء على علي صالح وعبد الملك الحوثي أمر غير صحيح على الإطلاق، و لا تعدو كونها مجرد مغالطة تختبئ خلفها ما تسمى بـ “الشرعية” كي تبرر رفض الخارطة؛ إذ أن صالح وعبد الملك لا يملكان أي صفة شرعية حتى تأتي الخارطة لتزيحهما، والعكس صحيح فيما يتعلق بقيادة ما تسمى بـ “الشرعية”، حيث تعاملت الخارطة مع عبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر باعتبارهما موجودان في السلطة، و أوضحت أن حدوث أي اتفاق جديد يستلزم سلطة جديدة، أما الانقلاب فلا جدل ولا خلاف عليه، وبمجرد إزالة مفاعيله يصبح في حكم المنتهي، خصوصاً وأن الخارطة تلزم الحوثيين بالانسحاب من العاصمة كمرحلة أولى، ثم باقي المناطق.

– من العاصمة فقط؟ أم من بقية المحافظات اليمنية الأربع التي يسيطرون عليها؟

* الخارطة الأممية الأخيرة ركزت على العاصمة صنعاء فقط باعتبارها رأس اليمن وأهم مدينة فيه، وإن انسحب الحوثيون منها وقاموا بتسليم السلاح؛ وهذا ما أستبعده تماماً؛ فإن هذا يعد مؤشر متقدم لحسن النوايا، ويعطي إمكانية كبيرة لبناء سلطة توافقية يتساوى فيها جميع الأطراف.

– تستبعد تسليم الحوثيين للعاصمة، وكذلك فإن مصطلح “تسليم الأسلحة” هو مصطلح مطاطي، إذ ما من وسيلة لضمان عدم إخفاء الحوثيين للسلاح في أي مكان لا تعلم عنه لجنة استلام السلاح شيئاً. هذا بالإضافة الى التغيير العميق الذي طرأ على مفاصل الدولة بعد الانقلاب، أو ما بات يعرف بـ “حوثنة الدولة”. ألا يستدعي ذلك مخاوف تبدو معقولة وواقعية الى حد كبير من جانب قيادة الشرعية، وخصوصاً أن الانقلابيين لم يعتمدوا أصلاً على الأسلحة الثقيلة والدبابات لبسط سيطرتهم على العاصمة، بل على ولاءات مفاصل الدولة العميقة. كيف يمكن أن تأمن الشرعية وتصدق بأنها باتت والانقلابيين على درجة واحدة بعد كل هذه المعطيات والشواهد؟

* مسألة “تسليم صنعاء” ليست بالبساطة التي يتصورها البعض، ففيها تفاصيل كثيرة وعميقة، وهنا يأتي دور المحاور أو المفاوض من جانب ما تسمى بالشرعية، حيث لابد ان يخوض في تفاصيل التسليم بشكل دقيق، حتى يضمن هذا الجانب أن لا مجال لدى الجانب الآخر للتنصل أو الالتفاف عن الالتزامات التي تم التوقيع عليها. هذا أولاً، ثم إن هذا هو الممكن والمتاح، في ضوء العجز العسكري لقوات ما تسمى بالشرعية، حيث أخفقت هذه القوات في تحقيق أي نصر عسكري حاسم على مدار أكثر من سنة وثمانية أشهر من الصراع المستمر، وهو ما تسبب في ترسيخ سلطة الحوثيين في مناطق سيطرتهم بشكر كبير، أما مسألة الجنوب فلها اعتبارات أخرى، نظراً لعدم وجود حاضنة شعبية لهم فيها. وبالتالي، فلا يمكن الوصول الى تسوية سياسية قابلة للحياة ما لم تقدم الأطراف تنازلات هامة.

الحوثيون متواجدون في مناطقهم الأساسية حتى قبل قيامهم بالانقلاب، بل أن هذا التواجد تم تحت سمع وبصر ورعاية هادي نفسه الذي أشرف على ادخالهم اليها هو و وزير دفاعه محمد ناصر أحمد بهدف ضرب مراكز نفوذ كان يمثلها علي محسم و بيت الأحمر والإخوان المسلمون (حزب الإصلاح)، ولا يجب أن ننسى أن هادي وقف مع أبو علي الحاكم واعلن ان مدينة عمران عادت للدولة ودماء القشيبي لم تكن قد جفت بعد، وناطق الجيش وقتها قال ان معركة القشيبي ليست معركة الجيش اليمني، ولا يوجد أمر عملياتي واحد من هادي لمواجهة الحوثيين.

– لكنهم لم يكونوا يملكون أية صفة سيادية، ولم تكن المدن تخضع لسلطتهم، حتى وإن كانوا موجودين؟

* نعم صحيح، هناك فرق بالتأكيد؛ لكن إذا انتزعنا من الحوثيين رأس الدولة، والمتمثل في العاصمة صنعاء، فإننا بذلك نكون قد انتزعنا منهم السلطة المالية والسلطة الإدارية وسلطة التعيينات في عموم محافظات الجمهورية، وتصبح بذلك صنعاء هي مركز السيطرة العملياتية والمالية والإدارية، وبالتالي ستتوسع الدولة تدريجياً بحسب قدراتها، وبحسب جاهزية الجيش، لسبب موضوعي، وهو أن التحالف والمجتمع الدولي وقعا في فخ وإشكالية عويصة بعد قيامهم بتدمير جزء كبير من منظومة الجيش اليمني، باعتباره جيش عفاشي كما زعموا، بناءاً على معلومات مضللة ساقتها ما تسمى بالشرعية المتواجدة في الرياض، وبالتالي فإن مسألة تسليم السلاح أصبحت معقدة، إذ يخلو المشهد اليمني الراهن من أي جهة محلية يوكل اليها مهمة استلام السلاح الثقيل، والمؤسسات الموجودة حالياً تعد بسيطة وقليلة، وخصوصاً تلك المتواجدة في محافظة مأرب، هذا مع عدم إغفال أن عدداً كبيراً من الأشخاص فيها ليسوا جيشاً نظامياً بالمعنى الدقيق، بل مجاميع قبلية يأتون لاستلام مرتباتهم ثم ينصرفون. إذن، ما يسمى بالشرعية تسببت في إشكالية كبيرة، وتطلب من الحوثيين تسليم أسلحتم، لمن يسلموها؟ انت أحدثت الفراغ بتدمير الجيش اليمني وبالتالي عليك ان تتعامل مع ظروف الواقع الجديد وأن يتم التسليم في صنعاء ثم يتم التوسع بعد ذلك.

– نعود للمبادرة.. كيف حسمت موضوع قبول السعودية وموافقتها على بنود الخارطة، مع ان السعودية لم يصدر عنها أي موقف رسمي بخصوصها؟ ثم هناك رأي يقول بأن السعودية تتفق مع الشرعية في رفض ما جاء به ولد الشيخ، غير انها ليست مخولة بالتصريح بالرفض، لأنها بذلك قد تعطي إشارات للمجتمع الدولي بأنها تعرقل عملية السلام في اليمن، وبأن شأن الرفض أو القبول هو شأن يمني صرف.

* أولاً الخارطة هي نفسها التي اقترحها “كيري” كما قلت سابقاً، لكن الحوثيين رفضوا التعامل مع خارطة تسمى بـ((خارطة او مبادرة كيري)) بحكم شعارهم السخيف “الموت لأمريكا”، وقالوا بأنهم لن يتعاملوا إلا مع شيء يصدر عن الامم المتحدة وبشكل مكتوب، ثم تلى ذلك اجتماع الرباعية في بريطانيا، اتفق فيه وزراء خارجية الدول الأربع على نفس ما تم التوافق عليه تقريباً عند زيارة كيري للسعودية، وأن يقوم ولد الشيخ لاحقاً بتسليمها للحوثيين. هكذا بكل بساطة، وهذا يعني أن اقتراح “كيري” هو نفسه “خارطة” ولد الشيخ ولا يوجد أي فرق بينهما، بل على العكس، فقد قام ولد الشيخ بتحسينها بشكل أكبر فيما يتعلق بجانب ما يسمى بالشرعية، لأنها لم تكن في صالحهم أبداً.

– ماذا عن ما يتعلق بمسألة “الضمانات” التي تعهّد بها المجتمع الدولي للشرعية، حتى يلتزم الطرف الانقلابي بتنفيذ بنود الاتفاق الذي قد يتم التوقيع عليه؟ خاصة ونحن نعلم أنه من الصعب جداً على هذه الجماعات التقيد بأي التزامات معينة. هل نحن بصدد شكل جديد من “الضمانات” الدولية، أو الحَزْم الدولي –إن جاز التعبير- لإلزام جميع الأطراف بتنفيذ بنود الاتفاق؟

* أساساً وبحسب الخارطة فإن ما هو مطلوب من جانب ما تسمى بالشرعية هو وقف إطلاق النار فقط، وليس عليها أن تسلم الأسلحة أو أن تسرّح التشكيلات العسكرية التي قامت بتجنيدها، وبالتالي فإن حصل وانقلب الحوثيون على الاتفاق، فبإمكان الطرف الآخر أن يعود للمربع الأول، بكل سهولة ويسر، وأن يستأنف عملياته العسكرية ضدهم، وبالنهاية الميدان هو الفيصل.

– وبالنسبة لمدى مصداقية الحوثيين؟

* مصداقية الحوثيين نعم مشكوك فيها جداً، وكذلك الأمر بالنسبة لمصداقية هادي والإخوان المسلمون وجميع الأطراف اليمنية. للأسف جميع الأطراف اليمنية بلا مصداقية أثناء تطبيق أي اتفاق سياسي.

– هل تعني بأن الحوثيين بلا مصداقية؟

* مائة بالمائة. هذا الأمر واضح وجلي، من خلال التجارب السابقة معهم، وانقلابهم على السلطة التي كانت موجودة. لقد ضرب الحوثيون مصداقيتهم في الصميم، لأنهم زعموا عند دخولهم العاصمة انه اعتمال لحراك مطلبي، ثم تحول الأمر بين عشية وضحاها إلى ثورة وإسقاط نظام، وهذا شأن آخر لا نريد فتحه الآن، لكن مختلف الأطراف السياسية اليمنية تضمر الانقلاب على الاتفاقات أثناء التوقيع وليس بعد ذلك عندما تأتي المشكلات. للأسف الشديد، السياسيون اليمنيون تربوا خلال ثلاثين عاماً المنصرمة، خلال عهد صالح تحديداً، تربية فاسدة، واعتقدوا بأن السياسة كذب وتلفيق وانقلاب على الاتفاقات، هكذا يفهمون السياسة، وهذا الكلام خاطئ بالتأكيد، فباستطاعتك أن تراوغ او تهاجم بغرض تحسين وضعك وموقفك في أي تفاهمات مستقبلية، لكن بعد أن تقوم بالتوقيع فلا بد ان تلتزم بما تعهّدت به.

– لنفترض أن الحوثيين قبلوا بالخارطة ووقعوا على الاتفاق. من يضمن التزامهم بها؟

* في النهاية لا أحد سيقدم ضمانات مؤكدة، والخارطة تنص على خطوة مقابل خطوة، والتحالف أصلاً موجود بقواته وطائراته، ومأرب موجودة والجيش موجود والحوثيين موجودون في بقية المحافظات. ان انسحبوا من صنعاء فهذا في تصوري تنازل في غاية الأهمية، إذ يعني ذلك بأنهم انهوا انقلابهم، واعترفوا بأن ما قاموا به مغامرة غير محسوبة. وإن حدث وعرقل الحوثيون الاتفاق في أي لحظة، ما الذي سيمنع التحالف من إعادة شن الغارات عليهم، واستئناف العمليات العسكرية ضدهم، بل إن التدخل العسكري هذه المرة سيكون مبرراً بشكل أكبر بكثير من هذا الذي يجري حالياً والذي أعلن هادي نفسه أنه فوجئ بالعاصفة من الاعلام مثله مثل أي مواطن عادي.

المصالحة بين صالح ومحسن

– نأتي للحديث عن المصالحة بين صالح ومحسن. نعتقد أنك قلت في أحد منشوراتك بأنك تتحرك في هذا الجانب. هل تحركت فعلاً، وهل طرحت على محسن هذه الفكرة؟

* أسعى دائماً للمصالحة والتوفيق بين جميع الأطراف اليمنية في الداخل والخارج، وحتى مع بعض دول الإقليم وقوى سياسية يمنية، وهذا الأمر ليس خافياً على أحد، وأعتبره دور إيجابي اضطلع بالقيام به، إذ أنه لا سلام يمكن أن يتحقق ما لم تتم المصالحة والاتفاق بين أمراء الحرب، لأنهم من يشعلون الحروب ومن يطفؤونها. في لبنان مثلاً، تحاربت الأطراف خمسة عشر عاماً، ثم اجتمع جنبلاط ونبيه بري وبقية أمراء الحرب وصنعوا لاحقاً السلام. هذه طبيعة المجتمعات، من يشعل الحروب، هو نفسه من له القدرة على صناعة السلام. كما أن أمراء الحرب ليسوا معزولين عن قواعدهم الجماهيرية، بل على العكس تماماً، مثلاً علي عبدالله صالح، ما الذي جناه التحالف العربي والمجتمع الدولي من معاداته؟ حاصروه وعزلوه من السلطة، وفي النهاية تخرج الملايين لمناصرته، بينما هادي لا يستطيع اخراج الفين او ثلاثة ألف شخص مع أنه رئيس وشرعي عند دول العالم، في حين أن علي محسن له وجود جماهيري على الأرض، أكبر بكثير من ذلك الذي يصطف مع هادي، وهو نفس الشيء بالنسبة لليدومي.

لذلك لابد من الاضطلاع بدور الموفق بين جميع الأطراف حتى نعمل على إنهاء الصراع، وعدم تخويف أطراف على حساب أطراف؛ ما الذي دفع علي صالح لمحاولة إفشال التسوية السياسية القائمة؟ الأطراف الأخرى منحته الحصانة، ثم في وقت لاحق دفعت لمظاهرات تطالب بمحاكمته وسعت لإدراج اسمه هو وبعض أقاربه في قرار عقوبات من مجلس الأمن، وهو ما جعله يعيش في رعب، هو وأسرته، وأصبح معنياً بالدفاع عن نفسه، بشكل أو بآخر.

كما أن الحصانة المعطاة لصالح تم فهمها بشكل خاطئ تماماً، إذ أنها تنص على منحه الحماية من أي مساءلة قانونية، هو وكامل الفريق الذي عمل معه طوال فترة حكمه، وبالتالي فأسماء كثيرة كاليدومي وعلي محسن وقيادة أسرة آل الأحمر وفلان وعلان، مندرجة تحت ذات البند أيضاً، ويسري عليها ما يسري على علي صالح، غير أنهم سوّقوا الأمر على أن الحصانة مُنحت لصالح فقط وعملوا على عزله سياسياً بناءاً على هذا الطرح المغلوط.

إن أردنا ان نسلك طريقاً جديداً ونخرج اليمن الى بر الأمان، لابد أن نتعامل وفق معايير موحدة؛ إن قلنا حصانه فنقول حصانة للجميع وإن قلنا محاسبة فمحاسبة للجميع. أنا قدمت اقتراحاً منذ خمس سنوات، بحيث ان الحصانة لا تعطى للجميع بهذا الشكل، بل يتم اعطاؤها بناءاً على طلب من يريدها، حيث تقدم له استمارة يعبئ فيها بياناته،  ومن ضمن الشروط الموجودة في الاستمارة ان يتنازل عن حقوقه السياسية، لأن طلب الحصانة يعني اعترافاً بارتكابك جرائم في حق هذا البلد، لذلك أمامك خياران: الاستمرار في مزاولة النشاط السياسي، وهذا يعني ان تقبل بأن ترفع عليك قضايا في أي وقت، أو طلب الحصانة وفق استمارة معينة، ويسري الأمر على الجميع.

اللجنة الثورية والمجلس السياسي

– يحسب للحوثيين ذكاؤهم في التعامل مع مبادرة ولد الشيخ، إذ لم يعلنوا قبولهم بالمبادرة ولا رفضها، في حين أعلن صالح أنها أرضية جيدة للنقاش. لكن لماذا يبدو وكأن ما تسمى باللجنة الثورية العليا لم تترك المشهد السياسي، بل يقول كثير من المراقبين بأنها تهمين بشكل جلي وواضح على ما يسمى بـ”المجلس السياسي”، وأنها المخولة في إبداء الموافقة أو الرفض بخصوص ما يتعلق بالمبادرة وغيرها؟

* من قال ان اللجنة الثورية سلمت السلطة للمجلس السياسي؟ هي لم تسلم أبداً، استغلت فقط المجلس السياسي كصورة تسويقية أمام المجتمع الاقليمي والدولي، حيث أنه قائم على أطر سياسية، رفقة أحزاب سياسية عريقة كالمؤتمر وأحزاب وطنية أخرى.

“الثورية العليا” تمثل سلطة الحوثيين التي تتصف بالعنصرية والسلالية، وهم يدركون حقيقة هذا الأمر، لذلك أرادوا إعادة تأطيرهم في برواز سياسي أكثر مرونة وأكثر قابلية على التحرك أمام المجتمع الدولي، لكن وللأسف الشديد، لم يحظَ هذا المجلس الوليد بأية صلاحيات، فظهر أعضاؤه كالدمى “أراجوزات”، لا يملكون إصدار القرارات، ولا حتى تحريك نقطة عسكرية واحدة، ليس المؤتمر فحسب، بل كذلك صالح الصماد أصبح دمية، حاله في ذلك حال البقية.

اقصاءات متلاحقة

– هل توجد خلافات حقيقية بين صالح والحوثيين، وخصوصاً بعد سلسلة الاقصاءات التي طالت قطاعاً واسعاً من القيادات المؤتمرية في مفاصل الدولة المختلفة، وإحلال الحوثيين محلهم؟

* المؤتمر تعرض لمجازر هائلة، ابتدأت منذ العام 2011 بتخطيط من المشترك، وتنفيذ رئيس الوزراء السابق أحمد سالم باسندوة بتوجيهات من حميد الأحمر عبر سالم بن طالب مدير مكتب باسندوة.

– لكنها لا تقارن أبداً بما يجري حالياً من إقصاء، حيث يتعرّض المؤتمر لهجمة شرسة وفي أهم مراكز قوته ونفوذه، سواءاً في المؤسسات الحكومية، أو حتى في قلب المؤسسة العسكرية التي يحتمي بها “الحرس الجمهوري”؟

* لا أتحدث عن السبب، هذا الحديث يختص به باحثون في هذا المجال. أحدثك عن مفهوم “الإقصاء” بحد ذاته، وهو ما دأبت عليه جميع الأطراف السياسية التي وصلت الى سدة الحكم، حيث أن كل من يصعد على الكرسي يقوم بعملية إلغاء للأطراف الأخرى تحت يافطة عريضة “أعداء الثورة”.

المشترك أقصى المؤتمريين، لكن الضربة الكبرى للمؤتمر والدولة جاءت من الحوثيين. الخلافات بين المؤتمر والحوثيين شديدة جداً، وما يجمعهم هو مواجهة التحالف والعدوان على اليمن، ومواجهة القوى السياسية الأخرى، والتحالف وحلفاؤه اليمنيين حاصروا علي عبد الله صالح، وأقصوه؛ إما أن يكون معهم ويقاتل في صفهم ضد الحوثيين، أو أن يكون ضدهم، وهذا التوجه خاطئ.

لو تركوا له وللمؤتمر الشعبي العام مجالاً للحياد لحايدوا، وقد كان موقف المؤتمر حتى لحظة الإعلان عن تأسيس المجلس السياسي الأعلى موفقاً وواضح؛ هو ضد التدخل العسكري في اليمن، وضد الانقلاب الحوثي على السلطة؛ صحيح قد يكون صالح دعم الحوثيين بشكل أو بآخر، لكن في النهاية هذا بشر، وهو أراد الانتقام من أسرة آل الأحمر وعلي محسن وغيرهم، وهذا أمر معروف في الصراع السياسي؛ وهو نفس ما قام به عبدربه منصور حين سمح بما حدث لآل الأحمر واللواء حميد القشيبي من عمران مستخدماً الحوثيين، ثم وقف في قلب عمران اليوم الثاني ليعلن بأن المحافظة عادت الى حضن الشرعية.

المهم هناك الكثير من الاشكالات، والكثير من الأخطاء، دفعت الكل لقتال الكل. لا توجد مصداقية في الأطراف السياسية، كما لا توجد نية جادة لطي صفحة الماضي، بشكل حقيقي. شخصنوا الصراع وتناسوا بناء الدولة، وهذا ما اوصل المشهد إلى ما ترونه اليوم.

تعديلات خارطة الطريق

– هل بإمكان الحكومة إدخال تعديلات على المبادرة؟

* بالتأكيد؛ وبما لا يمس بخطوطها العامة، هي خارطة على شكل خطوط عريضة، اهتمت بحل مواضع الخلاف، وتركت النقاش في التفاصيل للمحاورين، وعلى ما تسمى بالشرعية أن تكون دقيقة في العناية بالتفاصيل، وبإمكانها أن تحاصر الحوثيين من خلال ذلك.

– لمن سيقوم الحوثيون – بحسب تصورك – بتسليم السلاح الثقيل؟

* هناك نقاشات على انشاء لجنة تتولى هذا الجانب، وهناك الكثير من التفاصيل. المهم؛ على المفاوض الآخر أن يذكر النقاط التي تؤمن انسحاباً حقيقياً بحيث يعود إلى صنعاء آمنا، ولا يكون رهينة  كما هو الحال بالنسبة للمجلس السياسي الذي أصبح رهينة. حتى علي عبدالله صالح بصراحة لا يريد ان يبقى الحوثيون في صنعاء؛ لأنه يشعر بأنه مخنوق ومحاصر؛ لذلك فإن علي عبدالله صالح  اليوم لا مجال امامه الا ما يقوم به حاليا.

زيارة مسقط ودور السعودية

– وفد الحوثيين غادر مع ولد الشيخ اليوم صنعاء بدون وفد المؤتمر الشعبي العام. هل لديك معلومات عن وجهتهم؟

* لا توجد لدى معلومات، لكنني أتوقع أن ذهابهم الى سلطنة عمان هو لمواصلة تحركاتهم السياسية، وتركهم لوفد المؤتمر يدل على أن دوره بات ضعيف جداً وهامشي.

– هل تعتقد بأن المملكة قد تتخلى عن الشرعية اليوم، وتدخل بتسويات معينة مع الحوثيين، كما تخلت سابقاً عن الإمامة ودخلت في تسويات مع الجمهوريين؟

* لا أتوقع أن تتخلى السعودية عن حلفائها، بل أظن أنهم من سيتخلون عنها عبر انتهازيتهم ولصوصيتهم. تخيل أن التصاريح الحكومية التي أصدرتها السعودية لقيادة الشرعية، بغرض إدخال من يخاف بطش الحوثيين الى المملكة، تخيل أنهم باعوها. ما الذي يبقى لهؤلاء من احترام عند السلطات السعودية، وهم من حوّل الوزارات والمقرات الى “كانتونات” أسرية.

حين يذهب مسؤول لمقابلة عبدربه منصور هادي يضطر لدفع مبالغ مالية لموالين له يحددون مواعيده، كما أن قرارات التعيين والترقيات تباع، وهذا ما اكده لي أكثر من مسؤول.

حدة مع هادي

– نلحظ “حدة” في طرحك عندما تتحدث عن الرئيس هادي؟

* أنا دائماً حاد الكلام مع كل من يتواجد على رأس السلطة.

– البعض يجيّر حدة النقد التي توجهه نحو الرئيس هادي الى كونه رفض مقابلتك في أكثر من مناسبة طلبت فيها مقابلته؟

* كما قلت لك سابقاً؛ انتقاداتي توجه بشكل حاد لمن يجلس على الكرسي، مهاجمتي لصالح كانت حادة عندما كان على رأس السلطة وانتقلت الى الإخوان وباسندوة الذي كان يديره حميد الأحمر من خلف الستار، عبر سالم بن طالب، وانتقلت لهادي عندما صار في السلطة، ثم الحوثيين؛ لأني أحمّل الموجود في السلطة أغلب المسئولية.

تعاطفت مع صالح بعد خروجه منها، وكذلك مع الإخوان وعلي محسن وآل الأحمر وتوكل كرمان، وغيرهم من السياسيين والقياديين الذين مارس الحوثيون في حقهم الانتهاكات، حتى هادي لم أقم بزيارته مطلقاً، وبعد أن حاصره الحوثيون، زرت منزله أكثر من مرة وهو بداخله، ولا صحة مطلقاً بأني تواصلت مع هادي او سعيت لذلك لأنه لا يشرفني الالتقاء بمثل هكذا شخص، وأقول للذين يطلقون الشائعات والدعايات على أني حصلت على وعد بتعييني في أي منصب حكومي أو دبلوماسي عن طريق هادي، بأنني لا يشرفني أن يقوم هادي بتعييني من الرياض أو من أي مكان آخر في العالم طالما هو رئيس لا يحظى باعتراف وتوافق يمني من القوى الرئيسية بما فيهم المؤتمر والحوثيين.

تكليف صالح

– هناك تسريبات صحفية تتحدث بأنك جئت الى الرياض بتكليف من صالح، وبأنك أداة تواصل يستخدمها بغرض البحث عن مخرج له. ما صحة هذا الطرح؟

* أنا لا أبحث عن مخارج شخصية لأي أحد، لكن أن يكون هنالك شخص يقود تياراً سياساً يحظى بجماهيرية وشعبية كبيرة فالبحث عن مخرج معه هو للتيار وليس للشخص، أنا وبكل تأكيد أسعى الى البحث عن مخرج لليمن، عن طريق البحث عن مخرج وتسوية مع هذا المكون السياسي. أنا أعتبر صالح الرجل الأول في اليمن بغض النظر عن ما قلته في حقه، أو ما شهدته اليمن في خلال فترة حكمه التي أدار بها البلاد خلالها عن طريق الحروب والفتن، وهو ما أوصل باليمن الى هذا الواقع المؤسف، لكن من جاء بعده كان أشد ضرراً منه بكثير، وفي جميع النواحي. لا أبحث عن المقارنة بين السيء والأسوأ، ولا أدعو لعودة صالح للحكم، ولا يمكن أن نقبل بذلك، لا هو ولا أحد أفراد أسرته؛ على الأقل في المرحلة الانتقالية.

زيارة الرياض

– وهل كانت زيارتك الأخيرة بطلب من صالح، أم بطلب من الرياض؟

* لست مضطراً للإجابة. ما يهم هو أنني أبذل جهداً في سبيل الإصلاح بين جميع الفرقاء السياسيين بغرض حل المشكلة اليمنية.

– هل تذكر لنا أبرز الشخصيات التي قابلتها في الرياض؟

* التقيت بشخصيات عدة وهامة، لن أصرح ببعضها، لكنني قابلت ابن دغر، وأخذت منه تصوراً عن حل مشكلة المرتبات، وهذا قمت بنشره في صفحتي، كما التقيت بالمبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتناقشت معه عن الخارطة التي قدمها للفرقاء السياسيين، وأعلنت دعمي لها، على الرغم من أن جميع الأطراف ترفضها، لكنها في الأخير ستذعن وستقبل بها.

حفاوة استقبال السعودية

– يتساءل كثيرون عن سر الحفاوة التي استقبلتك بها المملكة. هل تحمل رسائل معينة لها؟ وهل لمست من السعودية نية جادة لإنهاء الحرب في اليمن؟

* السعودية كانت تعتقد بأن حربها في اليمن لن تستغرق أكثر من أشهر قليلة، وأنها ستحسم الصراع عسكرياً في فترة وجيزة، لكنها تفاجأت بأن الطرف الآخر، الذي استندت اليه فاشل بكل المقاييس، بينما كانت المملكة أكثر صدقاً منهم. أما بخصوص الحفاوة التي استقبلوني بها، فهي عادة المملكة منذ نشوئها، كما أنها تعطي دلالات هامة على أن المملكة منفتحة على جميع الأصوات، حتى من يعارض بعض توجهاتها وسياساتها في اليمن، وهذا التوجه بقبول كل الأطراف اليمنية في مصلحتها أكثر مما هو في مصلحة أي شخص.

الشرعية

– نلحظ إصرارك على استخدام لفظ “ما يسمى بالشرعية” في ثنايا كلامك، ما السبب؟

* هو رأي شخصي، إذ لا أرى ان من فتح أبواب الخراب على اليمن يملك أي صفة شرعية على الإطلاق، ولا أثق في أن من أضاع الدولة في صنعاء سيستعيدها من الرياض، وأحثهم على قبول المبادرة قبل أن يغير العالم ودول الإقليم قناعاته ويتركهم لمصير غامض. السعودية لديها إشكالات كثيرة، ومؤامرة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية عبر قانون “جاستا” من خلال اللوبي الصهيوني، بالإضافة الى أزمة النفط وتدني أسعاره العالمية الى أدنى مستوى، وهو ما يعني بأن المملكة قادمة على إشكاليات اقتصادية كبرى، ستصرفها عن “شرعية” المتواجدين في الرياض.

الاقاليم

– سؤال أخير: ما هي وجهة نظرك عن الأقاليم والدولة اليمنية الاتحادية، التي نصت عليها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني؟

* بالنسبة للأقاليم، فرأيي في هذا الموضوع أعلنته سابقاً، وهو نفس الرأي والتوجه الذي ينادي به الحزب الاشتراكي اليمني، والذي يرى بأن أفضل شكل سياسي للجمهورية اليمنية هو دولة واحدة بإقليمين، ذلك أن المطالب التي ظهرت على السطح والمطالبة بأقلمة اليمن، نشأت في الأساس من محور القضية الجنوبية، إذ كان الخلاف في الاساس (شمالي- جنوبي) بعد اجتياح الجنوب، وإقصاء الكوادر الجنوبية، وبالتالي إن كان لابد من الأقلمة فلِمَ لا تكون بإقليمين؟ بالإضافة الى هذا فإن خيار الإقليمين أخف ضرراً بكثير من خيار الأقلمة بستة أقليم، لأنه وفي حال – لا قدر الله – فشل هذا المشروع فإن أقصى الاحتمالات وأسوأها هو الانفصال وسنعود دولتين، أي العودة الى الشكل السياسي لليمن ما قبل العام 90م، أما في الناحية الأخرى فإن فشل مشروع الستة الأقاليم يعتبر كارثة كبرى قد تحل بالبلاد، وسيتسبب في تفتيت اليمن الى دويلات صغيرة وعديدة، لأن دعوات الانفصال ستظهر في كل اقليم؛ حضرموت ستنادي بالانفصال عن اقليم الجنوب، والمهرة سيكون لها خيار لوحدها، والجند سينادي بالانفصال كذلك، وهكذا. للأسف من صاغوا الشكل السياسي للدولة ما بعد الحوار الوطني لم يراعوا المعايير الاقتصادية أو الجغرافية في عملهم؛ زرعوا قنابل داخل الجنوب في نفس الوقت الذي زرعوا فيه قنابل عدة في الشمال.

المصدر: الموجز

زر الذهاب إلى الأعلى