إختيار المحررالعرض في الرئيسةتحليلات

“فخ كيري” الذي لا يليق بدبلوماسية دولة عظمى

يمنات

عبد الوهاب الشرفي

قدم ولد الشيخ مقترحه للحل في اليمن و قبل به المؤتمر الشعبي العام كأرضية للنقاش و ابدى انصار الله عليه ملاحظاتهم، و على اثرها غادر وفد انصار الله الى مسقط في محاولة لإحداث حراك دبلوماسي يساعد في تفهم ملاحظاتهم التي كانوا ابدوها من صنعاء.

كانت الدبلوماسية الامريكية قد اعلنت قبل ذلك بأن وزير خارجية امريكا جون كيري سيزور سلطنة عمان في زيارة مجاملة للسلطنة للدور الذي لعبته في اكثر من ملف في المنطقة ومنها مساعيها للإفراج عن مواطنين امريكيين محتجزين لدى انصار الله، و كذلك القيام بمشاورات فيما يتعلق بالملف اليمني.

انهى كيري زيارته للسلطنة و توجه الى الامارات العربية المتحدة، ليلتقي بولي عهد ابوظبي و يخرج بعد ذلك اللقاء بتصريح ان هناك اتفاق قد تم على يديه بين “الحوثيين و التحالف” يقضي بوقف اطلاق النار اعتبارا من الـ 17 من نوفمبر الجاري و العمل على قيام حكومة وحدة وطنية قبل نهاية العام الجاري.

احدث هذا التصريح ما يشبه الهزة في كل خطوط الازمة اليمنية لأنه كان مفاجئا من جهة و كان نقلة في الملف اليمني من جهة اخرى.

ظهر انصار الله في صورة من حقق انتصار غير مسبوق، فالاتفاق المعلن عنه وزير خارجية الولايات المتحدة تم بين “الحوثيين” و بين “التحالف العربي”، و وجد المؤتمر الشعبي العام نفسه امام اتفاق يلبي له – بقدر ما – واحد من اهم مطالبه وهو التفاوض المباشر مع المملكة العربية السعودية و ايضا اتفاق تم على يد وزير الخارجية الامريكي، و بالتالي كان لابد له من اتخاذ قرار بشأنه.

طرف هادي كان في حكم المصدوم فلم يسبق تجاهله كما حدث هذه المرة من جهة و بتفاهمات في بنود تعنيه مباشرة و هيكليا كتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل نهاية العام الجاري. والطرف الوحيد الذي لم يبدي رد فعل حينها هو التحالف الذي هو الطرف الاخر في هذا الاتفاق بحسب اعلان كيري.

لم يتأخر الوقت كثيرا حتى اتضح بقدر ما طبيعة ما سمي باتفاق مسقط من خلال تصريحات الخارجية العمانية، ان ما تم هو اتفاق لإيقاف وقف اطلاق النار و القبول بمقترح ولد الشيخ كأساس لمواصلة المفاوضات في الملف اليمني على ان تبدأ نهاية شهر نوفمبر الجاري.

و في ذات الوقت اتخذ المؤتمر الشعبي العام قراره بقبول ما تم في مسقط، و تم الاعلان عن اتمام التوقيع على (اتفاق) مسقط!!.

بعد انجاز التوقيع كانت الصورة قد اتضحت بقدر اكبر بأن ما تم هو توقيع اطراف صنعاء على عدد من التعهدات خطيا بمقابل تعهدات كلامية تلقوها من وزير الخارجية الامريكي.

التزمت اطراف صنعاء بوقف اطلاق النار الذي بدأ من 17 نوفمبر و بسرعة ارسال ممثليهم في لجان التنسيق و التهدئة و بالقبول بمقترح ولد الشيخ كأساس للتفاوض مع القبول بالتراتبية الواردة لخطوات ذلك المقترح، و العمل على التوصل الى حكومة وحدة وطنية قبل نهاية العام الجاري. و بالمقابل تعهد و اعلن كيري بأن هذا الاتفاق هو اتفاق تم مع التحالف العربي.

ظل التحالف في صمته حتى ليلة 16 نوفمبر ليخرج “عسيري” بتصريح مفاده ان التحالف لم يبلغ من “الحكومة الشرعية” بوقف اطلاق نار في الـ17 من نوفمبر و لا وقف لإطلاق النار في هذا التاريخ.

بتصريح التحالف هذا اتضحت الصورة بشكل كامل ان ما تم في مسقط هو فخ محكم نصبه كيري لأطراف صنعاء وتمكن من الايقاع بها فيه، فقد فتح كيري شهية اطراف صنعاء بتعهده كلاميا ان هذا الاتفاق سيتم مع التحالف وهو لأول مرة يحدث، و كان سيمثل مكسبا كبيرا لأطراف صنعاء كون التحالف يرفض ان يظهر طرفا في اي اتفاق متعلق بالملف اليمني و بأي صورة من الصور، و يعمل على ان يحسب راعيا للحل بين الاطراف اليمنية، و ما لذلك من علاقة بمسئوليته عن عدوانه على اليمن.

بالمقابل تمكن كيري من ان يجعل اطراف صنعاء توقع خطيا على التزام ترتب عليه قبول المؤتمر الشعبي العام بنقل لجنة التهدئة والتنسيق الى ظهران الجنوب وهو ما كان يرفضه من قبل، و القبول رسميا من انصار الله بمقترح ولد الشيخ كأساس للتفاوض، و القبول من انصار الله و من المؤتمر الشعبي العام بالتراتيبية الواردة في مقترح ولد الشيخ للحل في اليمن.

تبخرت تعهدات كيري الكلامية والمعلنة على الملاء، فتصريح التحالف بأنه لم يبلغ باي وقف لإطلاق النار من “الحكومة الشرعية” – طرف هادي – و اعلانه لاحقا عن هدنة لـ 48 ساعة يوم الـ 19 من نوفمبر الجاري بطلب من (الحكومة الشرعية) ترتب عليه الاطاحة بكامل تعهدات كيري في ما عرف باتفاق مسقط، فالهدنة المتفق عليها لم تتم و الاتفاق بعيدا عن طرف هادي غير معتبر، و بالمقابل اشترط التحالف عند اعلان هدنته في الـ 19 من نوفمبر الجاري سرعة ارسال اطراف صنعاء ممثليهم الى ظهران الجنوب، كما “التزمت” بذلك في مسقط.

و بالتالي وجدت اطراف صنعاء نفسها مطالبة بالوفاء بالتزاماتها بينما “يدها مما علقت به من تعهدات كيري صفر”.

بغض النظر عن الكثير من التفاصيل و وجهات النظر في التبعات الا انه يمكن القول بان كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية تصرف تصرفا لا يليق بدبلوماسية دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة، فقد تعاملت معه اطراف صنعاء انطلاقا من الصورة التي لديها بأن من يتعهد لها مقابل ما طلب منها من التزامات هو وزير خارجية امريكا المفترض ان تكون تعهدات خارجيتها و المعلنة منها خصوصا محل ثقة كاملة، لأن عدم الوفاء بها يمس موثوقية دبلوماسية الولايات المتحدة قبل ان يمس الاطراف الاخرى المعنية بها، خصوصا وقد موه في سبيل القبول بتعهداته بالحديث عن اتصاله بـ”محمد بن سلمان” ولي ولي عهد المملكة التي تقود التحالف و اعلانه عن الاتفاق الذي تم على يديه في مسقط بعد لقائه بـ”محمد بن زايد” ولي عهد ابوظبي.

ليس هذا و حسب و انما كانت تعهداته و اعلانه على اثر تفاهمات تمت في مسقط و أدت فيها سلطنة عمان دورا مشكورا و مهما للتوصل اليها وهو امر يضع قدر من الحرج على السلطنة.

و مع ان الخارجية الامريكية كانت قد صرحت قبل الزيارة ان احد اهدافها هو اظهار الامتنان للسلطنة على دورها وتعاونها مع الولايات المتحدة، الا ان كيري تصرف فيما سماه باتفاق مسقط بشكل قلب امتنان الولايات المتحدة رأسا على عقب و ردا للجميل بغير جميل.

و بكل ذلك يكون كيري قد تصرف في ما اعلنه عن اتفاق مسقط تصرفا لا يليق بدبلوماسية الولايات المتحدة الامريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى