العرض في الرئيسةتحليلات

الضربة الامريكية في سوريا كشفت عن موقف ألماني مفاجئ وأكثر ازعاجا

يمنات

عبد الوهاب الشرفي

اعلنت المانيا تأييدها للضربة الجوية التي وجهتها الولايات المتحدة لسوريا واعتبرتها عملا مطلوب كرد على وحشية جريمة الكيماوي بخان شيخون.

بقدر ما يرى الكثير عنصر المفاجئة في الضربة الجوية الامريكية لسوريا التي كان الكثير يراها غير متوقعة بل غير ممكنة في الظرف الحالي، بقدر ما كان الموقف الالماني تجاه الضربة الامريكية مفاجئة بحد ذاته.

السعودية والامارات و البحرين والاردن و كذا فرنسا و معهم الكيان الصهيوني اعلن جميعهم تأييدهم للضربة الامريكية لسوريا، لكن تأييد هؤلا شيء باعتبارهم ضمن دائرة الحلف الامريكي في المنطقة و التأييد الالماني شيء اخر تماما.

ظلت المملكة المتحدة هي عراب السياسة الخارجية الاوروبية  وهي متماهية بقدر كبير في المحور الامريكي و ابرز اعضائه، بينما كانت المانيا هي عراب السياسة الاوروبية الداخلية ولم تكن لها تفضيلات مباشرة وحادة في الملفات الخارجية.

كانت المانيا في مختلف الملفات من اكثر دول العالم حرصا على الحلول السلمية و اكثرها تمسكا بالتزام القانون ولديها حذر كبير من اي سياسات وتوجهات تؤثر سلبا على الامن الدولي فتجربتها مع ويلات الحرب العالمية لم تغادر مزاج سياساتها ومواقفها الرسمية منذ ما بعد الحرب العالمية وحتى ما قبل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوربي.

ترك خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوربي فراغا تمثل المانيا اكثر المرشحين عمليا لملئه و لتصبح هي عراب السياسة الخارجية للاتحاد الاوربي بدلا عن بريطانيا. والملاحظ انه بالفعل منذ خروج بريطانيا بدأ الحضور الالماني في الملفات السياسية الخارجية يتصاعد و بدأ صوتها يرتفع بتفضيلات المانية في كثير من الملفات السياسية الساخنة في اوروبا و في منطقة الشرق الاوسط.

كان صوت المانيا و المستشارة الالمانية ميركل مرتفعا تجاه جريمة خان شيخون في سوريا وهو امر يمكن تفهمه بالنظر لبشاعة الجريمة،  ولكن كان  الملفت والذي لا يمكن تفهمه هو انه بدأ يغلب عليه الاستخدام السياسي  للجريمة بعدم التحمس للتحقيق المستقل لتحديد الفاعل بصورة قانونية و التماهي مع الولايات المتحدة و حلفائها بتحميل النظام السوري للمسئولية عن الجريمة جزافا دون تقديم اي دليل من اي طرف يدين النظام السوري.

تبلور المانيا الى عراب السياسة الخارجية للاتحاد الاوربي اضافة الى كونها عراب السياسة الداخلية لدول الاتحاد يجعل من مواقفها بعد انسحاب المملكة المتحدة اكثر حساسية و اكثر تأثيرا فيما يتعلق بأثر سياسات ومواقف الاتحاد الاوربي ككل تجاه الملفات السياسية الدولية الساخنة، و بالتالي تجاه الامن الدولي و النظام العالمي كذلك.

توجيه الولايات المتحدة الضربة لسوريا جاء بقرار امريكي منفرد و في وقت كان ملف جريمة خان شيخون بالكيماوي لاتزال مطروحة بالحاح على طاولة مجلس الامن وبالتالي فهذه الضربة تمثل عملا غير مشروعا و انتهاكا للقانون الدولي الذي لايمنح الولايات المتحدة التدخل في دولة اخرى ذات سيادة بقرار منفرد، كما تمثل تهديدا للنظام الدولي لانها تمت  بالقفز على دور مجلس الامن فيما يتعلق بالامن والسلم الدوليين، و عمل بهذه الخطورة كان الموقف الالماني المتسق مع المانيا قبل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوربي هو ادانته او الاعتراض عليه او الصمت حياله على اقل تقدير.

اعلان المانيا دعم الضربة الامريكية هو مؤشر خطير على مزاج السياسة و الموقف الالماني المتحول باتجاه التوظيف السياسي للاحداث في الملفات الدولية ويمثل تماهي غير معتاد مع السياسات الامريكية، وخطورة هذا الامر هي داخلية باتجاه المانيا لاعتبار عدم دعم المانيا المطالبة الروسية بالتحقيق في جريمة خان شيخون المتهم فيها الجماعات الارهابية في سوريا وجبهة النصرة تحديدا ضمن المتهمين الاخرين بالجريمة و موقف كهذا يراه البعض تساهلا تجاه الارهاب الذي يضرب الارهاب وضرب في المانيا ذاتها بل و تساهلا واضحا تجاهه، كما ان هناك خطورة اخرى في تماهي المانيا مع السياسات الامريكية لم تكن تواجهها بريطانيا عند فعلها ذلك فالمانيا ليست دولة دائمة العضوية في مجلس الامن وتماهيها مع الموقف الامريكي قد يفقدها قدرا كبيرا من التحكم في سياساتها اذا ما تورطت اكثر في الاخطاء الامريكية في العالم.

كما ان خطورة هذا الموقف الالماني المتحول هو خارجيا باتجاه العالم كذلك فتحول سياسات المانيا الى العمل تبعا للمصلحة السياسية على حساب الجوانب القانونية و الانسانية و الاممية يزيد من اضعاف حالة الامن الدولي و يعرض النظام العالمي لاضطراب اكثر خصوصا مع ارتفاع مستوى الموقف الالماني بعد تصدرها للسياستين الاوروبييتين الداخلية و الخارجية.

تحول كتلة بحجم المانيا الى المحور الامريكي سيزيد من هشاشة الامن الدولي و يعرض العالم لاخطار اكبر و ستفقد اوروبا و العالم و النظام العالم دولة كبيرة كانت تلعب دورا مهما في تماسك الامن في اوربا والعالم وتساعد في تجاوز التهديدات للنظام العالمي و تتصدر التمسك بالادارة المؤسسية و النظامية لاوربا والعالم.

و بالفعل يمثل الموقف الالماني اكثر المفاجاءات التي كشفت عنها الضربة الامريكية لسوريا وهي مفاجاءة مزعجة للغاية فيما يتعلق بأمن اوروبا وامن العالم ومنطقة الشرق الاوسط تحديدا اذا سيكون هناك لاعب كبير قادم يبدوا انه يبشر بالادوار السلبية التي ستضاف لادوار كبار اخرين يلعبون في ملفات المنطقة ويستثمرونها سياسيا واقتصاديا على حساب امن المنطقة واستقرارها.

المصدر: الغاية نيوز

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى