العرض في الرئيسةفضاء حر

هذه ليست عاصمتنا

يمنات

محمود ياسين

هذه ليست عاصمتنا، كان لدينا صنعاء بدأت تتحدث الديمقراطية وحقوق الانسان، وكنا مثقفين بفنائل نصف كم ومقرات صحف ومراكز دراسات، وكانت اغاني فيروز في قلقنا المسائي مثل نغمات لايقاع خطوات من وجدوا ذواتهم الرومانسية المنحازة لكلما هو ضعيف ويتيم وجميل ايضا..

يمنحك صديقك موعدا في مقر حزب وتضمران معا احراج الامين العام صباحا في الندوة.

علي عبد الله صالح في الستين والديمقراطية تتبرم في القاعات واعمدة الصحف بمزاج مهمش منحوه وظيفة عادية، لكنها كانت مثل كل الاشياء الجيدة لا تكتفي وتنشد الكمال، امناء العموم يودون لو ننحاز اليهم والرئيس من قصره يشتري كفايته من الانحيازات، بينما تحاول العاصمة استلهام هذا كله لتتأنق بحداثة مرتبكة وديمقراطية ناقصة لكنها كانت كافية للمضي في حلم ان نكون دولة جديرة بالاحترام.

الآن يحدق حسين الحوثي من الجدران فيما يشبه التهديد والإذلال، ذلك انه لا اكثر قهرا للانسان من اجباره على رمز وطني لا يشبهه، ربما بدون حرب وانقلاب كان حسين ليحظى بقبولنا له بوصفه رمزا لجماعته دون اتخاذ موقف عدائي من ملامحه، لكنهم وضعوه على حافة ما يشبه جدارا أقيم بين زمنين داخل عاصمة تخضع لعملية غسيل دماغ.

كانت صنعاء عاصمة دولة فأمست الآن قلعة آمنة محصنة لجماعة، كانت مدينة مكتظة بالمقرات المدنية التي تفصح عن حمى حقوق وحريات وتعددية وادعاءات ليبرالية وحقائق تحديث وكان عليك كلما تخاطرت مع السياسة التفكير بعبد الوهاب الانسي والدكتور المتوكل وياسين سعيد نعمان، وكلما تبادر الى ذهنك سطوة الحكم فكرت في الرئيس القبيلي الذي يبذل مجهودا هائلا لابتلاع فكرة الشراكة ولو بالحد الأدنى.

و هي الآن متراس كلما خطرت لك في مسائها السياسية فكرت في السجن وبلا اسماء. وكلما نطق ذهنك كلمة حكم، داهمك وجل من غموض تسلط لا يكلف نفسه حتى عناء مغالطتك واطلاق وعد كاذب حتى بفكرة المشاركة.

لقد اسقطنا هيبة النضال المدني بأثر رجعي اذ اعتبرناه شكلا من الضعف ، قبلنا مضطرين دور البندقية فامتلكت مصيرنا جماعات البنادق التي بسطت اكبرها على العاصمة مخطوطة لاهوتية وعطلت كل ميثاق دستوري ووثيقة حقوق وفي الاطراف والمدن الاخرى راحت الجماعات تطهر المدن من كل حلم انساني مدني لتجعلها نسخة من العاصمة ، العاصمة التي عندما سقطت اسقطت معها المدن.

لا يوجد حاكم نعارضه وانما تهديدات نتحاشاها، والأيام التي كانت منذ التسعينات تحولت لذكرى وغصة في الحلق على ايقاع ذهول مع كل شربة ماء.

انتقلنا فجأة لزمن ازدراء مفردات الحقوق والحريات، جميعنا فعل ذلك وكأننا نعاقب زمنا كنا فيه في افضل أيامنا، لم يعد احد يتحدث تلك اللهجة..

هرب امناء العموم واتكأ المقاتلون في مقرات الصحف والاحزاب، وانسحبت أمام المليشيا كل تكوينات دنيا سياسية كانت لائقة ببلد محترم مثل اليمن ولو كمحاولة، دفعت المليشيا الباب فسقط ومعه تساقطت تفاصيل ما يشبه ديكورا نخرته السوس فحول المدينة من مكان لممارسة الأحلام الناقصة إلى شوارع يتجول فيها كابوس مكتمل.

المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى