أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

الامارات تجاوزت أهدافها المعلنة لتحارب اليمن و«الشرعية»

يمنات

هشام محمد

تحت لافتة «إعادة الشرعية» و«مكافحة الإرهاب» تدخّلت الإمارات عسكرياً في اليمن، وبعد عامين ونصف، صارت المتحكّم الأبرز في المشهد اليمني، وصاحبة القرار في الجنوب والمتصرّف بثرواته. أعلنت الامارات على لسان وزير خارجيتها أنور قرقاش، تقديمها 2 مليار دولار كمعونات لليمن، لكن هذا المبلغ المهول لا يوجد له أثر في البلد الذي يرزح تحت أسوأ مآساة إنسانية.

كما أن الإمارات التي تحاول الظهور كشريك أساسي لأمريكا في محاربة الإرهاب، هي ذاتها التي موّلت ولازالت الأجنحة المتطرّفة التي تهيمن على مدينة عدن، بعد أن عملت على جمع شتاتها في قوات «الحزام الأمني»، على الرغم من معرفتها للخلفيات «الجهادية» لمنتسبيها، الا أنها قامت بتسليحهم ليستمر تفوقهم العسكري على ألوية الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي، تلك القوات التي دعمتها وهيمنت بها على محافظة عدن، لتعبث بثرواتها ومنشآتها الاقتصادية، أغلب منتسبيها من المتشددّين بطريقة من الطرق. لذا، فإن الإمارات من جهة تدعم وتمول معسكرات المتشدّدين دينياً، ومن جهة أخرى تقود حرباً ضد «تنظيم القاعدة» في الجنوب. كما أنها في ذات الوقت تدعم فصائل التشدّد المناطقي الداعية للانفصال.

لقد تجاوز التدخّل الإماراتي في اليمن، وإلى حد بعيد، أهدافه المعلنة، وتابع الجميع تدخل طائرات «الأباتشي» الإماراتية في قصف قوات الحماية الرئاسية، وهو ما يعد اعتداءً على «الشرعية» التي تدّعي أنها تحارب لأجلها.

بالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن الوثوق في مساندة الإمارات ووسائل إعلامها تحرّض على القوى الجنوبية للوقوف ضد الشرعية؟ فتتجاوز كل الأعراف الدبلوماسية علناً، وتواصل دعم محافظ عدن المعزول عيدروس الزبيدي، وتتعامل معه مباشرة، بصفته قائداً لـ«المجلس الانتقالي»، فلا يعقل أن تصنّف أبوظبي كداعم للشرعية فيما تغريدات مسؤوليها تحرّض على قرارات الشرعية، وتدعم المتمرّدين عليها.

إن قوات «الحزام الأمني» في عدن التي تموّلها وتدرّبها الإمارات، لم تعد ترفع اعلام الجمهورية اليمنية، فهي تضع على جدرانها صوراً شخصية لقادة الإمارات، وكأن عدن إمارة ثامنة، وتفعل ذلك من دون أدني خجل. وفي الوقت الذي تدّعي شراكتها لـ«التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، فإنها تمارس التصفيات الجسدية للشباب الناشطين في المجال المدني، تحت مرأى ومسمع العالم، وتحول «معسكر 20» إلى وكر لتصدير فتاوى التكفير، ومن لم تنله فرق الاغتيالات زُجّ به في السجون التي تديرها وتسيطر عليها في المدينة، ووصلت حالات التعذيب للمختطفين والمخفيين قسراً إلى الموت والإعاقات الدائمة.

إن زيادة النشاط للشباب الحالمين بمدينة ذات قيَم مدنية هو مايعكس التخوّف الإماراتي الذي أطلق يد التكفيريين ودرّبهم، إذ يمثل انتعاش القيَم المدنية في المدينة وإعادة إحيائها تعارضاً مع سياسة الإمارات في استلاب القرار الداخلي، وتحكّمها بميناء عدن القادر على منح موانئ دبي إجازة مستدامة في حالة تفعيله بكامل إمكانياته، فالقوى المدنية هي التي ستواجه أي تغوّل إماراتي، ولذلك رأينا تكريساً للشخصيات ذات التفكير المناطقي والانفصالي، هذه الشخصيات هي التي تلبي مطالب الإمارات لأنها لا تمتلك أي رؤية وطنية.

لم يتوقف العبث الإمارتي على الجنوب، ففي الشمال المدينة، نكاية بـ«الأخوان»، حتى صار الوضع في المناطق “المحرّرة” بتعز مهيأ لمواجهات كبيرة محتملة، وربما حتمية، بين الفصائل المسلّحة، ولا يستبعد أن التسليح والتحشيد للمتشددين في تعز يأتي في سياق مشروع لإقصاء «الإصلاح» الذي ظلت علاقته بالإمارات متأزّمة، فما هو معروف ارتباط أبوظبي بالنظام السابق ورموزه، بل بكل الأنظمة التي أطاحت بها ثورات «الربيع العربي»، وبذلك تقف موقفاً معادياً لكل من حملتهم الثورات الجديدة، وما نعرفه أن المقاومة في تعز – المدينة وريفها – جزء منها إصلاحيون، سواء مجاميع «مقاومة» أو قيادات في الجيش الوطني والمجلس العسكري، لكن موقف الإمارات المتوجّس من ترجيح السلاح لكفة «الإصلاح»، لا يفرّق بين «الإصلاح» والجيش الوطني، مع الأخذ في الاعتبار تصنيف الإمارات لـ«الأخوان المسلمين» كحركة إرهابية، وتجريم الإنتماء إليها، لذا فإن دعمها العسكري والمالي يذهب إلى الجبهة الأشدّ تطرّفاً، وهي السلفية الجهادية، التي لا تؤمن، من حيث المبدأ، بالديمقراطية ولا بالتعددية، بل ترى أن الحزبية كفراً، وقائد الجبهة الشرقية «أبو العباس»، السلفي المتشدّد، يصرّح أنه لا يحارب لأجل الدولة ولا الجمهورية، ولكن حربه عقائدية ضد الروافض، فهو لا يؤمن بالدولة إلا على طريقته، وجماعته أصبحت تضم في صفوفها الكثير من العناصر الإرهابية التي فرّت من السجون، أو قاتلت في صفوف «القاعدة» و«داعش»، وتم جلبها من مناطق متعددة، وعملت تلك العناصر على الاعتداء على الحريات العامة، في اليمن، وتغيير خطباء المساجد وضربهم، وتفجير الأضرحة والمعالم الأثرية، وتنفيذ عمليات إعدام خارج القانون، ونهب المؤسسات التي تسيطر عليها.

ومع ذلك، تعمل الإمارات وبهؤلاء المتشدّدين، على استنساخ حزام أمني بتعز على غرار«الحزام الأمني» في عدن، ليكون بمقدورها أن تستخدمه لضرب «الإصلاح» أو كل من تتهمه بـ«الإخوانية»، وحتى الجيش الوطني، وفرض واقع جديد، لتمارس نفس الدور الذي تمارسه في عدن من انتهاكات واعتقالات وتمرّد على قرارات الشرعية، أو تبدأ عمليات مسلّحة للسيطرة على المدينة بحجة «الإخوانية»، ويؤكد ذلك الاحتمال المواجهات المتكرّرة بين مقاتلي «أبو العباس» بأعلامهم السوداء من جهة، والمسلّحين المحسوبين على «الإصلاح» وعلى المجلس العسكري، من الجهة الثانية، مستغلة الاحتقان المتراكم بين الطرفين، لاسيّما إذا أخذنا البعد العقائدي، والخلفيات الفكرية المتباينة، والخلافات الفكرية (الدينية) التي ينظر بها الجهاديون لمخالفيهم.

لقد امتد عبث الإمارات إلى جزيرة سقطرى، حيث تعمل تعمل على تدمير الشعاب المرجانية التي يستغرق نموها الآف السنيين، وتنفذ عمليات ردم للبحر من أجل بناء قاعدة عسكرية لها في جزيرة تحوي نباتات نادرة وبيئة طبيعية هي الأكثر تنوعاً في العالم. لذا، فإن سقطرى ليست شأناً خاصاً باليمن، ولا بنظام سياسي، بل إرث إنساني قبل أن تكون أرضاً يمنية، والحفاظ عليها لا يخصّ قاطنيها فقط، بل كل من يهتم بالحفاظ على التراث الإنساني، ولا مبرّر لتواجد قاعدة عسكرية إماراتية فيها، كما أن الضرّر الكبير في الجزيرة يتمثل في تجريف تربة المحميات الطبيعة إلى سفن النقل، والاستثمار والبناء العشوائي فيها، وإلحاق الضرر بشواطئها وتنوّعها النباتي والحيواني.

لن تنجو جزيرة سقطرى من تلك الجنايات إذا لم يتم التحرّك والضغط لطلب الحماية العالمية لها باعتبارها محمية ثقافية وطبيعية.. صوَر مواقع التواصل الإجتماعي تؤكد أن أشجار سقطرى النادرة أصبحت تزين شوارع دبي وأبو ظبي.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى