العرض في الرئيسةفضاء حر

“ابن سلمان ربما سيصبح ملكاً لمملكة محاطة بالنيران من كل جانب وهي راسية على رمال متحركة

يمنات

مروان الغفوري

بصرف النظر عن نوايا ولي العهد السعودي فالحقيقة أنه أحاط نفسه بحزام من المعارك يتجاوز قدرته وخبرته. فهو يقاتل في اليمن، ويتوعد بنقل الحرب إلى داخل الأراضي الإيرانية.

كما أخذ على عاتقه مهمة القضاء على التنظيم الشعبي/ الديني المعروف باسم الإخوان المسلمين، ليس في السعودية وحسب، بل خارج الحدود.

و في طريقه ذهب يخوض حرباً انتحارية مع قناة الجزيرة، ويتورط أكثر في الصراع السوري واللبناني، كما في المسألة العراقية.

بسرعة فائقة يراكم الرجل كثباناً من الرمل في طريقه، فتصبح حركته أكثر بطأ وتبدو مواقفه الأخيرة كما لو أن بصيرته قد غرقت في الضباب. إذ إن تفجير المسألة اللبنانية على النحو الذي رأيناه مؤخراً سيشتت جهد الرجل أكثر من ذي قبل. فالمسألة اللبنانية، لوحدها، هي أكبر من قدرة السعودية على احتوائها، إذا استعرنا كلمات مسؤول في حزب الله.

 ليس هذا هو الجانب المعقد في الأمر. فكعب أخيليس الخاص بولي العهد هو افتقاره الشديد إلى الحلفاء في الداخل والخارج. السعودية دولة سيئة السمعة، وهي تنتقل مع ابن سلمان إلى دولة ظلت طريقها.

داخلياً يعمل بن سلمان على اختزال المملكة في قبضته. وفي سبيل ذلك يبتكر الذرائع الكلاسيكية للبطش بمناوئيه: الإرهاب، الفساد، المخدرات، المؤامرات.

الرجل الذي لم يبلغ الأربعين من العمر يعمل على هتك شرف العائلة المالكة من خلال تقديم أولاد الملوك وأحفادهم بوصفهم لصوصاً ومحتالين ورجالاً سيئ السلوك. في مملكة قال فيها شاعر شعبي “أمراؤها أكثر من عدد مواطنيها” فمن غير المستبعد أن تنزلق قدما ولي العهد، ويُحاط به.

إنه يتوغل في منطقة الأمراء كبار السن. يقول الألمان إن كبار السن ليسوا الأكثر سرعة لكنهم يعرفون الطرق المختصرة جيداً.

يشبه ابن سلمان، في تجلياته الأخيرة، الحاكم بدين الله الفاطمي في أيامه الأخيرة. فالأمير الفاطمي، وكان بالكاد قد بلغ الثلاثين، اختصر كل العالم في شخصه وبلغت وحشيته حد قطع يدي وزيره لأسباب لا علاقة لها بالشفافية والحكم الرشيد.

و في ظروف غامضة اختفى الحاكم بدين الله الفاطمي، اختفى مرة واحدة وإلى الأبد. ثمة نظريات كثيرة حول اختفائه، ولا قيمة لأي منها. فقد وصل الرجل إلى المآل الذي تصب فيه كل أعماله.

ترك الحرب في اليمن بشرايين مفتوحة، واتجه إلى قطر ليخوض حرباً مع وسيلة إعلامية ضارية. ثم استدار حول نفسه دورة كاملة فأبصر نفسه نصف إله قادر على إصدار نسخة صحيحة من الدين تبز كل النسخ السائدة.

في ذلك قرر حازماً أن كل النسخ التي لا يتفق معها هي نسخ إرهابية، وإنه لن ينتظرها ثلاثين عاماً. خلال كل هذا اختطفه الحكام الإماراتيون الذين استغلوا سرعته فجعلوه يقود العربة السعودية الضخمة لصالح مشاويرهم العابرة للحدود. ما من أحد يشعر بالرضى من أفعال ولي العهد السعودي أكثر من الإماراتيين فقد أوصلهم إلى الأماكن التي أرادوها.

اختطف الأمير الشاب، بصورة نهائية، هيئة كبار العلماء، وهي الهيئة التي راكمت سلطتها ووقارها خلال أكثر من نصف قرن، وورثت المجتمع السعودي وحكمت ضميره.

حروبٌ خارجية نصف مكتملة، زعزعة استقرار داخلية، تصدع عائلة الملك المؤسس لأول مرة في تاريخها، وعجز مالي متنامي، إذ تجاوز عجز الموازنة العام المائة مليار دولار هذا العام.

تبدو السعودية، وهي تمور من الداخل وتنزف مالياً، أقل قدرة من حروبها. فقد خاضت حربين جائعتين في اليمن وسوريا في الوقت نفسه، واستنزفت على نحو شديد القسوة. وبينما اعترفت، بصورة نهائية، بهزيمتها في سوريا، تاركة ملياراتها وسمعتها هناك وقد صارت رماداً، فإنها تركت الحرب في اليمن معلقة في الأجواء، وفقدت نظريتها بصورة كاملة.

صحيح إن السعودية ساعدت على تشكيل جيش وطني بديل، وهو ما عد نجاحا ً مبكراً للسعودية في سبيل احتواء المشكلة اليمنية. غير أن حليفها في الجنوب، الإمارات، ذهب في طريقه وقام بتأسيس جيش موازٍ تبدو مهمته الرئيسية هي خوض قتال شامل مع الجيش الذي عملت السعودية على تأسيسه.

الأحداث التي وقعت في عدن، خلال الأيام الماضية، تقول إن القوات اليمنية الموالية للسعودية تخوض حرباً ضد القوات اليمنية الموالية للإمارات. إنها السعودية، كعادتها، تأكل مشاريعها بعضها بعضا.

سيصبح ابن سلمان، ربما، ملكاً. وقد يحدث ذلك خلال وقت قصير. هو الآن يؤثث المملكة التي سيصل إليها: محاطة بالنيران من كل جانب، وترسو على رمال متحركة. لا تملك السعودية الحق في أن تقوض نفسها فمن شأن ذلك أن يقلب الجزيرة العربية رأساً على عقب.

سبق أن انهارت السعودية مرتين وتلاشت من الوجود. في المرة الأخيرة، في تسعينات القرن التاسع عشر، أسقطتها قبائل الشمال. ربما كان لدى ولي العهد الشاب شيء من الحق، فهو ربما همس لنفسه: لقد سئمت احتقار العالم لنا.

لكنه يعرف، وسبق أن أفصح عن ذلك في لقائه مع تركي الدخيل، أن المعركة الاجتماعية في بلده هي شأن بالغ الصعوبة. الإسلام المعتدل الذي وعد به هو خطاب، تقول واشنطن بوست، موجه إلى المستثمرين. يريد الرجل، ربما، دمج مجتمعه في العالم الحديث. غير أنه، وهذا ما سيدركه، لا يمكنه اللحاق بالعالم وهو يسوق سيارة شب فيها الحريق. كما أن بلداً تشتعل الحرائق في جواره لن يكون بلداً آمناً، ولا مستقراً.

لم يكتف ولي العهد بكل ذلك، بل توغل في مناطق أكثر خطورة. فقد اختطف، بصورة نهائية، هيئة كبار العلماء، وهي الهيئة التي راكمت سلطتها ووقارها خلال أكثر من نصف قرن، وورثت المجتمع السعودي وحكمت ضميره.

في الأسابيع الأخيرة شوهدت تلك الهيئة الأكثر وقاراً وهي تثني، بصورة تدعو للسخرية، على أفعال ولي العهد قائلة إنها من صميم الدين. سيجرر ولي العهد هيئة كبار العلماء خلفه حتى يفقدها وقارها وموثوقيتها، ثم ستصبح في نهاية المطاف أشبه بوسيلة إعلامية متواضعة القدرة.

لن تكون خسارة المجتمع السعودي لمرجعيته الدينية بالأمر الهين. فنحن نعلم، لكن الأمير لا يعلم، أن الجماعات الإرهابية غالباً ما تشير، في البروباغاندا الخاصة بها، إلى الصورة الرثة التي تظهر بها المؤسسات الدينية، وتقدم نفسها بديلاً صلباً وعنيداً “يليق بدين الله”. ثمة بيانات وتدوينات كثيرة حول هذه الفرضية.

يستخدم الأمير الشاب كل ما بحوزته: الدين، المخدرات، الفساد، الإرهاب، المؤامرات، الأمن، الانفتاح. أخرج كل شيء من حقيبته واستخدم كل شيء دفعة واحدة، في كل الاتجاهات. لم يتنبه الأمير الشاب إلى حقيقة أنه لم يتقن بعد اللعب بأي من تلك المواضيع الخطرة.

لم تنته قواته بعد من تدمير منازل العوامية في شرق المملكة. صورة الخراب القادمة من شق بلاده علمته شيئاً عن مدى الخراب الذي بمقدوره أن يلحقه بخصومه، لكنها أيضاً تركت شرايين مفتوحة وذرائع وسخطاً.

لم يتعلم الأمير بعد الدرس الذي يقول: إن القائد الجيد هو ذلك الذي لا ينتصر في الحرب وحسب، بل الذي لا يترك أسبابها قائمة.

في الأيام الأخيرة قضى ماكبث على زوجته، مهجوساً بالفرادة ومحاصراً ببارانويا قاهرة خيلت له كل شيء عدواً. ثم، في آخر المطاف، وجد ماكبث نفسه بلا حلفاء. وفي الأخير: بلا حصان.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى