العرض في الرئيسةتحليلات

إلى أين تتجه بوصلة التصعيد في لبنان؟ ولماذا تغامر الرياض وتتحول إلى منصة لإعلان الحروب ضد شعوب المنطقة ؟

يمنات

عبد الخالق النقيب
  
يشكك غالبية المتابعون داخل لبنان وخارجها في اعتبارية التفسيرات التي ساقها سعد الحريري في خطاب استقالته المحاصرة ، وبدت صعبة الابتلاع مع زيادة الشكوك بأنه قيد إقامة جبرية، وبالنظر للحالة الملتبسة ، سواءً لغموض الظروف التي أنتجت مثل هذه الصدمة ، أو للحساسية العالية حين يتعلق الأمر بالمكان والزمان وارتباطهما بسياق الحرب الباردة الإقليمية وأبعاد حرب النفوذ في المنطقة وأدوات التجريف السياسية والعسكرية الجارية دون هوادة ، ما يعني أن إرثاً كبيراً قد تحمله استقالة الحريري ، أقربها احتمالية أن تتسبب بانهيار التوازن الداخلي اللبناني وطبيعة الشراكة الغير وثيقة بين أطرافه السياسية والطائفية ، علاوة على أنه في حال كانت استقالته محض إرادته فإنها تحمل مخاطر وإشارات مقلقة ستعيد لبنان إلى مربع الصفر ، وتدفن التسوية مع ميشال عون ، الرئيس الذي ارتضاه الحريري قبل عام ونيف حينما خالف الرجل حينها رغبة السعودية ، وأسهم في إيصاله إلى سدة الرئاسة ، والآن يحاول الرئيس عون انتظار عودة الحريري إلى بيروت والعمل على التقليل مما يحدث حتى وقد ألغى ارتباطاته الخارجية ، كمؤشر يوحي بخطورة الواقع المستجد.
 
  انسياق لبنان في الحرب الشاملة
 
لا رغبة لأحد من المسئولين اللبنانيين -على الأقل حالياً- في توسيع دائرة الأزمة ، واختراق إطارها الهش ، حتى قادة تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري مصدومون أكثر من غيرهم بدراماتيكية الساعات الأخيرة ، ويصعب عليهم استكمال الخطوات اللاحقة للخطوة المباغتة التي بدأت من الرياض ، ما هو أصعب على التجاوز والقبول بما جرى ، هو مضمون استقالة الحريري من رئاسة الوزراء الذي تحول إلى خطاب حرب هجومية ضد حزب الله وفك الصاعق أمام إيران ، بنقلة واحدة دون مقدمات ، سوى تلك التصريحات التي صدرت عن مسؤولين سعوديين وهدفت إلى التصعيد الآني ، ما يجعل الأولوية في الحدث هو لتصعيد مفاجئ يتجه بلبنان نحو تفجير سريع ، وفي تشخيصه الأقرب : محاولة إشعال فتيل حرب يجر لبنان إلى الصفيح الأكثر اشتعالاً والذي يعصف بالمنطقة ، تم الترتيب لها سعودياً واعتقدت المملكة أنه من السهل على الوكلاء تحويل الاستقالة القادمة من الرياض إلى ذريعة لاندلاع حرب متعددة الأطراف والأوجه وانسياقها في الحرب الشاملة التي تستعر في المنطقة .
 
إضعاف “حزب الله”
 
حكاية الاستقالة قد تأتي مغامرة سعودية غير محسوبة العواقب ، وقد تفعل فعلتها ليس فقط في الأوساط السياسية بل في صفوف المواطنين واقتصادهم واستقرارهم ، غير أنه لا يمكن إطلاقاً اعتبارها محاولة لتجريد حزب الله من سلاحه ، أو حتى التقليل من قوته التي أخذت تتضاعف عقب حرب 2006، فقد بات الحزب أكثر ثقة بالنفس بعد معركة عرسال الأخيرة ، وبعد مكاسبه في سوريا ، بل إن من شأن الواقع الجديد أن يجعل الحزب متمرساً وأكثر تحدياً وتأثيراً ، من ناحية ثانية لم يعد الأمر بيد السعودية حتى تقرر عبر حلفاءها باستبعاد حزب الله من الحكومة والعمل السياسي ، بعد أن أصبح الحزب الذي يرأسه السيد حسن نصر الله هو اللاعب الأول ، كما لو أن على السعودية أن تلعب لعبة أخرى بعيدة عن الكيان الأكثر توسعاً وتجذر داخل لبنان .
الانتقام لهزيمة الحلفاء في سوريا
 
الدور الذي قام به “حزب الله” في سوريا أدى إلى تقويض النفوذ الذي سعت المملكة السعودية جاهدة إلى فرضه ، و بدأت تحصر حيثيات إخفاق التصور الذي رسمته تقديرات المملكة وإمكانية تفوق نفوذها وتمدده في المنطقة ، وأخذت على عاتقها منذ وقت مبكر مواجهة نظام الأسد الذي قررت الاصطدام به مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ، غير أنها شكلت في نهاية المطاف خسارة موجعة ، عززت من حاجة المملكة للانتقام من حزب الله الذي تجاوز حدود إرغامه والضغط عليه لتغيير سلوكياته ، وبات يمثل قوة ضاربه في المنطقة .
 
 مغامرات الرياض
 
انحرفت الأنظار نحو عاصمة المملكة منذ صعود الملك سلمان واجتياز العائلة السلمانية جسور النفوذ والهيمنة داخل المملكة منذ قرابة الثلاثة أعوام ،ف ومثل صعود الأمير محمد بن سلمان أبرز ما يتم التحضير له ، وفيما يبدو أن بني سلمان أخذ يراهن على تراكم المغامرات وتعددها لتشتيت الجهود والانتباه وتثبيت سلطانه الأوحد ، فعلاوة على القرارات الداخلية التي كشفت عن الهيستيريا التي تقف خلف التجريف السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري للمملكة ، فإن تحول الرياض إلى منصة لخطابات إعلان الحروب على شعوب المنطقة وليس فقط ضد أنظمتها ، ابتداءً بإعلان هادي الرئيس اليمني المعترف به دولياً الحرب ضد اليمن من الرياض ، ومروراً بقمم ترامب ومخرجات مؤتمراته بالرياض ، ثم إعلان تحالف خليجي مصري جديد أعلن حصاره السياسي ولازال يحاول إحكام الخناق ضد الشعب القطري ، وصولاً لإعلان أسوأ استقالة في تاريخ لبنان بل والمنطقة ، والتي تلاها السيد سعد الحريري من الرياض أيضاً .
 
فإلى أين تذهب الرياض ؟ وما الأجندات التي لازالت في جعبتها وتختزلها لشعوب المنطقة؟
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
زر الذهاب إلى الأعلى