أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

معركة الحديدة .. العين على إيرادات الميناء

يمنات

عبد الرزاق العزعزي

يُسلّط «التحالف العربي» الضوء على الحديدة بكونها ستشهد معركة تحرير مدروسة ومُرتب لها، وذلك لتخليصها من «أنصار الله» وتأمين حركة الملاحة الدولية، لا سيما بعد التهديد باستهداف عدد من البارجات في البحر الأحمر، ولاشك أن قطع الإمدادات المالية للحوثيين هو سبب آخر لمعركة الحديدة، فهم يعتمدون على المحافظة بشكل كبير لتمويل بقائهم ومعارهم الداخلية التي تستقطع مبالغ مالية ضخمة من خزينة الدولة تحت بند: «المجهود الحربي».

يعتمد «أنصار الله» بشكل كبير على إيرادات المُحافظة لتمويل معاركهم، كما تعتمد «مافيا الفساد» على المحافظة لنهب الملايين بشكل شيكات أو بتجنيب مبالغ وعدم توريدها إلى خزينة البنك المركزي التابعة لحكومة الانقاذ في صنعاء، فقد كشفت وثائق أخيرة تجنيب أربعة مليار ومائة سبعة وأربعين مليون في منشآت شركة النفط في الحديدة ورأس عيسى خلال الفترة من يناير إلى مارس 2017، وتجنيب 500 مليون لدى مؤسسة البحر الأحمر.

وأمام هذه العوامل المالية، ولتضييق الخناق على الحوثيين، يتم الحديث عن معركة الحديدة، كما تم الحديث سابقاً عن معركة تحرير صنعاء، حيث تم المُقايضة بها بالحديدة، وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة كانت ترفض تعريض الحديدة إلى معارك داخلية سيؤدي إلى تبعات إنسانية كبيرة على البلد المنهك، ولكن المُبرر الفعلي هو الخوف على ممر حركة الاقتصاد العالمية في سواحل البحر الأحمر.

ولأن تضييق الخناق على الحوثيين بات ضرورياً لاسيما بعد فشل احتجاج صنعاء وانتهاءه بمقتل الرئيس السابق، وجد «التحالف» نفسه مرغماً على المخاطرة بالحديدة _حيث تشتد المعارك على حدودها_ بمعارك ميدانية وأخرى إعلامية على قنوات طرفي الحرب ومنصات التواصل الاجتماعي.

يتم التحضر لمعركة الحديدة للسيطرة على الميناء وموارد المحافظة، إلا أن المعركة لن تكون سهلة، فالمحافظة تقع أسفل تلك الجبال التي تتبع حجة وصعدة، وصنعاء وإب، وهي مناطق تخضع للحوثي، ما يعني توفّر سند وغطاء قبلي مهم، ربما يكون حامٍ لظهور «الحوثيين»، ما سيسمح برفدهم بالمقاتلين، لذلك، لن تشهد مسألة تحرير الحديدة تغييرات مُهمة في خارطة السيطرة، عدا قطع امدادات «الحوثيين» بموارد المحافظة، كما من المستبعد أن تتضاعف الحالة الإنسانية سوءاً في المناطق التي تخضع لـ«الحوثيين» لمدة قد تطول.

الحديدة.. قوّة عسكرية لا يُستهان بها

تملك الحديدة «قاعدة الحديدة البحرية»، وهي من أقوى القواعد العسكرية اليمنية المُتواجدة على الشريط الساحلي للبحر الأحمر، إضافة إلى قوات لخفر السواحل التابع لوزارة الداخلية، والذي كان تأهليه والإشراف عليه من قبل القوّات الأمريكية، ومع توزيع المعسكرات على مُختلف مديريات الحديدة، فليس من السهولة أن تتم عملية الاختراق الدفاعي للمحافظة على مستوى القوّات البرية.

ويتواجد في الحديدة «المنطقة العسكرية الخامسة»، التي يقع مركز قيادتها في المدينة، وتضم أكثر من 11 قوة قتالية، إضافة إلى عديد من المعسكرات في مناطق متفرقة من المحافظة، وكلّها تحت سيطرت «أنصار الله»، التي تُحكم القبضة على القرار العسكري في المحافظة بعد تهميشها للقيادات العسكرية التابعة لحزب الرئيس السابق، وتبديل عدد منهم بقيادات حوثية، وكل ذلك يتم، بهدف الاستعداد لمعركة الحديدة، ولكن مازالت هناك عدد من قوات الحرس الجمهوري، تدين بالولاء لحزب الرئيس السابق، وأغلب هذه القوات هي من أبناء المناطق الجبلية، مع تواجد خفيف لأبناء المناطق التهامية.

المؤتمر يحكم الحديدة… من يحكم المؤتمر؟

تُعتبر الحديدة مُحافظة مُغلقة لـ«المؤتمر الشعبي العام»، حيث أن كل أعضاء مجلس النواب عن المحافظة من حزب «المؤتمر»، عدا واحد فقط من حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، كذلك على مستوى المجلس المحلي يُمثّل حزب «المؤتمر» نسبة كبيرة من قوام 578 مقعد للمحافظة، يأخذ «المؤتمر» 534 مقعداً، مقابل 17 لحزب «الإصلاح» (جناح الاخوان المسلمين في اليمن)، ويمثل حضور الأحزاب اليسارية («الحزب الاشتراكي» و«التنظيم الناصري») في الحديدة نسبة ضئيلة.

ومع التواجد الكبير لحزب «المؤتمر» في الحديدة، والأحداث الأخيرة مع بدء من الثورة الشبابية، حصلت هناك انقسامات مُتباينة داخل الحزب، بين تيار عبدالجليل ثابت، رجل أعمال رئيس حزب المؤتمر في المحافظة، وأحمد صالح العيسي، رجل أعمال ورئيس الدائرة السياسية في الحزب والموالي لتيار «الإخوان المسلمين».

هذه السيطرة المؤتمرية للمحافظة، قد تُشكّل ارباكاً لـ«الحوثيين» في حال أعلن «المؤتمر» تأييده وانضمامه لـ«معركة التحرير وللشرعية اليمنية»، لكن السيطرة ذاتها، لا يُمكن القياس عليها، لاسيما أنه وبعد الضربات الجوية الخاطئة لقوّات «التحالف العربي»، واستهداف مساكن مدنية في محافظة الحديدة وغيرها، كَسَبَ «أنصار الله» تأييداً كبيراً في المحافظة لمواجهة «العدوان» كما يسموه، لكن هذا التأييد بدوره، واجه تضاؤل لاسيما مع الممارسات التعسفية وجباية الضرائب من المواطنين والتفقير المُتعمّد من سلطات صنعاء، ما بقي حاجزاً عن انخراط أبناء المحافظة مع «أنصار الله».

التاريخ هل يُعيد نفسه؟

لا يمكن التنبؤ بسقوط الحديدة بيد «الشرعية» المدعومة من السعودية أو بقاءها بيد «أنصار الله»، لكن التاريخ قد يُعيد نفسه، فخلال فترات مُتقطعة من الحرب اليمنية – السعودية (بين العامين 1924 و1934)، استطاعت السعودية السيطرة على محافظة الحُديدة، قبل أن تنسحب منها بموجب اتفاقية الطائف.

لكن التاريخ نفسه، قد يجعل معركة التحرير تنتهي في الحديدة، فكما حدث في السابق، فإن المرتفعات الجبلية قد تمنح «أنصار الله» القدرة على حماية صنعاء من أي دخول ومن أي اتجاه، ما يجعل «التحالف العربي» يضع رهانه على قطع الامدادات المالية على «أنصار الله»، وليس مواصلة الزحف نحو صنعاء، وبقية المُدن الواقعة تحت سيطرة الحركة.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى