العرض في الرئيسةفضاء حر

الحرب تعصف بحياة اليمنيين على مر العصور..

يمنات

فكري قاسم

«الحرب» هذه أسوأ وأوسخ وألعن كلمة في قاموس الكلام، وأشعر دائماً بأنها خصمي الكبير في هذه الحياة التي فتحت عيني فيها داخل بيت شعبي قديم تعيش فيه أسرة تعاني من الشتات والاختباء ببسبب الحروب الشطرية بين الشمال والجنوب وما صاحبها من اغتيالات ومصائر لم أكن عليم بها آنذاك لأنني كنت صغيراً. وعرفت عنها الكثير الآن وأنا كبير أعاني من ذات الشتات القديم وذات الاختباء القديم لذات الأسباب المتعلقة بالحرب!

كنت صغيراً أواخر السبعينيات من القرن الماضي عندما جاء إلى بيت جدي القديم بحارة الجحملية بمدينة تعز ضابط من الجيش اليمني وهو متأثر بجراحه، وما كنتش عارف أيش قصته بالضبط.

قدمه اليمنى كانت مجبسة ورأسه مربوط بالشاش، وكنت أشوفه ممدد في ركن الديوان وأزعل عليه، فيما كان جدي العجوز حريصاً أشد الحرص ألا يعرف أحد من الجيران أو غيرهم أن عندنا في البيت ضيف جريح.

كانت تحذيرات جدي المتكررة تثير فضولي وأنا أتساءل: من هذا الرجل الغامض؟

وإيش يعمل عندنا؟!

وليش يحذرونا باستمرار ما نقولش لمخلوق أن عندنا ضيف وصل إلى البيت في ذلك الليل الكئيب وهو محمولاً على الاكتاف.

سألت الضيف الجريح مرة وهو يتناول الصبوح في ركن الديوان:

– من ضربك يا عمو؟

وكنت أعتقد أنه تلقى ضرباً مبرحاً في الشارع لسبب ما كنت أجهله، وفيني شجن كبير لمعرفته.

ضحك وهو يأخذ رشفه من الشاي وقلي:

– الشر اللي طول عمره يضرب اليمنيين.

كانت إجابته حينها مبهمة وغير واضحة.

وأول ما كبرت عرفت ما تعني إجابته، وتيقن لي فيما بعد بأن الحرب هي الشر الذي يضرب اليمنيين باستمرار.

المؤسف والمحزن والمؤلم أن ظروف الحروب القديمة التي شكلت ذاكرتي بكل ما فيها من شتات واختباء تتكرر مع أطفالنا الذين شاهدوا خلال هذه الثلاث السنوات من الحرب أحداث مهولة بعد أن عاود الشر القديم بضرب اليمنيين.
– يا بابا ليش الحوثيين يشتوا يقتلونا؟

سألني ابني الصغير واحنا نغادر بيتنا في تعز هاربين من قصف مدفعية الحوثيين وغارات الطيران السعودي على حارتنا في الأسابيع الأولى من الحرب.

كانت أوقات موحشة واحنا نهرب من القصف والغارات مثل طرائد شريدة ومذعورة.

بين سؤال طفلي وسؤالي القديم لذلك الجريح الذي اختبأ في بيت جدي جسراً ممتداً من الحروب. وكان ذلك الجريح ضابطاً في الجيش اليمني… كان هارباً من النظام الجديد الذي ظهر بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، واعتبره آنذاك خائناً للوطن بسبب مواجهات مسلحة.

الحرب…

هي هي ذاتها الحرب تعصف بحياة اليمنيين على مر العصور. فهل من مخرج من متوالية اللبيج والمفارعة وعيش الجفاء والغلايب؟

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى