إختيار المحررإقتصادالعرض في الرئيسة

“ترجمة” الأفاق الاقتصادية لليمن بعد الحرب.. “بلاد السعيدة” ولو لمرة واحدة !

يمنات – خاص

ترجمة خاصة بـ”يمنات

اليمن بلد لديه إمكانات وافرة للنماء والتطور. كان اليمن في الواقع أغنى من جيرانه حينما كان يشار إليه بـ “بلاد السعيدة” (أو بـ العربية السعيدة- “أرابيا فيليكس” في اللاتينية). بل أن هذا المجتمع الذي كان معتمداً على نفسه ومكتفياً ذاتياً إلى حد كبير لم يستحيل تماما إلى مجرد ماض حتى بعد ظهور أجيال عديدة لاحقاً. والواقع أن الوضع الحالي لحالة الدولة الفاشلة الذي وجد اليمنيون أنفسهم يعيشون فيه إنما هو حصيلة تراكمية مدبرة إلى حد بعيد نتيجة لسنوات عديدة من تعاون القوى الإقليمية مع النخب الفاسدة في الداخل اليمني لإنتاج وإدامة الواقع القائم عن عمد.
 
توسيع قيمة القطاع الزراعي
 
التنمية الاقتصادية في اليمن غير بعيدة المنال شريطة تطوير القدرات الإدارية والتشريعية والتخطيطية وتنميتها بحكمة. فالقطاع الزراعي، علي سبيل المثال، يمكن إصلاحه لينتج منتجات ذات قيمه عالية. وتعد الزراعة من سابق ثالث أكبر مورد من إجمالي الناتج المحلي الوطني بعد الخدمات والصناعة. ويشغل القطاع 73 في المئة من إجمالي القوة العاملة سواء بشكل مباشر بنسبة (33 في المئة) أو بشكل غير مباشر بنسبة (77 في المئة).
غير أن القطاع يواجه تحديات بنيوية خطيرة تهدد استدامته في المستقبل المنظور. ومن بين التحديات الأكثر إلحاحا الإفراط في استخدام المياه. فمنذ الستينات، ومع دخول وسائل التقانة الحديثة في استخراج المياه، شهد البلد نقلة من استخدام الطرق التقليدية إلى مضخات المياه الأكثر تقدما، وأدى ذلك إلى التوسع في الإنتاج الزراعي على حساب احتياطيات المياه الجوفية. وقد سبق أن تعدى استهلاك المياه في البلاد نسبته من الاحتياطي.
ويفرض ذلك تهديدات وجودية حقيقية على نسبة كبيرة من المجتمع اليمني. فالزراعة لا تعد فقط مصدرا للدخل بالنسبة للكثير من السكان، بقدر ما توفر أيضا مصدرا ثابتاً للغذاء والاستقرار، وبما يحد من معدل الهجرة الداخلية. وعلى هذا النحو كان يفترض أن يحظى القطاع بإصلاحات بنيوية أكثر فعالية والتي من شأنها أن تساعد في استدامته على المدى الطويل وأن تعزز من قيمته الإجمالية.
 
ويمكن تعزيز القيمة الإجمالية للقطاع بشكل مباشر بعدد من التدابير. تبدأ أولا وقبل كل شيء بإجراءات تتعلق باستهلاك المياه، حيث تجدر الإشارة إلى أن ما لا يقل عن 40 في المئة من الاستهلاك الكلي للمياه في البلد يتوجه نحو إنتاج القات. فبالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والصحية الضارة المرتبطة باستهلاك القات فإن إمكانات تصديره ضئيلة ويجري استهلاكه بشكل رئيسي في داخل البلاد. ويؤدي ذلك إلى ضياع إيرادات التصدير الممكنة للمحاصيل البديلة التي تستهلك نفس الموارد. وهو يعني أيضا الاستنزاف المستمر للدخل القومي لصالح عادة مكلفة. بيد أن التحدي المتمثل في القضاء على هذه العادة يواجه معيقات كثيرة، أبرزها الأعمال المربحة لتجارته، حيث يوفر القات دخلا متواصلاً وثابتاً للمزارعين وكذلك لمن يشاركون في نقله وتوزيعه.
ولهذا السبب يجب أن يجري استبداله من خلال إحلال تدريجي للمحاصيل ذات القيمة العالية مثل البن واللوز. ويمكن استخدام مزيج من الحوافز الأولية في هذا الصدد. وينبغي تحفيز المزارعين على إنتاج محاصيل بديلة مدرة للنقد من خلال تقديم مخصصات إعانة للتصدير، وتحديد درجات المحاصيل، والمساعدة التقييمية والتسويقية من مختلف الهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة في السوق. وينبغي أن يكون ذلك أيضا مصحوباً بزيادة تدريجية للضرائب تستهدف إنتاج وخدمات إنتاج القات.
 
ويعتبر البن بديلاً زراعياً معقولاً. فالبن سلعة كانت اليمن اشتهرت بها على مر القرون، خاصة لما له من سمعة واسعة لجودته. ولدى البلد إمكانية لإعادة ترميم صورته في أسواق ذات قيمة خاصة مثل الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأقصى. وخير أنموذج تنطبق عليه المقارنة بهذا الخصوص هو أثيوبيا، البلد الذي يتمتع بظروف زراعية ايكولوجية مماثلة لليمن.
وقد حولت أثيوبيا البن إلى مصدر ثابت ومربح لإدرار عائدات من الصادرات استنادا إلى مبادرات مطردة لتحسين الجودة. ونجح البلد في تقديم معونات دعم وتيسير من أجل تحسين جودة البن لتحسين قيمة صادراته.
والعسل هو الآخر سلعة تشتهر بها البلاد، وخاصة ذلك النوع الذي يتم تحصيله في وادي حضرموت. ومع ذلك، فان إنتاج العسل، مثله مثل البن، قد عانى من تدهور في سمعته ومن ثم تناقصت حصته وقيمته في السوق. فجني العسل يتم بممارسة تقليدية، وغالبا ما يتم اكتسابه من جيل لآخر. وقد أدت زيادة الهجرة، وخاصة من منطقه حضرموت إلى البلدان المجاورة مثل المملكة العربية السعودية، إلى ضياع هذا الموروث بشكل تدريجي. ويحتاج المزارعون إلى الدعم فيما يتعلق بكيفية إرجاع مكانة إنتاج البن والعسل إلى معايير جودتها العالية السابقة.
 
تحديات الإصلاح: سياق الحرب
وبالنظر إلى تأثير الحرب على هذا القطاع، نجد أن صورته استحالت أكثر قتامة، حيث تزرع أقل من 3 في المئة من أراضي اليمن، وهناك دليل على الاستهداف المتعمد لسلسلة الإمدادات الغذائية الداخلية الصغيرة والهشة من سابق في البلاد. استهدفت ضربات جوية متسقة المزارع ومرافق التخزين وشبكات النقل على وجه الخصوص.
 
وعلى وجه التحديد في الفترة ما بين مارس 2015 وسبتمبر 2017، إذ تؤكد البيانات التي جمعها مشروع بيانات اليمن الاستهداف المنهجي للإنتاج الزراعي. وخلال هذه الفترة تظهر هذه البيانات 356 غارة جوية استهدفت المزارع، و 174 غارة استهدفت أسواق غذائية محلية، و61 غارة جوية استهدفت صوامع غلال وغيرها من مرافق تخزين الأغذية في البلاد.
 
وبالنظر إلى مستوى الدمار يجب محاسبة جميع البلدان المشاركة في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بشكل مباشر وغير مباشر عن الدمار الذي لحق باليمن. ستكون هناك حاجة إلى المساهمات المالية والتقنية والإنسانية لإصلاح الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي في البلد. ولكي يتعافى البلد من الحرب فإنه يحتاج إلى استثمارات رئيسيه في البنى التحتية الأساسية في مجالات استعادة التربة، وبناء الطرق، وإعادة بناء مرافق التخزين، فضلا عن مطاحن تجهيز الأغذية. غير أن هذا لن يكون إلا الخطوة الأولى في إعادة الإعمار فيما بعد الحرب.
وبعد هذه الإجراءات الأساسية يتطلب وضع سياسات أكثر تقدمية لمساعدة القطاع على المساهمة بشكل أفضل في تحسين الدخل الوطني، وزيادة الأمن الغذائي الوطني، وصولاً إلى توفير فرص عمل لشريحة كبيرة من المجتمع اليمني.
 
ويبقى تنفيذ توصيات الخطة المبينة أعلاه أكثر إلحاحا اليوم أكثر من أي وقت مضي. ويشكل الدمار الذي أحدثته الحرب على القطاع الزراعي تهديدا كبيرا بالمجاعة وبالتالي الهجرة الجماعية، وهو ما يجعل من القيام بالإصلاح أمراً ملحاً.
المصدر:  نتيجة بحث الصور عن ‪lse‬‏

رابط المقالة باللغة الانجليزية انقر هنا

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى