العرض في الرئيسةحوارات

وزير المالية الأسبق سيف العسلي يتحدث عن مقتل صالح واحداث صنعاء الاخيرة ومصير المؤتمر وخطأ السعودية في اليمن

يمنات 

دعا الدكتور سيف العسلي، وزير المالية الأسبق، أطراف الصراع إلى وقف الحرب والعودة للحوار، موكداً في مقابلة مع «العربي»، أن لغة الحرب لن ترجح كفة «التحالف العربي»، ولا «أنصار الله»، وأن استمرارها، يعتبر عمل عبثي سيدفع ثمنه الشعب اليمني وأطراف الصراع.

واعتبر أن مقتل الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، كان خطأ فادحاً، ولكنه كان متوقعاً، لافتاً إلى أن «حزب المؤتمر الشعبي العام»، انتهى بانتهاء صالح. 

بعد أكثر من شهر على أحداث صنعاء، كيف تقيم ما حدث؟ 

لم أفاجأ بما حدث بداية شهر ديسمبر الماضي، وقد كنت متوقعاً أن يحصل ذلك، ليس من باب التنجيم، ولكن من باب التحليل، فالشركاء («المؤتمر» و«أنصار الله»)، كانوا متشاكسين غير صادقين. لم يتفقوا على شيء، وكانوا مختلفين في كل شيء، لذلك قتلت «أنصار الله» علي عبدالله صالح، بعد أن قد قتلهم أولاً من الناحية الأخلاقية، ويوجد تشابه بين قتله وقتل حسين حوثي.

كان يجب على «أنصار الله»، أن يتصرفوا مع صالح بمنطق الدولة، وكان عليهم أن يعملوا على التوصل لحل سلمي معه، بل كان ينبغي، بعد مقتله، أن يسمح عبدالملك الحوثي، بإجراء تحقيق قضائي واضح، لكشف ملابسات ما جرى.

وهل أخطأت حسابات صالح مع «أنصار الله»؟ 

بالتأكيد أخطأت حساباته. لكن هناك من يقول، إن صنعاء قد نجت في ديسمبر من مأساة وربما كارثة كانت ستحل بها. الشي الإيجابي مما حدث، أن الله نجّا صنعاء من التدمير، وسكانها من الشتات للمرة الثانية، بعد أن نجّاها في سبتمبر العام 2014.

هل بإمكاننا القول إن عهد صالح قد ولى؟ 

علي عبدالله صالح كان يمثل عهداً مضى وانتهى بكل تأكيد، فقد حكم الرجل اليمن على مدى 33 سنة بمبدأ خطير، فمن كان يعارضه يتم احتوائه من المال العام. جعل للناس طريقة لابتزازه وابتزاز الشعب، وأصبح يشجع الأشرار عليه وعلى الآخرين، وبذلك أهدر الموارد العامة للدولة والمساعدات والقروض الخارجية، لذلك سقط في العام 2011، لأنه خلق نظام شر، ولم يستطع مواجهة حالة الشره عندما أغلقت عليه منافذ المال العام.

إذن، ما إرث صالح خلال فترة حكمه؟ 

حكم علي عبدالله صالح 33 سنة، ولكنه لم يورث تقاليد ديموقراطية ولا نظام قابل للإستمرار، فسقط. ثم خيل له أنه بذكائه وحنكته، يستطيع أن يُحيى الموتى، ولن يحيى الموتى إلا الله، ولكن في المقابل، فإن «أنصار الله» وقعوا في الخطأ الذي وقع فيه صالح.

صحيح أنهم دخلوا صنعاء في العام 2014، ولكنهم لم يقدموا على عقد اجتماعي جديد، فأرادوا أن يعيشوا على أنقاض نظام ساقط، لذلك لم يقدموا أي مشروع قابل للبقاء والاستمرار خلال السنوات الثلاث، وعليهم أن يدركوا أن السلطة، سواء كانت شرعية أو غير شرعية، لا بد أن تقوم على تفاهمات، وعلى أساس الولاء مقابل الخدمات.

هل تعتقد أن عدم وضوح شراكة «أنصار الله» وصالح خلال الفترة الماضية أدت إلى ما حدث؟ 

لقد قلت إنهم كانوا شركاء متشاكسون لم يلتزموا بالدستور، ولم يقدموا لقواعدهم أي اتفاق سياسي مفصل، فكان اتفاقهم عبارة عن خمسة أسطر، لم يتفقوا على مستقبل اليمن منذ البداية، بل أوهموا أنفسهم أنهم شركاء وهم غير شركاء، وإن كان صالح قد خانهم، فهم خانوه أيضاً، ولذلك فشلوا في إيجاد نموذج ناجح للشراكة.

هناك من يقول إن صالح كان ينتظر الفرصة للانقضاض على «أنصار الله»، ما رأيك؟ 

صالح كان يبحث عن الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم، ولكنه لم يكن ذلك التوقيت، فـ«أنصار الله» كانوا يبحثون أيضاً عن فرصة للانقضاض عليه.

ولكن «التحالف» أعلن وقوفه مع صالح؟

وقف «التحالف» في آخر لحظة.

هناك من يتهم «التحالف» بتصفية صالح بطريقة غير مباشرة، عبر الدفع به لإشعال مواجهات مع «أنصار الله»؟ 

لو كان الله مع الحوثيين، لقتل «التحالف» صالح، وفي هذه الحالة، سيقف أنصار صالح ضد «التحالف»، لكن هو لم يفي بما وعدهم، وهم لم يفو بما وعدوه، ومن الناحية السياسية، لم يكونوا موفقين.

هل تعتقد بأن لـ«التحالف» دور وخصوصاً الإمارات بما حدث في صنعاء؟ 

ليس لدي معلومات بهذا الأمر، ولكني لا أستبعده، وكان بإمكان «أنصار الله» إدارة الأزمة مع صالح بذكاء وعقلانية، وكان عليهم أن يحاصروه ويضعوا عليه خيارات، وكان بإمكانهم أن يحتووه منذ البداية، وأن لا يصلوا إلى ما وصلوا إليه، وكان بالإمكان أن لا يتحالفوا معه منذ البداية.

هناك أكثر من طرف يحاول شق حزب «المؤتمر» والاستخواذ على قراره، كيف ترى ذلك؟ 

«المؤتمر الشعبي العام» هو علي عبدالله صالح، لأن صالح نجح بإنشاء الحزب عبر تقديم الرشاوى وإهدار المال العام. الحزب انتهى بانتهاء صالح، ولو كان «المؤتمر» تنظيم كأي تنظيم، لما سمح لصالح أن يختار هادي رئيساً، ولما سمح لهادي أن يخون صالح، ولكن «المؤتمر» لم يحسم أي خلاف بالطرق التنظيمية منذ العام 2011، لذلك أصبح الحزب شيئاً من الماضي، ومحاولة إعادته لن تفيد أي طرف.

هناك وثائق تقول إن «المؤتمر» دعا إليه الرئيس الحمدي؟

كان لدى إبراهيم الحمدي، رحمة الله، فكرة ومضمون، ولكنه لم يوضح الفكرة والمضمون، ولا نستطيع أن نتحدث عما كان ينويه الحمدي في هذا الجانب، ولكن ما لمسناه وشاهدناه، هو أن صالح هو من أسس «المؤتمر» وبقي رئيسه منذ إنشائه وسقط بسقوطه.

كانت لك لقاءات مع صالح… هل نصحته بعمل شيء ما؟ 

كان آخر لقاء لي مع صالح في العام 2013 في جلسة حضرها عدد كبير من القيادات، قلت له يا علي عبدالله صالح كنت مظلة للفاسدين؟ فقال نعم، فبادرته قائلاً نجاك الله من عملية اغتيال آثمة «حادثة جامع النهدين»، ومنحك الله فرصة أخرى لتكفر عما جنيت، فاترك قيادة حزب «المؤتمر»، وقم بقيادة مصالحة وطنية كزعيم وطني، فلا مستقبل لك ولا لأولادك، فقد خرجت من السلطة ولن تعود إليها.

كيف رد على نصحك؟ 

صالح كان لديه مخاوف كثيرة، وربما استمع إلى نفس نصيحتي من آخرين، فكان يخاف على نفسه وعلى مصيره، لأنه كان يعرف أن هناك أعداء كثر متربصين به، لكنه لم يكن يدرك أن المصير الذي كان يخشاه سيأتي في ظل استمراره برئاسة «المؤتمر»، لذلك انتهى صالح، وعلينا أن نفكر بأفق جديد.

ما هو الأفق الجديد الذي تراه؟ 

هناك في المحافظات الشمالية، اصطفاف على أساس عرقي (هاشميين مقابل غير هاشميين). يجب أن نقرّ بهذه الحقيقية وأن لا نتجاهلها، وهنا لابد من حوار بين الهاشميين وغيرهم، ويجب أن يرتكز على نقطتيين، هو أن الهاشميين لديهم مظالم وغير الهاشميين لديهم مخاوف، ثم ننتقل إلى أن الاتفاق لابد أن يكون على أساس الاعتراف بحقوق كل طرف، وأن يقوم على أساس المواطنة المتساوية، ولا شك أن ذلك سيشكل جزءاً من أي عقد إجتماعي. 

وفي المحافظات الجنوبية، هناك مشكلة بين الجنوبين أنفسهم، وليس كما يقال مع الشماليين، ولذلك، نقول لإخواننا في الجنوب، عليكم أن تتفقوا فيما بينكم أولاً، ثم سنتحاور معكم في الشمال على أي من الخيارات (الإنفصال ـ الفيدرالية، الأقاليم بطرق سلمية)، وسيشكل هذا العنصر الثاني من العقد الاجتماعي الجديد.

أما العنصر الثالث، فسيكون نتيجة لاتفاق الشماليين فيما بينهم والجنوبين فيما بينهم، وهنا لابد أن نقدم للسعودية تطمينات، بأننا لن نكون خاصرة في ظهرها مقابل أن لا تتدخل الرياض في شؤوننا الداخلية.

إذن هل أنت مع حوار يمني – سعودي؟ 

لا، ليس الآن، ولكن بعد أن يتفق اليمنيون فيما بينهم شمالاً وجنوباً، لأن الثغرات الداخلية الناتجة عن الخلافات البينية اليمنية هي من تتيح للخارج التدخل.

أنت كنت رجل دولة… هل بالفعل اليمن كان تحت الوصاية السعودية؟ 

لا أشك في ذلك لحظة واحدة، ولكن اليوم، الأعراف الدولية تمنح أي دولة الحق في أن تأمن مما يجري في جوارها، وهنا، لابد من إيجاد علاقة منصفة للبلدين، ولذلك ليس من الضرورة أن تتحول اليمن إلى عدو للسعودية حتى نتخلص من الوصاية، وليس بالضرورة أن تتدخل السعودية في شؤوننا حتى تأمن على نفسها، فلابد أن يكون هناك قدر من الاحترام المتبادل بين الدولتين، على أساس احترام السيادة، وهنا نعترف بأهميتنا لأمن المملكة، ولابد من وجود ضمانات منطقية ومعقولة تبدد المخاوف، بأن حكم «زيد»، لن يشكل مصدر شر للسعودية، ونريد من السعودية أن تتعامل مع اليمن كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة، هذه المعادلة التي يجب أن تكون، فنحن في اليمن لسنا استثناء من 200 دولة.

لا ننسى أن هناك حكومة «شرعية» في عدن وهناك رئيس معترف به؟ 

هذا كذب وافتراء. حزب «الإصلاح» اخترع له قضية مذهبية، وعبدربه منصور هادي، يدعي أن له «شرعية» والجنوبيين يقولون إن عدائهم مع الشمال، والحقيقة أن مشكلتهم أولاً مع إخوانهم الجنوبيين. لو توقف دعم السعودية لهؤلاء، لانتهت مأرب وحضرموت وعدن، ولو وقف الهاشميون وقفة عقلانية، لتوقفت نزوات بعض قيادات «أنصار الله».

هناك أكثر من حكومة وأكثر من سلطة، كيف تفسر ما يحدث؟ 

أرى فيها بشارة لليمنيين، هناك ثلاث حكومات تدعي أنها تعمل وهي لا تعمل، ثم أن في الجنوب يتصارع المجلس الانتقالي الجنوبي مع حكومة هادي، وليس لدى المجلس القدرة على الحكم في الجنوب، وإنما يخيّل له، ثم أن الحكومة الشرعية (هادي)، ليس لديها القدرة على الحكم، ولذلك وجودها ينفي شرعيتها، فلا يعقل أن توجد ثلاث حكومات في بلد واحد. في نهاية المطاف، سيحكم اليمن حكومة واحدة وشرعية تمثل الشعب اليمني، وتلبي مطالب كافة فئات المجتمع.

ولكن حكومة هادي تدعي استنادها للمرجعيات الثلاث؟ 

وجود الحكومات الثلاث، يعني أن المرجعيات الثلاث انتهت، وستلغي تلك الحكومات الثلاث بعضها البعض، ولذلك، وضع كهذا يشير إلى أن «أنصار الله» لن يستطيعوا أن يحكموا بمفردهم، وفي ظل هذا، نقول للسعودية، إن هذه الحرب لن تمكنكم من عودة الوصاية. 

هل أخطأت السعودية في سياستها وحربها على اليمن؟ 

نعم أخطأت السعودية عندما هاجمت الشعب اليمني كله، وأخطأت عندما اشترت أشخاص وخسرت، وتخطئ اليوم عندما تريد شراء عملاء لها في اليمن، ولا تريد أن تبحث عن قيادات وطنية، فالعميل هو من ينفذ مشاريع وأجندة ومصالح الخارج، والقائد الوطني هو من يخدم وطنه ويمثل شعبه. 

ما نتائج التدخل السعودي غير مباشر في اليمن؟

لقد جربت السعودية العمالة، ولم تجني سوى الفشل، فلا يجربون ذلك مرة أخرى، لذلك على السعودية أن تترك لليمنيين حق اختيار قادتهم من دون أي تدخل أو إملاء، حتى تتخاطب مع إرادة يمنية واحدة.

المطالب الآن تنحصر في تنفيذ مرجعيات الحرب الثلاث؟ 

هذا كله هراء وأيديولوجيا، لو كانت مخرجات الحوار الوطني لها قيمة وتأثير، لما أدت إلى الحرب، ثم إن هناك من يريد إحياء المبادرة الخليجية وقد انتهت، فالماضي انتهى، وعلينا أن نتعرف على الحقائق التي أفرزتها الأزمة الحالية، فالوصاية السعودية ليس لصالح السعودية ولا لصالح اليمن، ولا يوجد أيديولوجية تحكم اليمن بمفردها، وأن على اليمنيين أن يستفيدوا من تجربة الـ 50 عام الماضية، وعليهم أن يعترفوا ويتنازلوا لبعضهم البعض، وأن يعملوا على إيجاد عقد إجتماعي جديد يحدد العلاقات الاجتماعية وعلاقة المجامع بالسلطة، وعلاقة السلطات فيما بينها، وعلاقة اليمن بالخارج، حتى نضمن بداية جديدة، فلا نستمر في البناء العشوائي خمسين سنة جديدة، كما عملنا في الماضي، ثم نكتشف أننا أخطأنا. 

رسالتك للسعودية؟ 

نقول للسعودية، لقد تحالفتم مع بيت «يحيى حميد الدين» ولم تحققوا شيئاً، واتفقتم مع الجمهوريين بعد ذلك، ولم تنفعكم تلك الاتفاقيات، واتفقتم مع صالح ومن بعده هادي، ولم تنفعكم تلك الاتفاقيات، لذلك اتفقوا مع الشعب اليمني. الاتفاق مع الشعب، سيوفر لكم من المال والجهد الشيء الوفير، تعايشوا معنا كما تتعايش أمريكا مع المكسيك وكوبا، فلماذا لا نتعايش نحن وأنتم على أساس الاحترام المتبادل واحترام السيادة.

نصيحة أخيرة تبعث بها لأطراف الصراع؟

أنصح جميع الأطراف بوقف الحرب، وأخص هنا الهاشميين الذين قدموا تضحيات كبيرة بوقف الحرب حتى لا يخسروا مرتين ويخسرونا معهم. أنصح السعودية بوقف الحرب حتى لا تخسر مرتين، فإيقاف الحرب سيتيح المجال لإجراء حوارات داخلية بين اليمنيين أنفسهم، ومن ثم بين اليمنيين والسعودية. 

وإن لم تستمع تلك الأطراف لدعوات السلام، فإن هذه الحرب ستتوقف لا محالة، ولكن بعد أن يصل كافة الأطراف إلى حالة الإنهاك الكامل، لذلك عليهم أن يستمعوا لخطاب العقل قبل أن يخسروا. مهما استمرت الحرب، فإنها لن تحقق هدف أي طرف من أطرافها.

زر الذهاب إلى الأعلى