فضاء حر

قراءة متواضعة لنص “أعلنت اليأس” للمقالح

يمنات

مصطفى بهران

قبل عدة أيام ظهر لشاعرنا العظيم الدكتور عبدالعزيز المقالح نص شعري جديد بعنوان “أعلنت اليأس”، وإليكم قراءتي لهذا النص البديع الذي عبر عني تماماً وبكل تأكيد عبر عن كل اليمنيين المظلومين أجمعين، وحتى أنقل هنا ما قرأته في النص سأختار مطالع المقاطع وخواتمها وأفسرها كما يلي:

مطلع المقطع الأول:
“أنا هالكٌ حتماً 
فما الداعي إلى تأجيل 
موتي”

هذا المطلع يتماهى (أي يتوائم) مع ما كتب محمود درويش في قصيدة أجازة صغيرة من ديوان فلسطين قائلا: “أنا ميت يقضي أجازته القصيرة في الحياة!”، وهو، أي نص المقالح، ذو شقين، الأول تقريري بمعنى أن كل نفس ذائقة الموت، والثاني اجتماعي معاناتي سيكولوجي في إطار الحالة النفسية الجمعية لليمنيين بأنهم تعبوا من هذه الحرب، تعبوا من هذه الدنيا في حالها القائم جوعاً وحرباً وقتلاً ودماراً حتى وصل حالهم إلى منطقة اليأس أو قربها وليس لهم مكان يفرون إليه سوى الصمت ولذلك يقول في نهاية المقطع:

“وأفرُّ من صمتي
لصمتي”

وهو في الحقيقة هنا يقول أن الفرار من الصمت إلى الصمت يأس، وهذه دعوة للناس ألا يصمتوا، فإن الصمت يأس والكلام والصوت العالي حياة وكفاح!

مطلع المقطع الثاني:
“أبكي فتضحك من بكائي دور العبادة والملاهي”

هنا يُبين الشاعر أن سبب معاناة الناس وبكائهم قسمان، قسم يرمز له بدور العبادة وهم المؤدلجون الدينيون الذين حولوا دور العبادة إلى أداة لخدمة مصالحهم وفكرهم سواء سربلوا أو ضموا (أي أيديلوجية ولاية الفقيه أو أيديولوجية الخلافة)، والقسم الثاني أولئك الدنيوين من اللصوص وتجار الحروب والأزمات وسارقوا أقوات الناس الذين أكلوا البلاد والعباد، وهؤلاء معابدهم هي الملاهي وليست دور العبادة (وبعضهم موجود في الاثنتين)، والملاهي ليست فقط محلات الرقص وخلافة بل الأملاك والمباني والعمارات والنقود وتكديسها الخ، وهكذا! وتأكيدا على ذلك يقول في نهاية المقطع:

“واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ –
من آهٍ ..لآه ِ”

وهنا يكون مأخذ اليأس الذي يعترينا “آهان” أو ألمان واحد بسبب من يمثلون دور العبادة إمامة أو خلافة والثاني بسبب من يمثلون الملاهي فساداً ولصوصية وتجارة حرب!

مطلع المقطع الثالث:
“حاولتُ ألاَّ أرتدي 
يأسي”

هنا يُبين الشاعر الجدل الإنساني بين القوة والضعف، الصبر والتسليم، المقاومة والإنهزام، المحاولة والإحباط، وهو جدل طبيعي، ومع أن النص يُبين أن المحاولة فشلت ولكن هذا الفشل عند الشاعر ليس إلا تحذيراً وتنبيهاً للجمهور العام بأنهم يجب ألا يفشلوا بل يقاوموا! ولذلك يقول في نهاية المقطع:
“أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ إني لن اخبّـي .”
أي أنه بإعلانه ليأسة للجميع يناقض الصمت ويعاكس اليأس بل يقول أنه لن يخبي بعد اليوم وسيتحدث ويعلن وهذه دعوة صريحة لنبذ الصمت وطلب بأن يعلن الناس معاناتهم ولا يسكتون عن حقوقهم وهذه هي مقاومة لليأس وللظالمين وخروج نحو آفاق الفرج!

مطلع المقطع الرابع:
“هذا زمان للتعاسة ِ
والكآبةْ “

هنا الشاعر يعبر بدقة مباشرة واصفاً هذا الزمن الذي نعيش فيه، فهو فعلاً زمن التعاسة والكآبة، وتصنيفه هذا بأننا تعساء تعمنا الكآبة يتماهى مع الواقع ويحاكيه، ولكننا لا يجب أن نعتبر هذه التعاسه والكآبة أمرا مطلقاً وقاتلاً بل مرتبطاً بهذا الزمن بالذات وليس بغيره، أي أن الشاعر يقرن التعاسة والكآبة بهذا الزمن وليس بغيره، وبالتالي ضمناً ستأتي أزمنه هي ليست بالضرورة لا تعيسة ولا كئيبة وهي بالتحديد مستقبل الأمة! ولهذا يقول في خاتمة المقطع بأن هذه التعاسة في هذا الزمن على وجه التحديد:
“تزدري التاريخ 
تهزأ بالكتابةْ .”
وهنا المعنى ضمنياً أنها أي التعاسة لا علاقة لها بالمستقبل، فهي إذ تزدري الماضي وتهزأ بالكتابة لا تستطيع بل لا تملك أن تمد يدها فتسيء إلى المستقبل وهذا مرهون بكم أيها الناس وبفعلكم وما تصنعون!

مطلع المقطع الخامس:
“أنا ليس لي وطنٌ 
أفاخر باسمهِ”

هذا المقطع على قدر ما أدمى عين العبد الله لأنه لامس عميق إحساسه إلا أنه دعوة أو رجاء بل حتى التماس موجه نحو أبناء الوطن حتى يسعون نحو وقف خراب ودمار هذا الوطن والوقوف ضد من يدمروه من أصحاب المصالح (الملاهي) أو من حولوا دور العبادة إلى كيانات تضحك على حزن الشعب (المذاهب) ولذلك يتحدث في نهاية هذا المقطع عن:

“زمرُ المناصب والمذاهب 
والفتن .”

هذه الزمر التي هي عدو اليمن واليمنيين والمسؤلة الأولى عن كل ما نحن فيه والتي يجب ان نقف جميعا ضدها لنستعيد وطناً نفخر به!

مطلع المقطع السادس:
“صنعاء …
يا بيتاً قديماً”

هنا صنعاء تمثل نفسها مثلما تمثل اليمن كلها بعراقتها وقدمها وعراقته وقدمه، وصنعاء هي بيت الشاعر فعلا فمسكنه فيها وهو يعشقها فعلاً كما نعرف أجمعين إلى حد أنه نادراً ما يغادرها حتى لو في رحلة استراحة واستجمام، وهي تمثل اليمن ككل بيته ومسكنه ووطنه الذي يندر أن يغادره، فلم يخرج الشاعر من اليمن منذ سنين طوال! ومع هذا يخشى الشاعر من صنعاء على صنعاء مثلما يخشى من اليمن على اليمن، وهو هنا يختتم نصه البديع بهذه الخشية وهذا الخوف قائلاً:
“أخاف عليك منكِ 
ومن صراعات الإمارةْ.”

إذاً لصنعاء ولليمن أعداء ولكن أسوأ أعدائها أو لنقل من يخشاهم الشاعر هم أولئك الذين منها أي من صنعاء ومن اليمن، أولئك اليمنيون الذين يتصارعون على الإمارة فيها وفيه، وهنا يكون الإتصال والتوافق مع ما قاله في صدر النص عن أصحاب المعابد وهم اصحاب ولاية الفقيه أو سلطان الخليفة، وأصحاب الملاهي وهم الفاسدون واللصوص وتجار الحروب الذين لا هم لهم إلا المال والسلطة!

أيها الناس، لقد فصل الشاعر موجِزاً كل شيء، ووصف كل شيء، وشخص كل شيء، في نص سهل ممتنع بسيط لا مواربة فيه ولا تعقيد، بجمال وموسيقى وإيقاع ظاهر صوتي بديع، وآخر شعوري داخلي قوي واضح بليغ عميق يماهي شعور اليمنيين المسحوقين أجمعين!

خالص المحبة والتقدير والإعزاز لشاعرنا الكبير الذي مازال مداوماً في مكتبه أدام الله في عمره وأمده بالصحة والعافية!

مصطفى بهران
نورمان أوكلاهوما
الولايات المتحدة الأمريكية
15 ابريل 2018

————
القصيدة كاملة لمن لم يقرأها:

أعلنتُ اليأس

عبد العزيز المقالح

أنا هالكٌ حتماً 
فما الداعي إلى تأجيل 
موتي
جسدي يشيخُ
ومثله لغتي وصوتي
ذهبَ الذين أحبهم 
وفقدتُ أسئلتي
ووقتي
أنا سائرٌ وسط القبورِ
أفرُّ من صمتي 
لصمتي.

* * * 
أبكي 
فتضحكُ من بكائي 
دورُ العبادةِ والملاهي
وأمّدُ كفي للسماء
تقولُ : رفقاً يا إلهي 
الخلقُ – كل الخلق –
من بشرٍ ، ومن طيـرٍ
ومن شجرٍ
تكاثر حزنْهم
واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ –
من آهٍ ..لآه ِ

* * * 
حاولتُ ألاَّ أرتدي 
يأسي 
وأبدوا مطمئناً
بين أعدائي وصحبي
لكنني لما رحلتُ
إلى دواخلهم
عرفتُ بأنهم مثلي 
وأن اليأس ينهشُ 
كل قلب ٍ
أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ إني لن اخبّـي .

* * * 
هذا زمان للتعاسة ِ
والكآبةْ . 
لم يترك الشيطانُ فيهِ
مساحةً للضوء
أو وقتاً لتذكار المحبةِ 
والصبابةْ .
أيامهُ مغبرّةُ 
وسماؤُه مغبرّةُ
ورياحه السوداء 
وعصف بالرؤؤس العاليات 
وتزدري التاريخ 
تهزأ بالكتابةْ .

* * * 
أنا ليس لي وطنٌ 
أفاخر باسمهِ 
وأقول حين أراه:
فليحيا الوطنْ .
وطني هو الكلماتُ 
والذكرى 
وبعضٌ من مرارات الشجنْ
باعوه للمستثمرين وللصوص 
وللحروبِ 
ومشت على أشلائهِ
زمرُ المناصب والمذاهب 
والفتن .

* * * 
صنعاء …
يا بيتاً قديماً 
ساكناً في الروح 
يا تاريخنا المجروح
والمرسوم في وجه النوافذ 
والحجارة 
أخشى عليك من القريب
ودونما سببٍ
أخاف عليك منكِ 
ومن صراعات الإمارةْ.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى