العرض في الرئيسةفضاء حر

من أنا..؟

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

أنا لست ابن السماء .. أنا ابن الدباغ الذي يثور على واقعه كل يوم دون أن يكل أو يمل أو يستسلم لغلبة..

أنا ابن الدباغ الذي لا يستسلم لأقداره، ولا ينوخ، وإن كانت البلايا بثقل الجبال الثقال .. ابن الدباغ المجالد الذي يعترك مع ما يبتليه، ويقاوم حتى النزع الأخير..

ابن الدباغ الذي يتمرد على مجتمع لازال يقدس مستبديه .. ابن الدباغ الذي يقاوم نظام لا يستحي عندما يدّعي .. نظام يدعي العدل، وهو يتعالى على الوطن الكبير .. يخصخص المواطنة، ويغيب المساواة، وينشر الفقر كالظلام الكثيف، ويحبس الحرية في محبس من حديد..

أنا الحر الذي يجرّم القتل ولا يستسهله، ولا يشرب الدم ولا يسفكه، ولكنه متهما بشرب الكحول..

 (2)

أنا ابن لأب لا يبيع الموت ولا يهديه ولا يجعله مقاسا للرجولة أو معبرا للبطولة..

أنا ابن صانع الحلوى والبائع لها، يأكل من كده وعرق الجبين .. أنا ابن أب يصنع الحلوى ويهديها للأصدقاء والفقراء المعدمين..

أنا ابن صانع الحلوى .. ابن الحياة .. أرفض الحرب والمآسي العراض، ولن أكون يوما من صّناعها أو تجّارها، ولم أعش يوما عليها، ولم ابنِ مجدا على جماجمها الكثيرة، ولم أحتفِ يوما باتساع المقابر أو بطوابير النعوش الطويلة، ولم أطرب لركام الضحايا الكبير، ولم أضخ الكراهية وغلائل الحقد التي لا تنتهي.

 (3)

أنا الحالم ابن كل هؤلاء الأحبة .. أنتمي للحلم الكبير كبر المجرة، بل كبر هذا الكون الفسيح الذي يكسر محبسه ويسافر للبعيد دون حدود أو منتهى.

أنا ذلك الجندي النشط، الذي يحلم أن يكون جنرالا يعشق المستقبل ويغير وجه الحياة .. لا ذلك الجندي المملوء خمولا وسكينه .. يرتضي البؤس والعيش الرديء، ويعتاد تنفيذ الأوامر، ويعيش بيدقا في رقعة الشطرنج، أو كائنا مثقل بالسكينة والرتابة المكينة..

 (4)

أنا من تسكنه روح قائد ثورة العبيد “سبارتاكوس” الذي ثار ضد الاسترقاق في عهد العبودية الثقيل، له المجد والخلود ولمن قتلوا وصلبوا وأعدموا معه..

أنا من تسكنه تحدي ذلك الإسكافي العظيم (ماسح الأحذية) الذي صار رئيسا لأكثر من مائتين مليون نسمة في البرازيل خامس أكبر دولة في العالم، سواء من حيث المساحة الجغرافية أو عدد السكان.

(5)

أنا من يجد إلهامه في غاندي ذلك العظيم الذي أسس مدرسة عظيمة في النضال السلمي، وجعل من الهند متعددة الأعراق والقوميات والأديان والطوائف والثقافات بلاد متعايشة ومتنوعة .. الهند أمة المليار نسمة الثانية في العالم من حيث عدد السكان والسابعة من حيث المساحة والاقتصاد.

(6)

أنا من جبلت على التسامح، ووجدت في ذلك العظيم نلسون منديلا المناضل الأفريقي الأسود قدوة ومثالا وملهما .. مانديلا الذي ناهض سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ومكث في سجون نظامه أكثر من 27 عاما وخرج منها غير حاقد أو منتقم..

منديلا الذي منح عفوا فرديا لكل من يدلي بشهادته حول الجرائم التي ارتكبت وبجلسات سماع استمرت عامين حول عمليات الاغتصاب والتعذيب والتفجيرات والاغتيالات، وهو ما ساعد خروج جنوب أفريقيا من ماضيها الثقيل، والابتعاد عنه والتركيز على الحاضر والمستقبل.

أنا من أجد نفسي في كل إنسان..

وختاما .. أنا إنسان.

 (7)

لست مثالا، ولكنني أحاول أن أكون مثالا، أو أتوق لأن أكون كذلك..

وأعتقد أنني لست سيئا، بل أحاول أن أدفع عن نفسي كل سيء، وأنجح في أغلب الأحيان، وأتوق أن أكون أفضل..

أقاوم أنانيتي وأجالدها، وأعيش صراعات جمه معها، حتى ينتصر ضميري، أو أشعر بالرضى وراحة الضمير.

عندما أعي أنني على حق أمسك به دون فكاك، وتشتد عزيمتي وتقوى إرادتي، وعندما يكون اليأس مطبقا كالسماء أو قابضا على الحق كالقدر، آخذ استراحة محارب حتى أعود، وأحاول من جديد نصرته أو الانتصار به.

أعي أهمية المال في النجاح عندما أتعاطي السياسة، وأعي أهميته في صنع بعض المستحيلات غير الممكنة بدونه، وأعي أنه أحد مقومات الوصول لأشياء كثيرة، أو تسهيل الوصول إليها، ولكنني بنفس القدر بل أكثر، أعي أنه يمكن أن يكون المال دافعا أو سببا للسقوط الساحق، والمدوي، والكبير..

عندما أجد ما يغريني من المال، وأنا في أشد حاجته، أقاوم حاجتي وأضع لها من الحديد لجام، وإن استدنت أكون شديد الحرص وأبذل ما في الوسع حتى أعيد ما استدنت .. وإجمالا اتعاطى مع المال بحذر بالغ وحساسية عالية..

وإن كان المال هبة على حساب كرامتي، أضع المال تحت حذائي وأمضي في الانتصار لها دون ندم أو شعور بخسارة .. وغالبا أحب أن أتصرف في مواضيع المال على نحو يختلف عما يألفه الناس، ويعتادون عليه، وربما على نحو استثنائي في بعض الأحيان، وبذلك أصنع ما أعتز به..

وإن أخذت مالا ذات يوم، يكون لدي فيه ما أقوله، وربما دفعت فيه أكثر مما أخذت، غير أن الأهم أن لا يكون ما أخذته على حساب الوطن أو الضمير أو ما أعتقد من مبادئ..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى