تحليلات

لهذه الأسباب يتوسع النفوذ الإيراني بالمنطقة

يمنات

صلاح السقلدي

في سبعينيات القرن الماضي في دولة الكويت وأثناء انعقاد إحدى دورات مؤتمر الأدباء والكُتّــاب العرب ألقى أحد الشعراء اليمنيين “الشماحي” قصيدة بعنوان” من المحيط الفارسي الى المحيط الأطلسي”. وبمجرد قراءته لعنوانها ضجّتْ القاعة احتجاجا وتبرماً بوجهه, قائلة له: أنه” الخليج” العربيٌ وليس الفارسي كما أنه خليجا وليس مُحيطا. ولكن الشاعر” الذي تعمّــد  وضع هذا العنون الاستفزازي الساخر,وتوقع هذا الاعتراض من زملائه قال بأعصاب بارده : لقد صيّــره تخاذلكم فارسيا وحوّله كرمكم محيطا.!
 
هذا الأمر حدث حين كانت إيران ما تزال تحت حُــكم الشاة, في فترة احتدام الصراع بين  القوميتين العربية والفارسية- وفي غمرة الأجواء التحررية من الاستعمار الغربي – حيث كان يقود الحراك التحرري  بالمنطقة ويرفع مشعل القومية العربية الزعيم العربي طيّب الذِّكِـر الراحل جمال عبدالناصر يقابله بالضفة الأخرى  الشاة, الذي كان متحمسا لفارسيته حد التطرف في وقت كان يرتبط بعلاقات حميمة  بإسرائيل ناهيك عن دول الخليج برعاية أمريكية,  حين كانت فيه كثير من أنظمة الحكم العربية والخليجية تحديدا على وفاق تام مع النظام الحاكم بطهران حينها برغم احتلاله لجزر عربية بالخليج وتصلبه بمواقفه السياسية تجاه العرب وتجاه القضية الفلسطينية تحديدا,و تعصبه لإسرائيل وأمريكا واعترافه بدولة إسرائيل حين فتح لها سفارة ضخمة في قلب العاصمة طهران- قبل أن تتحول الى سفارة لدولة فلسطين بعد الاطاحة به نهاية ذلك العقد-, بلغ به تطرفه ضد العرب وانحيازه لإسرائيل أن أبتهج بذات الدرجة التي ابتهجت بها اسرائيل إثناء حرب نكسة حزيران 1967م التي لحقت بالجيوش العربية في مصر وسوريا وفلسطين, وسقوط الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء بيد الاحتلال .

لم تكن إيران الشاة ولا إيران الثورة في زمن الخميني لتستأثر بالخليج ولا غير الخليج وتبسط  نفوذها وتواجدها لولا انكماش وتخاذل الأنظمة العربية -والخليجية تحديدا- وانشغالها بالتآمر على شعوب عربية أخرى, وتبدّد الأموال والطاقات يُمنة ويسرة إرضاءً لحامي العروش والكروش الأمريكي. فقد تركت هذه الأنظمة المتهدلة الأوداج البحر والبر شاغرين أمام إيران من الخليج العربي الى البحر المتوسط. ليس هذا وحسب بل استدعت هذه الأنظمة  جيوشاً واساطيل ضخمة من خلف المحيطات لتحل محل جيوشها وتقوم بمهمتها لتحمي  الحمى مكتفيه بترديد الشيلات وتنظيم سباق الهُــجن, واستكانت هذه الأنظمة بعد سقوط حليفهم الشاة للفوبيا الإيرانية الخمينية تفترس عقولها وتتمك قلوبها بشكل مريع.

لم يحصل هذا الانهزام الخليجي  في الخليج فقط بل أمتد على مستوى رقعة الوطن العربي ككل تقريباً. فحين تخلى هؤلاء الحكام عن قضية العرب الأولى ” فلسطين” ورفعوا ايديهم عن لبنان وبالذات أبّــان الغزو الاسرائيلي الغاشم  عام 1982م واحتلال العاصمة بيروت وارتكاب مجازر فضيعة بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني دون أن تحرك هذا الأنظمة  التي كانت منشغلة بإرسال المتطوعين إلى جبال افغانستان بأمور امريكية – ساكناً ولم تهتز لها قصبة ولم تتحرك فيها شعرة حيال تلك المجازر… ومن حينها وللمرة الثانية وجدت إيران الساحة شاغرة أمامها في ظل صرخات الشعوب المقهورة جرّاء العربدة الصهيونية والعجرفة الأمريكية والخنوع العربي المخزي, وطفقت ”  إيران “بوضع قدمها وترسيخ وجودها هناك لتتبنى الدفاع عن القضايا المصيرية للمسلمين وبالذات قضية فلسطين ولبنان, وتمد قوى المقاومة في لبنان وبالذات المنحدرة من الطائفة الشيعية ومعها المقاومة الفلسطينية- أو ما تبقى منها بعد إخراجها الى شتات الأرض مرة أخرى- , لتنبثق حركات مقاوِمِة لبنانية جنبا الى جنب مع حركة أمل والفصائل المقاومة اليسارية والقومية المتعددة  قبل ولادة حزب الله من بين ركام تلك الحرب في ظل هذا الحضور الإيراني الواضح, والغيبوبة العربية الرسمية حتى تم طرد الاحتلال عام 2000م.

لم تكتف هذه الأنظمة – التي كانت حينها وما تزال -واقعة تحت رُهاب المرحلة القومية الناصرية المتقدة من وهج الانعتاق من هيمنة الاستعمار وأعوانه – لم تكتف بسلبية مواقفها المخزية تجاه القضايا العربية المصيرية بل طفقت تتآمر عليها من مشارق الوطن العربي الى مغاربه,وترسل أموالها وتبث إعلامها الانهزامي  بكل الاتجاهات, وتحشد دعاتها وشيوخ اسلامها السياسي في كل الأصقاع لكبح أي جهد عربي قومي يسعى لرفع راية العروبة والتحرر والانعتاق ومجابهة القوى الاستعمارية.

 وفي العراق الذي اسلَمتْ دول الخليج رقبته للساطور الأمريكي عام 2003م,وجدت ايران الساحة العراقية تفتح لها ثناياها وتشرّع لها أّذرعها ,وبالذات بعد طرد الاحلال الأمريكي …في ذات الوقت الذي أكتفت فيه دول الخليج برفع عقيرتها ونواحها على عراق العروبة الذي تعاملوا معه كأخوة يوسف وباعوه بثمن بخس لواشنطن ولندن على مذبح فرية الكيماوي المزعوم الذي يتكرر اليوم  على شكل مهزلة ومأساة بسورية.

   وفي فلسطين حين تخلت هذه الأنظمة عن صوات المقاومة في قطاع غزة تحت ذريعة تخاذل جديدة  أسمها خطر” حركة الإخوان السملين ” المزعوم. وللمرة الثالثة تجد إيران الساحة شاغرة أمامها والصوت العربي الشعبي يصرخ بوجه آلة الدمار الإسرائيلية, وسدّتْ -أي إيران- الفراغ وشرعت تقدم الأموال والسلاح لحركة المقاومة الاسلامية”حماس″ بعيدا عن الحسابات الطائفية, وعروش الخليج تصرخ بصفاقة: المجوسية والإخوانية تهددان الإسلام والمسلمين .

وحتى السلطة الفلسطينية المقربة من أنظمة الحكم العربية باعتبارها سلطة سُــنية  ومعادية للأخوانية- وفق المفهوم الوهابي المتشدد- فقد تركتها ضعيفة هزيلة لا حول لها ولا طول تجاه الغطرسة الإسرائيلية الامريكية دون سند سياسي أو دعم مالي,لتضمحل شعبيا وتتقزم ,وتقزّم معها القضية الفلسطينية برمتها.
 
ولن يكون الفرز الذي يتشكل اليوم بالمنطقة بين مؤيدا ولو بشكل غير مباشر للغطرسة الامريكية  الصهيونية الذي وصل ذروته بقرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس العربية والعدوان المتواصل على سوريا,. فانحياز بعض  الانظمة الخليجية  للمواقف الامريكي والاسرائيلي طمعاً بإرضاءً حاكم البيت الأبيض ترَكَ لإيران مرة أخرى الفرصة لتتقدم الصفوف كمدافع ومنافح عن المقدسات الإسلامية وكمعارض لاصطفاف الجهة الأمريكية الإسرائيلية, في ظل استعار المعارك بسورية, سورية التي هي الأخرى طالها شرر النار العربية الخليجية بنكاية بإيران أيضاً ورغبة بإسقاط حاكم عربي أخر على الطريقة العراقية الليبية كحاكم خارج عن العباءة الخليجية, وارسلت هذه الدول قضها من الأموال وقضيضها من الجماعات المتطرفة لتدمير ذلك القطر العربي وتتهاوش فيه – بحسب تعبير أحدهم-, ومرة أخرى وأخرى تجد إيران ساحة فارغة في بقعة عربية مغرية تخلّى أبناء جلدتها عنها وتركوها فريسة لضباع الشرق وسباع الغرب تنهش بها. ومن هناك قدمت إيران نفسها كحامٍ للديار الإسلامية على وقع زخات  صواريخها على هضبة الجولان العربية المحتلة,وعلى صدى  موسيقى نشرات الفضائيات العربية المبتهجة  بالضربات الموجعة التي تقوم بها اسرائيل ضد” المجوسي الرافضي” في سورية. ..بعد كل هذا ستجد من الأعراب والعُــربان مَــن يضرب كف بكف ويتمتم: كيف ولماذا يتوسع النفوذ الإيراني بالمنطقة ؟..عجبي !!

المصدر: رأي اليوم

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى