فضاء حر

غزو … فتح … احتلال!!

يمنات

حسين الوادعي

لا شك عندي أن ابن خلدون كان أول من وجه نقدا علميا تاريخيا لما يدعى “الفتوحات الإسلامية” وأثرها على الشعوب الأخرى. 

فماذا قال؟
قال بوضوح أن الاوطان التي فتحها العرب أسرع اليها الخراب. 

والذي تعود على الصرامة العلمية لابن خلدون يعرف هنا انه كان يفصل بين توجهه الديني الذي كان يرى في الفتوحات وسيلة لنشر الاسلام، وبين تقييمه العلمي الذي لا يؤمن ولا يكتب إلا بما أثبته الواقع.

كيف يفسر ابن خلدون هذا الخراب الواسع نتيجة الفتوحات. يقول في مقدمته الفصل 26: 

“والسبب في ذلك أنهم أمّة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة، وكان عندهم ملذوذ لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد لسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران …. أيضا طبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس، وان رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه”.

هذه الفقرة تقدم نقدا علميا جريئا لمسألة الغنائم والسبي تتجاوز النظرة الدينية التبريرية للغنيمة إلى النظرة العلمية الاجتماعية التي ترى في القتال والغنيمة أعمالا منافية لطبائع العمران والحضارة .

وهو هنا لا يتحرج ايضا أن ينقد الحديث المنسوب الى الرسول “جعل رزقي تحت ظل رمحي” 

أستطيع القول دون مبالغة أن ابن خلدون من أوائل من مارسوا علمنة العلم (الفصل بين الدين والبحث العلمي) واستطاع من خلاله أن يقدم رؤيته المبكرة لدور الجهاد و”نمط الإنتاج الحربي الجهادي” في خراب العمران.

النقد الثاني الذي وجهه بن خلدون لحَمَلة الفتوحات (العرب) انهم حتى عندما سيطروا على البلدان المفتوحة ظلوا “أبعد الأمم عن سياسة الملك” و “أبعد الناس عن الصنائع” ومن كان يقوم بالتعمير والصناعات والعلم أغلبهم إن لم يكن كلهم من العجم.

أما العرب الفاتحين فاكتفوا بالحكم وتسخير الآخرين لخدمتهم واستيراد الصناعات المطلوبة من الهند والصين (ما أشبه الليلة بالبارحة!).

يصدمنا ابن خلدون بحقيقة أخرى هي أن “حَمَلة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم” فأغلب أئمة المذاهب لم يكونوا من العرب وكذلك الأطباء والفلاسفة وحتى واضعي أسس علم الحديث واللغة والنحو كانوا من “الأعاجم”! 

من المهم جدا الإستفادة من طروحات بن خلدون لتكوين رؤية نقدية علمية لتاريخنا بشكل عام.
ربما بدلا من تعبير “الفتوحات الاسلامية” يكون اللفظ الأصح هو “الفتوحات العربية” ..
وافتحوا مقدمة بن خلدون وستعرفون السبب.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى