العرض في الرئيسةتحليلات

جهود غريفيث إلى المربع الأول .. من يريد للحرب أن تطول..؟

يمنات

صلاح السقلدي

ثمّة قوى وجهات يمنية وإقليمية تقف حائلاً أمام كل الجهود الدولية الساعية لوقف الحرب في اليمن، والشروع بمفاوضات بين الفرقاء في البلاد، تفضي بالتالي، إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية و«القضية الجنوبية»، وتسوية الخلافات اليمنية مع الدول الإقليمية. 

أشرس وأقوى هذه القوى وأكثرها استماتة لإطالة هذه الحرب، موجودة داخل طرف «الشرعية»، التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي، ويهيمن عليها حزب «الإصلاح»، وفئة جنوبية نفعية محيطة بهادي. 

دأبتْ هذه القوى على كبح أي جهد أممي من شأنه أن ينهي الوضع المأساوي في اليمن، كما تسعى إلى إفشال أي تفاهمات في مهدها قبل أن تتبلور إلى اتفاق على إجراء مفاوضات حقيقة، لمعرفة هذه القوى أن أي نجاح لأية مفاوضات، سيؤدي حتماً إلى تسوية سياسية ستطيح بها من مواقعها ومناصبها، وستقضي على مكاسبها المالية والمادية الطائلة التي تجنيها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، مستغلة الظروف الاستثنائية التي يمر بها اليمن، والذي يتفشى فيه الفساد بشكل مريع، وتتكاثر فيه طفليات اللصوص وبكتيريا المتنفذين، في ظل وضع «اللادولة»، وغياب المؤسسات الحكومية، وبالذات المؤسسات الرقابية.

قبل أيام، استطاع المندوب الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيث – بشق الأنفس – انتزاع موافقة مبدئة من طرفي الصراع، على الشروع بجولة مفاوضات جديدة بعد موافقة «الشرعية» على مضض، وبعد تمنّع طويل، قبل أن تعلن موافقتها من عدن، على وقع تعثرها العسكري في معركة الساحل الغربي، التي تأمل منها حكومة هادي إسقاط مدينة الحديدة، وهي المعركة التي راهنتْ عليها لإحداث تغيير جذري بالأوضاع العسكرية على الأرض، وسلب «الحوثيين» مدينة وميناء حيوي، هو المتبقي لديهم، وتسليمه وتسليم المدينة إلى قوات العميد طارق صالح، المدعوم إمارتياً، لتكون (أي الحديدة)، عاصمتها السياسية وقاعدتها العسكرية، وليكون مينائها هو آخر الموانئ اليمينة التي تبسط الإمارات سيطرتها عليه، وتثبّت من خلاله وجودها العسكري والاقتصادي، كامتداد لوجودها على طول الشريط الساحلي، من المهرة شرقاً إلى الحديدة غرباً. 

ولكن لم تمض سوى أيام قليلة من إعلان المبعوث الأممي على هذه الموافقة، التي انتزعها من الطرفين، إلا وأعلن وزير خارجية حكومة هادي، خالد اليماني، بشكل مفاجِئ، عن تنصّل حكومته من الإلتزام باشتراطه تسليم «الحوثيين» الحُديدة لقواته، كمدخل لأية مفاوضات، وهو الشرط الذي يعرف الوزير أن «الحوثيين» لن يقلبوا به، ولكن الغرض الذي يريد الوصول إليه اليماني، على كل حال، هو إفشال الجهد الأممي، فوق معرفته باستحالة تنفيذ هذا الشرط أصلاً، وبالتالي، يكون قد أجهض آخر محاولة أممية من هذا القبيل، ما يعني العودة إلى المربع الأول لجهود التسوية، والذي يعني بدوره استمرار الحرب إلى أجل غير معلوم، للإبقاء على المسارب المالية والمادية في حالة ضخ مستمر إلى جيوب وحسابات تلك القوى النفعية المتضخمة، في ظل نزيف دم غزير يسيل على الجبهات، وعلى جبهة الساحل الغربي بالذات، التي تشهد أكبر مذبحة لشباب الجنوب في التاريخ الحديث، في محرقة شكلوا وقودها الأساسي بامتياز، لمصلحة أطراف يمينة، هي في الأساس من صنع مأساة الجنوب طيلة أكثر من ربع قرن من الزمان، وخدمة لقوى إقليمة استغلت «القضية الجنوبية» أسوأ الاستغلال، فبدلاً أن تخدمها، استخدمتها، نظير مبالغ مالية ومكاسب مادية تحت عناوين براقة كعنوان: «القضية الجنوبية» التي لا ناقة لها بهذه الحرب ولا جملٌ، وهي القضية التي ترفع قميصها تلك الأطراف الاقليمية واليمنية الشمالية، لغرض استدرار موقف البندقية الجنوبية، وخديعة العقل السياسي الجنوبي المعطّل أصلاً، إلى جانب العنوان الديني الطائفي الذي ينفذه بجهالة جماعات جنوبية سلفية جهادية، كخديعة سياسية إقليمية باسم محاربة «المجوسية الشيعية» في الشمال، كنسخة طبق الأصل لخديعة محاربة الشيوعية في الجنوب، إبّان الحرب عليه في صيف العام 1994. فالتاريخ يعيد نفسه هنا، ولكن ليس على شكل ملهاة، بل مأساة دامية، وبشكل مقلوب تماماً، بعد أن استطاعت قوى وإقليمية ويمينية ببراعة توظيف الدين في بلاط السياسة، مستلهمة القول الشهير: «إذا أردت أن تتحكم في جاهل، فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني…»!

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى