العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة (46) .. قصتي مع القات

يمنات

أحمد سيف حاشد

(5)

لدي مشكلة لا زالت تتكرر معي، ولم أستطع أن أضع لها حدا إلى اليوم .. مشكلة تترك بعض الأسئلة عالقة في ذهني طويلا وأنا أتخيل الوقائع.. ما يجعل الأمر مُلِح أنني لا أستطيع سبر ما يعتمل في تفكير الضحية، وهو يشاهد ما أقترف بحقه من اعتداء، في لحظة خروجي عن الوعي، وولوجي في الغياب.. أحيانا أجد نفسي أترك قاتي جانبي أو أجلس عليه دون علمي، وأخزن بقات من هو جانبي.. حدث لي هذا كثيرا، ربما بسبب الزحام أو انهماك في الحديث، أو انشغال بالحاضرين المقيل أو نحو ذلك من الظروف التي تحيط بي وتجعلني فريسة اللاوعي..

إنه ضرب من شرود أحيانا يطول، وربما يستمر إلى نهاية المقيل.. اكتشفت كثيرا أن برمجتي العصبية هي من تخزن لا أنا.. غير أن السؤال الذي تشغفني الإجابة عليه: يا تُرى ماذا كان يدور في خلد من يراني تاركا قاتي، وأخزن من قاته، وهو صامت، ومتمالك أعصابه، ويعف عن تنبهي، بل وأحيانا يحدث أن أوزع من قاته على زملاء يأتون دون قات أو أضيف إلى من ينتهي عليهم القات قبل نهاية المقيل.. ويُعظم وقع الأمر عندما يكون بيني وبين من أفعل به هذا، بعض أوجه الرسمية والإتكيت، فضلا عن الاحترام والتقدير المتبادل..

كنت معزوما بمناسبة عرس، وبعد مباركتي للعروس، عدت أبحث عن مكان في القاعة للجلوس والمقيل.. كانت القاعة مكتظة.. وجدت في القاعة الأخ مدير دائرة الأشغال محمد علي سعيد، والأخ محمد عبد الغني القباطي، اللذان رحبا بي وأفردا لي مكانا إلى جانب محمد..

وضعت قاتي “القطل” الذي كان في علاقي إلى جانبي، وفيما أنا أتوضع في المكان، كنت قد حسرته إلى تحتي في الجهة اليمنى، وهات يا دحس مع كل حركة آتي بها، دون أن أعلم إن قاتي صار يرزح تحتي ثقلي.. فيما قات صديقي محمد عبد الغني لا يخلو من فخامة.. مطول ومقطّف ومفرودا أمامه.. وبدلا من أن أخزن بقاتي صرت دون دراية أو وعي أخزن من قات صديقي محمد، وظل هذا الحال حتى النهوض من مكاني، أو بالأحرى أستمر من الرابعة بعد العصر وحتى السادسة قبل المغرب.. لا شك أنه محمد كان يرمقني مع كل مدت يد .. كان يرمقني بصمت ، ولكنه صمت يتأجج تحته سطحه العجب والأسئلة وأشياء أخرى ذات صلة..

لازلت شغوفا إلى يومنا هذا، متطلعا بإلحاح إلى معرفة ماذا كان صديقي، يحدّث نفسه، وهو يراني منكب على قاته انكباب منهمك، حد غياب الوعي؟! ما أستطيع قوله وتأكيده هو إنني كنت أخزن بطريقة مثيرة للغاية..

نهضت الساعة السادسة قبل المغرب لأغادر المكان، وحالما انحنيت لتناول تلفوني، لمحت القات العلاقي قد صار مسطحا ومستويا على الآخر ولاصقا على قماش الفرش.. أخذته بإذن رباطه، وأنا أسأل صديقي محمد عبد الغني: 

– هذا قات من جلست عليه؟!
– أجاب: قاتك
– سألته: وأنا منين خزنت؟!!
– أجاب: من قاتي.. ما يهمك.. الحال واحد..
– قلت له: قاتي قطل وقاتك مطول..
– أجاب : ولا يهمك .. نحن واحدين..

شعرت بطوفان من الحرج والخجل يجتاحني دون أن يمنع ذلك من شهقة دهشة مني، وخروج قهقهة..

في يوم آخر خزنت في بيت صديقي محمد عبد الغني، وكان أهم ما أردت معرفته منه ليس هو: كيف حدث ما حدث ؟!! وإنما بماذا كان يتحدث مع نفسه في طي سره وكتمانه، وهو يراني منهمك، أقتات من قاته بشراهة معزة؟! كيف استطاع يتمالك أعصابه ساعتين، وهو يراني أفعل ما أفعل؟! ما أنا متأكد منه أن شكلي والطريقة التي كنت اتعاطى فيها القات تثير عاصفة من الضحك؟! فكيف أستطاع أن لا يضحك طيلة مدة ساعتين تستحق الضحك الطويل والكثير.. ولكن للأسف لم يجب صديقي محمد على سؤالي، وإنما عمد إلى التهوين مما حدث..

إلى اليوم لا زال مثل هذا السؤال عالق في ذاكرتي، ويثير ضحكي عندما أتذكره، وأتخيل ما فعلته.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى