فضاء حر

المشهد السياسي في اليمن يزداد تعقيداً: تحويل “غريفيث” إلى عدو

يمنات

سامي الكاف

• يحاول المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث بذل جهوده الساعية الى دفع الأطراف السياسية لخوض مفاوضات للوصول الى حل سياسي ينهي النزاع المسلح المستمر منذ نحو أكثر من ثلاث سنوات، لكن ما زالت تلك الجهود تراوح مكانها.

و في سياق جهوده تلك؛ يحاول غريفيث أن يكون مرناً في تعامله مع الأطراف السياسية منذ أن بدأ تسلم مهامه كمبعوث أممي إلى بلد مزقته الحرب و جعلته بلداً منكوباً على نحو كارثي، و مُثخناً بجراح و مآسي لا تنتهي.

منذ 26 مارس 2015 تعيش اليمن حرب ضارية بين جماعة الحوثيين (أنصار الله)، وقوات يمنية تابعة للحكومة المعترف بها دولياً مدعومة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات ويشن ضربات جوية وبرية وبحرية في مختلف جبهات القتال وعلى معاقل الحوثيين، تمكنت من خلالها استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة في البلاد، لكن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات والمناطق شمال البلاد.

أما عدن العاصمة المؤقتة للبلاد؛ فهي وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في أبريل 2018م “مدينة مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى”. ويضيف التقرير: “ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال”.

وتقول الأمم المتحدة إن حوالي ثمانية ملايين يمني وصلوا إلى حافة المجاعة، وأدت الحرب إلى مقتل نحو 11 ألف شخص.

وكان مارتن غريفيث صرّح في منتصف شهر أبريل الفائت أن مهمته في اليمن تحتم عليه أن تجعل جميع أطراف النزاع في اليمن يتخلون عن الشروط المسبقة لإجراء المحادثات ومنح فريق عمله إمكانية الوصول دون قيود ودون شروط إلى جميع أصحاب الشأن المعنيين. مؤكداً أن “التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق الحوار الشامل بين اليمنيين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع اليمني والتصدي للأزمة الإنسانية الجارية في البلد”.

لكنه مع ذلك؛ يتعرض غريفيث لهجوم عنيف من كل الأطراف السياسية ليبدو منحازاً لهذا الطرف أو ذاك كعدو عندما يحين أي اقتراب محتمل لعقد مفاوضات للوصول الى حل سياسي.

في 2 أغسطس الفائت أعلن مارتن غريفيث أن الأمم المتحدة تعتزم دعوة الأطراف المتحاربة في اليمن إلى جنيف في 6 سبتمبر القادم لبحث إطار عمل لمفاوضات سلام. وأضاف غريفيث أمام مجلس الأمن الدولي أن “الحل سلمي لإنهاء الحرب في اليمن أمر متاح”.

لكن الصعوبات الماثلة على الأرض في اليمن تشير إلى أن الوصول إلى حل سياسي عادل لكل الأطراف السياسية لإنهاء الحرب في اليمن، أمر غير متاح في ظل إصرار كل طرف على عدم تقديم تنازلات من شأنها أن تساهم في انجاح عملية المفاوضات، وتبدو عملية غريفيث في اليمن على أرض الواقع كمهمة مستحيلة.

في 7 أغسطس الفائت دعا مارتن غريفيث، الى اجتماع تشاوري مع مجموعة تضم 22 شخصية يمنية وناشطات نسائية انعقد في المملكة المتحدة، دون أن يكون لدى الشرعية اليمنية وبقية الأطراف السياسية الأخرى في اليمن، ولا دول التحالف العربي، علم بحيثيات هذا الاجتماع، و الكيفية التي تم بموجبها اختيار هذه الشخصيات.

لكن مكتب مارتن غريفيث قال أن “الاجتماع ناقش على مدى يومين سبل استئناف العملية السياسية، وهو يندرج في اطار الجهود المستمرة التي يبذلها المبعوث الأممي من أجل الانخراط في مشاورات مع الأطراف اليمنية كافة”.

غريفيث الذي ترأس الاجتماع أوضح قائلاً :”يهدف هذا الاجتماع إلى أن يكون لي الفرصة للتشاور مع شخصيات يمنية اجتماعية وسياسية لديها معرفة فريدة بالمجتمع اليمني”. مشدداً على أنّ “التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق الحوار الشامل بين اليمنيين هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع اليمني ومعالجة الأزمة الإنسانية القائمة”.

يقول دبلوماسي يمني لوكالة “ديبريفر” للأنباء، فضّل عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالإدلاء بأية تصريحات: “الآن تعتقد الأطراف السياسية في اليمن أن مارتن غريفيث ليس جاداً بما يكفي لايجاد حل سياسي في اليمن”. ويضيف: “يعتقد كل طرف أن غريفيث ينحاز الى الطرف الآخر، و على هذا الأساس يصنّف، هذا الطرف أو ذاك، مارتن غريفيث عدواً وليس مبعوثاً دولياً يحاول عقد مفاوضات للوصول الى حل سياسي عادل لكل الأطراف”.

يشعر مارتن غريفيث بخيبة أمل مما قال إنّ أحد أسبابها “استخدام بعض الأشخاص لوسائل الإعلام، لإطلاق تصريحات استقطابية (polarizing)”. ويقول في صحيفة (الشرق الأوسط) في عددها الصادر اليوم السبت 11 أغسطس: “مهمتي هي إيجاد مَواطِن للاتفاق بين الأطراف، وهذا ما يفعله الوسيط. أنا لست مفاوضاً. الحل يأتي من اليمنيين وليس مني وليس من أي شخص آخر. الأمم المتحدة هنا، كما أنا، لخدمة الأطراف للتوصل إلى اتفاق. وكما قلت في المجلس علينا أن نعيش مع أشخاص لا نحبهم. هذا يعني أننا بحاجة إلى التوقف عن إدانتهم. إن بناء السلام في اليمن، يتطلّب احترام بعضنا لبعض واحترام وجهات النظر المختلفة بدلاً من إدانة ومعارضة بعضنا لبعض”.

وتابع غريفيث: “من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على استخدام وسائل الإعلام طريقة لبناء التحالفات بدلاً من إدانة الأعداء، هذا أمر سيئ للغاية. لقد قلت في كثير من المناسبات إن الأمل هو عملية الوسيط، وكذلك حسن النية. أحاول ألا أتكلّم بالسوء عن أي من الأطراف لسبب وجيه: نحتاجهم كلهم ليكونوا جزءا من الحل. يطلب مني البعض أن أدين هذا الطرف أو ذاك، ولكني أرفض دائماً. من أهم مهاراتي أنني أجيد الإصغاء، وبالإصغاء يمكنني إيجاد مَواطِن للاتفاق بدلاً من مجالات للاختلاف”.

والآن ثمة مؤتمر سيُعقد في الرياض الاثنين 13 أغسطس، و يبدو أنه يتم على عجل، دعا لعقده مجلس التعاون الخليجي في مقر أمانته العامة وقال عنه “اجتماع رفيع المستوى عن مرجعيات الحل السياسي للأزمة اليمنية”.

يقول الدبلوماسي اليمني لوكالة “ديبريفر” للأنباء: “من الواضح أن دول التحالف العربي غير راضية عن أداء المبعوث الأممي مارتن غريفيث، إذ تعتقد انه لا يريد الالتزام بالمرجعيات المتفق حولها للوصول إلى حل سياسي في اليمن”. و”لذلك يبدو أن طرفاً ما في دول التحالف العربي يسعى الى وضع مبادرة خليجية جديدة تهدف الى اشراك أطراف سياسية لم تشملها المبادرة الخليجية الأولى” يضيف الرجل.

لكن الدكتور عبدالعزيز حمد العويشق الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات في مجلس التعاون الخليجي يقول لصحيفة (الرياض): “مؤتمر الرياض سيناقش خلال جلساته عدة محاور أهمها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية واستحقاقات الانتقال السلمي للسلطة ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن 2216، كما سيناقش المؤتمر جهود الأمم المتحدة لإنهاء الازمة اليمنية عبر الوصول إلى حل سلمي يقوم على المرجعيات المتفق عليها وخطوات استكمال استحقاقات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل”.

ويعتقد مراقبون ان الأطراف السياسية في اليمن لا تريد الوصول إلى حل سياسي عادل ينهي الحرب في اليمن، على رغم تصاعد الأصوات المُطالبة بوقف فوري للحرب. ويضيفون لوكالة “ديبريفر” للأنباء: “ينبغي وقف الحرب فوراً لكن لا توجد ضمانات حقيقية للسير في هذا الاتجاه”. 

يقول غريفيث: “يجب أن يعرف الناس أن الضمانة الحقيقية الوحيدة لأي اتفاق هي إرادة الأطراف، ولا بد من التأكيد أنّ المجتمع الدولي ليس بالضرورة قوة عسكرية. يمكن لمجلس الأمن تقديم ضمانات، بل يمكن أن يضع عقوبات، ولكن إذا لم ترغب الأطراف في أن تنجح العملية، فلن تنجح. قد يقول كثير من الناس إن عليك فرض الحلول، لكن ما نحاول فعله هو التوصل إلى اتفاق. الاتفاق يعني اتفاقاً طوعياً، غير مفروض فرضاً”.

وفي جنوب اليمن يُصر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله و المدعوم من الإمارات، و قام بمحاولة انقلاب عسكري فاشلة في نهاية يناير 2018م للاطاحة بالحكومة الشرعية، على تقديم نفسه كممثل وحيد للقضية الجنوبية، وفي الوقت ذاته يقدم نفسه كمليشيا مسلحة وليس بصفته مكوناً سياسياً ضمن مكونات سياسية أخرى في سياق المشهد العام.

يؤكد غريفيث أنه “من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك”.

علاوة على ذلك، يضيف الرجل: “بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً”.

وكان فريق خبراء من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة المعني باليمن رفع تقريراً هاماً عن الأوضاع التي تمر بها اليمن التي تشهد حرباً مستمرة لأكثر من ثلاث سنوات و يعاني منها معظم الناس على نحو كارثي.

وأكد التقرير الذي كتبه خمسة من الخبراء، في رسالة مؤرخة 26 كانون الثاني/ يناير2018م موجهة إلى رئيس مجلس الأمن من فريق الخبراء المعني باليمن والمكلف بموجب قرار مجلس الأمن 2342(2017) أن الدولة اليمنية لم يعد لها وجود، و أن “هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية، ما يمكنه من إعادة توحيد البلد أو تحقيق نصر في ميدان القتال”.

وقال التقرير: “في الجنوب أُضعفت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، جراء انشقاق عدد من المحافظين وانضمامهم إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي شكل مؤخراً ويدعو إلى إنشاء جنوب يمني مستقل. وهناك تحد أخر تواجهه الحكومة وهو وجود قوات تعمل بالوكالة، تسلحها وتمولها الدول الاعضاء في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وتسعى إلى تحقيق أهداف خاصة بها في الميدان. ومما يزيد ديناميات المعركة تعقيداً وجود جماعات إرهابية، كتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وكلاهما يوجهان ضربات بصورة روتينية ضد أهداف حوثية وحكومية وأهداف تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية”.

المصدر: ديبريفر

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى