فضاء حر

سبتمبر لامبالياً

يمنات

لطف الصراري

احتفل اليمنيون خلال العشر الأيام الماضية، بذكرى ثورتين. إنها العشر الأواخر من سبتمبر، وقد حلّت هذا العام وسط زخم انقسامي غير مسبوق؛ جماعة الحوثي احتفلت بالذكرى الرابعة لسيطرتها على السلطة في المحافظات الشمالية، بينما احتفى مناوئوا الجماعة وخصومها، بالذكرى الـ56 لثورة 26 سبتمبر.

هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها سبتمبر لامبالياً بالاصطفاف مع الذكرى السنوية للمناسبتين «الثوريتين»؛ ذلك أن أهدافهما صارت أثراً بعد عين، ولم يعد الاختلاف بشأن تسميتهما «انقلاباً» أم «ثورة»، ذو معنى.

الثورة تفرض نفسها بمضامينها التي لا تتآكل بمرور الزمن. وعندما ننظر إلى أهداف ومضامين ثورة 26 سبتمبر، ربما سنحتاج إلى تقصي مراحل تآكلها خلال نصف قرن، لكي تتضح مكامن العلل التي أوصلت اليمنيين إلى هذا الوضع المزري، أو حتى إلى ما سبقه بأربع سنوات، حين انقض الحوثيون على دولة معتلة! أما الأهداف الثلاثة التي أعلنوها لما باتوا يكرسونها كثورة، فلعل أبرز ما يتذكره الناس هو ذلك الهدف المتعلق بتخفيض سعر المشتقات النفطية.

ومن السهل الآن وصف «ثورة 21 سبتمبر» بأنها الثورة التي قامت وسعر البترول أربعة آلاف ريال، فيما يجري الاحتفال بذكراها الرابعة وسعر البترول عشرين ألف ريال. بغض النظر عما نعرفه من قذارة السياسة الدولية تجاه اليمن، ودورها في تغذية حرائق الانقسام والاقتتال بين الأطراف المحلية، إلا أن مصلحة الشعب لا تقبل المغالطة باسمها. فمن يقود «ثورة» باسم شعب، عليه أن يقدم له الأفضل لا أن يقامر بمصيره.

وبالمثل، يتوجب على من يشنّ حرباً تحت مسمى إنقاذ الشعب، ألاّ يسترخص دماءه ويستبيح أرضه ومقدراته. وهذا ما يفعله، مع شديد الأسف، الحوثيون والحكومة المعترف بها دولياً وتحالف الأشقاء العرب.

وها هو سبتمبر يمضي هذا العام لامبالياً بالاحتفاءات الهزلية بأحداثه التاريخية. سبتمبر هو الشعب الجائع والحافي، هو تلك الوجوه الكالحة التي تخرج من محلات الأغذية بثقل الخيبة ومرارة الهوان. لم تعد تهمهم أسماء الشهور والثورات بقدر ما يهمهم تضاؤل قيمة النقود في أيديهم وعجزهم عن إطعام أولادهم وإرسالهم إلى المدارس، وعن معالجتهم من الأمراض الطارئة والمزمنة، ناهيك عن معالجة التشوهات النفسية بسبب الحرب.

الانقسام يتغذى على التشوهات النفسية في حين تتغذى الأحادية على المظالم. وإذا كانت ثورة 26 سبتمبر، رغم اعتلال أهدافها وتحريف مضامينها، مازالت تستهوي وجدان السواد الأعظم من الشعب بعد نصف قرن، فمن الحماقة الإصرار على تجاهل أمر كهذا. أما الحماقة الأكثر سفوراً، فتكمن في تجاهل الأضرار التي ألحقها استمرار الحرب بأسباب عيش الناس، ومطالبتهم في نفس الوقت، بتحمل المزيد. قدرة الناس على تحمّل وطأة الانهيار الاقتصادي صارت أوهن من ظهر عجوز معمّر. يحتاج اليمنيون لمن يرفع عنهم الثقل الهائل للحرب، لمن ينقذهم من الانهيار المستمر لقدرتهم على الوقوف. ذلك أن من يحتفي بثورة باسم شعب أو يدّعي السعي لإنقاذه، لا يتركه يواجه مصيره المجهول وحيداً.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى