العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. عندما تخسر من تحب بسبب خجلك

يمنات

أحمد سيف حاشد

(3)

– أحببتها ثلاث سنين دون أن تعرف أنني أحبها .. لم تعرف ولعي بها إلا قبل رحيلها بقليل، هذا إن كنت قد قاربت الفهم و أصاب الظن مرماه .. أحببتها حد الانتحار و الكفر و العصيان .. أحببتها حد التمرد على الغيب و الغياب و الثورة على الأقدار التي عاندت هذا الحب، و وقفت في طريقه كمستحيل، و تحولت إلى قاطع طريق، مجدب و متصحر، لا يعرف حبا و لا ودا و لا رقة و لا عاطفة..

– ظلت الأقدار تتعسني بطغيان خجلي، و قلة حيلتي، و تتلذذ بعذابي و أوجاعي و خيبتي .. تصطليني نارا، و تصلبني في محراب من أحب، دون نتيجة أو حصاد أو حتى لقاءا عابرا للحظة في غفلة زمن تعيس .. كيف لا أثور عليها، و أحتج في وجهها، و قد استكثرت عليّ لقاء عابر يجمعني بها صدفة، في ممشى أو طريق، خلال ثلاث سنين من الحب و الغياب و العذاب؟!!

– ثلاث سنين، و حبي محبوسا في أعماقي، مسيجا بكتمان من الحديد و عوازل الصوت .. سر عميق في قاع بئر ردمته بالحجر، و أهلت عليه التراب و الحصى، حتى لا يكشفه تطفل، و لا يقتفيه فضول، و لا يعلم به أحد .. نعم .. إنها ثلاث سنين لا يعلم بحبي مخلوقا أو بشرا، بما فيهم للأسف من أحب!!

– كان هذا خلال دراستي الثانوية .. كنت أقطع قرابة 15 كيلو متر لأراها .. نعم لأراها فقط .. و مثلها أقطع من المسافة في الإياب .. 30 كيلو مترا ذهابا و إيابا، إنها المسافة من مدرسة البروليتاريا التابعة لمحافظة لحج، إلى حي القطيع في كريتر عدن، ذهابا و عودة .. كنت أحيانا أقطع بعضها أو جلها راجلا على الأقدام أو “تعبيرة” .. كنت انتظر الخميس و الجمعة كموعود ينتظر لقاء ربه .. أقطع هذه المسافة لأراها في “البلكون” .. انتظرها كثيرا حتى تتحبر شرفتي انتظارا، و أعاود الاطلال منها ألف مرة، لأقتنص فرصة و اختلس نظرة منها أظل أرقبها ساعات طوال..

– ثلاث سنوات لم أتجرأ أن أسأل حتى عن اسمها!! و عندما جمعت كل أشتات شجاعتي من الدنا و الأقاص، في وجه خجلي العرمرم؛ سألت بيت جارهم التي كنت أزورها، و أقيم فيها من ظهر الخميس و بعض مما يليها، أصابني المس و الزهيمر .. خجلي جعلني مضطرب كشجرة في وجه إعصار غاضب أو عاصفة مدمدمة .. لم أتيقن عمّا إذا كان اسمها ليندا أم رندا..؟!! و هل ينتهي اسمها بالألف أم بالياء المقصورة..؟!!

– أي قدر هذا الذي منعني أن أمسك باسمها مسكة حبيب مستميت .. ظلت حيرتي ترافقني إلى اليوم، فأوفيت لحب عرفته بحجم المجرّة؛ و لأنه من طرف واحد، كان نقصه أيضا بنفس الحجم؛ فأتممته بوفاء قل نظيره و المثيل..

– أسميت أحدى بناتي رندا، و الأخرى تحوطا اسميتها ليندا .. هكذا هو جنون الحب الذي لا نطوله .. نظل نبحث عنه بقية العمر و لا نجده، و لا يزيدنا في العمر إلا ندما و عذابا و أسى..

– غادر أهلها و غادرت هي حي “القطيع” إلى الشمال دون رجعة .. و في الشمال لم أجدها، لأنني ببساطة لا أملك أي معلومة عنها .. و إن كنت قد عرفت أنها على الأرجح من مكان غير بعيد، و لطالما كتبت تحت اسم “ليندا العريقي” كثيرا من بوح تمرداتي الأولى، و ثورتي في وجه الغياب .. قطع المستحيل كل رجاء في محفل حب كانت فيه أمنيتي كبيرة، فأضاعها خجلي الأكبر و المهول، و قدري المتعوس بالرهاب..

يتبع..

حائط الكاتب على الفيس بوك انقر هنا

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى