العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. عندما تخونك لسانك في لحظة مربكة

يمنات

أحمد سيف حاشد

(5)

– يمضي الزمان إلى الأمام في وجهته .. لا يكتمل مساره و لا ينتهي .. يغادر ماضيه على نحو مستمر دون عودة أو توقف أو انتظار .. أما أنا فلم أكن أبالي بما يمر من السنين، خلتُ أن بمقدوري أن أستولي على مقوده، و أتحكم بفرامله، و أغيّر وجهته .. فاكتشفت أن أيامي تمضي بعجل دون مهل .. و وجدت عمري ينقضي مسرعا، لا ينتظر و لا يمهل و لا يعد..

– بدأت خيبتي على مشاعري كحبر يفيش عليها و يتسع .. بدأ خجلي يعرِّيني و يكشف قلة حيلتي .. بدأ هلعي يزداد، و يزيد في إيقاظ محاذيري المنسية، و يثير مخاوفي التي لطالما سخرت منها، و دفنتها في أعماقي البعيدة، فيما مضى من سنين عمري السابقات..

– شعرت أن لا مهرب و لا مناص في مواجهة واقعي .. ألتفت إلى الماضي و وجدت ما مضى من عمري مر كما تمر السحاب .. سحاب صيف لا غيث فيها و لا رشة مطر .. أحسست أنني أدنو من عنوسة الرجال، و ما يمر من العمر لا يعود ثانية، و الانتظار و الخجل الكبير سيسرق من عمري سنيني الباقيات..

– أحسست أن عمري يمضي بإيقاع سريع، و ما كنت أبحث عنه، إنما هو وهم لا ظفر به، و لا فيه ما يطال .. خليط من المستحيل، مثقل بخجلي الكبير، و عُقد محبوسة في دهاليز أعماقي البعيدة، و المطمورة بالزيف، و تزمتي الذي أخفيه و أداريه في الزوايا البعيدة المظلمة و التي لا تصل إليها شمس و لا ريح .. فضلا عن مجتمع مثقل كاهله بتخلفه، و مشروط بواقعه الثقيل..

– المواصفات التي أبحث عنها في فتاة أحلامي لن أجدها في بنات الحور، و لا في مخيال البداوة الندي .. و حتى إن وجدتها في معجزة للقدر، فمن يضمن أن هي أيضا تجدني، و ترضى بأقداري؛ فصدفة الأقدار لا تأتي زمرا، و لا تتكرر في المائة عام، بل تأتي بين ندرة و محال..

– تمنيت أن يكون هناك معرضا عالميا لطالبي الزواج، و في جانب كل طلب، كتلوجا فيه كل تفصيل وصفة و رغبة، و لكن صوت يداهمني، و يسخر مني؛ و يقول: “ما هكذا يا سعد تورد الإبل”!!

– حدثت نفسي: يجب أن أهزم خجلي أولا .. هذا هو بداية الطريق .. لم أعد احتمل مرور الوقت عبثا و سدى و دون طائل .. يجب أن أجد فتاة أحلامي بأسرع ما يمكن قبل أن يقوت القطار الأخير..

– خرجت من منزل صديقي نصر في التواهي، و خرجت حسناء من البيت التي في الجوار، عائدة إلى بيتها القريب .. أسرعت في خطاي لأدرك السير في محاذاتها، ثم قلت لها: هل تتزوجيني..؟؟

ألتفتت إليّ بدهشة مُربَكة، و لم ترد على طلبي ببنت شفة، بل ركضت مهرولة و مسرعة إلى بيتها الذي كان بمحاذاة الطريق في مكان غير بعيد..

فتحت شرفتها، و طلت منها تحدج فيني بدهشة و أنفاس متقطعة .. يبدو أنها لم تستوعب بعد ما حدث لغرابته .. صحيح إنها غرابة تثير فضول الحجار، و لكني كنت في الحقيقة، جادا و صادقا و مستعجلا حتى النفس الأخير..

– و في التواهي أيضا و فيما كنت ذاهبا إلى منتزه نشوان أيام شهرته، شاهدت حسناء أخرى راقت لي و عزمتُ على البوح لها بما أريد بسرعة و كثافة..

لحقت بها، بعد أن عقدت العزم على الحديث معها خمس دقائق، و فيها أطلب منها الزواج .. و عندما استوقفتها بجملة “لو سمحتي” ركبني الإرباك، و خانتني اللسان و الشجاعة، و بدلا من أن أقول لها: “ممكن أتكلم معك خمس دقائق” قلت لها: “ممكن أتزوجك خمس دقائق” .. و بدلا من أن تشيح هي بوجهها عني و تمضي إلى سبيلها؛ استدارت نحوي، تتفرس في وجهي المكسو خجلا، ثم استدركت بالقول: “أني لا أتكلم مع مجانين” و مضت في طريقها، و تركتني خلفها أجر خيبتي كمذَنّبٍ منتحر .. شعرت بإحباط لا مثيل له، و لعنت خيانة لساني و شجاعتي و حظي العاثر أيضا..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى