فضاء حر

نمضي إلى اللا شيء

يمنات

ضياف البراق

حارتنا جميلة جدًا، غارقة في الحنين حتى النخاع، كأنها علامة استفهام مجسمة أو قطعة واحدة من الفراغ الحالِك. حارة عتيقة بامتياز، لكنها خفيفة الدم، قصيرة النظر، وبعيدة، كل البعد، عن نفسها التي تفتقر تمامًا لكل معاني الدفء العصري. 

أعيش فيها كغريب، أو ربما كوحيد، مثل كل أصدقائي، أقضي وقتي تائهًا دون مبالاة، وبالأصح أعيش فيها دون معنى، أنام كثيرًا ولا أصحو إلا في حالات نادرة لا جدوى منها. ويعجبني فيها هذه العشوائية العالية، وهذه الهشاشة الروحية الكاملة، ويعجبني أكثر حماسها الرجعي في العيش.

في حارتنا، لا حواس للحاضر، المستقبل لا يخطر على بال أحد، الله هو كل شيء، والماضي كذلك. حارتنا تعيش للماضي بكل اهتمام، أو تعيش في الماضي فقط، وهكذا تطيع الله.

حارتنا ليست لنا إطلاقًا، ونحن، أيضًا، لسنا لها؛ هي بعيدة عنا ونحن نبادلها نفس الشعور، ولا شيء يوحدنا فيها أو يجمعنا بها سوى السخرية والمشاكل. حارتنا زاهية فقط أثناء الموت أو أثناء الندم المؤقت، ومع ذلك هي أطيب مِنِّا ونحن القُسَاة، ونحن الرماد. 
في حارتنا، كل الأحلام صغيرة، الطريق هي الطريق، العادة فوق المنطق، الفكرة تكاد تكون واحدة، الحب خافت دائمًا، وعلى هذا المنوال تسير بقية التفاصيل.

رجال حارتنا متعَبون طوال الوقت، يعيشون في قلقٍ دائم على أطراف الأصابع، أقوياء وأذكياء ضد بعضهم البعض، يغلب عليهم طابع “القِيل والقال”، ضعفاء وأغبياء خارج هذا النطاق. 

أما الأطفال يعيشون كالغرباء، يفتقرون لأدوات الرسم ولغة الكالسيوم، يشيخون منذ البداية، لا يمرحون خارج الجدران، لكأنَّ الجفاف هو حظهم الوحيد. 

ونساء حارتنا، جميلات حقًا، وطيبات دومًا، بعضهن يعشن مثل أطفالهن، وبعضهن لا يعشن بتاتًا. وباختصار، فإن نساء حارتنا، جميعهن، لم يكبرن بعد، لم يكبرن لأسبابٍ كثيرة.

حارتنا مُعْجِزَة نادرة تبدو في قمة الروعة؛ جميعنا فيها نمضي إلى اللا شيء، وأحيانًا نموت قبل أن نمضي. هذه هي حارتنا.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى