فضاء حر

معارك الهدنة

يمنات

لطف الصراري

مرّ وقت طويل منذ آخر هدنة معلنة في حرب اليمن. غالباً ما كانت المعارك تزداد ضراوة في فترات تلك الهدن، لدرجة أنها شكلت مادة جيدة لسخرية اليمنيين من جهود التهدئة أو إعلان أي هدنة جديدة؛ السخرية سلاح المقهورين وقد دأب الشعب اليمني على إشهارها في وجه التنطع الدولي وغطرسة أرباب الحرب.

هذه المرة لدينا هدنة جديدة. ورغم أنها تبدو كسابقاتها، إلا أن ويلات الحرب طيلة أربع سنوات، أفقدت اليمنيين روح السخرية تلك. فقدوها تحت وطأة الأزمات المتلاحقة وتضخم شبح المجاعة. وبدلاً من السخرية من هدنة لا تزال في طور التشكل، يتمنون أن تفضي إلى توقف نهائي للحرب وبدء أولى مراحل السلام واستحقاقاته. استحقاقات السلام تكمن في التنازلات الشجاعة وتغليب مصلحة 27 مليون إنسان على مصلحة القلة المحاربة والمستفيدة من الحرب.

يحتاج اليمنيون لهدنة طويلة جداً لا تقوم بعدها حرب. ولذلك، على جميع أطراف الحرب التعامل بجدية هذه المرة مع مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن بشأن الهدنة واستئناف مسار المفاوضات. كان على الأطراف الفاعلة أن تأخذ الأمر بجدية كونه يمثل فرصة سانحة لبدء مفاوضات سياسية يمكن البناء عليها، لكن يبدو أن الضغوط الدولية لم تجد نفعاً حتى في إيقاف إطلاق النار في الحديدة.

بالتزامن مع إعلان الناطق الرسمي باسم «التحالف العربي» استمرار العمليات العسكرية في اليمن، أعلنت السعودية والإمارات “مبادرة” لدعم جهود الإغاثة. ربما كان هذا الإعلان بمثابة حجر تلقمها الجارتان للأفواه المفتوحة بانتقادات لا تهدأ لاستمرارهما في الخيار العسكري، أكثر من كونه مبادرة إنسانية لإطعام الأفواه الجائعة.

أبعد من ذلك، تأخذنا التصريحات المشتركة للمدير التنفيذي لمركز الملك سلمان للإغاثة، عبد الله الربيعة، ووزيرة التعاون الدولي بحكومة الإمارات ريم الهاشمي، إلى مدلولات مفزعة. فالـ 500 مليون دولار التي قال المسؤولان الخليجيان إن حكومتي بلديهما خصصتاها للإغاثة الإنسانية في اليمن، يفترض أن توفر الغذاء لـ 12 مليون شخص في اليمن، ولمدة أربعة أشهر. هكذا أكد الربيعة والهاشمي: “لمدة أربعة أشهر”. هنا يأتي المدلول المفزع من تحويل الهدنة- في حال نجاح الاتفاق عليها- من فرصة لسلام يبنى عليه مستقبل شعب يتوق للاستقرار، إلى استراحة محارب يسترد فيها أنفاسه ويدخِل خلالها الغذاء قبل أن يخوض جولة حرب جديدة أشد عنفاً. في كل الأحوال لا نتمنى حدوث ذلك.

  لكن بالنظر إلى ما يحدث الآن، من تصعيد متفاوت الشدة على جبهات الساحل الغربي، إلى تصريحات الملك سلمان التي قال فيها إن السعودية ستمضي في دعم «شرعية» هادي حتى النهاية، إلى احتداد معارك الهدنة المرتقبة ومحاولات المجتمع الدولي استخدام الوضع الإنساني كمبرر للهدنة، كل ذلك لا يبشر بخير. فإما أن يقوم المجتمع الدولي ومجلس الأمن بإصدار قرار الهدنة كخطوة أولى في مسار المفاوضات، أو أن جولة جديدة من المعارك ستبدأ بضراوة بعد إدخال الغذاء ومواد الإغاثة.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى