أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

صحيفة امريكية: الوجبات الباذخة في اليمن للقليلين والجوع للكثيرين

يمنات

في مطعم في العاصمة اليمنية  صنعاء، احضر النادل قدرا من لحم الضان المطهو ببطء والذي يقدم مع أكوام من الأرز،  وحلى الكنافة الطبق العربي الكلاسيكي من المعجنات ذهبية اللون والمليئة  بالجبن.

وبعد ساعة عدت إلى العمل، في جناح في إحدى المستشفيات المليئة  بالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية مع وجوه هيكليه، والمعلقة بين الحياة والموت  بسبب الحاجه الى المال والوجبات الجيدة.

إذا صدمتك  هذه المقاربة، وجعلتك تشعر بالإشمئزاز، فقد شعرت بذلك أيضا ، فغالبا ما تكون مناطق ألازمات أماكن فيها التناقض الصارخ، ولا يشعر الخليجيون بالراحه على وجه الخصوص، فالمشكلة ليست عدم توفر الغذاء، المشكلة هي ان قله من الناس يمكنها ان تتحمل قيمة الغذاء المتاح.

وقد أدت سنوات الحصار والقنابل والتضخم المتصاعد إلى سحق الاقتصاد، وفي الدولة المحطمة فإن ذلك يعني  انه لا توجد شبكه أمان.

ونتيجة لذلك، يتجمع المتسولون خارج محلات السوبر ماركت المليئة بالسلع ؛ وتمتلئ الأسواق بالمنتجات في المدن حيث يأكل الجياع الأوراق المسلوقة ؛ وتوجد المطاعم التي تبيع الطعام الغني علي بعد بضع مئات من الأمتار من عنابر الجوع المليئة بإلياس والألم والموت.

وبالنسبة للمراسل، فهذا يجلب معضله أخرى، حيث  يسافر الصحفيون بحزم من العملة الصعبة، وعاده ما تكون الدولارات، لدفع تكاليف الفنادق والنقل والترجمة، و قد يذهب جزء صغير من تلك النقود لعائله جائعه، فهل يجب ان أتوقف واضع دفتر ملاحظاتي واعرض للمساعدة ؟ انه سؤال طرحه بعض القراء بعد ان نشرنا مقالا حديثا حول المجاعة التي تلوح في الأفق في اليمن، وقد لمست الكثير منهم صورة قوية من تايلر هيكس لأمل حسين، وهي فتاة هزيلة  تبلغ من العمر سبعة أعوام، دفعت  نظراتها  المؤلمة الى التركيز  على التكلفة  الإنسانية المروعة  للحرب .

وقد دمر الكثير منهم عندما علموا أنه بعد مغادرتنا بفترة وجيزة، أعادتها أم أمل إلى مخيم اللاجئين الرث الذي يسمونه المنزل، حيث توفيت بعد بضعة أيام. وتحول الم البعض، الى التركيز مرة أخرى علينا وتسائلوا لماذا لم نفعل شيئًا لإنقاذ حياة أمل، وقد أرادوا أن يعرفوا، هل أخذنا الصورة فقط، وإجراء المقابلة ثم مضينا قدما؟ ألا نستطيع التأكد من أن عائلتها ستحصل على المساعدة؟.  

وقالت إحدى النساء “يمكنك التقاط الصورة وتقديم المساعدة، لا يمكنك ان تستثني الآخرين من المساعدة ، وترددت أصداء تلك الأسئلة، والحقيقة ان المراسلون مدربون على الإدلاء بشهادتهم، كما أن عمال  الإغاثة والأطباء لديهم مهمة مساعدة الناس.

ويمكن ان يكون التبرع بالمال أو غيره من اشكال المساعدة محفوفا بالتعقيدات الأخلاقية والمعنوية  والعملية،فهل سيكون من العدل ان تخص عائله واحدة بالمساعدة، وما ذا لو قاموا باختلاق  قصتهم للأجنبي القادم، ظناً منهم أنهم يستطيعون الحصول على المزيد من المال؟ بالإضافة إلى ذلك ، لدينا مهمة يجب القيام بها…

يظهر الأطباء حولنا، وفي بعض الأحيان ننتهي بالتصرف مثلهم مثل فحص الأطراف والجلد المترهل، وفرز الأرقام عن الوزن والسن ؛و الاستماع لمآسي العائلات بهدوء مذهل،  ومناقشة  احتمال الموت، وفي كل مرة نقوم بهز رؤوسنا وندون الملاحظات ثم نمضي قدما.

نحاول جاهدين ان نقلد الحجر، لكنا لسنا أحجارا، وعاده ما توجد تفاصيل صغيره ، مثل عدم وجود بضعة دولارات لنقل طفل متوفى إلى المستشفى، تدرك أن اليمن بلد يموت فيه الناس بسبب عدم وجود سيارة أجرة.

على اليمنيين التنقل بين هذه  التضاريس أيضًا في حين  يموت البعض، ويحاول  البعض الآخر العيش، وفي إحدى الليالي، عدنا إلى فندقنا في حجه، وهي بلده محاطه بتلال صخرية في محافظه اجتاحتها الغارات الجوية السعودية،  وبينما انا مستلقي في السرير، أذهلني انفجارا قويا تبعه ضوء ملا السماء—لم تكن تلك  قنبلة، بل  ألعاب نارية.

منذ بداية الحرب، ارتفع معدل الزواج في اليمن، وهكذا، ففي هذه المدينة التي كان فيها الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يهلكون في مستشفى المدينة ، كان آخرون يرقصون ويحتفلون طوال الليل.

لكن الطفرة  في حفلات الزفاف، كما تبين، لم تكن سوى آلية للبقاء على قيد الحياة، وبالنسبة لجميع الفئات الاجتماعية ينزل اليمنيون الى اسفل سلم الفق، حيث كانت الأم فيما مضى تشتري كيسًا من الأرز لإطعام عائلتها، أما الآن فهي قادرة على تحمل حقيبة صغيرة فقط، و يجلب طلب يد الابنة للزواج مهر العروس، وبالتالي  تشكل  حفلات الزفاف مصدر دخل للأسرة.

ومن المقلق ان العديد من العرائس من الأطفال، ووفقا لما ذكرته اليونيسف، فان ثلثي الفتيات اليمنيات يتزوجن قبل سن الثامنة عشره، بعد ان كانت 50 % قبل الحرب..

ومع عبورنا اليمن – من ميناء “الحديدة” الذي مزقته المعارك إلى الجبال التي كانت بحوزة الحوثيين- في رحله وعره بطول 900 ميل، شاهدنا مشاهد من المعاناة المفجعة التي تكشفت علي خلفيه الجبال المذهلة، ومجموعة من الأعراف التي تدوم بعناد علي الرغم من كل شيء.

وفي كل يوم، كانت مراكز المدينة تعج بالرجال الذين يشترون القات، وهي الورقة المخدرة التي يحبها اليمنيون، ويعد سوق القات حدث اجتماعي يزوره البعض حاملين مسدسات على اكتافهم ،  حيث يجتمعون لتداول الأخبار ومقابلة الأصدقاء والاستعداد لمضغه بعد الظهر.

حتى عندما تلدغ المجاعة، يحجم البعض عن تقليص عادته، وفي أحدي العيادات الصحية، كان يقف الاب  إبراهيم جنيد  بقلق، فوق ابنه المريض البالغ من العمر 5 أشهر، وهو يمضغ كتله  من القات تركت بقعه خضراء علي أسنانه وشفتيه.

كان عمرالجنيد كان 60 سنة، فيما يبلغ عمر زوجته25  عاما ، كانت زوجته تقف إلى جانبه بصمت، في الوقت التي لفت الممرضات الصبي ببطانية لإبقائه دافئا. ندم الجنيد  لان ابنه لم يكن لديه ما يكفي من الأكل، مضيفا انه كان لديه الكثير من الأفواه لإطعامها، حيث تزوج مرتين وهو اب ل13 طفلا .

قد يكون من الصعب فهم قيمة الممارسات مثل مضغ القات في مثل هذه الأوقات العصيبة، لكن بالنسبة للرجال مثل الجنيد، فهو جزء لا يتجزأ من يومهم، وهي علامة على صمود المجتمع القديم،  وواحدة من أهم  الحضارات في الشرق الأوسط.

يقول تييري دوران، وهو أحد  عمال الاغاثه الذي  يعمل في اليمن منذ ثمانينات القرن الحالي ويدير الآن مستشفي” أطباء بلا حدود “في المخا “يقول الناس  ان اليمن في حاله من الفوضى ، لكنه ليس  كذلك ” مضيفا “لا يزال هناك هيكل”.

وأضاف : ” لا يمكنك وضعه في ثلاثة أسطر في ورقتك أو وصفه في ثلاث دقائق علي شاشه التلفزيون”، وتابع. “هذا البلد منظم بالأسرة والقبيلة والتقاليد – وعلي الرغم من كل شيء، فان هذه الهياكل لا تزال موجودة، وهي قويه.

ومع ذلك، فان المجتمع اليمني يجتاحه الحرب، وأسفرت الغارات الجوية التي قام بها التحالف بقياده السعودية، بمساعده القنابل الأمريكية، عن مقتل آلاف المدنيين وتشريد الكثيرين، لكن بالنسبة لمعظم اليمنيين ، تضرب الحرب حياتهم بطرق أكثر هدوءا وغدرا.

يتم تفجير القنابل الجسور أو المصانع، مما يؤدي إلى قتل الوظائف، و يؤدي ذلك إلى انهيار العملة وارتفاع الأسعار، وإجبار الأسر على الامتناع عن اللحوم، ثم الخضار. وسرعان ما يعتمدون على المعونة الغذائية الدولية، أو في أسوأ الحالات، يلجأون إلى وجبات من الأوراق المغلية.

وهناك أشياء صغيرة  ولكنها حيوية غير قابلة للتحقيق، مثل توفر أجرة سيارة. عندما ابتعدنا عن المستشفى الصغير في أسلم، حيث تتم معالجة أمل حسين، مررنا بزوجين شابين يقفان على جانب الطريق، كان الزوجين يحملان طفل صغير، توقفنا وعرضنا عليهم ركوب السيارة.

الأب خليل هادي، يلف الطفل بعباءة زوجته هناء، التي تحتضن  ابنها الهش وجدان  الذي يبلغ من العمر 9 أشهر والذي  تم إخراجه  للتو من جناح سوء التغذية.

كانت قصتهم واقعيه،  تم قصف منزلهم بالقرب من الحدود السعودية، وقاموا بعدها باستئجار غرفة في منزل بالقرب من أسلم، حاول السيد هادي كسب المال عن طريق قيادة دراجة نارية بواسطة  البحث  عن الخشب لبيعه في السوق.

لكن ذلك  لم يكن كافياً، وعندما حاول العودة إلى البيت، أخبره جنود الحوثي أن المنطقة كانت منطقة عسكرية، وتم تخفيض غذائهم  إلى الخبز والشاي والحلص في حين كانت  زوجته حاملاً في شهرها الرابع بولدها الثاني.

لم يكن السيد هادي يبحث عن الشفقة ؛ كان كثير من الناس في ورطة مماثلة، وكان مستعدا لعمل أي شيء قائلا “سأفعل أي شيء لجني بعض المال فالوضع صعب للغاية.

وعند مفترق الطريق، خرج الزوجان، وقدما  الشكر وبدأ في الابتعاد ، قمت حينها بتحسس جيبي، ودعوتهم للعودة، أخرجت  ما يقارب 15 دولارا وضغطت بها على يده ،لكن ذلك بدا غير مجديا ، فما الذي يمكن ان تشتريه بهذا المبلغ، بضعة أيام من الراحة ،حتى لو كان كذلك، فماذا بعد … قبل السيد هادي المال بابتسامة كريمة، وعندما انطلقنا، شاهدت الزوجين ينزلان  على طريق مترب، نحو ملجأهما، ويمسكان  ابنهما المريض بإحكام.

المصدر: المهرة بوست

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى