فضاء حر

هل قالوا إن الحرب على وشك التوقف..؟

يمنات

لطف الصراري

تصريحات قادة الدبلوماسية الدولية تؤثر في النفسية العامة لليمنيين بصورة قد تبدو غير متوقعة. ستجد مثقفاً يتحدث عن إجماع الأطراف الدولية الفاعلة على إنهاء الحرب، في نفس الوقت الذي يتحدث فيه رجل في أقصى ريف في البلاد، عن الأمر نفسه. قبيل مشاورات السويد، لمست جميع النخب المتحيزة وغير المتحيزة لأطراف النزاع، بأن هناك تكريس أممي ودولي غير مسبوق لجهود وقف إطلاق النار، والبدء بخطوات بناء الثقة. حتى صمت المبعوث الأممي مارتن غريفيث، أو بالأصح، حديثه المقتضب والحذر، كان يحمل أملاً بالخلاص. ذلك النوع من الأمل الذي كان كافياً لدفع سائق باص أجرة للاستغراب من استمرار صديقه في حمل السلاح؛ “لماذا تستمر في حمل السلاح؟ ألم يقولوا بأن الحرب ستتوقف؟” لم يرد المسلح الشاب بكلمة.

كان يبدو غارقاً في المنطقة السبخة الفاصلة بين الشك واليقين، بين الرغبة في التصديق وبين شحة الشواهد على اقتراب نهاية الحرب فعلياً. انتهت مشاورات السويد، وبقيت كل محاورها عالقة؛ لا مرتبات صرفت ولا وقف إطلاق النار صمد في يومه الأول.

من المؤكد أن خرق الهدنة المتفق عليها يقوض جهود المضي قدماً في ملف الأسرى وفك الحصار عن تعز وإعادة فتح مطار صنعاء، وصرف مرتبات موظفي الحكومة في جميع مناطق البلاد. وعندما ترتبك تصريحات الدبلوماسية الدولية بشأن التباطؤ المخل لخطوات تنفيذ الاتفاقات، فهذا هو التهديد الأخطر الذي تواجهه التفاهمات الهشة. وإلى الآن، يبدو رد فعل الاتحاد الأوروبي هو الأكثر جدية بشأن دفع بناء الثقة بين الأطراف إلى الأمام.

في بيانها الذي أعقب مشاورات السويد، قالت الممثلة العليا بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، إن “الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ينظرون إلى اليمن كأولوية في عملهم الدبلوماسي، بما في ذلك الحوار الإقليمي لمجموعة الأربعة الأوروبية مع إيران برئاسة الاتحاد الأوروبي ومشاركة التحالف، بهدف معالجة الوضع أيضاً في اليمن”. هذا التفصيل يشير إلى أن حلحلة الأزمة اليمنية، بما في ذلك البناء على التقدم المحرز في “تفاهمات” السويد، يتطلب البحث عن حلول مساعدة في كل الملفات الدولية، ومنها اتفاق 2015 حول النووي الإيراني.

الاتفاق الذي يحاول الاتحاد الأوروبي إنقاذه من تنصلات ترامب وإدارته التي إن لم تربك العالم، فهي تتشفى بإغراقه في الفوضى؛ تخبطه في الحرب التجارية مع الصين وموقفه الأخلاقي من مقتل خاشقجي، وتغريدته عن احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا مثال صغير على ذلك. أما موقفه الأخلاقي من حرب اليمن، فيبدو أنه تشكل في إطاره الابتزازي للسعودية وتوقف عند هذا الحد. وما زلت أتصور أنه لا يستطيع ذكر اليمن بدون أن يفكر باحتياجه للنظر في خريطة.

علاوة على ارتباك الدبلوماسية الدولية إزاء قضية حرب اليمن والمأساة الإنسانية لملايين السكان، يمر العالم في حالة خضة اجتماعية وسياسية. فرنسا تهتز من قعرها بسبب الاحتجاجات على سياسة ماكرون، وبريطانيا تواجه تحديات خروجها من الاتحاد الأوروبي وتأثير ذلك على اقتصادها وعلى تماسكها الداخلي. وفي الأثناء، تواصل تبنيها لمشروع قرار التهدئة في اليمن عبر مجلس الأمن.

في هذا السياق المرتبك، على اليمنيين أن يبحثوا عما يساعدهم في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ويضمن عدم تفاقم الأوضاع الإنسانية، وعلينا أن ندرك أهمية استمرار الأمل معلقاً باستئناف المشاورات في يناير القادم. ليس أمامنا خيار آخر في ظل هذا الانهيار المريع للثقة بين أطراف النزاع المحلية، وبينها وبين الأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً.

وكالعادة حين تنهار جهود التهدئة، نعود إلى مربع اليأس وأسئلته المستعصية التي تنتظر معجزة للإجابة عنها. هناك ألف سؤال يردده ضحايا الحرب؛ أهالي الأسرى والمعتقلين يتساءلون متى يفرج عن أبنائهم وأحبائهم، الموظفون يتساءلون متى يستلمون رواتبهم، المضطرون للسفر خارج اليمن يتساءلون متى يعاد فتح مطار صنعاء، سكان تعز يتساءلون متى تنتهي مأساة الحصار ومشقة أسفارهم في نطاق محافظة واحدة؟ لكن في كل الأحوال، ألم تبشر الدبلوماسية الدولية بقرب انتهاء الحرب؟ ما الذي يجعلها تبدو مسرنمة أمام الانهيارات المتتالية للتهدئة في ساعاتها الأولى..؟ هل ستفوت فرصة أخرى لتخليص اليمنيين من أسوأ مأساة في العالم..؟

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى