العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. الأمن السياسي

يمنات

أحمد سيف حاشد

– في شهر نوفمبر عام 2006 طلبت من الرئيس صالح في مقالة منشورة، أن يزور سجون الأمن السياسي، ليرى بنفسه الفظاعات التي ترتكب فيها، أو على الأقل يسمح لنا بزيارتها، و لكن للأسف لم يزورها، و لم يسمح لنا بزيارتها، و كان يومها في أوج مجده و شرعيته .. أما اليوم فيقبع في تلك السجون كثير من أنصاره، و هم يعانون أكثر مما كان يعانيه المعتقلين في حقبة حكمه..

– طلبت في عام 2017 من زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي أن يسمح لي بزيارة سجون الأمن السياسي، و سجون “مدينة الصالح” و غيرها، فوافق، و وجه مهدي المشاط بالتنفيذ، فلم يتم التنفيذ، و أكتفى المشاط بإبلاغي على نحو عارض أنه نزل إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء، و كان يريد اصطحابي معه، و لكن نسى أو أنشغل، و أنتهى الأمر عند هذا الحد، و من يومها إلى اليوم لم يتم تنفيذ التوجيه، و لم يتم استدعائي حتى لزيارة سجين .. و لا أعلم كيف سيكون الغد بالنسبة لهم، إلا أن ما أعلمه أنهم لم يكونوا بقوة صالح في تلك الأيام، و باتوا أقل قوة مما كانوا عليه هم قبل عام أو عامين من اليوم..

– في 9 أكتوبر 2006 أختفى علي الديلمي، المدير التنفيذي للمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق و الحريات من مطار صنعاء، حالما كان يهم بالمغادرة من صنعاء إلى كوبنهاجن للمشاركة في فعاليات تعنى بحقوق الإنسان .. مُنع من حقه في السفر، و اخفي قسريا، و دون أن نعرف المكان الذي نقل إليه .. و لم توجه له أي تهمه من أي جهة .. و ما نعرفه عنه أنه ناشط حقوقي، سبق و نظم عدة وقفات احتجاجية باسم المنظمة التي يرأسها لمناصرة أخوه يحيي الديلمي، الذي حكم عليه بالإعدام في محاكمة جائرة و غير عادلة .. هذا كان يكفي للاحتجاج من أجله، و مناصرته و المطالبة بإطلاق سراحه..

– في اليوم التالي ذهبنا إلى النائب العام، و كنّا أنا و رشيده القيلي و رضية المتوكل و محمد مفتاح و آخرين، ثم توجهنا بعد ذلك إلى أمام بوابة الأمن السياسي في صنعاء للاحتجاج و الاعتصام و المناصرة، بعد معلومة غير مؤكدة حصلنا عليها، تفيد أن الأمن السياسي هو من قام باعتقاله في المطار، فيما كان الأمن السياسي لا ينكر وجوده فحسب، بل و ينفي أنه اعتقله أصلا..

– لقد كانت طريقة اعتقاله و اخفاؤه، و عدم إعلام اسرته بمكان اعتقاله، بل و تنصل الجهات الأمنية من مسؤولية توقيفه و حجزه، يجعل من احتمال تعذيبه، و التنكيل به، واردا، إن لم يكن بحكم الأكيد .. كنّا ندرك عدم وجود أي سبب قانوني يبرر حتى منعه من السفر، فضلا عن أي توقيف أو احتجاز..

– و في الاعتصام كانت لدي كاميرا أحضرتها معي .. أخرجتها من مخبأها لأصور اعتصامنا، و ما أن راء بعض حراس بوابة الأمن السياسي لمعة فلاش الكاميرا حتى هرعوا علينا كالثيران، يريدون الكاميرا، و بمجرد أن شاهدت الحراس يركضون نحوي، ناولتها خلسة رضية المتوكل التي كانت خلفي، و هاجوا أكثر عندما لم يجدونها معي..

– حاولت أعرفهم باسمي و صفتي .. أخبرتهم أنني عضو مجلس النواب، و لكن لم تشفع لي هذه الصفة، فجهل الأمن كان أكبر من شعب أمثله .. ليس للشعب في ميزان جهل رجال الأمن أكثر من وزن الريشة .. غير أن الصورة ترعب رجال الأمن، و الكاميرا سلاح يزلزلهم .. جهاز قمعي ذو سطوة و سلطة ترعبه كاميرا .. أفراده و ضباطه و مسؤوليه رعاديد .. كاميرا واحدة تلقي في نفوسهم كل هذا الاستنفار و الهلع و الجزع..

– شعرت بحميمية جارفة بين المعتصمين، حالما كان رجال الأمن يحاولون انتزاعي منهم بالقوة .. شاهدت رشيدة القيلي و هي تتصدى لهم بشجاعة .. شاهدت محمد مفتاح و هو يحاول يشتبك معهم بالأيدي ليمنعهم من أخذي بالقوة .. شاهدت البقية و هم يحموني بأجسادهم رجال و نساء .. كيف أنسي موقف كهذا .. إنه موقف لا ينسى .. موقف ترك وشما في وجداني و ذاكرتي لا يُمحى و لا يزول..

– أعتزم الحراس سحبي بالقوة من بين المعتصمين، و قرر المعتصمون الذود عني مهما كلف الأمر .. شعرت أن الأمر سيفضي إلى صدام بين الحراس و المعتصمين، و أن الكُلفة ستتضاعف، فقررت أن تكون الكلفة أقل، و أقنعت المعتصمين أنني سأذهب معهم بمحض إرادتي..

– اقتادوني إلى الداخل .. وصفت يومها المشهد، و الضابط يقودني في الساحة الداخلية للأمن السياسي بعبارة “كان شكلي مثل طمر أبيض .. يقوده ليل داج الى جحرة النتن”.

– ضابط سادي متحفز كان ينتظر قدومي .. فارع الطول حاد الملامح .. أحسست أن عينيه تقذف نحوي بشرر من الكراهية و الحقد الدفين و كأنه كان ينتظر اللحظة من زمن طويل .. شعرت أنه يتحفز ليمارس ساديته على جسدي، فقط ينتظر الأوامر ليفعل .. نفس الحقد و الكراهية و السادية التي أحسست بها من قبل المعتدين على الجرحى المعتصمين جوار مجلس الوزراء في يناير 2013 إبان عهد سلطة حزب الإصلاح .. و نفس شعوري كان حاضرا مع أحد المعتدين علي من أنصار الله يوم 25 مايو 2017 .. رجال القمع و الأدوات القذرة تشبه بعض، و إن تبدلت المواضع و المواقع و الأسماء..

– خرج علي الديلمي بعد قرابة الشهر من اعتقاله و اخفائه القسري، و باح ببعض ما جرى له، في مؤتمر صحفي، جاء ضمن ما قاله، قوله: ادخلوني في زنزانة مترين في متر وشوية، كانت الإضاءة قوية جداً .. الكلام ممنوع .. الدق على الباب الحديد ممنوع .. جردوني من ثيابي، و ألبسوني ثوباً آخر .. خلعوا حذائي و جلست حافي القدمين 28 يوماً .. منعت من الدواء، و عندي قرحة في المعدة .. كان معي فلوس تراشيتهم حتى يأتوا لي منها بحليب فرفضوا .. عوملت بقساوة .. كل كلمة فيها سب و شتم .. حصل ضرب لي أكثر من مرة .. و تهديدي باختطاف عائلتي، و إيذاء أخي يحيى .. وقعت على أوراق فاضية و بصّمت عليها، و أنا لا أعلم عنها شيئاً”.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

– عمّا حدث في تاريخ 10 اكتوبر 2006 و ما له صلة به كتبت تحت عنوان:

غصة نائب .. الحلقة الثالثة

– لا زال صدى قسم فخامة الرئيس في قاعة مجلس النواب قبل أيام قليلة باحترام الدستور و القانون يرن في مسمعي حتى اليوم، و لكن ما يحدث في محابس و سجون الأمن السياسي و السجون المغلقة بالحديد و النار من ذبح للدستور و القانون و استباحة للآدمية بالطول و العرض يقتل الروح و تقشعر له حتى جلود الفيلة و التماسيح..

– قيمة الإنسان و كرامته هناك تهتكها البشاعة كل يوم، وينتعلها اغلاظ القوم بالمجان، و لا يخجل هذا (النظام) من الادعاء الكاذب أمام العالم و الملاء الأعلى و الأسفل أنه رب إيمان و حكمة..

– لماذا يا فخامة الرئيس لا تفعلها و تزور خلسة سجن الأمن السياسي في العاصمة لترى ما يحدث فيه من قبح و بشاعة، و فضاضة بلا حدود..؟!! فالدار جنب الدار، و لن تأخذ مثل تلك الزيارة من وقتك الكثير، بل ستجد عند الله أجراً و مغفرة .. افعلها أثابك الله و غفر لك من ذنبك ما تقدم و تأخر..

– ستجد هناك في رجالك الأشاوس خطيئة و بلاء عظيم عندما حسبتهم على الآدمية .. ستجدهم أشراراً غلاظاً غارقين في السادية حد الطفح .. مدمنون التعذيب حتى الهوس .. لا ينامون و لا يأتيهم نوم إلا على أنين و جراح و أوجاع الضحايا..

– ستجد الضحايا كثار أعيتهم الحيلة، و انعدمت لديهم الوسيلة، و أنقطع عنهم الأمل و الرجاء في العدالة، و يئسوا من أن يجد لهم الدستور و القانون طريقاً إليهم حتى في خلسة ليلة عيد، أو معطف قضاء..

– إن كانت مشاغلك كثيرة فلا بأس .. بإمكانك ان تفتح لنا طريقاً الى هذه الجحور و الزنازين الرطبة و الجدران الصدئة و الغرف الموحشة لترفع و لو قليلا من ذلك الظلم الذي يعبث بالإنسان و لا يقيم وزناً لأدميته و حقوقه و كرامته.. نتمنى أن يحدث ذلك .. نتمنى أن نرى اليمن الجديد الذي وعت الناس به..

– متى نشهد قيادات أحزاب المعارضة تخرج من تحت البطانيات إلى الشارع..؟ متى نراها في أول الصفوف..؟ متى نراها تعتصم و تتظاهر و تتسابق على كسب احترام و ولاء الناس..؟ لو جربتها مرة ستجد الأثر بالغ و النتائج مثمرة و مضمونة..

– أخرجوا يا قادة المعارضة من تحت البطانيات لتقولوا لا للتعذيب و قمع الحريات .. لا للفساد.. لا للجوع .. لا لارتفاع الأسعار .. هناك أجندة كثيرة تنتظركم ستصنعون منها مجدا شامخاً و نصرا مؤزرا و تحولا مهما يمكنه ان يجعل اليمن الجديد البعيد قريب المنال و قد قالها الشاعر: (وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا).

– إحساس جميل يتملكك عندما تعتصم مع رفقائك الطيبين من أجل رفع كاهل الظلم عن صديق او زميل أو مواطن ناله ظلم سلطة قامعة و تعسف أمن شره لا يعرف للإنسان قيمة أو عصمة أو حرمة..

– و يداهمك حب جارف و انت تجد رفقاءك الطيبين يدافعون و يذودون عنك من تلك الأيادي الفظة الموغلة في انتهاك و استباحة الحقوق دون وازع من اخلاق او تأنيب من ضمير..

– كان اعتصام الأحبة أمام الأمن السياسي من اجل عاشق الحرية الناشط الحقوقي علي الديلمي و كان ضباط الأمن السياسي الاشاوس يريدون ان ينتزعوني من بينهم و كان الأحبة يستميتون لمنعهم..

– مشهد يحفر في الوجدان و الذاكرة بشاعة نظام قامع و ضوء يتصدى لجحفل ليل غاشم .. و حب مصلوب على أسوار هذا الأمن الذي لا يعرف من الوطن إلا قهره و استعباده و مصادرة حريات أبنائه الميامين..

– أية جريمة أرتكب الديلمي يستحق عليها التعذيب اليومي..؟!! و أية جريمة اقترفت أنا بحق هذا الوطن لتنتهك حصانة شعب و بسهولة شربة الماء..؟!! هل تصوير استفزاز و محاولة اعتداء ضباط الامن السياسي على المواطنين المعتصمين جريمة أم هو إثبات لجريمة من جرائم كثار تجري كل يوم من قبل جندرمة السلطة بعيدا عن عدسات التصوير و وسائل الإثبات..؟!! ربما هذا هو الفرق بين هذا السجن و سجن أبو غريب..

– قالوا لي بأنهم يخشون تصوير سور الأمن السياسي من الخارج .. أرأيتم أكثر من هذا الغباء .. أرأيتم حماقة أكثر من حماقة الأمن الذي يضرب قبل أن يسأل .. الا يعرف الأمن السياسي أن أبلد واحد في الإنترنت يمكنه ان يصور أسوار الأمن السياسي و مرافقه بخدمة الصور الجوية من محرك البحث العالمي (جوجل) بالنت و من البيت أو مقهى الإنترنت .. ألا يعرف الأمن السياسي إنه بالإمكان التصوير بعدسة تلفون دون فلاش يلفت نظر هذا الأمن الذي لا زال يعيش بعقلية حقبة السبعينات و الثمانينات..

– إن الجهل أعمى و عندما تجتمع الغطرسة مع الجهل يكون الأمر أكثر سوءا .. ألا يوجد رجل عاقل بين القائمون على هذا الجهاز يخرجه من هذه الحقبة و الغربة عن العصر .. من يوقظ أمننا..؟ و القائمين عليه..؟!!

– هددوني بالسحب و قرر المعتصمون الذود عني بما كلف الأمر فاخترت أن أذهب معهم بأقل خسارة .. فلا زال الطريق طويلاً و لا زلنا بحاجة للدم و الدموع .. كان الضابط يقودني إلى محبس، و كان شكلي مثل طمر أبيض عابق بالطهر و الحب يقوده ليل داج الى جحرة النتن .. وصلت و المجموعة في الجحر تنتظرني كفريسة كابرت و غامرت، و يلزمها التأديب على نحو يكون البطش بها أبدع .. و هم بالبطش مبدعون..

– تأكدت بأن ليس في الأمن السياسي شيء أسمه قانون أو دستور أو حتى كرامة إنسان .. بل أن تتحدث بشيء من هذا أشبه بمن يتحدث عن الجنة في جحر الثعابين او السعة و الدعة في بطن حوت .. هناك عالم أخر شديد القسوة و الغربة..

– أدخلوني في غرفة متر في مترين .. هنا حصانة الشعب لا تساوي قشرة موز و حصانة البرلمان أقل حصانة و قيمة من الريال اليمني حتى و إن تعيفط هذا المجلس الوبال..

– كنت أنتظر كرسيا لأقعد عليه و إذا بهم يأتون بحارس ليبدو لي على نحو صارخ إن الدار غير الدار و الحبس قضاء أسهل ما فيه امتهان كرامة شعب و استباحة آدمية إنسان..

المصدر المستقلة نوفمبر 2006

***

يتبع..

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=210460663242201&id=100028348056925

 

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى