فضاء حر

تعز مدينتي نعم المدينة .. سقاها الصبح نسمته ولينة

يمنات

موفق السلمي

تعز.؛ ابتسامة التاريخ، ودلال الطبيعة، وغنج الجمال..

تعز العظيمة، تعز العلم، تعز الثقافة، تعز مأوى العلماء، وموفد العظماء عبر الحقب..

حقيقة لم يكن الرسوليون بلهاء، عندما اختاروا تعز، لتكون عاصمة لدولتهم، فقد سبقهم رجال كثر، وما كان بناء القاهرة بهذا الطراز، وتلك التلة إلا تتويجاً لجمالٍ ارتأوه فيها!..

تعز ، لم تكن عظيمة فحسب ، بل هي فاتنة أيضاً ، لا سيما وقد أرخت ذوائبها على صدرها، وتغنجت بأحضان حبيب أشم يسمى “جبل صبر” ، وقد منحها ذلك الحبيب جمالا ودلالا، لم يكن لمدينة عدا حدائقٍ علقت ببابل العراق، ناهيك عن سحر الطبيعة الخلابة، ومناخها الفريد، واللذان جعلاها أجمل بكثير من مدينة البندقية والبارود والبعوض.

وحينما يهطل الجمال أمزانا في مدينة ما، تتفتق الروض أزهارا، وتصير القفار حدائقا، فتجري الجداول، وتنبت الحشائش، وتظهر البراعم على عروش أغصان خضراء وأوراق خضر، وكلاهما يتمايل طربا مع حبات الرمل المتناثرة على موجات الرياح الباردة..

وكما أسلفت قائلاً: “بأن الجمال يتفتق دوما، فحيثما يحل جمال المدن؛ يتفتق عنه جمال الإنسان ،ناهيك عن جمال الطير والحيوان”..

ولا أدلُ على قولي ، بل وأسمى دليلٍ عليه؛ من جمال صبايا تعز، وهن يجوبن شوارع المدينة وأزقتها، تراهن لابساتٍ العباءات التعزية، المميزة، الجامعة بين أصالة الذوق، وتجدد المظهر، وتألق الزينة، وفنية الاحتشام..

يُرخين صبايا تعز على رؤوسهن ّونحورهن ّالمقارم المطرزة بفصوص براقة وكأن لؤلؤا من جمان تناثر عليها..

ويشع من براقع وجوههن ّعينان كحليتان تحاكيان بريق ولمعان كوكب دريّ..

ويتدلى من على أكتافهن ّ ّحقائبُ جلدية متنوعة الأحجام، متعددة الأشكال، بعضهن منقوشة بقلوب حمراء، والبعض مزيدة عليهن بسهام وحروف انكليزية..

فما أحسنه منظرا، وأنت تطوف معهن، في الباب الكبير، والصمت يأسر القلوب تفكرا، ولا تسمع إلا طقطقات أحذيتهن ذوات الكعوب العالية، على أرصفة شوارع المدينة، لا يسعك حينها إلا أن يلهج ثغرك بـ”سبحان الخلاق العظيم”، و “تبارك الله أحسن الخالقين”.

في تعز الحبيبة، وعلى أبواب الجامعات، واستراحات المعاهد، هناك فقط! وعلى كراسي المكاتب، ترى الجمال وقد تربع على عروش ملكه، تراه وقد تجلى في سماء ربه، فصوره على هيئة بشر ليس إلا، أو كأنه قطعٌ من نور، قسّمه الله، فوضعه في وجوه بُنياتٍ كأنهن ّالياقوت والمرجان…

تجدهن ّوقد تبادلن ّالأدوار، منهن من يكشفن عن وجوهٍ، يخجل القمرُ من أن يظهر بينهن، وهو الذي تتوارى منه النجوم في كبد السماء..

زينتهن ّ وردية الخد، وخمرية الثغر ، أو كما قال عظيم الجعاشن:

وثغرها لم تدر ما ثغرها

يا وردة في غصنها الأخضرِ

 خمرية الثغر ألا فاعجبوا

من خمرة في الثغر لم تعصرِ.

إنهنّ فاتنات حقا ،ومصابيح تبدد أوجاع المدينة، هن صاحبات الشفائف القرمزية والخدود الندية  الطرية.

 فالنسيم إذا تدفق عليهن ملاطفا، ما إن يهب فيجرح تلك الوجنات الحسان..

ومنهن من يشفقن على ضوء الشمس من الاندثار، وعلى قلوب الرجال من الهيام فيسدلن على نور وجوههن البراقع، فلا يبقين إلا أعينا؛ تسبي عقول الرجال، ولو عَقَلوا أطراف النزاع في تعز خبايا تلك البراقع ما تخاصموا ولا تحاربوا إلا على ذلك الجمال، ولا تعجبوا من أشعار ابن علوان حين قال: سكران لست أدري من نشوتي وسكري..

وما أسكر ذلك المتصوف في ذلك الزمان إلا فطنته باسدال الستار وخبايا النقاب..

لقد حبلت مدينتي العظيمة “تعز” فضلا عن ريفها بأصناف شتى من الغانيات، والدلال يربطهنّ أجمع، مع تباين طفيف في البنية والمزاج، فالصبرية شقيقة الريحان والكاذي، تختلف عن شرعبية الهوى والهوية، وهاتان تختلفان عن الذبحانية ممشوقة القد والقوام.

يا بنات في الحويّة .. خبريني وقولين

ذي قداكن بنية .. شفتها قبل شهرين

ذات طلعة بهية .. رشقتني بسهمين

بادلتني التحية .. وليلي لهله يوه

مدينة تعز

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل”، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى