فضاء حر

من الذاكرة

يمنات

سامية الاغبري

اغلب المعلومات معروفة احببت ان اذكر كل التفاصيل (الصور ارفقتهم عشان تشوفوا تشابك ايدي فريق الحماية النبيل )
١٣ فبراير٢٠١١م اتذكر تفاصيلها وكانها حدثت اليوم.

تجمعنا مع الطلاب امام جامعة صنعاء كنا نهتف مطالبين بإسقاط نظام علي عبدالله صالح ،في الجهة الاخرى وبالقرب منا تجمع عدد من بلطجية النظام يهتفون للرئيس صالح.

انطلقنا باتجاه السبعين، بعض المحلات اغلقت ابوابها خوفا من اي شغب، وبقى العمال امامها بعضهم يصور فيديو وبعضهم يعلق ساخرا وهو يشير الينا قال لك النسوان بايسقطوا علي صالح،وتعليقات مثل انتم من سيرحل وهي العبارة بقيت اسمعها في اتصالات من بلطجية النظام، وكلما ذهبت الى الساحة او عدت منها.

عندما وصلنا الى جولة كنتاكي اراد البعض ان تتجه المسيرة الى مقر قناة الجزيرة والتي كان مكتبها في مبنى السعيد في شارع الزبيري رفضنا، قال سميح الوجيه : بل الى السبعين أيده خالد الانسي وجميل الوجيه و وجدي السالمي ،تقريبا كان الجميع مقرر التحرك نحو السبعين. 

قلت لسميح: الم اقل لك ان اهدافكم كشباب نبيلة غير أهدافهم، والا لما علينا الذهاب الى مكتب الجزيرة هل تعتقد هذا التفصيل بريء؟ مسيرتنا ليست تضامنية مع القناة بل مطالبة برحيل صالح ! رد: لاعليك سنتجه الى دار الرئاسة (وللتاريخ قبل التخييم كان الثوار في الغالب هم من يقرر خط سيرهم ومواعيد مسيراتهم).

طبعا كانت كثير من التفاصيل تزعجني حتى قبل الثورة يراها البعض صغيرة ولاتستحق الالتفات اليها فيها كثير من التضليل والكذب وكانت مدروسة ومقصودة.

في ذلك اليوم استلم سميح راتبه وطلب مني حتى لايضيع منه ان اضعه في حقيبتي ، وكان من بلطجية النظام مندسون بيننا قد صوروا فيديو وثم نشروه على يوتيوب ارسل لي صديق الرابط لاحقا (فضيحة سامية الاغبري) قلت خليني انا كمان اشوف فضيحت اها “عندما يستلم دعاة الفوضى ثمن ذلك سامية الاغبري نموذجا وتبدو وهي تستلم مبلغ من المال مقابل خروجهن” حدد المبلغ ب٥٠ ألف عدهم عد بعيونه.

قلت لاحقا لسميح الله يقلعك سببت عليا بتهمة، على اساس اسرائيل وأمريكا وقطر يوزعوا فلوس، لا وفييين ؟ في الشوارع ووقت المظاهرات ولمن؟ لنا احنا.

وصلنا الى السبعين واستقبلنا جنود من مكافحة الشغب ، لم يتعرضوا لنا ساعتها وأصلاً الاسلاك الشائكة اغلقت الطريق المؤدي الى الرئاسة من الطرف الى الطرف، حاول طفل الدخول من بين الاسلاك وجه اليه جندي الالي كاد يغمى علي من الخوف.

وقفنا دقائق نردد الهتافات ثم عدنا، في طريق العودة قالت ناشطة ليس ضروريا ان يعود الجميع يجب ان نشكل بؤر في عدة اماكن نظرت اليها.

عددنا قليل ولا ينفع حتى بؤرة واحدة قالت بؤر وكلما تذكرت البؤر ذي لااعرف اضحك والا ابكي من تذاكي البعض. 

المهم حين وصلنا الى جولة الرويشان افترشنا الارض، كانت الشرطة قد اعتقلت عدد من الطلاب في الجولة، اتى احد الشباب مستنجدا ، قالت ناشطة عادي خلوهم ، قلت لها كيف يعني عادي خلوهم؟! ذهبت لأعرف اسماء الذين اعتقلوا لكن سيارة الشرطة كانت قد انطلقت بهم ولم نعرف عددهم ومن هم!

لم تمر دقائق الا وقد امتلأ الشارع بجنود من الامن المركزي بزيهم العسكري وبقيادة رجل بزي مدني، وبدون اي مقدمات وبوحشية ضربوا الشباب بعصي كهربائية ، هرب الجميع ولم يبق الا القليل ، افتعل قائدهم مشكلة مع ميزر الجنيد متهماً اياه بتكسير زجاج احد المحلات ليبرر اعتدائه علينا .

قال لقد قام هذا بكسر زجاج المحل، ثم أتى بشاهد زور وسأله هل هذا من كسر الزجاج؟ رد شاهد الزور: نعم هو ، رغم انه لايوجد زجاج مكسور، تجمعوا على ميزر وضربوه بوحشية وظل قائدهم يتفرج ،كان احمد سيف حاشد ومعه بعض الشباب يحاولون حماية ميزر، انتقلوا الى الجهة الاخرى من الشارع ، وكنت اقف امام سام مول، وبقية الجنود مرصوصين على الخط امام المول.

قلت في نفسي من العار ان اظل متفرجة وهم يعتدون على رفيقنا دون فعل شيء، سأذهب اليه،وصلت للرصيف في المنتصف في الوقت الذي كنت اهم بقطع الشارع فجأة الرجل بزيه المدني وملثم بشال، امسكني من كتفي من الخلف ،وحملني كان صخم وانا كنت ضعيفة سهل حملي مش دبدوبة زي الان .

 كنت اصرخ علّ احد يسمع صراخي وينقذني ، لا احد سينقذني ،الناس امام المحلات واقفون يتفرجون لم يتحرك احد والجنود على وقفتهم ،بقيت اصرخ تطايرت صنادلي وانا احاول الإفلات منه، كان قوي ،خارت قواي، وللحظة شعرت انها النهاية ،سوف يختطفني ولم ينتبه احد من الرفاق، ربما اقتل او اختفي الى الابد ، وشعرت بالرعب كيف سيكون مصير ابي لن يحتمل ان يحدث لي مكروها!

بالصدفة التفت احمد سيف حاشد رآه وهو يحملني ، هرع مسرعاً باتجاهي اخرج الرجل الجنبية محاولا طعنه وتمزق جاكيت حاشد، رمى بي على الرصيف حاولت الوقوف كنت حافية لم استطع .

اغمي علي (الشرطة الراجلة وانا وضحت وقتها لم يعتدوا علي بل كانوا يحاولون مساعدتي) فايز نعمان حملني لنقلي الى المستشفى اوقف التاكسي في الوقت الذي كان يحاول ادخالي الى السيارة علم السائق اننا من المتظاهرين انطلق هاربا واصاب فائز بقدمه الذي كان متماسك لينقذ رأسي من السقوط تحت عجلات السيارة.

ثم حملني سميح الوجيه واوقفوا باص او سيارة لا اعلم .

قالت لي اختي فاطمة الاغبري، (طبعا وهي اكثر من انضرب بعد ميزر) بالعصي الكهربائية وظلت علامة على جسدها لايام، قالت :بدا سميح قلق جدا وطوال الطريق كان يضع يده وشاله على وجهك حتى لاتؤذك الشمس سميح طيب جدا، قلت لها نقاء وطهر الثورة يمثلهما سميح والثوار مثله.

نقل شباب بإصابات مختلفة الى المستشفى الجمهوري، اجربت لي اشعة لمعرفة ماذا كان هناك اصابة في الرأس. 

ثم وبدلا من ملاحقة من اعتدوا علينا اخذنا الى قسم الشرطة للتحقيق معنا نحن الضحايا.

اتى الكثير الى المستشفى للاطمئنان علينا،ثم اتت اسوان شاهر ولا اتذكر من معها في الطريق قلت لها كسروا نظارتي الشمسية ودبوس المقرمة الانيق ذاك ضاع، قالت مش وقتهم المهم سلامتك.

ومن اجل التوثيق بدقة وقتها ذكر الاعلام اسماء انه تم الاعتداء عليهم واختفوا ولم يكن ذلك صحيحا فقد رأيتهم ورأهم غيري يغادرون بسلام وثم اغلقوا هواتفهم.

عدت الى المنزل ومعي وداد البدوي وفاطمة كنت بعد محاولة الاعتداء علينا في القاع يوم ٢٩يناير اطمئن ابي ان الشباب يقومون بحمايتنا لن يحدث لي شي، وخشيت من ردة فعله وقلقه حين يعرف ماحدث ، كان جدي وجدتي في القرية قلقين بعد ماسمعوا الاخبار، ووجدت اتصالات كثيرة منهما ومن اخوالي وعماتي حتى المعلومات وصلتهم خطأ وان حالتي خطيرة في المستشفى، قلت لهم انا بخير ، لما تاكدوا اني بخير بدأوا حفلة (التصبين) العبارة الاولى مو دخلك يامكسورة الناموس (صراحة مش عارفة معناها) كيف مو دخلي مش هي بلادنا وذي حقوقنا (فلسفة على اب وام لا يريدان غير سلامتك) ،جدتي كانت هادئة يابنتي منو شنفعك لو حصل لك شي، قلت لها ما بايحصل لي شي لاتقلقي.

كالعادة كلما حصلت مصيبة انقسمت العائلة بين مؤيد ومعارض لنشاطي، الرافضون كان السبب الرئيسي قلقهم علي ،اما المشجعين قلقوا بصمت، كان خالي يأتي الى الساحة يوميا ليحرسني من بعيد لبعيد ، اما ابي كان هو الداعم الرئيسي لي منذ سنوات طويلة ، وطالما ابي معي ويدعمني لن اهتم للانتقادات ولا اخشى شيء، جاء ابي الى البيت في المساء حضنني كان يمسك رأسي ويبحث عن الجرح، انا بخير، رد: غدا تجري اشعة مرة ثانية حتى نتأكد انك بخير.

بعد ايام التقيت سميح الوجيه كنت اعلق عليه مازحة اي حراسة انتم ؟ كاد الراجل يختطفني وانتم تركتوني وهربتم؟ كان يضحك قال انت فجاة اختفيتي لم أجدك.
وأردف بلييييز يارفيقة سامحينا.
طبعا سميح جميل الوجيه و عارف حسن الصبري
ومحمد قائد و فايز نعمان و فارس عبدالرحمن

وشخص لا أعرفه كانوا يشكلون سياج حماية لنا نحن الفتيات ، بشرى الصرابي وتوكل وانا وأخريات خارج هذا السياج، كنا قليلات أغلبنا صحفيات وناشطات، وكم تعرضوا بدلا عنا للاعتداء، و يومها ككل المسيرات تشابكت ايديهم من أجل حمايتنا وخوفا من تعرضنا لأي اعتداء ،لم يسمحوا لاي غريب باختراقهم ،حتى لايسمح للمندسين باستهدافنا .

المهم بعد ايام نسي بعض الشباب اني مضروبة وبدلا من مناقشة الاستهداف المتعمد للنساء وقتها ودقائق الرعب التي عشتها، ظلوا يتندرون على الكعب العالي رغم انه كان متوسط ومريح ، ويفكرون ويناقشون القضية الاهم كيف سامية مشت المسافة من جامعة صنعاء الى السبعين و العودة وهي ترتدي كعب ؟ وتعليقات عن الجاكيت الجينز طبعا كان كلما شتموني المؤتمريين يركزوا عالجاكيت والنظارة ،قلت للشباب اصلا انتم ايش فهمكم ؟ مرة قرأت اظن ولست متأكدة في مجلة العربي ان تاتشر كانت تقطع الاجتماعات وتروح تصلح مكياجها وشعرها وترجع تكمل الاجتماع، وبعدين من قال ان المناضلين لازم يكونوا مبهذلين، افترض اصبت برصاصة او حصل لي شيء لازم موتي يأتي وانا انيقة .

في كل ذكرى للثورة اشعر بالوجع على رفيقين تركانا ورحلا سميح الوجيه ومحمد قائد من يعرفهما ونبل اخلاقهما، سيعرف كم هي خسارتنا كبيرة، هما يحملان مبادىء وقيم نادر ان تجدها، يضحيان ويقدمان دون مقابل.

حين اعلن عن اعضاء حكومة الوفاق وحين بدأ الاعلان او تسريب اسماء المشاركين في الحوار الوطني سمعت وقرأت كثير من شباب الثورة يقولون أين حقنا؟ نحن خرجنا وشاركنا في الثورة ، نحن نريد ونحن ونحن ..الخ الا الكبار الذين يؤمنون ان الثائر يضحي لاينتظر الثمن، وسميح ومحمد منهم لم يطلبوا شيء ، حين اشعل الثوار الحقيقيين شرارة الثورة لم ينتظروا مقابل لانها ثورة من أجل البلد والشعب ومن أجل المستقبل .

في الثورة وحتى قبلها عرفت حجم الانتهازية واللصوصية من كان يشارك ليصنع مجد لنفسه ، لكني لم أنظر للثورة الا من خلال الثوار، هذا الشعب النبيل الذي لديه الاستعداد ان يضحي وهو مؤمن ان تضحيته هي لأجل اليمن وان من يقبض الثمن ليس بثائر. 

رأيت الثورة وجلالها وصدقها من خلال اليمنيين الذين يصنعون مجدا لليمن ويكتبون حتى بدمائهم تاريخ جديد للبلد.

رأيت طهرها ونقائها وشموخها في سميح ومحمد وغيرهما.

هؤلاء لم يظهروا ابدا في وسائل الاعلام ، لكن عرفتهم الساحات وعرفتهم السجون، والقنابل والغازات والرصاص والعصي الكهربائية ، والظلم والتهميش لاحقا. 

عرفتهم شوارع صنعاء حفاة او بأحذية ممزقة، وخيام كانوا فيها احيانا لايجدون ثمن طعامهم.

لم تخسرهما اسرتيهما، فقط لم يخسرهما الحزب والوطن، خسارتي شخصية،خسرت اعز الرفاق والاصدقاء .

فالسلام على ارواح شهداء الثورة والمقاومة
السلام على روحي سميح ومحمد قائد انبل واعز وانظف من عرفت.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى