فضاء حر

معشوقة الصيف

يمنات

موفق السلمي

في أوائل سبتمبر من صيف 2018م، وترويحا عن النفس ؛ وهروبا من وجعٍ تعيشه مدينتي الحبيبة تعز ،غادرتها وقتذاك في رحلة ترفيهيةٍ دامت أسبوعا كاملاً..

وفي رحلتي تلك – والتى لن أنساها ما حييت – وجدتُ معشوقتي الأبدية، وقد كانت غانيةٌ مدللةٌ،. ترتدي سجاداً أخضرَ، مرصعاً ياقوتاً وزبرجدا ً، على كتفيها وشاح مزركش، وكأنه مجموعة نجم تدلى منها..

سحرتني بجمالها، حينَ رأيتها، أسرتني ضحكاتها ذلك اليوم في إحدى القلل التي أنخت محملي فيها..

عجيب أمرها..! لماذا تخلت عن حشمتها..؟ لمَ لا أحدَ برفقتها..؟ ولمَ تظهر لي؛ لابسة تلك الحلل الفاخرة..؟ وجمالها يغنيها عن كل زينة وحلة، أهي عروستي..؟!

يا ألهي: من تكون هذه..؟ ولمَ تكشف عن نقابها..؟ ألا تعلم أني متزوج..؟ ألستُ أعرفها..؟ كأني قد رأيتها، و كأنها لأول مرة تبدو سافرة..

ألا تعلم تلك الفاتنة، أن زوجتي لا تؤمن بمبدأ التعدد، وستحول حياتي جحيما، بمجرد عودتي للبيت مذهولا..

أتقبل غانيةٌ ثريةٌ بي، وأنا لا أمتلك ياقوتة من أولئك الياقوت المبعثر على فستانها..

جيدها كجيد غزالة، وأية غزالة هي، ومن للغزلان  بذلك العقد الذهبي الثمين المحلى به فاتنتي..

سال لعابي!، وفقدت صوابي!..

لم أستطع أن أبرح الأرض، صادت قلبي بسهام عينيها، تسمرت في مكاني، فاتخذت لي متكأً، وطلبت من رفاقي المكوث هناك، أخبرتهم أنه أفضل مكان للمقيل، مدعيا معرفتي بكل الأمكنة الماتعة في رحلتنا وخصوصا في ذلك الصيف الباهر جماله في تلك المدينة..

بقيتُ حينذاك أقضب أغصان القات من غير النظر اليها، ومن غير مسحها أيضا، أسارق زملائي النظرات والغمزات لتلك الغانية.

لم أبالِ بزمهرير الرياح، بالرغم أن جسدي يقشعر منه بين آنٍ وآخر.

عشقتها بكل جوارحي، ارتشفت تلك النسمات العليلة الخارجة من ثغرها، حين ابتسامتها، فزاد سكري.

داعبتها، وشممت رائحة سجادها، وحاولت غير مرة أخذ وشاحها ولم أستطع لكبر حجمه، ولعدم حصولي على جواب مقنع سريع لزوجتي الحبيبة حين تسألني: وشاح من هذا..؟ بعد أن تراه في حقيبتي..

تذكرت غضب زوجتي، فتركته!.

لم يرق مقيلنا لجلسائي من شدة البرد، وقرروا مغادرة المكان، سأجلس لوحدي، أريد أن أبقى، لم تحن تكيفة القات بعد، ما تنفع أي حيلة، كي أبقى مستمتعا برؤية وجهها الأبيض المخلوط بالحمرة، وكأنه ذهب شابه فضة!.

أواه، سنذهب، سأفارقها.

لوحت بيدي إليها خلسةً، أريد توديعها، وكأن شمس الأصيل تودعها معي أيضاً، و كأنه ذهب يذوب ويتساقط على وجنتيها..

آه .. كم زادها ذلك الأصيل جمالا، لكني تركتها بجسدي فقط ، أما روحي فلا،  فقد انشطر عند رؤيتها كذرة هيدروجنية..

ولا بد أن بعض روحي قد سكن فيها…

عدنا إلى الفندق الذي نبيت فيه، ويا ليتني ما عدت!

أكلت طعام العشاء ولم أعد أتذكر ماهو..؟

شارد البال، مجزأ الروح، حتى أغصان القات لم تصنع لي سعادة كما هي عادتها..

أريد أن أتحدث لتلك الفاتنة، أريدها أن تسامرني، أتمنى أن تكون عشقتني كما عشقتها..

أحادث نفسي، هل أنا جميلٌ حتى تعشقني.

نظرت إلى وجهي في مرآة محطم زجاجه، لستُ جميلا بمستوى تلك الفاتنة..

قبحتُ وجهي وقبحت حامله، وعلى الفور دخلت صالون حلاقة، وأخبرت صديقي الحلاق أني عروسا.

نظرت إلى وجهي ثانية، بعد أن سمعت الحلاق ورفاقه

يتمتمون بتبريكات الحلاقة المعتادة، “نعيما”،” نعيماً يا موفق”

ذكرتني مباركتهم بما يجب عليّ دفعه، حينها تذكرت أن مخبئي فارغا، لقد دفعت كل ما فيه لعسكر الأمن، الذين لم يجدوا وسيلة للتبلطج علينا سوى رخصة القيادة..

أخبرت رفيقي الذي في كرسي الحلاقة المجاور، والذي لم تنتهِ حلاقته بعد، بدفع الحساب، واللحاق بي.

سبقته إلى غرفة استراحتنا، وفتحت شبكة النت..

أريد أن أعرف اسمها، لا بد أن اسمها سيكون جميلا.

تذكرت شخصا يعرف معظم غانيات المدينة، اسمه ياقوت الحموي.

أتصلت به على الفور، أخبرته بأوصافها، وأين رأيتها، وبكل شاردة وواردة عنها.

قال لي بأن جدها كان يسميها “الثجة”..

لم أعرف مدلول اسمها، فقلت له: أليس لها اسم آخر..؟!، أمها بماذا كانت تدللها وهي صغيرة.

انقطع الاتصال لاستنفاد رصيدي..

في تلك الليلة الموحشةِ لم يأتِني نومٌ يذكر، بل أتاني خيال تلك الفاتنة، رأيتها وكأنها لوحة فنان نقشت على جدران غرفتي..

بدأ قلبي يرتجف خوفا من  كونها جنية..

بتّ – طوال الليل وكل رفاقي سابحون في نوم غطيط – أعوذ نفسي بآيات القرآن الكريم، حتى مطلع الفجر..

نمت قليلا ،وقد ولج النهار واستيقظت متأخرا..

ظللت أحاور نفسي هل أذهب لرؤية تلك الغانية، وعزمت على الذهاب لمكان آخر..

قلت في نفسي، لن أراها، وسأنسى عشقها شيئا فشيئا..

وصلت مع رفاقي إلى أعالي جبل بعدان..

وتحت الظلال الوارفة، نصبنا خيمتنا وبدأنا نمضغ قاتنا الشهي الثمين..

ومع بداية مرحلة النشوة، تمنيت أن أراها، وتذكرت اسم الثجة، سألت كل من رأيته عن هذا الاسم ومدلوله، أخبرني بعض أصحاب المعاجم أنه يعني:” روضة أو حفرة يصنعها المطر…

ظهرت أمامي فجأة وبحلة بهية، ظهرت والأنهار تنصب على رأسها انصبابا، ووقتها خاطبتها قائلا: من أنت أيتها الفاتنة..؟! ضحكت..!، وقالت ساخرة: ألا تعرفني..؟ لقد راودتك مرارا..؟

قلت: لا..

قالت: أنت السلمي، ابن الغالية تعز، أعرفك تماماً، دخلت ذات يوم أطراف مزرعتي، وقطفت منها أزهارا..

وهي تشير بقطفي لورودها إلى زواجي منها!

وأضافت ممتنة: “كنت سأنهرك لكني عندما رأيتك تشتم أريجَ وردٍ، وتنشدُ أشعارَ عشقٍ، تركتك، وشأنك، وقلتُ : “مجنونَ زهرٍ”…

 لحظتها عرفت بأن معشوقتي وغانيتي لم تكن سوى هذه المدينة…

مدينة إب الجميلة..

مدينة الأمطار والأنهار الجارية..

مدينة الملكة أروى التي يحيّ قصرها شعاع الشمس كل آن ٍ من نافذة..

“أنا عمتك يا ناكر الجميل والود والعشرة”.

هكذا كانت تصف نفسها، دون توقف، أو تعتعة..

نزلت من أعالي الجبل، خجلا، مرددا: “يا إب من ينساك إلا جاحدٌ، أو حاقدٌ، أو جامدٌ، وبلا شعور…

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى