العرض في الرئيسةتحليلات

ثورة فبراير 2011 – محاولة هادئة لقراءة اجتماعية ونفسية وسياسية (3-3)

يمنات

جلال محمد الحلالي

في هذا الجزء الأخير سأتناول بالتحليل تهمتين يصر بعض خصوم فبراير على إلحاقهما بشباب الثورة، ومن ثم سأركز على الخاتمة التي فيها استخلاصاتي الخاصة. التهمة الأولى هي أن الأحزاب السياسية سيطرت على شباب فبراير!، والتهمة الثانية هي أنها: ثورة جاءت من الخارج.

– أولاً: تهمة سيطرة الأحزاب السياسية على الثورة. 

أظن أن الثورة – أية ثورة كانت وفي أي ظرف أتت – لا يمكن أن تفلت، في فلسفتها العميقة وتفاصيلها المعقدة، من قبضة مناهج علم الاجتماع السياسي. 

وهنا سؤال يطل برأسه. 

هل كان بالإمكان أن تنأى الأحزاب السياسية بنفسها عن حراك سياسي واجتماعي بهذا الحجم؟ 

الإجابة ببساطة ،،، مستحيل. 

أعتقد أن التجربة الحزبية في اليمن، بالرغم من بدائيتها، بدرجة أو بأخرى في تعزيز سياقات فبراير اللاعنفية وترشيد حالة الفوران الاجتماعي للوصول الى تسوية سياسية كبرى حول معظم القضايا الوطنية.

الأحزاب السياسية أدارت، ببراغماتية جيدة، التفاوض السياسي مع الرئيس صالح ومع الوسطاء الإقليميين ومع المجتمع الدولي. فلم يكن متاحاً لشباب الثوةر القيام بهذة المهمة إلا من خلال تلك القوى التي لديها القدر الكافي من التجربة السياسية. واستطيع القول – بحذر شديد – أن التجربة الحزبية في اليمن كانت قيمة مضافة للثورة في اليمن على خلاف جميع دول الربيع العربي.

– ثانيا: تهمة أن فبراير مؤامرة خارجية. 

هذه التهمة تنطوي على أن مئات الآلاف من شباب وشابات الجامعات؛ وآلاف الأطباء، الصحفيين، والمحامين، والنقابيين، والتجار، ومشائخ القبائل ورجال الدين ومن كل فئات المجتمع نساءً ورجالاً في كل المحافظات إما عملاء ماكرون، أو بسطاء سذج سيطر عليهم العدو الخارج!

إذا كان هذا ما حدث مع الفئة الأكثر استنارة في المجتمع، فنحن – إذن – شعب وجِد بالصدفة وربما بالغلط!

أسمحوا لي بالاقتراب من تهمة المؤامرة الخارجية. 

التهمة فيها كمٌ معقولُ من الصواب إذا عدلنا الصيغة!

الخارج كان له دور في ثورة فبراير، وفي أحيان كثيرة دوراً رئيساً. 

من السخرية بمكان أنه في عالم القرن الواحد والعشرين – عالم العولمة، و السموات المفتوحة، والقنوات الرصينة والتحريضية ووسائل التواصل الاجتماعي – ما انفك بين ظهرانينا أناس يعتقدون أن فورانا اجتماعيا بحجم الربيع العربي كان يجب أن يكون أمراً داخلياً وشأناً من شؤون السيادة.

يا هؤلاء،،، الربيع العربي كان قضية أمن قومي قُطري وإقليمي ودولي تباينت مواقف الدول في التعامل معه وفقاً لمصالحها؛ البعض مع والأكثر ضد.

دول دعمت الربيع وسخرت كل امكانياتها له ، ودول وقفت ضده وسخرت لذلك كل امكانياتها. 

يمكننا إذن أن نستنتج – وفقاً لأصحاب نظرية المؤامرة من الخارج – أن فبراير مؤامرة خارجية قابلها مؤامرة خارجية أخرى لإجهاضها. 

يا اللهي كم أحقد على نظرية المؤامرة! كم أفسدت من أفهام الناس! 

أعتقد أنني ما زلت بحاجة لتعزيز حجتي بمثال لتأكيد حقيقة أن التدخل الخارجي كان أمراً لا يمكن تجنبه. والمثل الذي سأستخدمه هو ثورة 26 سبتمبر 1962.

ثورة سبتمبر لم تكن شأناً داخلياً صرفاً! أعتقد أني لست بحاجة إلى الإسهاب في الموضوع، فالأمر واضح. 

باختصار؛ البوعزيزي ما كان ليصبح شأناً داخلياً أبداً.

– استنتاجات وقناعات خاصة.

لم يدخر خصوم ثورة فبراير شيئاً باتهام شبابها بكل تهمة وكل نقيصة. فحالة الخصومة هبطت لدى البعض إلى قيعان سحيقة من الفجور. 

سأضع بين ايديكم مقارنة بسيطة فيها قدر مأمون من التهكم هادفاً بها إلى الحث على تحكيم العقل والضمير عند قراءة أحداث اجتماعية كبرى وفي غاية التعقيد كثورة الشباب من خلال السؤال التالي. 

هل يمكن اتهام زعماء ثورة الدستور 1948 – (أبو الأحرار الزبيري والقاضي الارياني والأستاذ الشامي والأستاذ النعمان والاديب الموشكي) – بأنهم السبب في استباحة القبائل لصنعاء ونهب معظم بيوتها وترويع أهلها الأبرياء الذين كانوا في معظمهم ضد ثورة الدستوريين؟ 

بمنطق الرؤية من زاوية واحدة، لو لم يقوم الأحرار بثورتهم لما اُستُبِيحت صنعاء بقرار سياسي من قائد الثورة المضادة الأمام أحمد حميد الدين الذي انتقم من قتله أبيه أولاً واستعاد حكمه ثانياً وأخيراً.

العبرة هنا أن كل الحركات الشعبية الكبرى ماهي إلا حتمية اجتماعية في مواجهة جبرية تاريخية. بمعني آخر أن المقدمات لأي حالة انغلاق اجتماعي تقود الى حتمية العمل من أجل التغيير. وفبراير، كما كانت 48، إحدى تلك الحتميات التي يستحيل فصلها عن مقدماتها.

ثورة 48 فشلت مرحلياً في أن يكون للمملكة دستور، لكنها هيأت لثورة سبتمبر التي جاءت بالدستور للجمهورية.

مرحلة تلد أخرى؛ وكل مرحلة تأخذ وقتها. وليس هناك أبطاً من التغيير الاجتماعي لكنه حتمي في النهاية وأن تراجع خطوات أحياناً،،، هذا ما يقوله التاريخ.

تلك هي قصة فبراير. جاءت تلقائية عقب حالة اختناق اجتماعي حاد. جاءت وكرامة المرأة محطمة بالحاجة، وكل حقوق الطفل مهددة بالجوع، والشباب لم يعد أمامهم إلا الفقر والقهر والتهميش.

ثورة فبراير تصدرها أنقى ما تمتلكه البلاد؛ شبابها المتعلم. شباب عديم الخبرة، قليل المراس، برئ القصد استغلهم في البدء وظلمهم حين الختم أناس لم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة.

فماذا أنجزت ثورة فبراير؟
فبراير أنجزت مشروعها كاملاً لليمن الكبير، اليمن الموحد، اليمن الجمهوري كما لم تنجزه أي ثورة أخرى وهو مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

تلك الوثيقة التي اعترف بها العالم وصادق عليها بقرارات دولية. الوثيقة التي لا يستطيع أي طرف سياسي أن يقدم حلا لقضية اليمن الكبير بدونها.

الدول الناجحة ما هي إلا نتاج تفاوض اجتماعي سياسي بين كل قواها للاتفاق على الحلول الوسط والتسويات النسبية والصفقات بهدف العيش المشترك على أساس الحرية المواطنة… وهذا ما حدث في مؤتمر الحوار اليمني الذي فُتحت فيه كل الملفات الوطنية الصعبة وتم عمل التسويات النسبية اللازمة لها.

هل مخرجات مؤتمر الحوار أفضل ما يمكن أنجازه؟ كلا؛ لكنها افضل ما يمكن الوصول إلية. 

فبراير أعادت التفاوض في قضية الوحدة اليمنية على أسس جديدة لتكون صالحه لكل ابنائها. 
فبراير حلت مشكلة مركزية السلطة المزمنة بالنظام الاتحادي كأحد أنجح النظم في عالمنا المعاصر.

فبراير تعاملت مع قضية صعدة على أساس الحقوق والمواطنة

فبراير وضعت مبادئ الدور الوطني للجيش اليمني وليس الدور القبلي للجيش العائلي

فبراير أنجزت العقد اجتماعي لكل اليمنين، مشروع دستور الجمهورية اليمنية الاتحادية

فبراير أولاً وأخيراً الثورة التي أسست للعمل السياسي السلمي كسابقة في تاريخنا. 

فبراير سمحت لكل خصومها بالمشاركة في صياغة المشروع اليمني ولم تستثني أحداً بما فيهم صالح،،، رأس النظام الذي قامت ضده بل منحته الحصانة ونصف السلطة.

ولأن الرئيس صالح محور كل أحداث فبراير، دعوني هنا اعترف عن طيب خاطر بمساهماته في ثورة فبراير!!!

عندما تجاوز صالح الثأر من المتهمين في حادث جامع دار الرئاسة المرعب، كان نبيلاً. 

عندما سلم “نصف السلطة” باتفاق سياسي،، كان حكيماً. 

وكان الأجدر به أن يأخذ إجازة طويلة عن العمل. لكنه ليس الشخص الذي يتفرغ لكتابه المذكرات. كانت مهنته الوحيدة هي الرقص حتى سقط مغشياً عليه. 

يا أنصار صالح و يا كل خصوم فبراير،،، تعلموا من صالح قانون “النسبية السياسية” و حاولوا اكتناه فبراير لتعقدوا مع جيلها صفقة لتحقيق السلم الاجتماعي… جيل فبراير، بحكم التجربة، سيكون المنتج الرئيس لكل أشكال الفكرة لعقود قادمة… لا أحد مؤهل غيره، فتجربته عميقة وفي كل اتجاه… فلا تضطروه أن ينقلب على عقبيه كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً. 

يا خصوم فبراير،،، اعطوني يمنا أخر وشعب آخر ليقوم شبابه بثورة وردية وفقاً لشروطكم المرجعية. فشلت فبراير مرحلياً لكن وثائقها وشبابها وافكارها وطموحها لا يمكن تجاوزها في تقديري.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى