العرض في الرئيسةتحليلات

اليمن وتنظيمات التكفير والجهاد والقاعدة (1-2)

يمنات

قادري احمد حيدر

الاهداء :
الى الشهيد القائد والمنظر السياسي والوطني الكبير /جار الله عمر، شهيد الديمقراطية، والوطنية اليمنية المعاصرة .

اغتيالك المشهدي الفاجع كان ثمرة مرة وكالحة للعلاقة الكاثوليكية بين المؤسسة الرسمية، والقاعدة (الارهاب) العلاقة التي هندسها زعيم الجريمة المنظمة علي عبدالله صالح، ومحاضر التحقيقات المتوافرة تؤكد بالمكشوف تلك الصلة بين نظام صالح والقاعدة والجماعات الارهابية (بين صالح/وعبدالمجيد الزنداني شيخ التكفير).

اغتيالك رفيقي النبيل كان عملا سياسيا امنيا مدروسا وممنهجا وهو ما يجب أن يفتح ملفه مجددا وباستمرار فقضايا القتل مثل هذه لاتسقط بالتقادم .

كم يفتقدك حزبك العظيم ، كم انت مقيم في نفوس ووجدان رفاقك وشعبك.

كم الوطن وحزبك بحاجة اليك في مثل هذا الزمن القبيح..حين نجد قامات اصغر من اسمك تتربع المشهد السياسي، قامات لاتشبه اناقة روحك وسمو عقلك ولانبل مواقفك، باختصار لاتشبه تاريخ حزبك .

والأسوأ أنها قامات ليست بمستوى التحديات التي تطرحها المرحلة، وتقدم اجابات مرتبكة وناقصة حول كل ما يعتمل في الوطن، وليس اخرها جلوس وزير خارجية بلادنا الى جانب رئيس وزراء الكيان الصهيوني وتبادله معه خطاب مودة، في مرحلة سياسية يتم فيها الاعداد والتجهيز لتصفية القضية القومية العربية الفلسطينية، بعد تهويد القدس ونقل السفارة الامريكية للقدس العربية خلافا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الامن والامم المتحدة وتوسع الاستيطان بلا حدود.

لروحك الطاهرة الخلود ولاسمك المجد .

وللقتلة الهوان المستدام

تشكل الجيل الأول من الجماعات السلفية الوهابية المتشددة والتكفيرية ، و”الجهادية” في شمال اليمن سابقاً ، في خضم الحرب الباردة ، حيث دخلت الجماعات السياسية الدينية طرفاً وشريكاً أساسياً وفاعلاً في جميع حروب التشطير ، التي اشتغل عليها بداية القاضي عبدالله الحجري الذي فرضته السعودية بالأمر والقوة رئيساً للوزراء بدلاً عن محسن العيني(1). وفي جميع الحروب الشطرية سبتمبر 1972م – مارس 1979م ونصف حرب 1981م ، كانت الجماعات السياسية الوهابية (الدينية) والعسكرية ، حاضرة فيها وبقوة . وفي خضم هذه المحطات والسنوات، تشكل الجيل الأول من “الجهاديين الإسلاميين”. ، وكانت “الجبهة الإسلامية” المسلحة التي أنشئت بمباركة ودعم وتمويل سياسي ومالي وعسكري من السلطة في صنعاء في حينه ، ومن السعودية ، كذراع عسكري وأيديولوجي للنظام في ج . ع . ي ، في مواجهة “الجبهة الوطنية الديمقراطية” (القومية واليسارية) التي تشكلت في 11فبراير 1976م بدعم وتمويل من دولة الجنوب السابقة ، ومن أحزاب وتنظيمات سياسية قائمة وناشطة في شمال اليمن سابقاً ، (جيش الشعب الثوري الجناح العسكري للحرب الديمقراطي الثوري/ ومنظمة المقاومين الثوريين).وفي ظل هذه الأوضاع تشكل الجيل الأول من الجهاديين الذين استخدموا بعد ذلك في الحروب “الجهادية” الخارجية ، أفغانستان تحديداً ، بعد أن جرى “استنفار الشباب اليمني وتجييشهم للقتال في أفغانستان دفاعاً عن بيضة الإسلام.. الذي مثل اللبنة الأولى التي ساهمت في إنشاء وتكوين الجيل الأول من عناصر تنظيم “الجهاد” الإسلامي كما يرى د. نبيل علي الرزاقي (…) وهناك من يعتبر أن اليمن من أكثر الدول العربية التي نجحت المنظمات الأصولية فيها بتجنيد عناصر شابة منها للقتال في أفغانستان حيث يأتي اليمنيون في الدرجة الثانية بعد السعودية من حيث عدد المتطوعين (…) وبعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان عام 1989م عاد أغلب المشاركين في “الجهاد الأفغاني” إلى وطنهم ، كما عاد معهم مجموعة من الجهاديين العرب الذين شاركوا في قتال الجيش السوفيتي في أفغانستان ، ويحملون جنسيات مصرية ، وجزائرية ، وأردنية ، وخليجية ، ولم يستطيعوا العودة إلى ديارهم لأسباب سياسية وأمنية ، لأنهم كانوا مطلوبين لأجهزة المخابرات ، (…) ولذلك فقد وجد هؤلاء العائدون الملاذ الآمن لهم في اليمن حيث كانت الحكومة اليمنية – كما يقول د. نبيل علي الرزاقي – تسمح للمواطنين العرب أوائل التسعينيات بالدخول إلى أراضيها بدون تأشيرات”(2).

وفي تقديرنا أن هذا الجيل هو الجيل الثاني ، لأن الجيل الأول هو الذي كان داخلاً وفاعلاً في الحروب الشطرية بدرجة أساسية . وقد استمر نشاط الجيل الثاني العائد من أفغانستان، والذي اشترك كذلك في ما أسموه حرب “الردة والانفصال”، حتى أواخر النصف الأول من عقد الألفية الثالثة. ومنذ 2008 -2009م بدأت ملامح الجيل الثالث بالتشكل والظهور والإعلان عن نفسها ، وكان ظهور الشيخ أنور العولقي ، وناصر الوحيشي ، وقاسم الريمي ، وسعيد الشهري ، وغيرهم هو بداية الإعلان عن تشكل الجيل الثالث ، وخاصة مع إعلان فرعي تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية في 2009م تحت مسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” بقيادة ناصر الوحيشي ، وبنيابة سعيد الشهري السعودي الجنسية .

حقاً إن أعداد المجاميع الإسلامية المتطرفة والتكفيرية و”الجهادية” والقاعدية اليمنية ، كما تشير بعض التقارير والأبحاث الاستراتيجية المتخصصة ، إنما يأتون بعد عدد وحجم الجماعات “الجهادية” والقاعدية السعودية في ذلك الحين. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن اليمن صارت ملجأ ، ومأوى ، وحاضناً للكثير من “الجهاديين” والمتطرفين الإسلاميين ، وخاصة بعد عودة من كانوا في القتال في أفغانستان ، ورفض بلدانهم استقبالهم ، أو عدم قدرتهم على العودة إلى بلدانهم لأنهم كانوا مطلوبين من حكوماتهم وأجهزة أمنها ، ومطلوبين كذلك لأجهزة الأمن الأمريكية ، والاتحاد الأوروبي ، (3) فإن اليمن في سياق هذا التطور والتحول أصبحت، في فترة حكم علي عبدالله صالح، هي الحاضن والمصدر الأول للمتطرفين و”الجهاديين” وغالبية هؤلاء المتشددين ، سواء كانوا تكفيريين بصورة عامة ، أو “جهاديين” بتسميات مختلفة أو “قاعدة” ، هم من خريجي المعاهد الدينية ، والمدارس والمراكز السلفية الدعوية و”الجهادية” الناشطة والعاملة في طول البلاد وعرضها .

ففي النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً منذ العام 1988م، جرت مطالبات مبكرة من الحكومة والدولة الليبية عبر وزارة الخارجية الليبية واليمنية، بايقاف نشاط الجماعات الإسلامية الليبية المعارضة التي تشتغل ضد ليبيا في اليمن بعد أن تتلقى تدريبات عسكرية ، وحملة توعوية أيديولوجية دينية متطرفة. وجرت بين اليمن وليبيا أواخر الثمانينيات مباحثات حول هذه المجموعات السياسية الدينية المعارضة للدولة الليبية والموجودة في الأراضي اليمنية ، حيث كان “معهد دماج” يستقبل المئات بل الآلاف من “المجاهدين” الإسلاميين بجنسيات مختلفة في معهده ومركزه ، ومنهم مجموعات ليبية كبيرة ، كان النظام الليبي يرى فيهم خطراً على مصالحه وعلى مستقبل النظام في ليبيا .. وجرت المطالبة عبر القنوات الرسمية الدبلوماسية .. وكانت هناك أخبار ومعلومات عن مفاوضات رسمية دبلوماسية بين الدولتين اليمنية والليبية ، بخصوص هذه المجاميع الإسلامية الليبية المعارضة الموجودة في شمال اليمن سابقاً . ولا علم لدينا كيف انتهت هذه المباحثات الرسمية وعبر القنوات الدبلوماسية بين الطرفين ، ولكن ما نعلمه من مصادر مختلفة -وزراء وقادة سياسيين في السلطة- أنه تم ترحيل مجاميع كبيرة من المعارضين الإسلاميين الليبيين ، باتفاق بين صنعاء وليبيا . وقد أشار الشيخ مقبل الوادعي في بعض خطبه وكتاباته إلى وجود أكثر من أربعين ليبياً في مركزه أو معهده . طبعاً، إلى جانب عشرات الجنسيات العربية والإسلامية والآسيوية والأفريقية ، والأوروبية(4).

من جهته كان النظام المصري، منذ الثمانينيات والتسعينيات ، لم يتوقف عن مطالباته بتسليمه بعض الأسماء المتواجدة في اليمن. وهناك معلومات عن تسليم بعض المجاميع أو الأسماء ضمن صفقات أمنية بين النظامين . وليس صحيحاً ما تقوله أو تذهب إليه بعض الكتابات والأبحاث من أن “المجتمع اليمني لم تبرز فيه ظاهرة التطرف الديني التي أفرزت عناصر وجماعات متشددة ومنظمة إلا في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين ، وبالتحديد بعد قيام الوحدة في 22 مايو 1990م ، التي تزامن ظهورها مع السماح بالتعددية والحزبية”(5). فالحقيقة العارية ، والواقع السياسي التاريخي يؤكدان بالملموس أن البدايات الأولى لظهور جماعات التشدد الديني والتطرف والإرهاب إنما بدأت بشكل جدي وعملي مع بداية النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي . فجامعة صنعاء عرفت منذ أواخر النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي البدايات الأولى العلنية أو شبه العلنية لخطاب التشدد والتطرف الديني ، حيث تمثل ذلك في البدايات العملية الأولى للتهجم على بعض طالبات الجامعة من خلال حصارهن، بل رمي بعضهن بالأحماض المركزة الحارقة بذريعة عدم ارتدائهن الزي الشرعي كما يرونه هم ، أو بسبب سفور بعضهن من الجنسيات العربية ، وكنا شهود على ذلك. وفي هذه الفترة بدأت عمليات الصلة بين الأجهزة الأمنية وهذه الجماعات من خلال تواجدهم في المؤسسات الأمنية والاستخبارية والعسكرية ، وخاصة بعد توسع مواجهة النظام في صنعاء لما كان يسمى بــِ”الجبهة الوطنية الديمقراطية” المدعومة من دولة جنوب الوطن (التي انتشرت في المنطقة الوسطى تحديداً وفي بعض المناطق الشمالية الأخرى) . وهو تأكيد عملي على الصلة التاريخية بين المؤسسة السياسية الرسمية في (ج .ع .ي) والجماعات المتشددة والمتطرفة مذهبياً.

مع الوحدة، وبعد قيامها، استشعرت الجماعة الأصولية خطورة الوحدة على أفق تطور مصالحها ، أي أنها أحست بالخطر الذي قد يهدد وجودها كله فيما لو سار أمر الوحدة بشكل طبيعي ، وضمن المسار الديمقراطي التعددي الذي رسم لها . ومن هنا فقد رفعت من الأشهر الأولى للوحدة شعار “القرآن دستورنا” ، كشكل من أشكال العنف الرمزي (الثقافي والسياسي والديني) ، ضد مجتمع الوحدة والمؤيد لها ، وكذا ضد بعض أطراف سلطة الوحدة ، باعتباره الطرف “الكافر” غير المؤمن بالشريعة. وقد استخدم شعار “القرآن دستورنا” في مواجهة دولة الوحدة ، وضداً لدستورها شبه المدني الذي اعتبر مخالفاً للشريعة الإسلامية ، وقد عقد زعيم “الجهاديين” والمتطرفين في اليمن عبدالمجيد الزنداني ومعه أعوانه مؤتمراً لمعارضة الوحدة ودستورها اسماه “مؤتمر الوحدة والسلام”، رفع فيه شعار “القرآن والسنة فوق الدستور والقانون” وهو أنصع دليل عملي على الموقف العدائي لدولة النظام والقانون ، ورفض الوحدة باسم تطبيق شعار الدولة الدينية الذي يعكسه مضمون الشعار القائل بأن القرآن والسنة فوق الدستور والقانون “(6)وشعار “الحاكمية لله” وأن “لا حكم إلاَّ لله”.

إن ما كان يجري من عنف ديني وتطرف وإرهاب قبل الوحدة ضد المجتمع والديمقراطية والحياة السياسية المدنية الحديثة ، وبعد الوحدة من عنف ضد الوحدة ، ودستورها الذي وسم بــِ”الكافر” والعلماني ، والمخالف للشريعة، لم يكن في الحقيقة مفصولاً عن دعم وتأييد جناح هام ونافذ في المؤسسة السياسية الرسمية (العسكرية والأمنية) لاستخدامه ورقة تعويق سياسية ضد مشروع الوحدة السلمية، الديمقراطية والتعددية، وهي القوى النافذة في الحكم التي وُجدت تاريخياً مرتبطة بجماعات التعصب والتشدد الديني والتكفير ، و”الجهاد” ضد الآخر في الداخل أولاً ، والخارج ثانياً (الجهاد القريب والبعيد). ولم يجر الإعلان عن تأسيس “حزب الإصلاح” سوى بعد وحدة 22مايو 1990م مباشرة ، ضمن صفقة بين المؤسسة السياسية الرسمية ( السياسية والعسكرية منها) وبين الزعامة المشيخية القبلية والمجاميع الدينية المختلفة . في ج. ع. ي. فالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، الزعيم القبلي التاريخي ، والزعيم الديني بعد ذلك في تجمع الإصلاح، يؤكد في مذكراته هذه الصفقة والوحدة السياسية التاريخية بين الطرفين حين يقول بالنص: “في ذلك الحين ، طلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي ، وأنا معهم، أن نكون حزباً ، في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر . قال لنا : كونوا حزباً يكون رديفاً للمؤتمر. ونحن وإياكم لن نفترق ، وسنكون كتلة واحدة ، ولن نختلف عليكم ، وسندعمكم مثلما المؤتمر. إضافة إلى أنه قال – والكلام للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – : إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي ، وهم يمثلون الحزب الاشتراكي والدولة التي كانت في الجنوب ، وأنا أمثل المؤتمر الشعبي العام والدولة في الشمال ، وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتحلل منها. وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي وهي غير صائبة ، ونعرقل تنفيذها ، وعلى هذا الأساس أنشأنا “التجمع اليمني للإصلاح” ، في حين كان هناك فعلاً تنظيم ، وهو تنظيم “الإخوان المسلمين” الذي جعلناه كنواة داخلية في التجمع ، لديه التنظيم الدقيق، والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربوية الفكرية “(7)، وهو استمرار تأسيسي لتلكم الصلة السياسية الأيديولوجية التاريخية بين المؤسسة الرسمية والجماعات الدينية والقبلية والعسكرية الداعمة للتوجهات الإقصائية والعدائية في موقفها من الآخر .

ويمكن القول إن حزب التجمع اليمني للإصلاح ، اليوم ، ليس حزباً دينياً خالصاً، كما أنه ليس حزباً متطرفاً دينياً ولا يقف مع الإرهاب كتوجه سياسي عام، ، فهو تكون تاريخياً وعملياً من ثلاثة مجاميع أو قوى :1. التيار المشائخي القبلي بقيادة الشيخ عبدالله الأحمر وهو التيار النافذ والمقرر والقوى ، 2. التيار السياسي الديني “الإخوان” (المتشدد عبدالمجيد الزنداني)، 3. التيار السياسي الديني المفتوح على المجتمع والحوار بقيادة ياسين عبدالعزيز ، عبدالوهاب الآنسي ، محمد اليدومي ، محمد قحطان …إلخ، وهو تنظيم يقف في خط مذهبي مقابل للاتجاه المذهبي الشيعي الزيدي الذي يعبر عنه على الصعيد السياسي “حزب الحق” وإلى درجة معينة “حزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية”. وحزب “الإصلاح” بعد الوحدة – تحديداً منذ أبريل 1993م ومشاركته في الانتخابات وفي السلطة- هو حزب سياسي قبل بالديمقراطية والتعددية(8).والانتخابات البرلمانية ، ودخل حوارات تنسيقية وتحالفية مع أحزاب قومية ويسارية واشتراكية . ولا صلة له فعلياً اليوم، كتوجه سياسي معلن، بالجماعات التكفيرية والسلفية المتشددة و”الجهادية” القاعدية (مقبل الوادعي ، محمد بن عبدالله الإمام ، عبدالمجيد الريمي، ولا صلة له بالقاعدة أو دعمها سياسياً، أو أيديولوجياً)، مع وجود أسماء ومجاميع متشددة تكفيرية ، و”جهادية” في داخله، تعلن يومياً الحرب على المجتمع وتكفيره، مثل عضو مجلس النواب ، عبدالله أحمد علي العديني في تعز والذي لم يعلن حزب الإصلاح موقفاً فكرياً/ سياسياً تنظيمياً واضحاً منه، ومن غيره ممن يشتغلون في هذا الاتجاه.

إن خروج حزب الإصلاح من لعبة التكفير ، والقتال “الجهادي” وبصورة نهائية وخاصة بعد أن وضعت حرب 1994م أوزارها ، واستتباب الحكم (سلطة وثروة ، وإدارة) لحزب المؤتمر الشعبي وقيادته . فإن ورقة الجماعات التكفيرية والجهادية الدينية القتالية بقيت “كرتاً” وورقة بيد النظام (علي عبدالله صالح) ضد الخصوم الداخليين ، وفزاعة ضد الخارج (أمريكا، وأوروبا) . ولم يجر فك الارتباط بشكل نهائي بين المؤسسة السياسية الرسمية والجماعات السلفية المتشددة ، وعناصر “الجهاد” الإسلامي تحت التسميات المختلفة ، ومنها ورقة القاعدة حتى اليوم.
إن “القاعدة” و “داعش” و”أنصار الشريعة” في تقديرنا ليست ظاهرة اجتماعية سياسية ثقافية تاريخية أصيلة ، أي أنها ليست جزءاً من تطور بنية المجتمع الطبيعي والعادي ، ولذلك فهي تبقى ظاهرة سياسية مؤقتة ، غير قابلة للاستمرار لتشكل ما يمكننا تسميته “ظاهرة تاريخية” ، فهي حالة سياسية أيديولوجية عابرة/ مؤقتة ، لا تملك موضوعياً أفقاً تاريخياً لاستمرارها وتطورها الجدلي الموضوعي الطبيعي ..، كما أنه ليس لها حاضنة اجتماعية، وهي جميعاً عملياً محكومة في الغالب بشروط النظام السياسي المتخلف القائم في المنطقة وبعض دول العالم الثالث ، وبالصراعات الدولية لإعادة اقتسام العالم تحت شعار “مكافحة الإرهاب العالمي ” –يؤكد ذلك ما يجري اليوم في العراق وسوريا، وليبيا. كما ترتبط تحديداً بجملة من الشروط السياسية الذاتية ، كحالة الفساد البنيوي ، وحالة الاستبداد المتمثل في واقع احتكار السلطة والثروة في أقلية فئوية أو مناطقية أو قبلية أو مذهبية دينية ، وفي غياب ظاهرة الشراكة والمشاركة في صنع واتخاذ القرار السياسي ، وفي انعدام حالة تداول السلطة سلمياً ، وفي ضعف أو غياب سلطة القانون والدولة . ولا يخدعنا الحديث الإعلامي الأمريكي – الغربي ، وكذا خطاب بعض الأنظمة العربية في تضخيم دور هذه الأدوات في صورة ومكانة ودور “القاعدة” و”داعش” ، فلكل منهما أسبابه السياسية والذاتية ، والتكتيكية الخاصة في الترويج لتضخيم “القاعدة”، “داعش”، “أنصار الشريعة” ..إلخ وتعميدها كأسطورة وخرافة سياسية دينية تدخل ضمن أيديولوجية “صراع الحضارات” والأديان والأعراق، لهدف تعميم إنتاج ونشر شعار “مكافحة الإرهاب العالمي” ، لتبرير التواجد الأمريكي – الغربي ، في المنطقة ، وفي مواقع مختلفة من العالم (أفغانستان ، باكستان ، العراق الصومال، واليمن) لخدمة مصالح سياسية اقتصادية استراتيجية أكبر من لعبة أنظمتنا العربية . بمعنى آخر، أن القاعدة أو الجماعات التكفيرية “الجهادية”، تحت التسميات المختلفة، هي جزء من الفعل السياسي الموجود بالقوة / وليس بالفعل ، والذي في تقديرنا من الممكن بكل سهولة ويسر تجفيف منابعه ، واجتثاثه فيما لو وجدت إرادة سياسية وطنية وقومية ، وأفق تنموي ، وسياسي ديمقراطي لمواجهة ذلك التحدي .

ويمكننا القول إن المجمع الصناعي العسكري الرأسمالي هو أحد أهم المصادر المالية التي تغذي ماكينة الاقتصاد الرأسمالي الإمبريالي ، في صورة العولمة الأمريكية الغربية الاستعمارية ، الاحتلالية (أفغانستان ، العراق) ، الذي يحركه اليوم شعار “مكافحة الإرهاب العالمي”. ومن هنا يأتي الحديث عن صناعة الإرهاب وإعادة إنتاجه ، عبر نشر وتضخيم أيديولوجيا (الإسلامو فوبيا) في صورة تنظيم “القاعدة” ، و”داعش” الذي تشتغل الميديا الأمريكية – الغربية على تسويقه عالمياً ، بعد أن وجدت فيهما قوة مكملة لها ، وتبرر شرعية وجودها في منطقتنا العربية والإسلامية ، بقدر ما تبرر كذلك شرعية العديد من الأنظمة الاستبدادية العربية ، من وجهة نظر المصالح الأمريكية . وبهذا المعنى نجد أن تنظيم القاعدة وغيره ، منفصل ، ومتصل بالعولمة الأمريكية – الغربية .. فالقاعدة ، وداعش تخدمان العولمة الأمريكية استراتيجياً ، ومعادية لها تكتيكياً ، ” فالقبضة الخفية للعولمة الرأسمالية لا تستطيع العمل من دون مواجهة عدو يبرر وجودها ، وهذا ما أنتجته أدبيات المحافظين الجدد ، بقيادة برنارد لويس ، وتلميذه صمويل هنتجتون ، في اليوم الثاني لسقوط الشيوعية في أوائل التسعينيات ، حين نظرت لعدو جديد اسمه الإسلام .

لا نؤمن أن نظرية المؤامرة هي من تقف وراء كل ما يجري في منطقتنا، دون إنكار وجود المؤامرة كمصالح تتقاطع بين أطراف عديدة، قد تكون مختلفة، وتهندس لتمرير، أو فرض المصالح الخاصة للدول باستخدام جميع أشكال المؤامرة/ القوة. وإلاَّ كيف نفهم ونستوعب أن مئات أو خمسة عشرة الأف مقاتل / جهادي، يتمكنون من الاستيلاء على مناطق واسعة من أراضي دول عربية عديدة، وتحتل المواقع الاقتصادية فيها، وتسمر في حكمها لعدة سنوات وتفرض قوانين ألغاب فيها، وتطرد جيوشها الكبيرة منها بعتاد، وعديدها من هذه المناطق وتستمر لسنوات دون أن يكون هناك توافقات داخلية وإقليمية ودولية على ذلك ولو بحدود ضيقة جداً ، يحكمها منطق تصالح المصالح.

الهوامش
1 – أنظر نص رسالة موجهة من رئيس الاستخبارات السعودية كمال أدهم إلى القاضي عبدالرحمن الإرياني من المكتب الخاص بالمملكة السعودية تقول بالنص ” ضرورة إقصاء محسن العيني مؤقتاً تخفيفاً لنقمة أبناء الجنوب بعد تسببه في توقيع اتفاقية الوحدة وتعيين خلفٍ له الأخ عبدالله الحجري … الاستمرار في دعم عبد القوي مكاوي والأصنج … إعادة الفريق حسن العمري من القاهرة إلى اليمن ” وتبدأ الرسالة بالقول “تعلمون ولا شك إلحاحنا عليكم في السابق بدعوة المفسدين في الجنوب إلا أن الوحدة مع اليمن الأم نابع من إيماننا وتأييد أصدقائنا الأمريكان لهذا الإيمان بالوحدة ، اعتقاداً منا ومن أصدقائنا أن هؤلاء المتطرفين في الجنوب سيرفضون الوحدة مع الرجعيين في الشمال، وكان قبولهم بالوحدة مفاجأة لنا ولكم” الرسالة بتاريخ 27 شوال1392 هـ الموافق 3/12/1972م.

2-د. نبيل علي الرزاقي كتاب “اثر ظاهرة الإرهاب على الأمن القومي اليمني” ص 101 -102 ، ط أولى 2010م ، مركز عبادي للدراسات والنشر – صنعاء.

لا نجد أنفسنا متفقين مع د. نبيل علي الرزاقي في أن الجيل العائد من أفغانستان على المستوى اليمني هو الجيل الأول من عناصر تنظيم “الجهاد الإسلامي” أو من “الجهاديين” ، لأن سياق التطور الموضوعي والتاريخي يقول إن الجيل الأول في اليمن هو الذي بدأ بالتشكيل منذ النصف الأول من السبعينيات، ثم سمي بالجماعة الإسلامية الوهابية أو “الإخوان المسلمين” ، أو “الجبهة الإسلامية” ، وجزء من هذا الجيل ذهب إلى أفغانستان لسنوات عديدة “للجهاد” ضد السوفيت وقد اكتسب معارف وخبرات وثقافة “جهادية” هي حصيلة لقاء مع جماعات أيديولوجية وسياسية وتنظيمية إسلاموية مختلفة مكونة من جنسيات عربية وإسلامية وغربية، وهو الجيل الثاني، والذي استدعي بعد انتهاء الحرب في أفغانستان للمشاركة في الحرب على “الشيوعية” في جنوب البلاد واشترك في اغتيال قيادات الاشتراكي. بعد الوحدة وفي حرب 1994م ضد الاشتراكي ، أما الجيل الثالث فهو جيل الانترنت إلى جانب بعض قيادات الجيل الثاني مثل ناصر الوحيشي ، وقاسم الريمي وغيرهما . وفي تقديرنا أن هذا التقسيم لحضور الجماعات السياسية الدينية التكفيرية و”الجهادية” -وبعد ذلك- القاعدية في اليمن هو الأصوب والأصدق تاريخياً على المستوى اليمني. ومع ذلك يمكن أن يكون التقسيم الذي أورده د. نبيل علي الرزاقي يصدق على بعض الدول الأخرى ، الصومال ، المغرب العربي (شمال أفريقيا) .

4- د. نبيل علي الرزاقي نفس المصدر ص 101.

5-د. سعيد علي عبيد الجمحي كتاب “القاعدة في اليمن : النشأة .. الخلفية الفكرية والامتداد ، حيث جاء في الكتاب: ” لقد توسعت دعوة مقبل الوادعي ، وأقبل عليه كثير من الشباب من كافة البلدان العربية والإسلامية ، فنجد الشيخ الوادعي يذكر من تلاميذه النابغين والذين لا يزالون على خير واستقامة – كما وصفهم – والذين بلغ عددهم خمسمائة طالب وطالبة منهم 13 ثلاثة عشر مصرياً ، و12 واثنا عشر جزائرياً ، وخمسة عراقيين ، وثلاثة وأربعون ليبياً ، واثنا عشر صومالياً ، بالإضافة إلى تسعة طلاب من اندونيسيا ، وأعداد قليلة من المغرب ، وسوريا ، والسودان ، ولبنان ، وجزر البهامة ” ، ط أولى 2008م ، مكتبية الحضارة صنعاء ص 307 .

6-د. نبيل علي الرزاقي ، مصدر سابق ، ص96 .

7- قادري أحمد حيدر كتاب “العولمة والتأسلم السياسي ” مصدر سابق ، ص 144 .

8 – الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كتاب “مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ” قضايا ومواقف ، ص 248 -249 ، ط أولى 2007م ، دار الآفاق للطباعة والنشر .

9 – حول ذلك يمكن العودة إلى كتاب د. فلاح عبدالله المديرس تحت عنوان “الحركات والجماعات الإسلامية في اليمن 1929م -2004م” ص 17 ، إصدار مركز الدراسات الإستراتيجية المستقبلية ، جامعة الكويت، العدد السابع مايو 2005م.

10- سعيد محيو ، صحيفة الخليج الإماراتية ، الخميس 13/1/2011م .

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى