فضاء حر

حُبًّا يخلو من الحرية يخلو من النضوج

يمنات

ضياف البراق

إحدى الصديقات كَرِهتْني لأنني واضحٌ دومًا، صريح معها ومع الكل أيضًا.. خاصمتْني كوني لستُ أنانيًّا أبدًا، لستُ حيواني الشهوة أو تسلطي الاندفاع أو استغلالي النزعة، بل كوني لا أرتخص قيمةَ الحب، لا أبتذل معانيه، لا أُسيء استخدامه، وإنما أقدِّسه، أنصهر فيه كليًّا، أحيا به وفيه، أعتنقه دينًا شاملًا، وأمارسه بشفافية كاملة وحرية رزينة. إن حُبًّا يخلو من الحرية، يخلو من النضوج، يخلو من الحيويّة الصوفيّة، ليس بحب، وإنما مجرد حالة عبثيّة ساذجة سرعان ما تزول أو تؤول إلى الفشل أو التردّي.

طبعًا، الغيرة في الحب، لا تروق لي بتاتًا، مع أنها مُحبّبة لدى كثير من المحبين من الجنسين. إنني لأمقت التعصُّب دومًا. التعصب يقتل براءة الكائن البشري، يهين عقله، يجعل من هذا الكائن مجرد شيء أعمى، وبالمعنى الأخير يجعله في مستوى أدنى من مستوى الحياة. الحب هو سمو العاطفة والأخلاق، هو الشفاء والوفاء، هو المرانة في التعامل والحركة، لا المرض أو الخيانة أو الخداع أو القسوة..

الحب هو اعتناق الحرية والجمال، والخروج من أسْر الذات إلى ساحة الوجود، إلى صميم الآخر، إلى قلب الحياة. الحب، تمرُّد على العادات الدميمة، تمرُّد محسوب، وتجاوز حقيقيّ لخطوط نزعة “حُب السيطرة” وحالة العبث. إنه انعتاق كامل من القيود السوداء وأسباب الكراهية، وارتقاء خالص النقاء من الحضيض والشعور بالدونيّة إلى الإنسانية والكمال. الحب، فن وفلسفة، أيْ: تجلٍّ حُر، إنه انطلاق دائم ومعقول نحو البحث، والإبداع، والعطاء. الحب إن لم يكن فنًا وفلسفة في آن، هو، بشكل أو آخر، فوضى وهبوط، أو غرور وجمود.. الحب ليس القوة أو الضعف، ليس الأنانية أو الخضوع، إنما هو: صدق الإحساس، نزاهة الضمير، سمو الفِكرة واللغة، إنه، إذَن، «التضحية» كلها.

الذي يحتقر كرامة المرأة أو يستغلها أو يستبد بها، الذي يرشق الشجرة بالحجارة أو يمارس السوء بحقها أو يغتصب جمالها أو لا يعطف عليها أو لا يتأملها، الذي يُسيء استخدام الطريق، الذي يقسو على الحيوان أو يقتل الحشرة الجميلة أو ينزعج من أصوات البلابل، الذي يتاجر بالكلمة أو يُسيء توجيهها أو يحط منها.. هذا المرء لا يحب أبدًا، أو ليس بِمُحِب البتّة، إنه بائس إذ يظلم نفسه بنفسه، بل إنه يقتل روحه بعبث، يقتلها قصدًا أو عفوًا.

الحب غير المتعقّل، ليس بحب، وإنما مجرد “وَهْم” زائل مع الأيام. الذي يحتقر الحب أو يمارسه على نحو جزئي أو عنصري أو وقتي أو عبثي، هو كائن جاف المشاعر، جامد الذهن، إنه غير موجود، كونه لم يعرف نفسه بعد، وهكذا أيضًا لم يعرف الحياة.

الحب إن لم يكن هو الانتماء الكليّ للعقل والجمال، لا يكون شيئًا. إن الحب لثورات، وتضحيات، وسكرات، معًا. 

والحب بمعنى أعمق، هو: أن نكون إنسانيين دومًا، إنسانين تجاه أنفسنا، تجاه الآخر، ومع كل شيء.. أعني أن نكون في مستوى الحقيقة، في مستوى الحياة، وفي أحضان الطبيعة – الأم.

وقبل كل شيء، الحب هو: البساطة، ثم التواضع، ثم إيمان صادق بكرامة الآخر، واحترام حقه في الحرية والحياة.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى