العرض في الرئيسةفضاء حر

من ارشيف الذاكرة .. يناير 2011 .. البداية من الجامعة

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

– خرجت مع رفقائي في 16 يناير 2011 حالمون بالتغيير .. ليس بالتغيير على عواهنه، بل بالتغيير الذي نريد .. لم يكن هذا هو خروجي الأول، بل حياتي كلها كانت سلسلة طويلة من التمرد، و المقاومة، و الخروج على ما هو واقع و سائد و مفروض .. في البيت، و في المدرسة، و في الجامعة، و في العمل، و في كل منعطفات حياتي، و لازلت كذلك إلى اليوم..

(2)

– أشعر أحيانا أن حياتي تعبت مني، و لكنني أظل ممعنا في إثقالها بالمزيد .. أتعبت معي أسرتي، و أتعبت أيضا أخريين ممن يحبونني من الأقرباء و الرفاق و الأصدقاء المقربين .. و لكنه قدري، و ربما هي أقدارهم أيضا..

– أضطر أحيانا للتوقف لأستعيد أنفاسي، أو لأتبين المكان الذي أقف عليه، و أتأمل و أحدج ببصري فيما يحيطني أو يحيط بي .. ربما أتراجع أو أراجع فيه بعض مواقفي .. و ربما أضطر أحيانا مرغما لتخفيف سرعتي، و التمهل، أو أجد نفسي بحاجة لأن أستريح قليلا من الوقت، استراحة محارب، ثم ما ألبث أن أنهض و أوصل السير من جديد على العهد و الوعد الذي قطعت يوما على نفسي..

(3)

– أحيانا أعترك مع نفسي، و أحيانا أشعر بسيل من الإحباط يجتاحني .. و أحيانا أخرى أشعر بانكسار و خذلان ساحق، و في أحايين أخرى يوجه لي الواقع صفعات قوية و صادمة، و لكن مجرد ما أنام و أستيقظ تكون تلك المشاعر السلبية قد غادرتني، أو على الأقل جلّها قد غادر بعيدا عني دون عودة، و البقية أتعايش معها و تتلاشى و تزول مع مرور الأيام..

– يتجدد التعب كل يوم و يعقبه النوم الذي يخفف عني بعض من وطأة ذلك التعب .. التعب و النسيان يتجالدان، و تستمر الحياة بكل ما فيها من تناقض و صراع، بل يتبدّى لي أن ذلك الصراع، و تلك التناقضات نفسها إنما هي الحياة ذاتها التي نعيشها أو هي قوانينها التي لابد منها..

(4)

– المرة الوحيدة التي اعتركت فيها مع نومي أربعة أيام متوالية، بلغت حد القطيعة معه، شعرت بشحنات الكهرباء تكاد تفجر رأسي، عصبيتي كانت مجنونة، و تصرفاتي كانت حمقى إلى حد بعيد .. يومها فقط أحسست بمعنى و خطورة التعذيب، بالحرمان من النوم..

– أرغمتني تلك القطيعة مع نومي على زيارة صديقي الدكتور عبدالرحمن سلام، و هي المرة الوحيدة في حياتي التي أزور فيها طبيب أخصائي أمراض نفسية و عصبية، و قد أعاد لي النوم من اليوم الأول، إثر هذه الزيارة..

(5)

– ممارسة السياسية في بلاد مثل اليمن مكلف جدا، لاسيما إن كان هذا الذي يمارسها حالم، و أحلامه تتصادم مع واقعه، في ظل غياب واسع للوعي، و مال سياسي متدفق، و فساد مهول، و عوز و فقر عارم في المجتمع..

– و زائد على هذا، وجود نخب هشة، و مثقف سهل الاستقطاب، بل و التماهي مع من يدفع أي كان .. مثقف مستعد أن يبيع من أول عرض، أو يفعل أي شيء، طالما هذا الشيء يعيد عليه بمردود ما، كان ماليا أو وظيفيا أو مزايا أخرى..

– و في مجملها تلك المزايا والعطايا و الرشاوي، تهين المثقف و تستبيح ضميره و كينونته، و تحوله إلى منافق دجال، و ماسح أحذية، و تسقط الدور الطليعي الذي ينبغي أن يضطلع به، و تحوله إلى خائن للقضايا التي كان يفترض أن ينهض بها، أو يدافع عنها، و عن الشعب الذي يفترض أن يكون طليعيا له .. و الأكثر أنه يعمد بمثابرة إلى تزييف وعي الشعب، و يتوطأ مع مرتكبي الجرائم، و البشاعات، بحق شعبه، إلى الحد الذي تجعله شريك فاعل فيها..

(6)

– كنت أحمل أثقال المظالم على كاهلي، وأذهب بها من الحكومة إلى البرلمان .. كانت تلك المظالم ليست مظالم تخصني لوحدي، بل تخص كثير من الناس ممن أتبني قضاياهم، أفرادا و جماعات و فئات و مجتمع .. كانت تلك المظالم ثقيلة وصارخة، لا لبس فيها و لا عليها غبار .. و كانت تثقلني أكثر تعنت و كبر و غرور أجهزة السلطة التنفيذية، و رجالها المتغطرسون، و من خارجها أولئك المدعمين بالنفوذ و السلطة و الجاه..

(7)

– كنت ألوذ من الحكومة إلى البرلمان، و أشكوها إليه، لعله يفعل شيء، و لكن كان تعاطي البرلمان معها هو للتنفيس أو التخدير المؤقت، و أنتهي منه في الواقع ليس فقط إلى لا شيء، بل إلى ما يشبه السقوط و الارتطام بالقاع من علو شاهق، أو الاصطدام الشديد بحائط خارساني صلد..

– كانت تنتهي تلك المظالم إلى مزيد من الخيبة والقهر و الشعور بالإرغام .. كنت أخرج من كل قضية في البرلمان مهشما و موجوعا و محطّما، و في المقابل كان هناك ظالمون يحتفون بانتصارهم .. منتشيون و مختالون كالطاؤوس .. كنت أكابد القهر و الكمد و الخيبة الصادمة عقب كل معركة أخوضها في البرلمان..

(8)

– ثم أحمل أثقال المظالم مرة أخرى من البرلمان إلى القضاء، و لكن أنتهي إلى خيبة أشد .. و لطالما تمنيت أن يكون القضاء الذي انتميت له يوما، مرجعية للجميع، و لكن لم يحدث هذا .. كان القضاء دوما كرباجا بيد السلطة، تستخدمه في المقام الأول ضد معارضيها، و من لا يروق لها..

– خرجت من كل هذا بخلاصة تقول: إن من يحكم هذه البلاد هي عصابة في المقام الأول، و هو نفس شعوري اليوم حيال سلطات الأمر الواقع كلها في اليمن .. ستكتشفون لاحقا إنها كانت مجرد عصابات، بل أكثر من ذلك..

– في يناير 2011 عندما لاحظت وجود بوادر حراك في جامعة صنعاء، قلت هنا يجب أن تكون وجهتي، و ملاذي، و من هنا يجب أن أنطلق..

للمزيد

نحن الحالمون الذين لا يمكن ترويضهم أبدا

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى