فضاء حر

رسالة مفتوحة لفخامة رئيس الجمهورية

يمنات

ضياف البراق

– فخامة الرئيس، لا شك أنك بخير كالغياب، وأنك، كالعادة، لا تستطيع العيش أو الخطابة أو الإخلاص لوطنك، إلا أثناء النوم أو الشيشة أو بعد الكبسة بساعتين أو ثلاث – وهذا عظيم، ومحسوب لك أنت، فقط. كذلك، نعلم بأنك ما تزال في قمة ضياعك، وشجاعتك الكفاحية الرخوة، وخارج إرادتك الشائخة، وأنك، على الدوام، لا تساوم ولا تخون عندما يتعلق الأمر بسيادة الوطن، هذا مع أنك تنام أغلب الأيام، ولا تصحو إلا في الأوقات الضائعة. لا شك أيضًا أنك تأخذ ولا تعطي، تقول ولا تفعل، تشاهد وتسمع لكنك لا تتحرّك ولا تبالي ولا تجرؤ، تجيد استعمال الحمّام الإفرنجي، و”الواتس آب”، والتبرير، ولا تجيد استعمال عقلك أو سلاحك، إنك بارعٌ إذ تتقن العربية، وتحترمها أكثر من نفسك، وشعبك، ومسؤوليتك التاريخية كرئيس شرعي معترف به محليًا، وإقليميًا، ودوليًا.

– فخامة الرئيس، إنّ من لا يفهم اللغة، لغته – الأم، لن يفهم الحياة ومشكلاتها، وإنّ من ينتهك مبادئها أو يهين قواعدها، حتمًا سينتهك سيادة بلاد، ويهين حقوق شعب. اللغة هي المنطق، والوطن هذه اللغة، ومن يحب لغته ويحترمها، بالضرورة سيحب وطنه ويحترمه. الكلمة الجيدة، هي التي تصنع النصر، وتبني الحياة. والكلمة الحرة أقوى من السلاح، وعصيّة على الموت.. والتاريخ خير شاهد على ما أقول.

– فخامة الرئيس، بالأمس طلّق جاري “العزيز” زوجته لأنه لم يستطع إشباع جوعها وتسديد إيجار البيت المهترئ للعام الثالث على التوالي، طلقها بعد أن جرّب كل الوسائل والطرق ولم ينجح في واحدة منها. جاري هذا، أستاذ رياضيات عريق، ومناضل وطني منذ نعومة أظفاره. الزوجة قررت الانتحار، والزوج يرقد الآن على الرصيف المفروش بالقمامة والذباب. أين راتبه الشهري؟. أمّا اليوم، فقدْ اِجتاحت الكوليرا جميعَ مفاصل حارتنا، ونوافذها، وشبكات المياه، ومطابخها، وها هي تهاجم النساء والرجال وتقتل الأطفال الذي يعانون من سوء التغذية والتعليم. ربما، في الساعات القليلة القادمة، سيتم دفن ثلاثة أطفال، وشيخ عجوز، وعامل نظافة، وامرأة مسكينة. وفي الحارة المجاورة لنا، البؤس ينتشر على نحو مرعب، الأمراض، الحشيش والمخدرات، لا تجِد فيها أي سلام، فهناك من ينتحر أو يختفي قسريًا، وهناك من يفقد عقله أو كرامته أو يبيع كل ما يملك ويغادر بعيدًا، وهناك من يتحول إلى مجرم فيضرب زوجته بقسوة أو يقتل أحد أطفاله دون رحمة، والقائمة طويلة لكني أكتفي بهذا.

– فخامة الرئيس، لي صديق طيب لم يجد ما يسد به جوعه منذُ أسبوع تقريبًا، وها هو يتعذّب بشرف وهدوء، وآخر مريض حد الموت لم يستطع أن يشتري الدواء، وثمة زميلة جامعيّة رائعة، عزيزة، تركت دراستها فجأةً ولجأت إلى التسوّل. المتسولون بالمئات يجوبون الشوارع ولكن دون جدوى، إنهم في ازدياد مخيف، متسولون في ساحات المدارس، في حرم الجامعات، عند أبواب المساجد، وفي جولات المرور، وفي الأسواق، متسولون من الجنسين، ومن مختلف الفئات العمرية. إنني حزين على الأطفال منهم، فقط، أطفال أنقياء يُهَانون بكل الطرق السيئة، صارت كرامتهم مهدورة بلا ذنب، فليس من أحد يبالي بهم أو يعطف عليهم، وأنا أحبهم، قسمًا بشرفي، إلا أنني لا أستطيع أن أعطيهم شيئًا؛ إنني أجوع مثلهم، واليأس يمزّقني طوال الحرب، لكني لا أجرؤ على التسول، أو رُبَّما لم يعد هناك من مساحة لي كي أجرؤ مثل هؤلاء الأبرياء “الشرفاء”. ها هي الشوارع تزدحم بالخوف، والتعاسة، والمجانين، والقمامة، والبيوت تمتلئ بالضحايا والجراح، الموت يجرف مناطق سكانية كثيرة، والجوع يفترس الأغلبية. إنني، بصراحة، أحسدك على النعيم الذي أنت فيه وأسرتك السعيدة، أحسدك لأنك تتصفح جوجل بالملابس الداخلية الملساء، لا تتعب عندما تتغوط أو تشعر بالجوع، ولا شيء يزعجك أو يحزنك أو يجعلك لا تنام أو يسلبك راحتك.. أحسدك جدًا جدًا، وأتمنى لو أنك تموت أو تكره نفسك وتكره الحياة مثلي أنا.

– فخامة الرئيس، مُذْ توليتَ السلطة، لم تكن في مستواها، ربما أصابك الجنون والضعف أمامها، فتراخيتَ من داخلك، فلم تكن يقظًا وصادقًا من أجلنا، إذ أخذتَ تتعامل مع شعبك وتطلعاته من منطلق تقليدي بليد، لا نهوض فيه ولا خير، حتى دخلت البلاد – نتيجة هذا الفشل والتراخي – في جحيم مفتوح يتغذى باستمرار، كما هو واضح، على الصراعات البينية والإقليمية، والانقسامات السياسية، والفوضى العبثيّة، ويا لها من حرب كارثية لم يعرف تاريخنا مثلها إلا في زمانك الرئاسي – السلطوي.. حرب لا تبدو لها أيّة نهاية وشيكة أو سهلة أو خيّرة، طالما أنك لم تعد تبالي حيالها، لا تكترث، لا تتابع أحداثها، ولا تتألم كما نتألم، ولا تعيش بيننا. إننا نكتوي بالنار على الدوام، نجوع، نعطش، نخسر حيواتنا، أكبادنا، حقوقنا، ونتجرع شتى المرارات – بينما أنت بعيدٌ جدًا عن كل هذا العذاب المأساوي الفادح الجاثم فوق صدورنا. إنك تعيش في نعيم ملكي – فندقي، وافر وباذخ، لذا لم يعد ضميرك يجري، ولا عقلك يعمل. إنك، منذ البداية، تحكم شعبًا عظيمًا، حضارته تضرب في أعماق التاريخ، تحكم بلادًا عريقة أنت لا تعرف تاريخها ولا أهميّتها، ولا تضحياتها، تحكمها بتناقضاتك السيئة، بعواطفك الغشيمة، بخبرتك الفاشلة، وبأدوات حزبية سياسية، نتِنَة ومريضة، وكان من الأحرى بك أن تحكمها بقدرات ناهضة، بروح شجاعة، بعقلية وطنيّة منفتحة تجيد التخطيط، والتجديد، والبناء، وامتصاص الأزمات، فإن لم تكن تقدر على هكذا مسئولية كبيرة، فلتستقلْ في حينها، قبل أن تفشل لندفع نحن الثمن كما هو حاصل اليوم. أيها الفاشل الكبير، السياسة لمن يستطيع ويجرؤ. إنها للأقوياء عقلًا وإرادةً وكلمةً، وليست للضعفاء أو البؤساء أو عديمي الفِعل والرؤية. وأنت اليومَ رخو، لا تمارس السياسة، ولا تتحرك من خلالها، كأنك لا تعرفها البتّة، وإنما تمارس البلاهة، والاستسلام، والفشل المتعدد الأشكال، وتمارس الخطابة الركيكة التي تبعث فينا الجمود، والخنوع، واليأس. رجال السياسة هم البنّاؤون، لا سواهم.. فهل أنت أحد هؤلاء الرجال؟!

– فخامة الرئيس، إن الشرعية التي تترأسها أنت، وتحكم وتتحدث باسمها، صارت تمارس ضدنا، نحن الشعب اليمني الطيب الذي منحها المكانة، والفخامة، والسلطة، تمارس ضدنا كل أشكال الاحتقار، تنهب حقوقنا، وفسادها الفريد من نوعه يتجاوز كل الحدود، شرعية ملأى باللصوص الكبار، والخونة الجميلين، والتجّار باسم الدين والوطن، شرعية رخوة تحت ظلها نختنق أو نموت، إنها انتهازية في كل حالاتها، وفاشلة بالمعنى الدقيق للكلمة. شرعية منحرفة عن مهامها ومسؤوليتها، خذلت وتخذل الملايين من الناس، قتلت وتقتل فينا شغف الحياة، كما جلبت لنا الصراعات الإقليمية القذرة إلى الداخل، وها هي بكل إخلاص لا تبالي بنا على الإطلاق. ألا تخجل من فسادكم الكريه هذا، يا فخامة الرئيس؟ هل ما زلتَ وطنيًا أو إنسانًا؟ إنني، بلا مبالغة، أشعر بالخجل، أشعر بالحزن الشديد لأجلكم عندما تصفعكم الإهانات القاسية في فنادق الرياض، وعندما تتحركون وفق لغة الإشارة، وتطيعون الأوامر الملكية المُهينة كعبيد. فخامة الرئيس، ما هو النجاح الذي حققته شرعيتك الرخوة منذ اندلاع الحرب؟ أين انتصاراتكم الوطنية التي تتحدثون عنها بجنون، وتخدعون بها المساكين؟. إن من لا يملك نفسه، إن من لا يملك الإرادة والقرار، لا يعطي شيئًا، ولا ينجح في شيء، إنه لا يصلح لإدارة مقهى صغير أو لعبة بسيطة على شبكة الإنترنت حتى. على حسابنا، أولادكم يعيشون في نعيم، يستمتعون بخيرات الحياة، عندهم الوظائف الفاخرة، يسافرون إلى مختلف بلدان العالم الحديث.. إنهم لا يجوعون، ولا يحزنون، ولا يتعبون، ولا يموتون في الشوارع أو في الجبهات أو في السجون. كفى، لم نعد قادرين على تحمُّل أكثر من هكذا عذاب، وخذلان، واستخفاف بعقولنا اليائسة منكم.

– فخامة الرئيس، قلت لنا “سأرفع علم الجمهورية فوق جبال مران” ، فصدقناك وآمنا، فإذا بك ترفع جبال مران فوق ظهورنا المكسورة، رفعتَ الموت فوق حياتنا، وها أنتَ تجعلُ البلادَ لا تصلح للعيش، ولا للسياسة، ولا للأمل، ولا للتقدم، ولا للاجتماع والتوحد.. وها هي تحترق، ونحن نموت فيها، ومعها، ونتساقط على الدوام، وأنت، كعادتك الرائعة، تشاهد احتراقنا المُهين عن بعد، فترقص، وتمرح، وتصرخ بنا: “إمّا الجحيم أو الجحيم”.

– فخامة الرئيس، الحرب تطول، والبلاد -أرضًا وشعبًا- تنقرض بعبثيّة فائقة، وسقوطكم يقترب أكثر فأكثر. الانتصارات الكبيرة لا يصنعها الضعفاء أو الأغبياء أو الموتى، إنما يصنعها أولئك الرجال الشجعان، الشرفاء، الذين يجيئون من داخل التاريخ لا من خارجه، ويواجهون الشرور بنور العقل ونزاهة الضمير. إنني، هنا، أقول “الانتصارات الكبيرة”، وأعني: أي تلك التي ترفع كرامة الشعوب، تنحني لها، تنشد الحياة الجميلة لأجلها، وتحترم حقوقَ وإنسانية الجميع دون أي تمييز أو زيف. إنكم، يا فخامة الرئيس، تقتلون ما تبقّى من روح هذا الشعب وأبنائه، وتصادرون مصالحه، حقوقه، وتدفنون تطلعاته، وتتاجرون بدمائه أو بجراحه، في الداخل والخارج، ومع كل هذا الإجرام الفادح، تدّعون أنكم تحاربون من أجله، وتحبونه بإخلاص، ويا للأسف الشديد. إنكم، باختصار، لا تحترمون معاناة شعبكم المغلوب على أمره، لا في الداخل ولا في الخارج، ولا تقيمون له أي وزن. سلّمتم عدن للشياطين والأوغاد، خذلتم تعز مليون مرة، كما خذلتم عشرات المناطق اليمنية الأخرى، وجعلتم اليمني يظلم أخاه اليمني، أو يحتقره، أو يجرده من كرامته، أو يسلبه حياته بالقوة والعنف (وتنافختم شرفًا!)، وها أنتم مستمرون في الكذب، والعبث، والغياب، والتخريب.

– فخامة الرئيس، لم يتبقَ من عمرك إلا القليل، فلتستغل هذا “القليل” في خدمة شعبك الطيب، امضِ قُدمًا لأجله، تحرّرْ من القيود التي تقتلك أو تستغلك، افعلْ هذا لأجل اليمن العظيم، قُلْ للدخيل “لا” ، وللفاسد “لا”، وتحرّك كرئيس لليمن كله، لا كأجير يخدم فئة ما أو طائفة بعينها، ولا كآلة بيد الخائن أو الانتهازي.. اِنطلق الآن، لا تتأخر أبدًا أبدًا، والخير سيأتي لا محالة، والحرب زائلة لو فعلت هذا.

– فخامة الرئيس، محدثك مواطن شريف، مُعَارِض دومًا، لا ينتمي إلّا للكادحين والمسحوقين، وللحق والحقيقة، فحسب، مواطن مظلوم حرمتْهُ الحربُ من أبسط حقوقه، وجعلته يعيش في وجعٍ وخوفٍ دائمين كشيءٍ رخيص، لا كإنسان عزيز له قيمته الكاملة، وها هو يكتب لكم هذه الرسالة بدموعه الصادقة، راجيًا منها الخيرَ والسلامَ للجميع، وهذا يكفي.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى