العرض في الرئيسةفضاء حر

المناطقية الفئوية والجغرافية .. التعليم الطائفي كمدخل للكارثة اليمنية

يمنات

ماجد زايد

سأناقش هنا عدة إشكاليات من جانب المتغيرات السياسية المرتبطة بمذهب القوة ، سارداً بلغة صريحة نتاج تلك المتغيرات على الواقع والحياة ومراحل الطريق اليمني صوب الفشل.

إشكالية الزيدية والشافعية:

من هنا جائت فكرة التعليم المبني على أساس ديني ، الحق الإلهي للمسلمين على وجه الخصوص ، أساس ينظر بعداء لباقي البشر من الأديان الأخرى بل والمذاهب الأخرى. يكفي أن ننظر إلى الحكم المعاصر لنرى كيف أن السلطة القت بتبعاتها على التعليم في اليمن مؤدية الى تطييفه ومفخخة إياه حتى أصبح حرباً أهلية شاملة ، في القضية اليمنية لدينا إشكاليتان أحدهما طائفية مذهبية وأخرى مناطقية جغرافية وصراع بين فكرين ، الأسلام السياسي والماركسية السياسية ، تعتبر الهوية اليمنية هوية إسلامية محافظة ، هوية تشكلت منذ القدم من مذهبين ، الزيدية والشافعية ، مناطق الشمال ظلت زيدية فكراً وسلطة ال ما بعد سيطرت الجمهوريين على الحكم عام 1970 بعد مصالحة تاريخية أعقبت حرباً أهلية دامت سبع سنوات بين الإماميين والجمهوريين ، مع أن معظم الجمهوريين من أصول زيدية الأّ أنهم أرادوا الخلاص من الظلم الإمامي وبناء دولة حديثة متاثرين الى حد ما بقومية عبد الناصر الذي تبناهم ودعمهم ، بعد تلك المصالحة سيطر الجمهوريين على السلطة والدولة وبقي الصراع بين البقاء والإجتثاث المذهلةبي طويلاً ،صراعاً خفياً بين تيار الشافعية لإجتثاث وتضعيف الزيدية وهو الهدف الرئيسي الذي سعى تيار الإخوان المسلمين لتحقيقه طيلة عقود ما بعد ثورة سبتمبر تحت مبررات حماية مكتسبات الثورة من الزيود والإماميين والحيلولة دون عودتهم للسلطة ، هذه الأحداث أفرزات بعد عقود من الزمن شراكة قوية بين الدين ( الأخوان المسلمين وقبيلة الأحمر ) والعسكر ، عبدالمجيد الزنداني وعبدالله بن حسين الأحمر من سلطة الدين وعلي عبدالله صالح من سلطة العسكر ، فمن جهة تحكم صالح مدعوما بالعسكر بالسياسات والتامين السياسي والجغرافي فيما قام الزنداني مدعوما بتنظيم الإخوان والقبيلة بتغيير المناهج ونشر الفكر السني وتغيير التوجهات ومنع السربلة في الصلاة وقول آمين بصوت مرتفع بعد الإمام وفتح المعاهد الدينية والتجول في القرى والأرياف لنشر الشافعية على حساب الزيدية ، وهو أمر نجح وبقي سائدا تحت وطاة القوة الى ما قبل عقدين من الأن ، أسس الأخوان المسلمون في تلك الحقبة المناهج والمدارس والمعاهد العلمية والدينية بطريقة مذهبية إثنية تقدس المذهب الشافعي وتسيء للمذاهب والأقليات الأخرى ، المناهج والمدارس والمعاهد التي أسسها الأخوان المسلمين ساهمت بحد كبير في تهميش الفكر الزيدي بل وتجريمه وتهويلة الى حد تكفيره وتخوينه وتسميته مجوسي ، والمجوسيين يقصد بها في اليمن أحفاد بن القاسم الرسي الخارج وهي أسرة حكمت اليمن لقرن من الزمن ، أيضا إتجه الأسلام السياسي بقيادة الزنداني الى منع وتحريم بعض الطقوس الزيدية المتعارف عليها في المجتمع اليمني الشمالي مثل عيد الغدير ، واضعين في نفس الوقت الأسر الهاشمية خصوصاً التي كانت تحت رعاية حكم الأئمة تحت المراقبة والتهديد ، المناهج والمعاهد والمدارس عملت أيضا على نشر شعار وفكر الأخوان المسلمين وتعميمة ، شعار الله غايتنا والرسول قدوتنا ، مع فكر الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم الى أستاذية العالم وهو ما يعني الخلافة الإسلامية ، هذه الأصول العشرين من فكرهم صيغت من رسائل مؤسسهم الأول الأمام حسن البناء في القاهرة بمصر.

إشكالية الأسلاميين والماركسيين:

بعد أن إستتب الوضع السياسي في الشمال لأصحاب فكرة الأسلام السياسي نشأت خلافات بعد تحقيق الوحدة بين الشطرين الجنوبي والشمالي والمجلس الرئاسي بقيادة صالح ونائبه وعضوية الزنداني ، وهي شراكة بين العسكر والأخوان والإشتراكيين ، في العام 1994 أعلن علي سالم البيض إنفصال الجنوب اليمني أو دولة اليمن الشعبية الجنوبية عن الجمهورية العربية اليمنية معلناً الحرب بين الشطرين ، يومها كانت الشراكة بين العسكر والقبيلة والدين في الشمال قوية لترجيح الكفة ، الى جانب عسكر علي عبدالله صالح أعلن تنظيم الدين السياسي والقبيلة الشمالية النفير العام لمحاربة الماركسيين الخارجين عن الدين ، نفسيراً لقي تجاوباً شعبياً عظيماً في الوسط الشمالي والقبلي خصوصا بعد سنوات من الإعداد والتطييف الممنهج للمجتمع ، إستجاب المجتمع الشمالي للحرب مدعوماً بتأزر شعبي وتضامن عقائدي كبير ، إنتصر تحالف الدين والعسكر والقبيلة على نظام الإشتراكية في الجنوب اليمني وسيطروا على كل شيء سياسي وعسكري هناك ، ودخلوا الجغرافيا الجنوبية كالفاتحين ، من يومها تغير كل شيء في الجنوب وعدن ، سواء فيما يتعلق بالتعليم أو الفكر او السياسة.

إشكالية الجنوب بعد الحرب:

يقول الدكتور “حسن الكاف” في مقاله “عدن: صورة باهتة لمدينة فاضلة لم تعد موجودة”.

في أربعينيات القرن الفائت وخمسينياته، كانت مدينة عدن قبلة لكل القاصدين من مشارب وجنسيات مختلفة. كان سكان المدينة، “يتعايشون في ما بينهم في سلام ووئام لأنهم كانوا ينظرون إلى الآخر من باب التنوع والتعدُّدية والاختلاف والتعاون والتفاعل.

بعد الحرب بين الشطرين غرقت عدن بمساجدها وكنائسها ومعابدها، وتعايشها الديني والاجتماعي بين سكانها.

تغير الأمر تماماً، وأصبحت الصورة الباهتة التي آلت إليها المدينة في الوقت الحاضر، أكثر قساوة في ظل تنامي الكراهية والمناطقية على نحو لافت ومفزع. فضلاً عن ذلك، تعاني المدينة من تطرف ديني ومناطقي تغلغل في بنيتها الاجتماعية بشكل جلي.

بعد ذلك بسنوات كثيرة، بدأت ملامح ظهور جماعات دينية متطرفة وأخذت تنتشر بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 على نحو تصاعدي واضح، وتم تغيير المنهج التعليمي العلماني السائد في عدن، من قبل سلطة الدين (حزب الإصلاح الإخوان المسلمين) بفعل سيطرته على العملية التعليمية في الدولة الجديدة، وكانت تداعيات ذلك عاملاً لما ستبدو عليه المدينة من تشدد ديني لاحقاً: انتشر التطرف الديني في أوساط معظم شرائح المجتمع في عدن بعد أن كانت مثالاً للتعدد الديني.

لم تكن هوية عدن من قبل على هذا النحو من الحياة اللاغية لهويات الآخرين.

انتشار التطرف فيها حدث بالتزامن مع تغيير المناهج التعليمية وإختفاء دور العرض (السينما) والمسارح أيضاً، وتراجع ملحوظ في الاهتمام بالفن عموماً إلى حد التلاشي. حتى المتحف الوحيد في المدينة تم تهميشه وتعمد إهلاكه.

إشكالية عودة الزيدية السياسية:

في سياق ما يقوم به تحالف الدين السياسي (حزب الإصلاح الأخوان المسلمين ) والعسكر (علي صالح ) قاموا -منذ منتصف الثمانينات- برعاية الدعاة السلفيين في اليمن، فافتتحوا عدداً من المدارس والمعاهد الوهابية في المناطق الشمالية الزيدية، لخلق حالة مناعة تمنع وصول أفكار الحزب الاشتراكي في الجنوب، ولردع أي محاولة من النخب الزيدية في الشمال للسيطرة على الحكم. على سبيل المثال، قام أحد أهم أعلام الوهابية في اليمن وهو مقبل الوادعي، بتأسيس مدرسة “دار الحديث” في منطقة “دماج”، والتي تقع جنوب شرق صعدة، للترويج للمذهب الوهابي بعد عودته من السعودية، وذلك تحت رعاية حكومة صالح والإصلاح التي استبعدت الأئمة والدعاة الزيديين من المساجد خاصة في مناطق “حجة” و “ذمار”، ونتج عن ذلك اعتناق العديد من شباب المنطقة تلك المذهب الوهابي.

إلا أن صالح وبعد عقود طويلة من تحالفه مع الإصلاح خشي من نفوذهم المتزايد، فاستخدم لعبته التي اعتاد عليها في ضرب الفصائل بعضها ببعض، وسعى للحد من النفوذ الوهابي، من خلال دعم الحوثيين، حتى أنه سمح لحسين الحوثي بالترشح في انتخابات البرلمان عام 1993 كممثل للحزب الحاكم، لكن سياسات حسين المعارضة للحكومة بشراسة، وتّرت العلاقة بين الرجلين، لدرجة اندلاع الاقتتال المسلح.

بعد إندلاع الحرب المسلحة بين الحوثيين من جهة وتحالف صالح والإصلاح مجددا ، حرص إعلام صالح، مع إعلام حزب الإصلاح، على تصوير جماعة الحوثي باعتبارها جماعة إرهابية طائفية تهدد الوحدة الإسلامية، وبأنها تمثل “مخلب القط الإيراني الشيعي” في جنوب الجزيرة العربية، بالإضافة إلى سعيها لإقامة دولة ثيوقراطية شيعية رغبةً في إحياء الإمامة الزيدية.، كما حرصوا على توظيف الخطاب الديني لتحريض الأصوليين السنة، وأصدروا توجيهاتهم لخطباء المساجد ومعلمي المدارس ليُحذروا من خطر الحوثيين ومن مساعيهم لخلق فتنة طائفية تُفتت المجتمع اليمني، ووصفت الحركة بأنها مضادة للجمهورية، وتسعى لاستعادة الإمامة التي كانت قبل 1962.

إشكالية الغايات السياسية.
 
بعد بدء نشوب ملامح خلافات في علاقة التجمع اليمني للإصلاح بـ علي عبدالله صالح بعد خوف الأخير من توسع الاصلاح شعبيا وفكريا وسياسيا قام بإجراءات للحيلولة دون ذلك ، أغلق المعاهد العلمية التابعة للإصلاح ، في حركة فاجأت تجمع الاصلاح واغضبته سياسيا من صالح. قام الاصلاح بناءا عليها بفتح عشرات المدارس الأهلية بطريقة رسمية ظاهرها إستثماري وباطنها عقايدي سياسي في خطوة تعويضية لفقدانهم أهم قطاعات التنشئة التنظيمية للإصلاح ، هكذا ظل قيادات من حزب الإصلاح يتباهون أبن لا شيء يمنعهم من العمل السياسي المرتبط بالدين ، وهذا مما لا شك فيه يجسد كيفية أن المدارس التعليمية لا تفتك تتوقف عن الوسايل السياسية في صناعة الأجيال والقواعد الشعبية بل والحكومات والثورات.

صناعة التنظيمات السياسية:

دفعت وعورة التضاريس الجبلية السكان والإنغلاق المذهبي على الذات في صعدة نحو الاكتفاء الذاتي وإنشاء آليات تعليمية مستقلة عن سلطة الدولة أو سيطرتها، وغالباً ما تُوفر ندرة الموارد الاقتصادية أسباباً للتعاون وكذلك الصراع، وتساعد في خلق فرصة سانحة للمؤثرات الخارجية للتلاعب في الجهات الفاعلة في المنطقة من خلال توزيع السلع الاقتصادية والخدمات.

في الواقع، أدى الوضع الجيوسياسي لمحافظة صعدة إلى خلق حدود طبيعية للسكان وفصل بينهم وبين الدولة المركزية، وكانت نتيجة اكتفاء السكان ذاتياً وابتكارهم أساليبهم الخاصة للحفاظ على المحاصيل وإعالة أنفسهم؛ هي عدم وجود الحكومة في حساباتهم كنتيجة حتمية لغياب أي دور لها في حياتهم، وكان لقرب هذه المناطق من المملكة العربية السعودية دوراً في اعتمادها على تحويلات المغتربين التي استمرت حتى قبل عام 1990م، مما سمح للسكان بتطوير مبادرات اقتصادية محلية. أي أن عامل التضاريس في مناطق صعدة، بالإضافة لعدد من العوامل السياسية والاقتصادية، كانت مؤثرة في غياب التنمية الحقيقية والفعالة، وهذا لا يعطي النظام مبرراً لإهماله وضعف دوره من حيث بناء البنية التحتية، والاهتمام بالتعليم والأمن، وتوفير الرعاية الاجتماعية، إذ كان ذلك جزءاً من سياساته التي يتبعها لإدارة البلاد. ولم يقتصر فشل الدولة في مجال التنمية فقط، بل فشلت في بناء مجتمع متماسك بسبب سياساتها وسعيها الدائم لتقسيم المجتمع اليمني، ففي صعدة مثلاً، اتبعت الحكومة سياسة تهميش الزيديين خوفاً من أن يسعوا لاستعادة حكم الإمامة، مما جعلهم يستشعرون معنى أن يكونوا زيديين ودفعهم لتسييس المذهب.

ظلت صعدة لعقود منطوية على ذاتها ، لها منهجها في التعليم وهو الحقيقة احد نماذج الإعداد التنظيمي للأفراد ، حيث إعتمدوا على الزيدية بشكل عام وعلى ملازم حسين بدر الدين الحوثي بشكل خاص في أطار تنظيمي سًمي “الشباب المؤمن” أو ما أسماه بعض قيادات حوثيه إستعادة الزيدية الحقيقية في مواجهة مذاهب التطرف ، إستند الحوثيين لعقود من الزمن على التعليم في تشكيل تنظيم كبير إستطاعوا به إقامة ثورة إنتهت بإنتزاع السلطة في صنعاء من العام 2014 بالقوة.

لم يكن ذلك ليتحقق لو لم يظل التعليم في صعده منساقاً لتيارات مذهبية.

التعليم في زمن صالح:

المؤسسة التعليمية في عهد حكومة علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام بنيت في سياقات متعددة لخدمة الحزب الحاكم ، تم خلالها تسخير كل الأمور المتصلة بالتعليم لخدمة الحزب والسياسة ، وما يعزى لصالح أنه إبتعد عن محاولة مذهبة التعليم لكنه ترك ذلك لشركاؤه الإصلاحيين ، التعليم في عهد صالح إكتسب عدة خصائص أهمها التقاسم الإداري للمدارس بين حزبه وحزب الاصلاح خصوصا في سنوات الحكم الأخيره ، أيضا ما يعزى لصالح في سياق السيئات أنه ترك حابل التعليم على الغارب ، فالإصلاح أسس مدارسه الخاصه ومناهجه الخاصه وزيه الخاص ، كذلك السلفيون أسسوا مدارس الخاصة وزيهم الخاص كمدرسة أبن الوزير التي كان طلابها يدرسون فيها بالطريقة السنية الوهابية ، مرتدين ثوباً قصيرا ومنهجا مستوحى من تراث أبن تيمية المتشدد ، وهنا سأذكر بعض خصائص تميزت بها طريقة ومؤسسة صالح في تسييس وتطييف التعليم ، التطييف السياسي على حد سواء.

– إدماج العمليات الإنتخابية والتسويقية في المدارس والطلاب وإستخدام الطلاب للمهرجانات الإنتخابية والسياسية وإستغلال المنصة المدرسية للتحريض السياسي والتخويف المذاهبي من تيارات سياسية ومذهبية.

– إدماج الطلاب الصغار في العمليات السياسية عبر إلزام الطلاب على قطع بطائق إنتخابية وحزبية.

– إستخدام الوظيفة العامة في المؤسسة التعليمية في الإبتزاز السياسي عبر أجبار المعلمين والمدرسين على الإنتماء السياسي للحزب الحاكم ومن يعارض يعرض نفسه ووظيفته للتهديد.

– طريقة التوظيف المدرسي بنيت على أساس الولاء الحزبي في كثير من التسجيلات ، وعليه أصبح وكلاء المدارس ومدراءها ومدراء المكاتب والمناطق التعليمية أشخاصاً حزبيين لا تربويين.

خاتمة…

إن مسؤولية تطييف الحرب وتطييف الحياة اليمنية بشكل كامل، ومسؤولية انسحاب الناس إلى طوائفهم ومناطقهم وإثنياتهم أو حقدهم وطائفيتهم تجاه الأخرين، ومسؤولية تحويل القضية اليمنية إلى قضية نزاع أهلي وطائفي بأبعاد إقليمية ودولية، جميعها تعود لأساس واحد، هي المنظومة التعليمية المبنية على الطائفية والعنصرية والمناطقية ، كرة الثلج تدحرجت كثيراً وكثيراً عبر عقود حتى صارت خليطاً قاتلاً يتداخل فيه القتله مع الوطنيين مع الضحايا والمظلومين ، بل وجميعهم يتبادلون الأدوار فيه ولا تكف الدائرة عن التوسع والكرة عن التدحرج حتى أصبح التضخم على ما نحن فيه اليوم.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى