العرض في الرئيسةفضاء حر

“مواطن من اليمن”: ثورة ماتت بداخلي

يمنات

ماجد زايد

بداخلي ثورة..

وفي يداي دبتين ثقيلتين من الماء..

عائد بهما الى البيت وفي الطريق أفكر وأتحدث الى نفسي:

حتى متى سأظل هكذا أحمل الأثقال وأزاحم الطوابير وأنتظر النهاية ؟!

بداخلي ثورة ويدان مقيدتان..

أعود أدراجي لجلب المزيد من الماء..

وفي ذروة الزحام عند خزانات السبيل أعود للتفكير:

بداخلي ثورة على هذا المصير البائس ، الى متى سأظل هكذا أزاحم البؤساء المعدمين ؟!

الى متى سأظل أبحث عن الماء وأنقله على ظهري كل يوم ؟!

ينتهي مشوار الماء..
يغادر الجميع..
يعود الهدوء والسكون..
وفجأة يأتي المبشرون مسرعين وصارخين:
لقد جاء الغاز ، لقد جاء الغاز.. أسرعوا أسرعوا الزحام يشتد..
أهرع خائفاً كالمفجوع بلا حذاء .. ألهث مسرعاً بينما أفكر:
بداخلي ثورة على هذا الحال اللعين ، الى متى سأظل لاهثاً خائفاً على دبة الغاز ؟!
الى متى أجمع الحطب وأكسر الأخشاب وأحرق الاوراق وأستنشق الدخان عندما لا يأتي الغاز ؟!

لقد سئمت حقاً..
أصل متأخرً الى مكان التوزيع وهو ممتلئ بالنساء الخائفات ، يتوسلن للحصول على الغاز قبل الرجال..

يرفض الكثير منا ذلك..
دعونا نحصل على الغاز هيا..
يتزاحم الرجال ويتدافعون وتصرخ النساء وينال الجميع منا ما يستحقونه من العار والخسة..
أخيراً أحصل على الغاز ويتلاشى الخوف عني..

أحمل الدبة الهالكة على ظهري وأعود أدراجي.. متبخترٌ أسير في طريق البيت..
يالله ما أجمل شعور الإنتصار !!

تلاحقني عيون الجالسين والسائرين..
يتمنون حقاً أن يكونون في مكاني بينما أحمل الغاز العظيم على ظهري..
هذه المرة لم أتذكر الثورة ، لا وقت للتفكير بها بعد الحصول على الغاز !!

ينتهي اليوم وتذهب الغيوم ليأتي الغروب وينتشر الظلام..
الضوء خافت وبطارية بيتنا لم تخزن الكثير من الطاقة ، كان النهار بلا شمس وهذا المساء سيكون بلا ضوء..

ينطفئ هاتفي وينام الجميع وأبقى بمفردي أقضي اللحظات الطويلة في التفكير والحديث مع نفسي ، هذه المرة كالمجانين:

بداخلي ثورة وهذا الواقع المأزوم أقسى من الموت..
الى متى ؟!
الى متى سأبقى هكذا أكابر وأخاف على نفسي ؟! هل أنتحر ؟!
الإنتحار سيُنهي الحزن والمعاناة ..
هي بضعة ثواني لأكون في العدم..
هو أقصر الطرق للنجاة من قعر الجحيم..
الإنتحار عملاً أخلاقياً وشجاعة نادرة عندما ينتهي البؤس والمعاناة..
لا يمكن حدوث ذلك ، هو خيار الجبناء العاجزين ، عار عليك أن تقتل نفسك وبإمكانك قتلهم أبضاً..

عار عليك أيها الفقير أن تقتل نفسك والأثرياء يحيطون بك ، أخرج عليهم شاهراً سيفك وليحدث ما يحدث !! عش ثرياً أو مت وأنت تحاول أيها الغبي الساذج .. لا تتركهم في نعيمهم وأنت تحتضر في هذا الظلام ، أخرخ عليهم بسيفك وأسرق أموالهم وألعن أبناءهم وأن مت ستكون خالداً بطلاً.

ينفتح باب غرفتي..
هل هذا أنت ؟! مع من تتحدث ؟!
تسألني أمي..
لا أحد ، أنا أكلم نفسي..
تكلم نفسك !!
هل أصبحت مجتوناً ؟! الجنون يبدأ بالتعلم يا ابني ، حاول أن تنام بقي القليل ويأتي الصباح.
حسناًً سأفعل..
تغادر الغرفة..
أعود للتفكير مجدداً ، لا شيء أخر سوى الحديث في قعر الجحيم:
لا يمكن أن أعيش بلا أمل ، أذا إنتهى الأمل من قلبك لم تعد إنساناً..
أيّ أمل بقي في حياتي ؟!
أفكر ملياً..
لا شيء..
لقد أخذوا كل شيء منا وطردونا وبقية الرفاق فروا من هنا..
لم يبقى شيء صدقني..
بداخلي ثورة أيها القلب..
دعك من قلبك ..
ماذا عن العمل والوظيفة ؟! يجب أن لا تتوقف عن البحث عنها..
تدري ..!!

بإمكانك بيع الخضروات والفواكه في الطرقات.. هكذا صنع الكتيرون..
نعم أنها فكرة صائبة..
إياك أن تخجل..
دعك من التفكير بشهائدك وسنواتك الجامعية..
أنت اليوم أبن اليوم ، الحاضر يفرض عليك طريقان ، الموت والجنون أو طريق التنازل والعمل في الطرقات..

أيهما ستختار ؟!
سأختار طريق الحفاظ على ما تبقى من عقل لدي.. ساختار العمل..
ماذا عن ثورتك ؟! هل ستتنازل عنها وتبيع الخضار ؟!
نعم سأفعل ..
وثورتك عليك نسيانها ؟!
بداخلي ثورة وجميع من حولي خائنون وجبناء أو عاجزون بؤساء..
لم يبقى أحد من الاحرار..
نعم نعم سأبيع الفواكه في الصباح..

وفي المساء سأجلب الماء وأجمع الحطب وأكسر الخشب وأقاتل الطوابير وأزاحم على الخبز والدقيق وأنام في الليل واترك التفكير بالثورة كالمجانين..

نعم سأقاوم للبقاء في هذا الوطن الحزين وسأنسى خيالات الأحرار.

لم تعد بداخلي ثورة

بداخلي أسى الأحرار

وإنكسارات العاجزين

بداخلي تعاسة الزمان

وكبرياء الساقطين

بداخلي ثورة جائعة

تجمع الحطب

وتحرق الأوراق

وتسهر الليل في الظلام

بداخلي حزن عظيم

وطفل يئن

بداخلي خيالات الراحلين

وبضع ذرات من الحياة

بداخلي ثورة ماتت بداخلي.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى