فضاء حر

شركة موانئ دبي العالمية وحرب السيطرة

يمنات

مصطفى المغربي

هل جل ما تريده الإمارات أن تُبقى موانئها الخاصة في المقدمة ؟
وهل لهذا السبب تمارس الإمارات سياسة التخريب أو السيطرة وبمعنى آخر تعطيل موانئ الدول القريبة الآخرى ..؟

بالطبع لا…

فالإمارات تدير أكثر من ٧٠ ميناءً حول العالم، بعضهم من أنجح موانئ العالم، بعيدًا عن الموانئ العربية والأفريقية ، وهو ما يمنحها حصانةً من نوع خاص .

فأبو ظبي تستخدم حصانة المال كورقة ضغط لإسكات اي نظام لدولة معارضة لنهج الإمارات ، فإذا أرادت دولة أن تدعو الإمارات إلى الكف عن ملاحقة موانئ البحر العربي والبحر الأحمر والقرن الافريقي ، فيمكن للإمارات إسكاتها بكل سهولة وبغاية النعومة ..!!

أضف أن تلك الموانئ لم يقتصر استخدام الإمارات لها كموانئ ، فالإمارات تستخدمها كـ«قواعد عسكرية» تنطلق منها قواتها كما تفعل اليوم في حربها ضد اليمن، ولن تتورع عن فعل ذلك مع أي دولة أخرى ، ولو كانت الدولة صاحبة الميناء ، إذا دعت الحاجة الى ذلك .
 
وإذا أخذنا في الاعتبار أن معظم تلك الموانئ في دولٍ غير خاضعة للنفوذ السعودي ، فستكون الإمارات هى القوة الكبيرة والوحيدة ، مما يعني أن ولاء تلك الموانئ ليس مُقسمًا بين الإمارات وأي شريك آخر ، فالإمارات أذكى من أن تركن إلى سنوات العسل بينها وبين السعودية ، ولعل تلك الموانئ هي عدتها لهزيمة السعودية دوليًا وعسكريًا إذا اضطرت الظروفُ إلى قتال الأصدقاء.
 
ربما لهذا حرصت الإمارات على أن تستحوذ على شركة «بي أند أو» البريطانية ، الشركة التي تدير ٢٢ ميناءً أمريكيًا، منهم ستة موانئ أمريكية رئيسية ، وهي الصفقة التي خرج جورج بوش الرئيس الأمريكي آنذاك مدافعًا عنها ، ولعل ما رآه الأمريكيون من تأثير الإمارات على البلاد التي تحل عليها، هو ما جعل الكونجرس يقف لها بالمرصاد ، وانتفض الأمريكيون رافضين لها ، ورُفعت دعاوى قضائية في لندن، ونيويورك، ونيوجيرسي من أجل إيقاف تلك العملية ، الأمر الذي دفع بوش إلى الإعلان صراحةً أنّه لن يتردد عن استخدام حق النقض《الفيتو》 ضد أي تحرك من شأنه عرقلة الصفقة لكن باءت الصفقة بالفشل في النهاية
 
حتى إذا اقتصرت سيطرت الإمارات على دول القرن الأفريقي فقط ، فإنها بذلك ستصيطر وتتحكم في مضيق باب المندب ، مما يعني تحكمها منفردةً في ١٢% من التجارة العالمية .
 
إن المستقبل يتجه نحو نظرية توصف «بالحزام والطريق» التي أرساها الرئيس الصيني «شي جين ينغ» في ٢٠١٣م وهي طريق واحد يصل آسيا وأوروبا وأفريقيا شاركت فيه العديد من الدول وقاطعته أمريكا نهائيًا.
 
أمثلة :
١- أعلن الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» عن تعاون مصر مع هيئة «موانئ دبي العالمية». يشمل التعاون إدارة دبي لميناء العين السخنة. المفاجئ أن دبي تدير ميناء العين السخنة منذ ٢٠٠٨م . وتمتلك ٩٠% من أسهم الشركة المسئولة عن إدارته مقابل ٦٧٠ مليون دولار تُدفع للحكومة المصرية. وبعد مرور ٩ سنوات لم يشهد الميناء تحسنًا قط. بل على النقيض، انخفضت طاقته من ٥٧٠ ألف حاوية إلى ٥١٠ آلاف فقط كان التعاقد من البداية على أساس أن يرتفع العدد إلى ٢ مليون حاوية ، العقد الجديد يُسلّم قناة السويس خالصةً إلى منافسها الأساسيّ، مشاريع تنمية قناة السويس تهدف دائمًا إلى منافسة ميناء «جبل علي» الإماراتي.

هل تعلمون أن جميع السفن القادمة من الهند والصين تذهب إلى «جبل علي» لتحصل على خدمات الوقود وغيرها وبعدها تعود إلى قناة السويس ؟ السفن لا تذهب مباشرة للقناة، رغم أنّه الأقرب والأوفر. لكن حرصت الإمارات بشدة ألا توجد مثل هذه الخدمات في قناة السويس ، فكيف ستتولى دبي في ٢٠١٧م إنشاء مثل هذه الخدمات في قناة السويس الآن ..!! فميناء «جبل علي» يستوعب ٢٢.١ مليون حاوية ويعمل به ١٤٤ ألف موظف و يُدر ما يقارب الـ ٢٠ مليار دولار من خدمات السفن فحسب ،ويبدو أن الإمارات تعمل بجهدٍ حثيثٍ أنْ يكون هو الميناء الأول عالميًا، والوحيد أفريقيًا وعربيًا.
 
٢- فجأةً قامت حكومة السودان بحملة غريبة على عمال ميناء «بورسودان» ، وعلى مدار أربعة أشهر عانى الميناء إهمالًا متعمدًا ، هجرت السفنُ الميناء، وتتجه إلى جيبوتي بدلًا منه ، وإذا عُرف السبب بطل العجب ، فحكومة السودان ترغب بتسليم المنفذ البحري الوحيد للدولة إلى شركة «موانئ دبي العالمية» لمدة ٥٠ عامًا ، وما يُؤكد الترتيب المُسبق أن الإمارات اشترطت استلام الميناء خاليًا من العمالة السودانية، وخاليًا كذلك من الشركة الفلبينيّة التي تديره حاليًا، التي اقترحت حكومة السودان على الإمارات أن تديره مناصفةً معها ولكن الإمارات رفضت هذا العرض بالتأكيد، لكنّها لم تنس الميناء ، وفي ١٧ سبتمبر أيلول ٢٠١٧م اضطر الوفد الإماراتي إلى مغادرة الميناء مطرودًا. طردهم عمال الميناء، إذ اعتبروا وجودهم مُنذرًا بالشر وعلى النقيض “قطر” فردت ذراعيها للسودان، فأرتمي السودان فرحًا ، وخابت مساعي الإمارات للأبد ، حيث وقعت الحكومة السودانية مع قطر اتفاقًا لإنشاء أكبر ميناء للحاويات على البحر الأحمر ، وكان تحديًا جريئًا للإمارات، ولمولودها المُدلل ميناء «جبل علي» وهو ما تسبب في ألقطيعة الخليجية السعودية الاماراتية ضد قطر ،
 
٣- كيف تغادر السفن ميناء عدن الخَرب ، ولا تجد المناخ مستقرًا بعد في السودان ، وأقرب ما تلجأ إليه موانئ جيبوتي ..؟؟

لم يفت الإمارات هذا. ففي عام ٢٠٠٥م حصلت الامارات على امتياز إدارة ميناء جيبوتي الرئيسي لمدة ٥٠ عامًا ، ثم في ٢٠١٤م وبعد تدهور أوضاع الميناء فُسخ التعاقد من قبل حكومة جيبوتي وكانت حجة الحكومة أن موانئ دبي قدمت رشاوى لرئيس المنطقة الحرة لتفوز بحق الامتياز. وفي ٢٠١٦م رفضت محكمة لندن للتحكيم الدولي هذا الفصل ، وأُجبرت جيوتي على الخضوع لسيطرة الإمارات، ودفع تكاليف الدعوى ولكن وفي خضم عاصفة الحزم على اليمن تم طُرد جنود إماراتيون وسعوديون من قاعدة جيبوتية ، فبرزت إريتريا في المشهد، وسال عليها اللعاب الإماراتي. ، وقامت الإمارات باستئجار ميناء «عصب» لمدة ٣٠ عامًا.

وجاء مع الميناء كعرض إضافي المطار المجاور له بمدرج يبلغ طوله ٣٥٠٠ كيلو متر 《الميناء والمطار》 شكلا قاعدةً فعالةً للغاية في عملية «السهم الذهبي» للاستيلاء على الساحل اليمني الغربي منذ اواخر عام ٢٠١٥م ، وبضم إريتريا إلى القطيع، خضعت إثيوبيا كذلك فبعد استقلال إريتريا صارت إثيوبيا دولةً غير ساحلية متطفلة على موانئ إريتريا ..
 
إنه عصر الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المُتحدة والصين هذه المرة ، وبما تملكه الإمارات من موانئ أضحت حليفًا لا يُستهان به لمن تميل إليه إمارات اليوم ولا يخطب سوى ود الأقوياء ، فإمارات الغد يُخطب ودّها أساتذة العالم فطموح شركة موانئ دبي العالمية يتعدى التأثير في الأحداث إلى الرغبة في صناعتها ، وتبدو الإمارات راغبةً في الخروج من ضيق الخليج إلى سعة كوكب الأرض بأكمله لا يهم الثمن ، حتى لو كان دولتك ودولتي والقرن الافريقي برمته ..

زر الذهاب إلى الأعلى