أرشيف

وطأة التشدد تُجبر سناء على الانتحار

سناء عبد الرحمن قاسم، 16عاماً ، زفت عروساً إلى ابن خالها السيد قعموس في منطقة الحصابين في مديرية العدين، بعد أيام قليلة غادر الزوج قريته في غربة طويلة إلى المملكة العربية السعودية وبقيت سناء تعيش في كنف خالها (السيد قعموس) كما يلقبه أهل القرية، الذي يعرف عنه، بين أهالي المنطقة، أنه سلفي متشدد، فالبرغم من أن القرية معزولة لكنه يفرض على أهل بيته عزلة أخرى، مرت الأيام وأنجبت سناء طفلها الأول الذي أسمته وسام، مضت الأيام، انقضى عامان، ليحين موعد عودة حبيبها المغترب ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان أو يخطر على بال..

جرت محادثة بين السيد (قعموس) وأحد أصدقائه قرب باب منزل الأول، خرجت سناء خروجا مفاجئا غير مقصود إلى خارج الباب، وكانت مرتدية ثوباً طويلا بأكمام قصيرة يغطي نصف ذراعيها.. الخروج المفاجئ لسناء تحول إلى جحيم أسري، فبعد انتهاء المحادثة صب السيد قعموس بركاناً من الغضب على رأس سناء، زوجة ابنه وبنت شقيقته، أفرغ على رأسها شحنات الكلام الجارح وإيذاء جسديا دفعها للجوء إلى والدها، الملاذ الآمن لها، إلا أن الأخير وقع تحت تأثير محاولة التجريم هذه من قبل قعموس الذي استمال قلب أخته، أم سناء، التي ثارت هي الأخرى على ابنتها، حاولت سناء التوضيح لهم أنه اتهمها بالخروج استعراضاً من أجل إبداء زينتها لكنهم أجبروها على العودة مع السيد قعموس، وكانت تلك العودة المحطة الأخيرة من محطات الظلم والقهر.. عادت سناء مكسورة القلب والخاطر، حاملة على كتفها طفلها الرضيع وعلى الكتف الآخر كفنها.. عمها الخرف المتشدد أخذ يوجه لها الأوامر (أسرعي.. أمشي .. لا تتلفتي يمنة ويسرة، لا تتحدثي مع أي امرأة، كفانا فضائح..)، وأشيع أمر حنقها في القرية.

حاولت سناء أن تستجدي عطف عمها بعبارات حزينة.. أني بنتك يا عم.. حرام عليك، عندك بنات، خاف من الله .. إلا أن قسوة القلب حولت العم المسن إلى وحش كاسر، فصعد فوق سطح المنزل باحثاً عن ذبذبات طائرة من رصيد تلفونه ليستخدمها في حديث غاضب مع ابنه، زوج سناء المغترب، وباشره بالقول يمين إذا لم ترسل ورقة الطلاق .. حاول الولد التلكؤ، لكن (قعموس) حاصره وقال له الطلاق لا يكفي، وبعدها أخذ قعموس يتحدث من جانبه "خلاص غداً ستصل ورقة الطلاق".

وهنا تحت مرمى العنف الأسري والنفسي، ضاقت الخيارات وأغلقت أبواب الممكن وفتحت أبواب المستحيل لعديد خيارات في طريق البحث عن أقصر الطرق للخلاص..

قامت سناء بإرضاع طفلها وضمه بحنان والدموع تتساقط على وجنتيها .. إنها دموع الوداع، وبعد أن خلد الطفل إلى النوم قامت بربط حبال على خشب المنزل، لفتها على عنقها البريء وعيناها مشدودة صوب طفلها وسام، وهكذا قررت سناء نهاية مأساتها وما زالت القتيلة في ثلاجة المستشفى العام بإب. 

بعد رحيل سناء حكمت محكمة العدين الابتدائية على والد الزوج ووالدها بالسجن عام مع النفاذ..

وهكذا تنتهي قضية لا أساس لها بجناية أنتهك فيها حق حياة كثير من فتيات الريف .. إنه شبح العنف الأسري الذي يشيع رفضه وتتباين أشكاله وتتعدد أدواته ما بين حدة الكلام الجارح وقسوته المفرطة التي تجرح المشاعر.. هناك أكثر من 80 حالة شهرياً يتم استقبالها في المستشفيات الريفية ناتجة عن محاولة انتحار فتيات ريفيات بواسطة قنينة المبيد الزراعي السام أو بغيره بسبب هذا العنف الصامت الذي سببه الجهل والفقر..

أنتحرت سناء وعينيها مشدودة صوب طفلها وسام؟

بسبب الحكم الجائر الذي ليس له علاقة بالقرآن والسنة النبوية، لكن له علاقة بأهواء قعموس الذي لم يتورع في إصدار عقوبة الطلاق لزوجة ابنه، أم حفيده، لأنها خرجت دون حجاب خروجاً مفاجئا، وإن كان خطأً بنظرة الأنانية وقلة العقل فإنه في حدود الصواب يتم لفت النظر بالكلمة الطيبة، لو كان قعموس يقدر حياة سناء وحياة الطفل وسام الذي سيكبر محروماً من صدر أمه الحنون وقد انتحرت بسبب تعامل جده ..

 قضية سناء هي قضية كل بنات الريف اليمني، قضية فتيات متزوجات هاجر أزواجهن لطلب الرزق، وتركوا مصائرهن وأطفالهن بأيدي آبائهم يقررون الزواج والطلاق، ليصل الأمر في بعض الأوقات لأن يهدد الأب إبنه بطلاق أمه إذا لم يستجب لرغبة أبيه بطلاق زوجته.. آباء مثل هؤلاء يجب أن تصدر في حقهم عقوبة المقاطعة..

زر الذهاب إلى الأعلى