أرشيف

منصور راجح: علينا أن نصبر على الثورة

منصور راجح شاعرٌ وكاتب يمنى، من مواليد 1958م، وهو أشهر سجين رأى قبل الوحدة اليمنية وبعدها، أكمل دراسته الثانوية فى تعز، ورحل لسوريا لإكمال دراسته فى العلوم الزراعية، وهناك ترأس اتحاد طلاب اليمن، وقبل عودته لوطنه عام 1982 غادر من سوريا إلى بيروت ليدرس فى جامعتها بكلية التجارة والاقتصاد، وهناك انتخب سكرتيراً للمنظمات الطلابية العربية ببيروت.

كان عضواً نشيطاً فى الجبهة الوطنية الديمقراطية، والتقى بـ”أفراح غليون” التى أصبحت زوجته، وبعد يومين من زفافهما اعتقله الجهاز المركزى للأمن الوطنى اليمنى وظل ستة أشهر دون تهمة، وبعد إطلاق سراحه لفقت له تهمة قتل “شيخ” هو وأبيه وعمه، فحكم عليه بالإعدام و(15) عامًا لأبيه وعمه “صوريًا”، وتدخلت منظمة العفو الدولية للإفراج عنه فتم “شحنه” كما يصف إلى النرويج.

فى هذا الحوار يتحدث منصور راجح لـ”اليوم السابع” حول أسباب خلافه مع النظام اليمنى وسجنه ونفيه إلى النرويج، ورؤيته للثورات العربية.
حاوره – بلال رمضان

ما أسباب خلافك مع النظام اليمنى؟ بدايته وملابساته؟
الأمر يطول شرحه، وخلافى مع “النظام اليمنى”لم يكن شخصيًا، حيث كنت منخرطًا فى “حركة” وطنية ديمقراطية فى اليمن استهدفت نظام التسلط، وناضلت من أجل نظام سياسى جديد يبنى على أساس من المشاركة الشعبية فى الثروة وفى إدارة الدولة، وهذه “الحركة” دخلت فى صدام مع “السلطة” التى تكونت فى اليمن على إثر “انقلاب” 26 من سبتمبر 1962م، وبالتحديد على إثر المرحلة التى أعقبت ما يسمى بانقلاب 25 نوفمبر1967م، وهو الانقلاب الذى شكل واحدة من نتائج ما أصبح يُسمى بنكبة 5 من يونيو، وأنا لا اسميها حرب.

وأضاف: أسوء ما آلت إليه أوضاع اليمن هو تسلم على عبد الله صالح زمام السلطة، فنحن هنا إزاء شخص هو من حيث المبدأ أداة للقوى التى يمكن أن يُقال عنها بأنها “الأسوأ فى تاريخ اليمن”، ربما فى تاريخ أى بلد فى العالم، لقد نجح الرجل وعلى مدى ثلاثة وثلاثين عامًا فى انجاز المهمة الموكلة إليه والتى تمثلت فى (إبادة الحركة الوطنية الديمقراطية منذ تأسيسها فى اليمن، وحتى وصوله رئيسًا، تخريب “كيان” العملية التعليمية وأى عملية “تحرير” لليمن من “التخلف” تهدف إلى تحديثها وفق مقاييس العصر، نجح فى تصفية “الجيش” وحوله لمليشيات تحمى تسلطه البغيض بوصفه ممثلاً أو “شغالاً” لدى من يهمهم أمر اليمن باتجاه مصالحهم والتى لا تستوى بـ”إلغاءً لليمن”، نجح وإلى حد بعيد فى تفتيت اللحمة الاجتماعية والوطنية للشعب اليمنى على قاعدة “فرق تسد” الاحتلالية، بوصفه “احتلالاً” داخليًا.. إلخ.

لقد نجح “صالح” كثيرًا فى المهمة التى أوكلت إليه، بيّد أن أحدًا ما كان يتوقع أن ينجح فى بناء “نظام” للتسلط الفردى “البغيض” على ذلك النحو وذلك المستوى فوصل باليمن إلى أكثر بلدان العالم تخلفًا وفقرًا، بل وتمزقًا، وبات من نافلة القول بأن اليمن واحدة من “الدول الفاشلة” فى العالم، وهى بالفعل فاشلة، ولكنها من زاوية صالح “ناجحة جدًا”، لقد نجح فى أن يجعل من “الدولة” فى اليمن “شجرة عائلة” حسب محلل أجنبى لا يحضرنى اسمه الآن.

وماذا عن ظروف سجنك فى اليمن؟.. وكيفية المعاملة؟
السجن فى اليمن هو الجحيم بعينه فى ظل سلطة صالح، وبإمكانك أن تسأل حتى من سُجن لمدة يوم واحدة.. لا تسألنى عن المعاملة.. فالسجن فى ظل سلطة صالح هو امتهان وتعذيب فحسب حتى لو تعلق الأمر بقضية شخصية بسيطة.. أرجوك اسأل حتى لا تعتقد بأننى متحاملاً!.

بالنسبة لى كان الأمر ومنذُ اللحظة الأولى تحطيم ومحاولة إلى تحويلى إلى عبرة “لمن يعتبر”، اعتقلت أولاً “كمناضل” ضد التسلط بالكلمة وبأشكال النضال السلمى المدنى وبالأساليب السلمية والديمقراطية..الخ وقد كان ذلك ثالث يوم لزاوجى.. وأطلق سرحى بعد ستة أشهر، مع آخرين، على إثر ضغوط!..بعد ثمانية أيام بالضبط أعادوا اعتقالى على إثر قيامهم بقتل “شيخ” بقريتنا الطاعن فى السن ليعمدوا إلى تلفيق اتهام كيّدى لى حاكمونى على إثره، وبفعل محاكمة صورية بالإعدام وعلى كل من أبى وعمى بخمسة عشر سنة لكل منهما، لأسباب سياسية، محاكمة صورية زائفة هى إن لم تكن التعذيب عينه أقسى منه.

خمسة عشرة سنة من السجن هى خمسة عشرة سنة من التعذيب الجسدى والنفسى، على أثرها نقلونى مباشرة من السجن إلى المنفى “النرويج”.. إن أى حديث عن سنوات سجنى، عن المعاملة هناك سوف يكون حديثًا أكثر “تعذيبًا” للمستمع لو أنه إنسان…ليس لدى ما أقوله عن سنوات السجن التعذيب سوى أن سلطة “صالح” يجب أن تدفن فى مدافن العار من تاريخ وذاكرة الإنسان..أخاف أن أحكى عن سجنى فيكون حديثًا “تعذيبًا” للقارئ.

وكيف يقضى منصور راجح سنوات المنفى؟
فى المنفى أقضى حياتى أولاً فى تدبير أمور حياتى اليومية وهو أمر ليس بسيطاً أو هينًا، المنفى مُصمم إذا كان لمثلى بمقاييس أن ينشغل المنفى باحتياجاته اليومية، ولا تنسى لقد نُفيت بالطريقة التقليدية للنفى، تمامًا، لقد كان علىَّ أن أبدأ حياتى مما هو تحت الصفر تمامًا على مستوى التكوين المادى للإنسان، أى إنسان.

أنا كاتب وشاعر، أقرا وأكتب ما أستطيع إلى ذلك سبيلا، واعتبر نفسى مناضلاً – وما أزال – من أجل حياة أفضل للإنسان فى سبيل الشراكة “سياسيًا”، وفى مضمار عالم خالٍ من انتهاكات حقوق الإنسان. من أجل حرية التعبير والديمقراطية السياسية والاجتماعية..الخ. وفى هذا الإطار أتحدث وأكتب وأناقش..الخ، فاليمن لا تزال قضيتى، فهى الأرض والإنسان، يمن العدالة الاجتماعية والدولة الراعية لكل مواطنيها.

وكيف ترى الثورة اليمنية؟ وهل كنت تتوقعها؟ وكيف يمكن للثورة أن تحقق أهدافها؟ وهل لك من دور لدعم أشقائك وأبناء وطنك فى هذه الثورة؟
نعم كنت أتوقعها، لأنها محصلة لكفاح ونضال وتضحيات الملايين من أبناء شعبنا، وهى ضرورة عالمية بعد أن باتت سُلطات من قبيل “سلطة صالح” عار بنظر العالم.

ولكى تحقق الثورة أهدافها فهو أمر غير ممكن التحقق بدون أن تشارك الناس “جميعهم” مباشرةً أو عبر ممثليهم فى صياغة نظام حياتهم الجديد، نظام “الثورة” الذى يجب أن يعقب الثورة كفعل تاريخى بوصفه “النظام المنشود” والتاريخى أيضاً بوصفه نظامًا يختلف عما سبقه طابعًا وطبيعةً، يصعب الحديث عن تحقيق أهداف الثورة ما لم يكن بالقول أنه على الناس جميعهم أن يتعاملوا مع الثورة بوصف أهدافها برنامج حياتهم اليومى بعد انتصارها، هو حديث لا يكون إلا أولاً بأول، فاليقظة ضرورية.

وهل ترى أن الثورات العربية سوف تقف عند حدود ليبيا واليمن خاصة مع وصف الثورة السورية بالمؤامرة الخارجية؟
أتمنى، بل وأعمل من أجل ألا تتوقف إلا عند حدود تحقيق نظام “الشراكة” الشعبية فى الثروة وفى إدارة الدولة، الأمر صعب، معقد ويحتاج لوقت قد لا يكون قصيرًا بمقاييس الرؤى الفردية. يكفى أن نفكر بأن “القذافى” حكم منذ 1969م، و”صالح” منذ 1978م..إلخ، إن أخطر خطر على الثورة، أى ثورة، هو قصر النظر وضيق النفس. لقد صبر الناس كثيرًا على الدكتاتورية فليصبروا قليلاً على الثورة بأن يستمروا فيها، يجب ألا تتوقف الثورة حتى تؤتى أوكلها، لقد بدأت الثورة الآن.

المؤامرة بتاريخ الإنسان “السياسي” حاضرة، أكانت داخلية أو خارجية لكن نقيضها حاضرًا أيضاً أو أن هذا هو ما يجب، علمًا بأن الثورة – أى ثورة – يستحيل وصفها كنتيجة لمؤامرة لسبب بسيط هو أن للثورة أوصاف أخرى ومقاييس أخر، إنها ثورة.. المشكلة على الدوام فى “النظام” الذى تقوم ضده الثورة لا فى الثورة، على السلطات أن تبحث عن أشياء أخرى تبرر به نفسها وتبرر على الثورات ضدها وهو أمر متوفر بكثرة! إلا أن تكون الثورة مؤامرة.

ما تحليلك للثورة المصرية وانعكاساتها على العالم العربى؟ وما صداها فى النرويج؟
لمصر مكانة مركزية فى الوطن العربى كله، سلبًا أو إيجابًا، وتاريخها يشهد بذلك، وإذا غابت هذه المكانة عند القيادة المصرية غابت مصر، ولا يمكننا أن نقول إلا أن الثورة المصرية لا تزال قائمة فى مصر، وفى النرويج تعاطف شعبى ورسمى ملحوظ مع ثورة مصر وغيرها من الثورات، فى حين أن لأمريكا تأثير كبير أيضاً هنا.

اليوم السابع

زر الذهاب إلى الأعلى